المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جهله بأن الدعاء هو العبادة - البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار

[فوزان السابق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌إظهار ما في صدر خطبة الملحد العظمى من جهل وتناقض

- ‌تحريف الملحد لكلام الله وتصرفه فيه

- ‌أفاضل علماء مصر والهند والعراق الذين ردوا على دحلان والنبهاني

- ‌الرد على الملحد في زعمه أن الاجتهاد بدعة

- ‌قول الإمام ابن القيم في الحض على الاجتهاد

- ‌قول الإمام الشاطبي في مختصر تنقيح الفصول: إن الاجتهاد فرض كفاية

- ‌قول الجلال السيوطي في كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض

- ‌فصول من كتاب السيوطي في نصوص المحققين في الاجتهاد

- ‌نقض زعم الملحد أنه متفق مع أهل السنة على مذهب السلف

- ‌إننا والحمد لله على مذهب السلف لم نخرج عنه

- ‌أدلة من كلامه في رسالته: أنه عدو للحديث ولمذهب السلف

- ‌بيان مذهب السلف، ومن هم السلف

- ‌جمل من رسالة الملحد في محاربته لمذهب السلف

- ‌افتراؤه الكذب: أن التوسل بالموتى في القرآن والحديث

- ‌كذبه على الأئمة الأربعة بأنهم دعوا الناس إلى تقليدهم

- ‌نقل ابن القيم عن الأئمة النهي عن التقليد

- ‌تكفير الملحد لعلماء السلف

- ‌أقوال ثقات المؤرخين في صحة عقيدة الوهابيين

- ‌كلام العلامة المصري محمود فهمي

- ‌كلام العلامة محمد بن علي الشوكاني في مدح الإمام عبد العزيز بن سعود

- ‌قصيدة العلامة محمد بن الأمير الصنعاني في مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌كلام الشيخ عبد الكريم الهندي في مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌نقض ما زعمه الملحد من طغيان الوهابيين وبغيهم بالحجاز

- ‌كلام المؤرخ المصري في أن الوهابيين طهروا الحجاز من الشرك والفساد

- ‌كلام الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في تطهير الوهابيين الحجاز من الشرك والفساد

- ‌حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى والي مكة الشريف أحمد بن سعيد

- ‌كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى علماء مكة

- ‌المناظرات التي كانت بين علماء نجد وعلماء مكة

- ‌سرور الملحد من ظهور أهل الباطل على أهل الحق والتوحيد

- ‌ثناء الملحد على دحلان لاتفاق روحيهما الخبيثتين

- ‌تزوير الملحد ل‌‌تاريخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌تاريخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌فصل - استطراد في سيرة الشيخ محمد عبد الوهاب وبعض أقواله

- ‌طعن الملحد في آل سعود لنصرتهم للشيخ والرد عليه

- ‌طعنه في آل الشيخ والرد عليه

- ‌موقف سليمان بن عبد الوهاب من أخيه الشيخ محمد وكذب الملحد في روايته عنه

- ‌افتراءات الملحد لأصول الإسلام تماديا في الإنكار على الشيخ والرد عليه

- ‌أصل مذهب الوهابيين من القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام

