الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى الحديث من الصحابي إن كان خبراً. وبذكر من يرويه عن الصحابي إن كان أثراً، والرمز إلى المخرج، لأن الغرض من ذكر الأسانيد كان أولاً إثبات الحديث وتصحيحه. وهذه كانت وظيفة الأولين، وقد كفوا تلك المؤنة فلا حاجة بهم إلى ذكر ما فرغوا منه. كذا في كشف الظنون.
ثم قال في موضع آخر: الفصل الأول في
طبقات كتب الحديث
. اعلم أنه لا سبيل لنا إلى معرفة الشرائع والأحكام إلى خبر النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف المصالح، فإنها قد تدرك بالتجربة والنظر الصادق والحدس ونحو ذلك ولا سبيل لنا إلى معرفة أخباره صلى الله عليه وسلم إلا تلقي الروايات المنتهية إليه بالاتصال والعنعنة، سواء كانت من لفظه صلى الله عليه وسلم أو كانت أحاديث موقوفة قد صحت الرواية بها عن جماعة من الصحابة والتابعين، بحيث يبعد إقدامهم على الجزم بمثله لولا النص والإشارة من الشارع. فمثل ذلك رواية عنه صلى الله عليه وسلم دلالة، وتلقي تلك الروايات لا سبيل إليه في يومنا هذا إلا بتتبع الكتب المدونة في علم الحديث، فإنه لا يوجد اليوم رواية يعتمد عليها غير مدونة وكتب الحديث على طبقات مختلفة، ومنازل متباينة فوجب الاعتناء بمعرفة صفات كتب الحديث.
فنقول: هي باعتبار الصحة والشهرة على أربع طبقات. وذلك لأن أعلى أقسام الحديث ما ثبت بالتواتر، وأجمعت الأمة على قبوله والعمل به ثم استفاض من طرق متعددة، لا يبقى معها شبهة يعتد بها واتفق على العمل به جمهور فقهاء الأمصار، أو لم يختلف فيه علماء الحرمين خاصة – إلى أن قال: الطبقة الأولى: منحصرة على بالاستقراء في ثلاثة كتب: الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أصح الكتب بعد كتاب الله موطأ مالك. وقد اتفق أهل الحديث على أن جميع ما فيه صحيح على رأي مالك ومن وافقه وأما على رأي غيره: فليس فيه مرسل ولا منقطع إلا قد اتصل السند به من طرق أخرى. فلا جرم أنها صحيحة من هذا الوجه. وقد صنف في زمان مالك موطآت كثيرة في تخريج أحاديثه، ووصل منقطعه مثل كتاب ابن أبي ذئب، وابن عيينة، والثوري، ومعمر، وغيرهم ممن شارك في الشيوخ.
وقد رواه عن مالك بغير واسطة أكثر من ألف رجل، وقد ضرب الناس فيه أكباد الإبل إلى مالك من أقاصي البلاد. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في حديثه، فمنهم المبرزون من الفقهاء كالشافعي ومحمد بن الحسن، وابن وهب، وابن القاسم، ومنهم نحارير المحدثين، كيحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق، ومنهم الملوك والأمراء كالرشيد وابنيه، وقد اشتهر فيه عصره، حتى بلغ إلى جميع ديار الإسلام، ثم لم يأت زمان إلا وهو أكثر له شهرة وأقوى به عناية وعليه بنى فقهاء الأمصار مذاهبهم حتى أهل العراق في بعض أمرهم، ولم يزل العلماء يخرجون أحاديثهم ويذكرون متابعاته وشواهده، ويشرحون غريبه، ويضبطون مشكله، ويبحثون عن فقهه، ويفتشون عن رجاله إلى غاية ليس بعدها غاية. وإن شئت الحق الصراح: فقس كتاب الموطأ بكتاب الآثار لمحمد، والأمالي لأبي يوسف تجد بينه وبينهما بعد المشرقين، فهل سمعت أحداً من المحديثين والفقهاء، تعرض لهما واعتنى بهما؟
أما الصحيحان: فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع. وأنهما متواتران إلى مصنفيهما، وأن كل من يهون أمرهما فهو مبتدع غير سبيل المؤمنين، وإن شئت الحق الصراح فقسهما بكتاب بن أبي شيبة، وكتاب الطحاوي، ومسند الخوارزمي وغيرها تجد بينها وبينهما بعد المشرقين.
