المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: معرفة العلة - شرح علل الترمذي - جـ ١

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول: مقدمة شرح علل الترمذي للدكتور همام عبد الرحيم سعيد

- ‌الباب الأول شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي

- ‌الفصل الأول مقدمة في العلة وميدانها وأشهر علماء العلل

- ‌المطلب الثاني العلة في اصطلاح المحدثين

- ‌المطلب الثاني أهميته واتساعه

- ‌المطلب الثالث أشهر علماء هذا الفن

- ‌الفصل الثاني في التعريف بأصل كتاب شرح علل الترمذي ومنهج ابن رجب فيه وأشهر

- ‌المبحث الأول التعريف بأصل الكتاب وصاحبه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول التعريف بكتاب العلل الصغير

- ‌المطلب الثاني التعريف بالإمام الترمذي (209 - 279ه

- ‌المبحث الثاني نظرة في مناهج كتب العلل المتقدمة

- ‌المبحث الثالث منهج ابن رجب في شرح علل الترمذي

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول "شرح علل الترمذي

- ‌المطلب الثاني القواعد والفوائد

- ‌المطلب الثالث ملاحظات عامة على منهج ابن رجب في الكتاب

- ‌المبحث الرابع دراسة أشهر مصادر ابن رجب في العلل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول العلل، لعلي بن المديني

- ‌المطلب الثاني التاريخ والعلل، ليحيى بن معين

- ‌علل أحاديث من التاريخ والعلل:

- ‌الجرح والتعديل في التاريخ والعلل:

- ‌اختلاف الأقوال في الجرح والتعديل عند يحيى:

- ‌المطلب الثالث علل الإمام أحمد بن حنبل

- ‌المطلب الرابع علل الترمذي الكبير

- ‌المطلب الخامس علل الحديث: لعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327ه

- ‌المطلب السادس العلل الواردة في الأحاديث النبوية

- ‌الفصل الثالث دراسة حول علم العلل من خلال كتاب ابن رجب "شرح علل الترمذي

- ‌المبحث الأول في أسباب العلة من خلال كتاب ابن رجب

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الثاني معرفة العلل والكشف عنها من خلال كتاب ابن رجب

- ‌المطلب الأول: معرفة العلة

- ‌المطلب الثاني وسائل الكشف عن العلة

- ‌المبحث الثالث في أنواع العلل من خلال كتاب ابن رجب

- ‌المطلب الأول علل الإسناد

- ‌إبطال السماع الصريح أو نفي السماع المتوهم بالعنعنة

- ‌ثانيا - علة موضوعها:

- ‌‌‌ قاعدة

- ‌ قاعدة

- ‌ثالثا - علة موضوعها:

- ‌رابعا - علة موضوعها:

- ‌خامسا - علة موضوعها:

- ‌قاعدة:

- ‌المطلب الثاني العلة في متن الحديث

- ‌قاعدة: في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه

- ‌المبحث الرابع الأشباه في العلل

- ‌تمهيد:

- ‌(قاعدة مهمة) :

- ‌الفصل الرابع دراسة لمباحث في مصطلح الحديث من كتاب شرح علل الترمذي

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول في المرسل عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌المبحث الثاني في العنعنة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌دخول الوهم على الصيغ الصريحة يجعل التفتيش عن السماع في غير الصريحة أولى:

- ‌خلاصة رد ابن رجب على الإمام مسلم:

- ‌كلام ابن رجب في رده على مسلم:

- ‌كلام ابن رجب على الأسانيد التي وصفها والإمام مسلم بالصحة ولم يثبت اللقاء فيها:

- ‌المبحث الثالث في زيادة الثقة عند ابن رجب مقارنا بآراء غيره من العلماء

- ‌الباب الثاني: ترجمة ابن رجب عصره - حياته - جهوده في الحديث

- ‌الفصل الأول عصر ابن رجب

- ‌تمهيد:

- ‌تمهيد

- ‌(أ) الحالة السياسية

- ‌(ب) الحالة الاجتماعية

- ‌(ج) الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب وشيوخه وتلاميذه وآثاره

- ‌المبحث الأول حياة ابن رجب

- ‌1 - اسمه ونسبه ولقبه وكنيته

- ‌ 2 - مولده

- ‌ 3 - أسرة ابن رجب

- ‌ 4 - نشأته ورحلته

- ‌ 5 - وفاته

- ‌ 6 - عقيدة ابن رجب

- ‌ 7 - تأثر ابن رجب بابن تيمية وبابن القيم ومخالفته لهما في بعض المسائل

- ‌ 8 - أخلاقه

- ‌ 9 - ثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الثاني شيوخ ابن رجب الحنبلي