- ‌افتراء الملحد عليهم في الصفات والرد عليه

- ‌الوهابيون لم ينبشوا القبور بل سووها اتباعا لسنة الرسول عليه السلام

- ‌قول الملحد ببطلان مذهب الوهابية لأنه كمذهب الصحابة والتابعين

- ‌ادعاؤه أن الوهابيين ينكرون الإجماع ودحض مفترياته

- ‌قول الملحد بعدم جواز تقليد الصحابة والتابعين والرد عليه

- ‌أقوال العلماء في وجوب اتباع الصحابة

- ‌الوهابيون متبعون لا مبتدعون

- ‌أقوال الأئمة والعلماء في النهي عن التقليد والحض على الاجتهاد

- ‌هل على العامي أن يتمذهب بمذهب معين؟ رأي الإمام ابن القيم في ذلك

- ‌افتراء الملحد على الوهابيين في الإجماع على القراءات

- ‌ادعاء الملحد بأن الإجماع عرف بعد عصر الأئمة الأربعة

- ‌زعمه أن الأمة كلها على السنة وتفنيد مفترياته

- ‌الفرق بين التقليد والاتباع

- ‌مناقشة المقلدين

- ‌التقليد قبول قول بلا حجة

- ‌أدلة جديدة على إبطال التقليد

- ‌المذهب: معناه دين مبدل

- ‌الواجب على كل مسلم: الاجتهاد في معرفة معاني القرآن والسنة

- ‌لم يقل أحد من أهل السنة: إن إجماع الأربعة حجة معصومة

- ‌افتراءات أخرى للملحد على الوهابيين ودحضها

- ‌كذبه على الفخر الرازي

- ‌كذبه على الوهابيين بأنهم قالوا إن الدين كان واحدا وجعله الأئمة أربعا

- ‌بيان جهل الملحد

- ‌ليس الأئمة سبب الاختلاف بل هو من غلاة المقلدين

- ‌عداوة الملحد لكتب الحديث وأهل الحديث

- ‌ نبذة من سيرة أئمة المذاهب

- ‌قول الملحد برفع الحرج عن الأمة بتعدد بتعدد الأهواء

- ‌في هذا القول طعن فيما كان عليه رسول الله وأصحابه

- ‌كذبه على شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌إنكاره بقاء الاجتهاد في الأمة

- ‌جهله بالأصول والقواعد والمصطلحات

- ‌ذكر جملة من العلماء المجتهدين

- ‌افتراؤه بوجود أولياء كانوا يتلقون الشريعة من ذات صاحبها عليه السلام بدون واسطة

- ‌اعتباره التلفيق أصلا في الشريعة

- ‌ادعاؤه أن الاختلاف هو عين الرحمة والرد عليه من الكتاب والسنة وكلام العلماء

- ‌كذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌افتراء الملحد على أئمة أهل الحديث والرد عليه

- ‌مبدأ جمع الحديث وتأليفه وانتشاره

- ‌ طبقات كتب الحديث

- ‌بين أئمة المذاهب وأئمة الحديث

- ‌ادعاء الملحد أن الأمة لم تجمع على صحيح البخاري

- ‌جهله بالأصول وطعنه في أحاديث الرسول

- ‌الملحد ليس على مذهب من المذاهب الأربعة

- ‌عقيدة الملحد في التوسل والرد عليها

- ‌افتراؤه بأن القرآن جاء بالتوسل بالرسل والأولياء

- ‌ادعاؤه بأنه لا يجوز تطبيق صفات الكافرين والمشركين على المسلمين ولو عملوا مثل أعمالهم واعتقدوا مثل عقائده

- ‌قوله بحياة الرسول في قبره والرد عليه

- ‌تناقضه بادعائه الاجتهاد الذي نفاه نفاه قبلا وتفسيره القرآن بهواه

- ‌أقوال العلماء في الحياة البرزخية

- ‌افتراء الملحد على الوهابيين أنهم أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌زعمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب استقلالا

- ‌عقيدته في الزيارة ودحض مفترياته

- ‌إقامة المواليد بدعة وضلالة

- ‌تحريف الملحد لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وصرفه عن معناه

- ‌نص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌حنقه على شيخ الإسلام لتحقيقه توحيد الله تعالى وإفراده بجميع أنواع العبادات

- ‌لم يحرم شيخ الإسلام ابن تيمية زيارة القبور على الوجه المشروع بل منع تعظيمها وشد الرحال إليها اتباعا للسنة

- ‌كل من تصدى للرد على شيخ الإسلام كانوا من حثالة المقلدين

- ‌زيارة القبور الشرعية ليست مباحة فقط، بل هي سنة مؤكدة

- ‌ليس قصد التبرك من زيارة القبور إلا على دين المشركين الأولين

- ‌خلط الملحد بين التوسل والاستشفاع والاستغفار

- ‌جعله التوسل إلى الله كالتوسل إلى السلاطين

- ‌كذبه على الله بأن الشرع أباح التوسل

- ‌فصل من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة

- ‌افتراء الملحد بأن الوهابيين يعتقدون تأثير الأعراض

- ‌جهله بأن الدعاء هو العبادة

- ‌لم يقل أحد من الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة إن التوسل هو دعاء الأموات

