الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد رخص ابن معين في السماع ممن يتلقن إذا كان يعرف حديثه ويعرف ما يدخل عليه، فإن لم يعرف ما يدخل عليه فانه كرهه.
وحاصل الأمر أن الناس ثلاثة أقسام:
حافظ متقن يحدث من حفظه، فهذا لا كلام فيه.
وحافظ نسي، فلقن حتى ذكر أو تذكر حديثه من كتاب، فرجع إليه حفظه الذي كان نسيه وهذا أيضا حكمه حكم الحافظ.
وكان شعبة أحيانا يتذكر حديثه من كتاب.
ومن لا يحفظ شيئا، وإنما يعتمد على مجرد التلقين، فهذا هو الذي منع أحمد ويحيى بن الأخذ عنه.
"
حكم التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه
"
واختلف العلماء أيضا في التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه، وهو ثقة:
فقال مالك: لا يؤخذ العلم عمن هذه الصفة صفته، لأني أخاف أن يزاد في كتبه بالليل.
وحكي أيضا عن أبي حنيفة رحمه الله:
وعلى قول هؤلاء فلا يجوز العرض على من لا يحفظ، وان أمسك الكتاب، كما لا يجوز له أن حدث من الكتاب ولا يحفظ، وأولى.
وهكذا اشترط عثمان بن أبي شيبة في العرض أن يكون العالم يعرف ما يقرأ عليه.
ورخص طائفة في التحديث من الكتاب لمن لا يحفظ، منهم: مروان بن محمد، وابن عيينة، وابن مهدي، ويحيى بن معين وغيرهم.
وهذا إذا كان الخط معروفا موثوقا به، والكتاب محفوظا عنده.
فإن غاب عنه كتابه ثم رجع إليه، فكان كثير منهم يتوقى الرواية منه خشية أن يكون غير فيه شيء. منهم ابن مهدي وابن المبارك والأنصاري.
ورخص فيه بعضهم، منهم: يحيى بن سعيد.
وقال أحمد في رجل يكون له السماع مع الرجل، أله أن يأخذ بعد سنين؟
قال: لا بأس به إذا عرف الخط.
قال أبو بكر الخطيب: إنما يجوز هذا إذا لم ير فيه أثر تغيير حادث من زيادة أو نقصان، أو تبديل وسكنت نفسه إلى سلامته.
قال: وعلى ذلك يحمل كلام يحيى بن سعيد.
قلت: وكذا إن كان له فهم ومعرفة بالحديث، وإن لم يحفظه.
وقد قال أبو زرعة: لما رد عليه كتابه، ورأى فيه تغييرا أنا أحفظ هذا، ولو لم أحفظه لم يكن يخفى علي.
وقد قال أحمد في الكتاب قد طال على الإنسان عهده، لا يعرف بعض حروفه فيخبره بعض أصحابه، ما ترى في ذاك؟ قال: إذا كان يعلم أنه كما في الكتاب فليس به بأس، نقله عنه ابن هانئ.
واختلفوا في المحدث الذي لا يحفظ إذا حدث من كتاب غيره.
فرخص طائفة فيه إذا وثق بالخط، منهم ابن جريج. وهو اختيار الإسماعيلي.
وقال أحمد: ينبغي للناس أن يتقوا هذا.
وكان يحيى بن سعيد يعيب قوما يفعلونه.
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله، قال: ما بالكوفة مثل هناد بن السري، وهو شيخهم، فقيل له: هو يحدث من كتاب وراقه.
فجعل يسترجع ثم قال: إن كان هكذا لم يكتب عن هناد شيء.
هذا كله إذا قرأ القارئ على العالم وليس معه أحد، فإن كان معه أحد يسمع معه:
فقالت طائفة: لا بد لمن يسمع معه أن ينظر في نسخته، وإلا فلا يصخ سماعه، منهم ابن وارة وغيره. وكذا قالوا في المحدث إذا قرأ عليهم من كتابه، ولم ينظروا فيه، ثم نسخوا من الكتاب من غير نظر ولا حفظ. وكذا إذا أملى المحدث، فكتب عنه بعضهم، ثم نسخ الباقون من كتابه من غير حفظ.
وذكر أحمد عن عبد الرزاق أن سفيان لما قدم اليمن جاؤوا بمن يكتب، وكانوا ينظرون في الكتاب فإذا فرغ ختموا الكتاب حتى ينسخوه.
وروى ابن عدي بإسناده عن معمر، قال:
اجتمعت أنا وشعبة والثوري وابن جريج، فقدم علينا شيخ فأملى علينا أربعة آلاف حديث من ظهر قلب. فإذا جن الليل ختمنا الكتاب، فوضعناه تحت رؤوسنا. وكان الكاتب شعبة، ونحن ننظر في الكتاب.
وذكر الخلال عن علي بن عبد الصمد المكي، قال: قلت لأحمد بن حنبل
ونحن في مجلس نسمع فيه الحديث، وأنا لا أنظر في النسخة: يا أبا عبد الله يجزيني أن لا أنظر في النسخة فأقول: (ثنا) مثل الصك إذا لم ينظر فيه ويشهد. قال لي:
لو نظرت في الكتاب كان أطيب لنفسك.
وذكر ابن معين عن ابن أبي ذئب أنه كان يقرأ عليهم كتابا ثم يلقيه إليهم فيكتبونه، ولم ينظروا في الكتاب.
وروي عن مالك ما يدل عليه.
ورخص في ذلك أكثر المتأخرين إذا كان صاحب الكتاب مأمونا في نفسه موثوقا بضبطه.
وروى أحمد بن حرب الموصلي، عن زيد بن أبي الزرقاء، (ثنا) سفيان الثوري في القوم يكونون جميعا، فيأتون الرجل ومعهم حديث من حديثه في كتاب، ويكون الكتاب مع بعضهم، وهو عندهم ثقة وهم أكثر (من) أن يستطيعوا أن ينظروا فيه جميعا، هل يدخل عليهم أن يصدقوا صاحبهم في مسائله؟.
قال: لا، إنما بمنزلة الشهادة.
خرجه الرامهرمزي، وحمله على أن مراد سفيان الرخصة في ذلك كما (يقرأ) الصك على المشهود عليه بالدين فيقربه فيشهد عليه من سمعه.
وكلام أحمد يدل على مثل ذلك أيضا إلا أنه استحب للسامع أن ينظر في الكتاب لتطيب نفسه.