- ‌المطلب الأول شيوخ ابن رجب

- ‌المطلب الثاني ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب

- ‌المبحث الثالث تلاميذه وآثاره

- ‌المطلب الأول: تلاميذ ابن رجب

- ‌المطلب الثاني التعريف بأشهر تلاميذ ابن رجب

- ‌المطلب الثالث آثاره العلمية

- ‌الفصل الثالث جهود ابن رجب في الحديث رواية ودراية

- ‌تمهيد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الرواية عند ابن رجب

- ‌المبحث الثاني دراية ابن رجب في الحديث

- ‌المطلب الأول شرح الترمذي لابن رجب

- ‌باب ما جاء في كراهة خاتم الذهب

- ‌طريق آخر:

- ‌‌‌طريق آخر:

- ‌طريق آخر:

- ‌‌‌‌‌‌‌طريق آخر:

- ‌‌‌‌‌طريق آخر:

- ‌‌‌طريق آخر:

- ‌طريق آخر:

- ‌المطلب الثاني شرح البخاري المسمى "فتح الباري" لابن رجب

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌منهج ابن رجب في كتابه فتح الباري:

- ‌المطلب الثالث جامع العلوم والحكم

- ‌المطلب الرابع رسائل ابن رجب التي تضمنت شرح حديث واحد

- ‌الخاتمة في نتائج البحث

- ‌القسم الثاني التحقيق

- ‌وصف لنسخ كتاب "شرح علل الترمذي المخطوطة

- ‌رموز واصطلاحات التحقيق

- ‌الباب الأول" "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم وبع ثقتي وعليه توكلي

- ‌كتاب العلل

- ‌أسانيد أقوال الفقهاء عند الترمذي

- ‌كتاب العلل والرجال

- ‌أهمية علم العلل

- ‌كتاب الحديث والتصنيف فيه

- ‌أبو عيسى أول من تكلم على الصحيح والضعيف في جامعه، وأول من علل الأبواب

- ‌موقف الإمام أحمد من ذكر كلام الفقهاء مع الحديث، ورأي ابن رجب في ذلك

- ‌تدوين الكلام في العلل والتواريخ وأهميته

- ‌وجوب الكلام في الجرح والتعديل

- ‌الكلام في معبد الجهني

- ‌الكلام في طلق بن حبيب

- ‌الكلام في الحارث الأعور

- ‌ابن سيرين أول من انتقد الرجال وفتش عن الإسناد

- ‌بدء السؤال عن الإسناد

- ‌الرواية عن أهل الأهواء والبدع

- ‌من منع مطلقا

- ‌ومن قبل حديثهم

- ‌من فرق بين الداعية وغيره

- ‌حجة المانعين مطلقا

- ‌الرأي المختار

- ‌الإسناد وأهميته

- ‌جواز الرواية عن الضعفاء في الرقائق وضابط ذلك

- ‌المسألة الأولى: "رواية الثقة عن رجل هل ترفع جهالته ومتى ترتفع الجهالة

- ‌من روى عنه واحد ولكنه معروف

- ‌رأى ابن عبد البر فيما يرفع الجهالة

- ‌المسألة الثانية: الرواية عن الضعفاء أهل التهمة بالكذب (والغلط) والغفلة وكثرة الخطأ