- ‌إن الله لم يتعبدنا باتباع عقولنا بل أرسل إلينا رسولا بالمؤمنين رؤوف رحيم

- ‌ما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم لحماية حمى التوحيد

- ‌هذا الملحد المخذول هو الذي عارض الرسول عليه السلام في أصل رسالته

- ‌شهادة للوهابيين بالإيمان بالقرآن وإنكاره عليهم محبة الرسول وهذا مما لا يتفق مع الشهادة

- ‌الوهابيون بحمد الله سميعون مطيعون منفذون لكلام الله ولسنة رسوله عليه الصلاة والسلام

- ‌حديث "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وتلاعب الملحد به

- ‌آية {من يشفع شفاعة حسنة} وإلحاده في معناها

- ‌حديث "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك" وبيان أنه واه

- ‌كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث

- ‌تضعيف حديث قصة فاطمة بنت أسد

- ‌نقض دعوى الملحد أن النبي يتوسل بنفسه وبالأنبياء

- ‌نقض دعوى الملحد في حديث الأعمى والكلام على ضعفه ومعناه

- ‌كذب الملحد في دعوى عمل الصحابة بحديث الأعمى

- ‌تحريف الملحد للمنام بجعله حديثا

- ‌قصة رؤيا بلال بن الحارث مكذوبة

- ‌تحريف الملحد في توسل عمر بالعباس

- ‌كذب حديث توسل آدم برسول الله

- ‌تحريف الملحد في استدلاله على دعاء الموتى بحديث الشفاعة

- ‌أقوال علماء السلف في حديث الشفاعة

- ‌تحريف الملحد في استدلاله بحديث "يا عباد الله احبسوا

- ‌كفر الحاج مختار بضربه الأمثال لله بخلقه

- ‌ضلال الملحد وسادته في معاني الاستشفاع والاستغفار والتوسل

- ‌نحريف الملحد لآيات القرآن في الاستشفاع والاستغفار والتوسل

- ‌كذب الملحد وشيعته على الوهابيين بدعوى تحريم الصلاة على رسول الله

- ‌أكاذيب دحلان وضلالاته في تسوية الأحياء بالأموات

- ‌معارضة الملحدين نصوص الكتاب والسنة بأهوائهم

الفصل: ‌جهله بأن الدعاء هو العبادة

يضع داء إلا وضع له شفاء- أو دواء- إلا داءً واحداً. قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: الهرم". قال الترمذي: حديث صحيح.

وأما قوله: "ذكرتُ قبلاً قول الوهابيين بتكفير من يتوسل بالرسول عليه الصلاة والسلام وغيره واستدلالهم الباطل، فلا حاجة لإعادته، وكل ذي بصير يعلم أن هذا الاستدلال تحريف للفظ والمعنى. فالله تعالى سمى عمل أولئك عبادة، ما سماه توسلاً، ولا استغفاراً، ولا اشتراكاً في اللغة، ولا ترادف بين اللفظين. فتبديل حقائق كلام الله وتحريفه كفر محض، وتحريف منكر، أولئك كانوا يعبدون تلك الأشياء عبادة حقيقية، ويسمونها آلهة تسمية حقيقية، ويتقربون إليها بجميع أنواع العبادة، ويذكرون أسماءها على ذبائحهم، دون اسم الله تعالى ويعتقدون أن النفع والضر والخير والشر بيد تلك الآلهة وبأمرهم".

والجواب: أن الوهابيين لا يكفرون بمجرد التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وغيره، وإنما يكفرون يدعون الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات ويسألونهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات وغيرها من أنواع العبادات التي لا يقدر على إجابتها إلا فاطر الأرض والسموات. ويسمون أعمالهم هذه: توسلاً واستغفاراً وتشفعاً وغيرها من الأسماء التي يموهون بها على جهلة المسلمين.

فأما التوسل الذي ليس فيه ما ينافي توحيد الله تعالى في ربوبيته وإلهيته، وإنما فيه الإقسام على الله تعالى بأحد من خلقه: فإن الوهابيين لا يكفرون به، بل هو عندهم حرام، كما يقول به جمهور العلماء المقتدى بهم. فالوهابيون يستدلون عن بطلان أعمال هؤلاء الوثنيين بنصوص الكتاب والسنّة التي لا تقبل تحريفاً ولا تأويلاً، متبعين في ذلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين.