وقال في موضع آخر: وأما فضل صحيح البخاري فهو أصح الكتب المؤلفة في هذا الشأن والمتلقى بالقبول من العلماء في كل زمان. يقول أبو زيد المروزي كنت نائماً بين الركن والمقام، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعي، وما تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله، وما كتابك؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل البخاري، وقال الذهبي: في تاريخ الإسلام، وأما جامع البخاري الصحيح: فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى وهو أعلى في وقتنا هذا إسناداً للناس، ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلو سماعه، فكيف اليوم؟ فلو رحل الشخص ألف فرسخ لسماعه لما ضاعت رحلته. انتهى.
وهذا قاله الذهبي في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. وروي بالإسناد الثابت عن البخاري أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم. وكأني واقف بين يديه، وبيدي مروحة أذب بها عنه. فسألت بعض المعبرين؟ فقال لي: أنت تذب عنه الكذب. فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح. وأيضاً قال البخاري: كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال لي بعض أصحابه: لو جمع أحد كتاباً مختصراً في السنن الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي بلغت من الصحة أقصى درجاتها كان أحسن، وتيسر العمل عليه للعاملين من دون رجوع إلى المجتهدين فوقع ذلك في قلبي. وأخذ بمجامع خاطري، فصنفت هذا الجامع الصحيح. وقال النسائي: أجود هذه الكتب كتاب البخاري. وقال البخاري: ما كتبت في كتابي الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك، وصليت ركعتين، وقال: أخرجته من نحو ستمائة ألف حديث، وصنفته في ست عشرة سنة. وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى. وقال: ما أدخلت فيه إلا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر حتى لا يطول. وقال: صنفت كتابي هذا في السجد الحرام. وما أدخلت فيه حديثاً حتى استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته. وقال الفربري رحمه الله تعالى: قال البخاري: ما وضعت في الصحيح حديثاً إلا اغتلست قبل ذلك، وصليت ركعتين وأرجو أن يبارك الله تعالى في هذه المصنفات. وروى عن عبد القدوس بن همام قال: سمعت عدة من المشايخ يقولون: حول البخاري تراجم جامعه بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره. وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين. وقال عماد الدين بن كثير: وكتاب البخاري الصحيح يستسقي بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام. انتهى ملخصاً.
ثم قال: الفصل الثالث في ذكر الجامع الصحيح للإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المتوفى سنة إحدى وستين وما ئتين. وهو أحد الصحيحين اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. والثاني من الأصول الستة قال النيسابوري شيخ الحاكم: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم. ووافقه على ذلك بعض شيوخ المغرب، ومستندهم: أنه
شرط أن لا يكتب في صحيحه إلا ما رواه تابعيان ثقتان عن صحابيين. قال مسلم: ألفت كتابي من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. وقال: لو أن أهل الأرض يكتبون الحديث مائتي سنة: ما كان مدارهم إلا على هذا المسند. قال: وما وضعت شيئاً في كتابي هذا إلا حجة. وما أسقطت شيئاً منه إلا بحجة. وقال مكي بن عبدان أحد حفاظ نيسابور: سمعت مسلماً يقول: عرضت كتابي هذا على أبي رزعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته. وكل ما قال: إنه صحيح وليس له علة خرجته. رواه الخطيب البغدادي بإسناده. وقال ابن الصلاح: جميع ما حكم مسلم بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر وهكذا ما حكم البخاري بصحته. وذلك: لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع.
قال إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتاب البخاري ومسلم – مما حكما بصحته– من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته. لإجماع المسلمين على صحتهما. وقد اتفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق.
ثم قال: الفصل الرابع في ذكر الجامع الصحيح للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي رحمه الله تعالى – إلى أن قال – وبالجملة: فهو ثالث الكتب الستة. قال الترمذي: صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان. فرضوا به ومن كان في بيته: فكأنما النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيته يتكلم. قال ابن الأثير: وكتابه هذا أحسن الكتب، وأكثرها فائدة، وأحسنها ترتيباً، وأقلها تكراراً. وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال وتبيين أنواع الحديث الصحيح والحسن الغريب. وقال في بستان المحديثين: تصانيف الترمذي كثيرة وأحسنها هذا الجامع الصحيح، بل هو – من بعض الوجوه والحيثيات – أحسن من جميع كتب الحديث.