- ‌التفريق بين الكتابة عن الضعفاء والرواية عنهم

- ‌المسألة الثالثة

- ‌أبان بن أبي عياش

- ‌أبو مقاتل السمرقندي

- ‌أهل الصدق غير الحفاظ

- ‌أقسام الرواة

- ‌رأي الجمهور جواز الرواية عن هؤلاء

- ‌من لا يحتج بحديث غير الحفاظ المتقنين

- ‌رأي ابن مهدي يوافق رأي الجمهور

- ‌محمد بن عمرو بن علقمة

- ‌عبد الرحمن بن حرملة

- ‌شريك بن عبد الله النخعي

- ‌أبو بكر بن عياش

- ‌الربيع بن صبيح ومبارك بن فضالة

- ‌محمد بن عجلان

- ‌محمد بن إسحاق بن يسار

- ‌حماد بن سلمة

- ‌ ابن أبي ليلى

- ‌مجاهد بن سعيد الهمذاني

- ‌عبد الله بن لهيعة

- ‌الرواية باللفظ والمعنى

- ‌أمثلة لرواية بالمعنى أحالت الحديث عن أصلة

- ‌جواز الرواية بالمعنى وأدلة ذلك من قال به

- ‌اتباع اللفظ ومن قال به

- ‌رأي في جواز النقص دون الزيادة

- ‌رأى ابن حبان اتباع اللفظ لمن ليس بفقيه

- ‌اعتراض على ابن حبان

- ‌الحفاظ المتقنون

- ‌أقسام الرواة

- ‌أخطاء الحفاظ

- ‌تراجم أعيان الحفاظ

- ‌15 - عبد الرحمن بن مهدي، ت 198

- ‌16 - وكيع بن الجراح مليح، ت 196

- ‌الأعلام الذين لم يترجم لهم الترمذي

- ‌17 - عبد الله بن المبارك

- ‌18 - الإمام أحمد بن حنبل، ت 241

- ‌19 - علي بن المديني، ت234

- ‌20 - يحيى بن معين، ت 233

- ‌21 - أبو زرعة، ت 264

- ‌22 - محمد بن إسماعيل البخاري

- ‌23 - عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255

- ‌صيغ الأداء

- ‌أنواع التحمل

- ‌المسألة الأولى: مسألة العرض

- ‌من روى عنه الرخصة في العرض من التابعين

- ‌من كره العرض

- ‌الرواية عن الضرير والأمي إذا لم يحفظا

- ‌حكم التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه

- ‌المسألة الثانية: فيما يقول من عرض الحديث إذا حدث به

- ‌التفريق بين حدثني وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا

- ‌المسألة الثالثة: الرواية بالمناوبة

- ‌قبول حديث أبي اليمان وتخريجه

- ‌المناولة بالكتابة

- ‌الشهادة على الكتاب المختوم

- ‌من فرق بين الرواية والشهادة

- ‌العمل بالوصية المختومة وعمل القاضي بكتاب القاضي

- ‌المسألة الرابعة: الرواية بالإجازة من غير مناولة

- ‌المرسل

- ‌الكلام ههنا في حكم الحديث المرسل

- ‌مرسل الزهري ومنزلته

- ‌مراسيل الحسن

- ‌القول الثاني في المسألة: الاحتجاج بالمرسل

- ‌مضمون كلام الشافعي

- ‌1" في نفس المرسل، وهي ثلاثة:

- ‌وأما مراسيل ابن المسيب

الفصل: ‌المطلب الأول: معرفة العلة

‌المبحث الثاني معرفة العلل والكشف عنها من خلال كتاب ابن رجب

وفيه مطلبان:

‌المطلب الأول: معرفة العلة

.

المطلب الثاني: وسائل الكشف عن العلة. ***

المطلب الأول معرفة العلة

ذكر ابن رجب في شرح علل الترمذي أن مجال العلة - في الأغلب والأكثر - حديث الثقات، وذلك لأن رواية الثقة للحديث تكسبه في الأصل صفة الصحة الظاهرة، والسلامة التي تجعله مقبولا محتجا به، ولكن ليس عجيبا أن يفاجئنا رجل العلل بما لديه من الوسائل العلمية والمعرفة الحديثية بكشف ما يقدح في هذه السلامة الظاهرة، وإذا بالحديث بعد الصحة معلولا، وبعد القبول والاحتجاج به شاذا لا يستند عليه ولا يحتج به. وإذا كان الأمر كذلك، فهل لنا أن نتعرف على وسائل النقاد وجوانب معرفتهم الحديثية التي مكنتهم من ارتياد هذا المجال؟

وقبل الشروع في الكلام عن وسائل الناقد رجل العلل في كشف العلة وتبينها، لا بد من عقد مناقشة لما شاع على ألسنة كبار النقاد أثناء وصفهم لهذا العلم بأنه أقرب إلى الكهانة والعرافة لغموض أسبابه وخفاء طرائقه، وكأنه معرفة

ص: 121

نفسية أو وجدانية أكثر منه معرفة عقلية علمية، وفي هذا يقول إمام من أئمة هذا الفن، وهو عبد الرحمن بن مهدي:"معرفة الحديث الهام، فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة".