ص: 341

‌جهله بأن الدعاء هو العبادة

فقول الملحد: "وكل ذي بصيرة يعلم أن هذا الاستدلال تحريف للفظ والمعنى، فإن الله تعالى سمى عمل أولئك عبادة، ما سماه توسلاً ولا استغفاراً،

ص: 341

ولا اشتراك في اللغة، ولا ترادف بين اللفظين، فتبديل حقائق كلام الله وتحريفه كفر محض وتحريف منكر".

جوابنا عنه: أنه قول جاهل غبي مغالط، في ذكر الأسماء مع جهله بالحقائق التي لا تخفى إلا على أعمى البصر والبصيرة أمثاله. فإن هذا الملحد لا يعرف معنى ما يقوله من الاشتراك في اللغة. ولا ترادف الألفاظ فيها، ولا شيئاً من تصريف ألفاظها، بل هو أجنبي عنها. لذلك جهل أن الله تعالى سمى الدعاء عبادة في كتابه العزيز، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى الدعاء "عبادة" بل سماه "مخ العبادة" كما جهل اتفاق أئمة أهل الكتاب والسنّة على أن "العبادة" اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، يقول الله تعالى في كتابه العزيز:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر، الآية:60] ويقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة، الآية:186] وعن النعمان بن يشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة". وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء مخ العبادة" فإن كان هذا الملحد قد جهل هذه النصوص التي هي في كتاب الله تعالى، وفي سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اتفق عليه أئمة أهل الكتاب والسنّة في مسمى "العبادة" فقد ثبت أنه من الصم والبكم والذين لا يعقلون، وإن كان علم بهذه النصوص وتعمد تحريفها وتبديلها، منكراً ما دلت عليه مثل "العبادة" فقد حكم على نفسه بالكفر المحض، والتحريف المنكر بإقراره هذا الذي أثبته على من بدل كلام الله تعالى وحرفه. فقد اضطلع هذا الملحد بهذا التبديل والتحريف الظاهر الذي لا يجد عنه مفراً، وليس له منه مخرج وهكذا الهوى يعمي ويصم. كما أن الجهل المركب والتقليد الأعمى يقودان صاحبهما إلى الخذلان والضلال عن الهدى. نعوذ بالله من ذلك.

وأما قول الملحد: "أولئك كانوا يعبدون تلك الأشياء عبادة حقيقية،

ص: 342

ويسمونها آلهة حقيقية، ويتقربون إليها بجميع أنواع العبادة، ويذكرون أسماءها على ذبائحهم دون اسم الله، ويعتقدون أن النفع والضر والخير والشر بيد تكل الآلهة وبأمرهم".

فالجواب: أن هذه الملحد يعني بقوله أولئك المشركين الأولين، يقول عنهم: إنهم كانوا يعبدون تلك الأصنام لذاتها ولا يذكرون لهم إلهاً غيرها، صارفين لها جميع أنواع العبادة بأسمائها، لا يذكرون اسم الله تعالى- إلى آخر كلامه الذي هو تحريف الكلم عن مواضعه- وليس الحق بالباطل، والمدافعة عن أعمال عباد الأوثان باسم القبور من هذه الأمة الذي سلكوا سبيل من قبلهم من المشركين الأولين، يقول عنهم هذا الملحد:"إنهم لا يسمون من يدعونهم من الأموات أصناماً كما يسميهم المشركون قبلهم، بل هم أولياء مقربون عند الله ولهم عنده كرامات فهم لهم وسيلة وشفعاء، ووسطاء بينهم وبين الله تعالى". وما إلى هذه الأسماء التي يصرفون لهم فيها مخ العبادة من دون الله تعالى من الدعاء وسفك الدماء، ونذر النذور وغيرها من الأعمال التي لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، بل أشركوهم مع الله تعالى في توحيد ربوبيته، زاعمين أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، وغير ذلك من العقائد التي فاقوا بها على شرك المشركين عباد الأصنام، وهذا كتاب الله تعالى يخبر عن المشركين عباد الأصنام: أنهم كانوا يقرون لله تعالى بأنه ربهم، وخالقهم ورازقهم، وأن الأرض وما فيها له وحده، وأنه رب السموات السبع ورب العرش العظيم، وأن بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، وأنهم ما عبدوا مَن عبدوا من تلك الأصنام إلا ليقربوهم إلى الله زلفى. ويقولون:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس، الآية:18] كما أخبر بذلك عنهم أصدق القائلين في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر، الآية:3] ويقول تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس، الآية:18] ويقول تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ

ص: 343

وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ. فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس، الآيتان:31-32]، يقول تعالى:{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون، الآية:84-89] ويقول تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان، الآية:32] إلى غير هذه الآيات التي جهلها هذا الملحد أو تجاهلها، وتعمد إلى جحدها محرفاً لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لتضليل الجهلة عن سلوك صراط الله المستقيم.

