الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحرفون للكلم عن مواضعه. وقد أقر الملحد بموت الأنبياء، بعد ما كان ينكره هو وشيخاه دحلان والنبهاني. ويقولون: إنهم أحيوا بعد موتهم، وردوا إلى حياتهم الدنيا، إلا أنّا لا نراهم، وأنهم يسمعون دعاء من يدعوهم وسؤال من يسألهم. إلى آخر هذيانهم الباطل {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر، الآية:2] .
نقض دعوى الملحد في حديث الأعمى والكلام على ضعفه ومعناه
…
قال الملحد: "الحديث الخامس: أخرج الترمذي والنسائي والبيهقي والطبراني عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: "أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. فقال له: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت، وهو خير لك. قال الرجل: فادعه، فأمره أن يتوضأ ويحسن وضوءه، ويدعو الله بقوله: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي. اللهم شفعه في، فعاد الرجل، وقد أبصر". انتهى. وأخرج هذا الحديث البخاري في تاريخه وابن ماجه والحاكم في المستدرك والسيوطي في الجامعين، وشاع هذا الدعاء بين الصحابة حتى استعملوه فيما بينهم.
والجواب: أن هذا الحديث غير صحيح فإن رواته مختلفون في سنده ومتنه، مع أنه لم يذكر في شيء من الكتب المعتمدة. بل جاء ذكره في بعض الكتب التي تذكر فيها الأحاديث الضعيفة والموضوعة على وجه التنبيه. وأيضاً في سنده أبو جعفر عيسى بن ماهان الرازي. قال الحافظ ابن حجر في التقريب: الأكثرون على ضعفه. وقال الفلاس: سيئ الحفظ. وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير. وقال أبو زرعة: يهم كثيراً. هذا بعض ما قيل في سند هذا الحديث.
وأما ما قيل في معناه من القول الذي يفصل الباطل عن الحق: فهو ما ذكره العالم الجليل السيد محمود شكري الألوسي في كتابه "فتح المنان" تتمة منهاج التأسيس. قال رحمه الله تعالى في الكلام على حديث عثمان بن حنيف هذا.
والجواب: أن هذا الدليل لا يفيد العراقي شيئاً، بل هو من نمط ما قبله. وببيان معنى الحديث يعلم ذلك. فقوله:"اللهم إني أسألك" أي اطلب منك
"وأتوجه إليك بنبيك محمد" صرح باسمه مع ورود النهي عن ذلك تواضعاً منه، لكون التعليم من قبله. وفي ذلك قصر السؤال الذي هو الدعاء على الله تعالى الملك المتعال، ولكنه توسل بالنبي، أي بدعائه. ولذا قال في آخره:"اللهم شفعه فيَّ" إذ شفاعته لا تكون إلا بدعائه قطعاً، ولو كان المراد التوسل بذاته فقط لم يكن لذلك التعقيب معنى. إذ التوسل بقوله "بنبيك" كاف في إفادة هذا المعنى. فقوله:"يا محمد إني توجهت بك إلى ربي" قال الطيبي: الباء في "بك" للاستعانة. وقوله: "إني أتوجه بك" بعد قوله: "أتوجه إليك" فيه معنى قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة، الآية:255] فيكون خطاباً لحاضر معاين في قلبه، مرتبط بما توجه به عند ربه من سؤال نبيه بدعائه، الذي هو عين شفاعته. ولذلك أتى بالصيغة الماضوية بعد الصيغة المضارعية، المفيد كل ذلك: أن هذا الداعي قد توسل بشفاعة نبيه في دعائه. فكأنه استحضره وقت ندائه ومثل ذلك كثير في المقامات الخطابية، والقرائن الاعتبارية. فقوله:"في حاجتي هذه، لتقضى له" أي ليقضيها لي ربي بشفاعته، أي بدعائه. وذلك مشروع مأمور به. فإن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يطلبون منه الدعاء، وكان يدعو لهم. وكذلك يجوز الآن أن تأتي رجلاً صالحاً فتطلب منه الدعاء لك، بل يجوز للأعلى أن يطلب من الأدنى الدعاء له، كما طلبه النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عمرته بأن قال له:"لا تنسانا يا أخي من دعائك" قال عمر رضي الله عنه: ""ما يسرُّني أن لي بها حمر النعم" قال العلامة المناوي: سأل الله أولاً أن يأذن لنبيّه أن يشفع. ثم أقبل على النبي ملتمساً شفاعته له، ثم كرَّ مقبلاً على ربه أن يقبل شفاعته. والباء في "بنبيك" للتعدية وفي "بك" للاستعانة. وقوله: "اللهم فشفعه بي" أي اقبل شفاعته في حقي والعطف على مقدر. أي اجعله شفيعاً لي فشفعه. وكل هذه المعاني دالة على وجود شفاعته بذلك. وهو دعاؤه صلى الله عليه وسلم له بكشف عاهته وليس ذلك بمحظور، غاية الأمر أنه توسل من غير دعاء، بل هو نداء الحاضر. والدعاء أخص من النداء إذ هو نداء عبادة شامل للسؤال بما لا يقدر عليه إلا الله. وإنما المحظور
السؤال بالذات، لا مطلقاً. بل على معنى: أنهم وسائل الله تعالى بذواتهم وأما كونهم وسائل بدعائهم فغير محظور. وإذا اعتقد أنهم وسائل لله بذواتهم يُسأل منهم الشفاعة للتقريب إليه، فذلك عين ما كان عليه المشركون الأولون.
فتبين: أنه لا دلالة في الحديث على جواز الاستعانة بالنبي أصلاً. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" والميت لا يُطلب منه شيء، لا دعاء ولا غيره. وكذلك حديث الأعمى فإنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، ليرد الله عليه بصره. فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء، أمره فيه: أن يسأل الله قبول شفاعه نبيِّه فيه. فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع فيه، وأمره أن يسأل الله قبول شفاعته. وأن قوله:"أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة" أي بدعائه وشفاعته. كما قال عمر رضي الله عنه: "كنا نتوسل إليك بنبينا" فلفظ "التوسل" و"التوجه" في الحديثين بمعنى واحد. ثم قال: "يا محمد يا رسول الله، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه فيّ" فطلب من الله أن يشفع فيه نبيه صلى الله عليه وسلم. وقوله: "يا محمد يا نبي الله" هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب فيما يخاطب المشهود في القلب، كما يقول المصلي:"السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته" والإنسان يفعل مثل هذا كثيراً، يخاطب من يتصوره في نفسه، وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب. فلفظ "التوسط" بالشخص، و"التوجه" به، و"السؤال به" فيه إجمال واشتراك، غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة رضي الله عنهم. يراد به التسبب به، لكونه داعياً وشافعاً مثلاً. ولكون الداعي محباً له، مطيعاً لأمره مقتدياً به، فيكون التسبب إما لمحبة السائل له وإتباعه له، وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته، ويراد به الإقسام به، والتوسل بذاته. فلا يكون التوسل منه ولا من السائل، بل بذاته أو بمجرد الإقسام به على الله. فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه. وكذلك السؤال بشيء، قد يراد به: المعنى الأول. وهو التسبب لكونه سبباً في حصول المطلوب، وقد يراد به الإقسام. إلى آخر ما قاله. انتهى.