ونقل عن أبي حاتم ما يشبه هذا، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي رحمه الله يقول: جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه علي، فقلت في بعضها هذا حديث خطأ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وقلت في بعضه: هذا حديث منكر، وقلت في بعضه: هذا حديث كذب، وسائر ذلك أحاديث صحاح، فقال لي: من أين علمت أن هذا خطأ، وهذا باطل، وأن هذا كذب؟ أخبرك راوي هذا الكتاب بأني غلطت وأني كذبت في هذا حديث كذا؟

فقلت: لا، ما أدري هذا الجزء من رواية من هو؟ غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأن هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدعى الغيب؟ قال: قلت: ما هذا ادعاء الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلت: سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم. قال: من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب، فأخذ فكتب في كاغذ ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إلي وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فما قلت: إنه باطل، قال أبو زرعة: إنه كذب، قلت: والكذب والباطل واحد، وما قلت إنه كذب، قال أبو زرعة باطل، وما قلت: إنه منكر، قال: هو منكر، وما قلت: إنه صحاح، قال أبو زرعة: هو صحاح، فقال: ما أعجب هذا، تتفقان في غير مواطأة فيما بينكما، فقلت: إنا لم نجازف وإنما قلنا بعلم ومعرفة قد أوتينا. والدليل على صحة ما نقوله: بأن دينارا نبهرجا يحمل إلى الناقد فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هذا جيد فإن قيل له: من أين قلت: إن هذا نبهرج؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قال:

ص: 122

لا، فإن قيل له: فأخبرك الرجل الذي بهرجه: إني بهرجت هذا الدينار؟ قال: لا، قيل: فمن أين قلت: إن هذا نبهرج؟ قال: علما رزقت. كذلك نحن رزقنا معرفة ذلك".

وقد فهم السخاوي من كلام العلماء حول التعليل أنه أمر يهجم على القلب أو هيئة نفسانية لا تدفع، فهو يقول:"والتعليل أمر يهجم على قلوب هؤلاء لا يمكنهم رده وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث، كابن خزيمة والإسماعيلي والبيهقي وابن عبد البر لا ينكر عليهم، بل يشاركهم ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه والأصولي العاري عن الحديث بالأدلة".

وأرى أن كلام السخاوي هذا - في جعل معرفة العلة هيئة نفسانية وخواطر وجدانية - لا يستفاد من مجموع كلام النقاد، ولا يشهد له هذا العلم، بل يشهد عليه، وهو مرفوض بمنطق مئات الأمثلة والشواهد التي احتوتها هذه الرسالة.

ولابن رجب في شرح العلل عبارة تنقض قوله: قال: "وقد قال أبو عبد الله بن منذة الحافظ: إنما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفر يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث، فإما سائر من يدعي كثرة كتابه الحديث، أو متفقهه في علم الشافعي وأبي حنيفة، أو متبع لكلام الحارث المحاسبي، والجنيد، وذي النون، وأهل الخواطر فليس لهم أن يتكلموا في شيء من علم الحديث إلا من أخذه عن أهله، وأهل المعرفة به، فحينئذ يتكلم بمعرفته".

أما كلام النقاد - كابن مهدي وأبي زرعة - فإنه يحمل على أن من يجهل هذا العلم لا يمكنه الإحاطة بطرائقه ومعارفه وعناصره، وعرض الدليل

ص: 123

والبرهان يلزم منه وجود من يدركهما لأنهما ثمرة هذه المعارف المتنوعة الشاملة وغير ذوي الاختصاص يكفيهم الحكم المتضمن صحة أو ضعفا أو بطلانا. فإن حرصوا على المزيد فعليهم أن يسلكوا مسلك النقاد في إعداد الرصيد الكافي، فهذا أبو زرعة يقول:"نظرت في نحو من ثمانين ألف حديث من حديث ابن وهب بمصر ما أعلم أني رأيت له حديثا لا أصل له. وعلى القارئ أن يقدر الرصيد الذي يحتفظ به أبو زرعة خلف هذه الكلمات، فقد حفظ لرجل واحد هذا العدد ثم عرض هذا العدد على الأصول، ثم أصدر حكمه بقوله: "ما أعلم أني رأيت له حديثا لا أصل له". ومن لا يحيط بهذا العلم قد يشك في الخبر، فإذا ثبتت له صحته فإنه يقول متى حفظها؟ وكيف عرفها؟ وعلام عرضها؟ وهل عرض كل حديث عند ابن وهب على مئات مثل هذا الحديث عند غيره؟ وأسئلة غير هذه تلح على معرفة الدليل والحجة، ولكن ذلك بعيد المنال على من لا يعرف هذا الفن.