وأما قول الملحد: "فإذا علمت هذا وفهمت كيف دخلوا بالتحريف والمغالطة على العوام، فاعلم أن علماءنا ما قالوا1 بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء، وندبوا إليه من تلقاء أنفسهم، حاشاهم من ذلك وهم أمناء الدين، وخلفاء الرسل، بل أخذوه من كلام الله تعالى وكلام رسول أمراً وفعلاً، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وماذا عليهم إذا لم تفهم وعول نجد، وجواميس مصر وبقر الشام مقاصدهم ومآخذ أقوالهم؟ ".

والجواب: أن كل مطلع على كلام هذا الملحد ممن أعطاهم الله علماً نافعاً، ونوراً يفرقون بهما بين الحق والباطل: يعلمون علم اليقين أن هذا الملحد ممن ضل عن سلوك صراط الله المستقيم، فهو غارق في ظلمات جهله وضلاله، وأنه من المحرفين لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم جهاراً، لا يخشى في ذلك حسيباً في الدنيا، ولا محاسباً في الآخرة. فقد سمى سادته وكبراءه- دحلان

(1) هكذا أثبتها الملحد بالواو والرفع.

ص: 344

والنبهاني ومن سلك سبيلهم- أمناء الدين، وخلفاء الرسل، مع أنهم قد اشتهروا بعمل كل قبيح من الأعمال، وبكل فجور من الأقوال، معارضين بهما كتاب الله وسنّة نبيّه، وناسبين إلى علماء أهل السنّة من الأقوال ما لم يقولوه، ومحرفين لكلامهم عن مواضعه. وهذا الملحد يقول: إن مضلليه- دحلان والنبهاني- ما قالوا بجواز التوسل، الذي هو دعاء الأموات من الأنبياء والأولياء، وندبوا إليه من تلقاء أنفسهم، حاشاهم من ذلك، بل أخذوه من كلام الله تعالى وكلام رسوله أمراً وفعلاً. وهذا الكلام من هذا الملحد هو عين الكذب والافتراء على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم. فأين من كلام الله تعالى أيها الملحد؟ وأين من كلام رسوله الأمر بدعاء الأموات، وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وطلب رحمتهم لغفران الذنوب دون رحمة الله أرحم الراحمين؟ فمن هو من الصحابة أيها الملحد دعا ميتاً أو غائباً، أو توسل به لجلب نفع أو دفع ضر، أو جعله واسطة بينه وبين الله تعالى؟ ومن هو من الصحابة جعل القبور مساجد؟ بل أين من التابعين وتابع التابعين والأئمة الأربعة: من قال بقول سادتك ومضليك أيها الملحد؟ فاقصر فَضَّ الله فاك. ومن قال بقولك وقول سادتك الضالين المضلين.

وأما قول الملحد: "وقد فصلت كيفية عبادتهم وأقسامها في كتبي الثلاثة، رد الافتراء، ومظهر الإحسان، ومرشد الحيران، وهذه يتبرأ منها كل مسلم".

فالجواب: أن كتب هذا الملحد الثلاثة كلها ظلمات بعضها فوق بعض، فهي كما قال مؤلفها الملحد "تبرأ منها كل مسلم" ونحن نسميها: محض الافتراء، ومظهر الخسران، والتائه الحيران.

وأما قول الملحد في حق علمائه "وماذا عليهم إذا لم تفهم وعول نجد وجواميس مصر وبقر الشام مقاصدهم ومآخذ أقوالهم؟ ".

فالجواب: أن الله تعالى لم يكلف وعول نجد، ولا جواميس مصر، ولا بقر الشام، بفهم شيء من العبادة التي كلف بها عباده من بني آدم، فتكليف هذا الملحد لها بفهم مقاصد سادته ومآخذ أقوالهم ظلم وعدوان ما أنزل الله به من

ص: 345