الأول: من جهة حسن الترتيب، وعدم التكرار.
الثاني: من جهة ذكر مذاهب الفقهاء ووجوه الاستدلال لكل أحد من أهل المذاهب.
الثالث: من جهة بيان أنواع الحديث، من الصحيح والحسن والضعيف والغريب والمعلل بالعلل.
الرابع: من جهة بيان أسماء الرواة وألقابهم وكناهم، ونحوها من الفوائد المتعلقة بعلم الرجال. وفي آخر الجامع المذكور كتاب العلل، وفيه من الفوائد الحسنة ما لا يخفى على الفطن. ولهذا قالوا: هو كاف للمجتهد، ومغن للمقلد. قال الترمذي: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به. وبه أخذ بعض أهل العلم. وقال الباجوري في حاشية الشمائل للترمذي: وناهيك بجامعه الصحيح، الجامع للفوائد الحديثة والفقهية والمذاهب السلفية والخلفية فهو كاف للمجتهد مغن للمقلد. انتهى باختصار.
ثم قال: الفصل الخامس في ذكر السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني المتوفى سنة خمس وسبعين ومائتين – إلى أن قال- قال أبو داود: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث. انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب وجمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث من الصحيح وما يشبهه ويقاربه. ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث أحدها: "إنما الأعمال بالنيات" والثاني: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، والثالث:"لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه"، الرابع: "الحلال بين والحرام بين
…
الحديث" ورى الحافظ أبو طاهر السلفي بسنده إلى حسن بن محمد بن إبراهيم أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يقول: من أراد أن يتمسك بالسنن فليقرأ سنن أبي داود. وروى عن يحيى بن زكريا بن يحيى الساجي أنه قال: أصل الإسلام كتاب الله تعالى. وعماده سنن أبي داود. وقال ابن الأعرابي: إن حصل لأحد علم كتاب الله وسنن أبي داود،
يكفيه ذلك في مقدمات الدين. ولهذا مثلوا في كتب الأصول لبضاعة الاجتهاد في علم الحديث بسنن أبي داود. ولما جمع أبو داود كتاب السنن قديماً عرضه على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فاستجاده واستحسنه. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: كتاب السنن لأبي داود شريف. لم يصنف في علم الدين كتبا مثله. وقد رزق القبول من كافة الناس، وطبقات الفقهاء، على اختلاف مذاهبهم، وعليه معول أهل العراق ومصر وبلاد المغرب، وكثير من أقطار الأرض. فكان تصنيف علماء الحديث قبل أبي داود الجوامع والمسانيد ونحوها. فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخباراً وقصصاً ومواعظ وأدباً. فأما السنن المحضة: فلم يقصد أحد جمعها واستيفاءها على حسب ما اتفق لأبي داود، لذلك حل هذا الكتاب عند أئمة أهل الحديث وعلماء الأثر محل العجب فضربت إليه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل. قال ابن الأعرابي: لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف ثم كتاب أبي داود، لم يحتج معهما إلى شيء من العلم. قال الخطابي: وهو كما قال، لا شك فيه. فقد جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لم نعلم متقدماً سبقه إليه، ولا متأخراً لحقه فيه. وقال النووي رحمه الله تعالى في القطعة التي كتبها من شرح سنن أبي داود: ينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبي داود بمعرفته التامة. فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه، مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفة، واعتنائه بتهذيبه. وقال إبراهيم الحربي: لما صنف أبو داود كتاب السنن ألين لأبي داود الحديث، كما ألين لداود الحديد. انتهى ما نقلته من كتاب الحطة لإمام زمانه رحمه الله تعالى.