هذا الذي يحمل عليه كلام النقاد عندما يمتنعون عن الاحتجاج لقولهم ويظهر هذا جليا في قول أبي حاتم في بداية قصته التي أوردتها وفيها: "جاءني رجل من أهل الرأي" واهتمامات رجل الرأي غيرها عند رجل العلل الناقد، فإذا كان رجل الرأي لا يدرك الحجة في العلة، فإنه لا يعني خلوها من الحجة والدليل:

ولقد عبر ابن مهدي عن هذا المعنى تعبيرا دقيقا عندما قال: "إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة" وهو ما أبرزه ابن كثير أثناء تعريفه للعلل بقوله: وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل".

ص: 124

وعلى هذا يمكن تخريج كلام النقاد، إذ أن كل علم هو كالعرافة والسحر بالنسبة لمن يجهله، وكلام أبي حاتم وهو يشبه معرفة الناقد للعلة بمعرفة الصائغ للدرهم الزائف من الجيد إنما يعني به أن الحديث صناعة وفن كالصياغة التي هي صناعة وفن، ولكل منها مبادئه وطرائقه وقوانينه..

وإلى جانب ما سبق، أقول: إن كتب العلل في أكثر ما أسئلة وأجوبة، وهذه الأجوبة في معظمها يحمل الحجة والدليل، ولا غرابة في هذا إذا عرفنا أن السائل هو من أهل هذا الفن والمختصين به، فالترمذي يسأل البخاري، وعبد الله بن أحمد يسأل أباه وابن أبي حاتم يسأل أباه وأبا زرعة، والبرذعي يسأل أبا زرعة، والبرقاني والسهمي يسألان الدارقطني، وهكذا. وفي مباحث أنواع العلل وأسبابها أمثلة كثيرة فيها بيان كاف للعلة ونوعها وسببها والدليل عليها.

وبعد كل هذا فإننا نخرج بنتيجة هي أن الناس أمام هذا العلم عالم خبير به، أو جاهل منكر له. وأكبر دليل على منهجية هذا العلم وحدة منطقه، الذي يظهر باتفاق النقاد عليه، كما رأينا في إحالة أبي حاتم على أبي زرعة، ثم تشابه قوليهما في كل مسألة، فعلم العلل علم قائم على أصول وطرائق متداولة بين أصحابه، وقد ترتقي هذه الأصول والطرائق بلغتها حتى لا يعود من السهل كشف غموضها عن غير أهلها.

ويضاف إلى كل ما سبق، أن منهج علماء الحديث هو جزء من المنهج الإسلامي العام القائم على (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) والمنهج الإسلامي هو أول منهج أخرج الإنسان من سلطان الطلاسم والفيوض الوجدانية، وحرره من تحكم الأهواء والأوهام والخواطر.

وإن كنت قد أطلت في مناقشة هذه القضية، فلخطورتها وأهميتها حتى إنها تقف أمام كل باحث في العلل لتشعره باستحالة البحث والوصول إلى نتائج جديدة.

ص: 125

وأما كلام العلماء عن مبادئ هذا العلم وظهور حجته عند أهله فكثير، يقول الحاكم أبو عبد الله:"والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير". فالعلة عند الحاكم لا تدعى إلا بالحجة، ولكنها حجة الحافظ الفهم العارف يدركها الحافظ الفهم العارف، ولاحظ قوله:"عندنا" وكأنها تختلف في نظر غيره، ولاحظ قوله:"لا غير".

وقال في موضع آخر من كتابه: "وليس لهذا العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة، ليظهر ما يخفى من علة الحديث". وفي هذه العبارة يؤكد الحاكم دور الفهم والمعرفة لما فيهما من المعاني الزائدة على العلم، قال تعالى:(ففهمناها سليمان) .

وابن رجب يؤكد في كتابه أن هذا العلم معرفة وممارسة، ومذاكرة، فيقول:"والوجه الثاني في معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع، ونحو ذلك، وهذا الذي يحصل من معرفته، وإتقانه، وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علم العلل، ونحن نذكر - إن شاء الله تعالى - من هذا العلم كلمات جامعة مختصرة يسهل بها معرفته وفهمه، لمن أراد الله - تعالى - به ذلك، ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكر به، فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين كيحيى القطان، ومن تلقى عنه كأحمد وابن المديني، فمن رزق مطالعة ذلك وفهمه وفقهت نفسه فيه وصارت له فيه قوة نفس وملكة، صلح له أن يتكلم فيه".

ومن كل هذا نستفيد أن الكشف عن العلة يحتاج إلى علم غزير بالأسانيد والطرق وأساليب التعبير، كما يحتاج إلى مزيد فهم ومعرفة وحدة ذكاء وسرعة

ص: 126