وقال الإمام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي في كتابه "ذم الكلام" أنبأنا عبد الواحد بن أحمد أنبأنا محمد بن عبد الله سمعت أبا علي الحافظ قال حدثنا جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي سمعت أحمد بن سنان يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث. وإذا ابتدع الرجل
بدعة نزعت حلاوة الحديث من قبله. وبسنده إلى الحسين بن حرب عن الحسين بن بشر الأدمي قال: قال لي: يا حسين: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} [غافر، الآية: 70] ما هو بعد الكتاب؟ قلت: السنة. قال: صدقت. كان جبريل يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة، كما يختلف إليه بالكتاب، وبسنده إلى أبي نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى سمعت أبا نصر سلام البخاري الفقيه يقول: ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث. وبإسناده: أنبأنا يعقوب أنبأنا أبو النصر محمد بن الحسين أنبأنا محمد بن إبراهيم بن خالد حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى قال قلت لأبي: رجل وقعت له مسألة، وفي البلد رجل من أهل الحديث فيه ضعف، وفقيه من أهل الرأي. أيهما يسأل؟ قال: لا يسأل أهل الرأي. ضعيف الحديث خير من قوي الرأي. وبسنده حدثنا محمد بن عبد العزيز سمعت أبي عن عبد الله عن سفيان الثوري قال: إنما الدين الآثار. وبسنده إلى إبراهيم بن يحيى يقول: سمعت الزعفراني يقول: ما على وجه الأرض قوم أفضل من أصحاب هذه المحابر يتتبعون آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكتبونها كيلا تدرس. وبسنده إلى علي بن عمر الحافظ يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري قال: قال البخاري: سمعت الحميدي يقول: كنا عند الشافعي فأتاه رجل. فسأله عن مسألة؟ فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. فقال الرجل للشافعي. أنت ما تقول؟ قال سبحان الله! تراني في كنيسة؟ تراني في بيعة؟ ترى على وسطي زناراً؟ أقول لك: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول لي: ما تقول أنت؟ وبسنده حدثنا حرملة: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوها. ولا تلتفتوا إلى أحد. وفيه: سمعت الربيع يقول سمعت الشافعي يقول: لولا أصحاب الحديث لكنا نبيع الفول. وبسنده إلى سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الناس فقال: "أيها الناس، إلا إن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها واستحيوا إذا سألهم الناس أن يقولوا: لا ندري. فعاندوا السنن بأيهم.
فضلوا وأضلوا كثيراً، والذي نفس عمر بيده، ما قبض الله نبيه، ولا رفع الوحي عنهم حتى أغناهم عن الرأي. ولو كان الدين يؤخذ بالرأي لكان أسفل الخف أحق بالمسح من أعلاه، فإياك وإياهم، ثم إياك وإياهم" وبسنده عن نافع ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة" وبسنده عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال بالرأي فقد اتهمني بالنبوة" زاد إسحاق وقال الحارث: تصديق ذلك في كتاب الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر، الآية:7] . انتهى.
ولله در أبي بكر بن حميد القرطبي رحمه الله تعالى حيث يقول:
نور الحديث مبين فادن واقتبس
…
واحد الركاب له نحو الرضى الندس
واطلبه بالصين، فهو العلم إن رفعت
…
أعلامه برباها يابن أندلس
فلا تضع في سوى تقييد شاردة
…
عمراً يفوتك بين اللحظ والنفس
وخل سمعك عن بلوى أخي جدل
…
شغل اللبيب بها ضرب من الهوس
ما إن سمت بأبي بكر ولا عمر
…
ولا أتت عن أبي هر ولا أنس
إلا هوى وخصومات ملفقة
…
ليست برطب إذا عدت ولا يبس
فلا يغرنك من أربابها هذر
…
أجدى وجدك منها نغمة الجرس
أعرهم أذنا صماً إذا نطقوا
…
وكن إذا سألوا تعزى إلى خرس
ما العلم إلا كتاب الله أو أثر
…
يجلو بنور هداه كل ملتبس
نور لملتبس خير لمقتبس
…
حمى لمحترس نعمى لمبتئس
فاعكف ببابهما
…
على طلابهما
…
تمحو العمى بهما عن كل ملتمس
ورد بقلبك عذباً من حياضهما
…
تغسل بماء الهدى ما فيه من دنس
واقف النبي وأتباع النبي، وكن
…
من هديهم أبداً تدنو إلى قبس
والزم مجالسهم واحفظ مجالسهم
…
واندب مدارسهم بالأربع الدرس
واسلك طريقهم، واتبع فريقهم
…
تكن رفيقهم في حضرة القدس
تلك السعادة إن تلمم بساحتها
…
فحط رحلك قد عوفيت من تعس