الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضلالهم وقلنا ما قالوه، ولكنا نقول:"وهابية ووثنية لا يجتمعان" خلافاً لما اعتقدوه وقالوه. وبالمثل السائر نقول:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته
…
ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
فليس دين الإسلام هو دين عباد القبور الذين يتخذون من دون الله أنداداً يحبونهم كحبهم لله، ويصرفون لهم خالص العبادة من دون الله تعالى، من الدعاء والخوف والرجاء والرغبة والرهبة والذبح والنذر وغيرها من أنواع العبادة التي لا تجوز صرف شيء منها لغير الله تعالى، ويجعلون الأموات وسائط بينهم وبين الله في رفع حوائجهم إليه كما عليه هذا الملحد ومن قلدهم من أئمة الضلال. فإنهم يدعون على عبادة الأولياء والصالحين وإشراكهم مع الله تعالى في العبادة. وهذا ما ينكره الوهابيون ويحاربون أهله. لذلك يقول هذا الملحد الذي لا يعرف حقيقة دين الإسلام:"إسلام ووهابية لا يجتمعان" ومعلوم أن دين الوثنية لا يجتمع مع توحيد الله تعالى الذي أرسل به رسله من أولهم إلى آخرهم. وهو إخلاص العبادة له وحده لا شريك له يجميع أنواعها. فإن هذا هو دين الإسلام وهو الذي عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه. وإن سماه المشركون عباد الأصنام "مذهباً وهابياً" فإن الأسماء لا تغير الحقائق والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل.
تزوير الملحد ل
تاريخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب
تاريخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب
…
قال المعترض: "مؤسس هذا المذهب هو محمد بن عبد الوهاب التيمي من يمامة نجد. ولد في سنة 1121 هجرية، ومات في سنة 1207 (1) كان أبوه عابداً فاضلاً ورعاً. وكان يتفرس في ابنه هذا الشقاوة، فأرسله إلى مكة ثم إلى المدينة المنورة لطلب العلم. فطلب وحصل، وأخذ عن كثير من علماء الحرمين، وكلهم كانوا يتفرسون فيه الشقاوة، ويحذرون الناس منه وكان يميل لمطالعة أخبار من ادعوا النبوة ويكتم هذا الفكر في نفسه".
أقول: إن ما ذكره الملحد عن مولد الشيخ وعن وفاته غلط لا يطابق
(1) صحة ولادته عام 1115هـ ووفاته عام 1206م.
الحقيقة، كذلك نسبته الشيخ بأنه "تيمي" أيضاً خطأ. فالمعترض دائماً يتقلب بين الكذب والخطأ، ولا يهمه تمحيص الحقائق. وإنما هو مقلد أعمى ونحن نبين نسب الشيخ وسيرته إثباتاً للحق، ونفياً لما يختلقه أمثال هذا الملحد وشيخه دحلان من الزور والفجور. فنقول:
أما نسب الشيخ: فهو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن بريد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن إدريس بن علي بن محمد بن علوي بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيع بن ساعدة بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان بن عدي بن عبد مناة بن تميم. ولد سنة خمس عشرة ومائة وألف، وتوفى رحمه الله سنة ست ومائتين وألف. وكان مولده في بلد "العيينة" من البلدان النجدية. فأنبته الله نباتاً حسناً، وجلا به عن طرف الدهر وسنان كراه.
ذكر الشيخ العالم العلامة حسين بن غنام الإحسائي في تاريخ "روضة الأفكار والأفهام" قال: كان الشيخ سليمان يحدث عن أخيه محمد بن عبد الوهاب قال: كان أبوه عبد الوهاب يتعجب من فهمه وإدراكه، قبل بلوغه وإدراكه ومناهزته الاحتلام وإفراكه. ويقول أيضاً استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام، أو قريباً من هذا الكلام. وقد كتب والده إلى بعض إخوانه رسالة نوه فيها بشأنه يثني فيها عليه، وأن له فهماً جيداً ولديه، ولو يلازم الدرس سنة على الولاية لظهر في الحفظ والاتقان آية. وقد تحققت أنه بلغ الاحتلام قبل إكمال اثنتي عشرة سنة على الإتمام، ورأيته أهلاً للصلاة بالجماعة والائتمام فقدمته لمعرفته بالأحكام، وزوجته بعد البلوغ في ذلك العام، ثم طلب مني الحج إلى بيت الله الحرام، فأجبته بالإسعاف إلى ذلك المرام، فحج وقضى ركن الإسلام، وأدى المناسك على التمام. ثم قصد مدينته عليه الصلاة والسلام، وأقام فيها شهرين ثم رجع بعد ذلك فائزاً بأجر الزيارة والمناسك وأخذ في القراءة على والده في الفقه على مذهب الإمام أحمد، فسلك فيه الطريق الأحمد، ورزق مع الحفظ سرعة الكتابة. فكان يخبر عنه أصحابه أنه كان يخط
بالخط الفصيح في المجلس الواحد كراساً من غير سآمة، ولا نصب ولا التباس. ثم بعد ذلك رحل في طلب العلم وسار، وجد في الطلب إلى ما يليه من الأمصار، وما يحاذيه من الأقطار. فزاحم فيه الكبار وأشرق طالعه واستنار فصار لهلاله أقمار، فوطئ الحجاز والبصرة لذلك مراراً وإلى الإحساء لتلك الأوطار. وأخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني، وأجازه من طريقين، وأول حديث سمعه منه الحديث المسلسل بالأولية. نقلت من خطه ما نصه: حدثني الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي – بمنزله بظاهر المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام – عن شيخ الإسلام ومفتي الشام أبي المواهب الحنبلي – إجازة – قال: أخبرنا والدي تقي الدين عبد الباقي الحنبلي – وهو اول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا به المعمر الشيخ عبد الرحمن البهوتي الحنبلي – وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا به شيخنا جمال الدين يوسف الأنصاري الخزرجي – وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا به والدي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا به شيخ الإسلام أبو الفضل أحمد بن حجر العسقلاني – وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا الصلاح محمد بن محمد المكرمي الصوفي الخازن – وهو أول حديث سمعته منه – قال: اخبرنا الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي – وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا به الصدر أبو الفتح الميدومي – وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا به الحافظ أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني – وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا به الحافظ أبو الفرج بن عبد الرحمن بن علي بن الجوزي – وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا به الحافظ إسماعيل بن صالح النيسابور – وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا به أبو حامد صالح المؤذن – وهو أول حديث سمعته منه – قال أخبرنا به أبو طاهر محمد بن كعب بن محمد الزيادي - وهو أول حديث سمعته منه – قال أخبرنا عبد الرحمن بن تستر بن الحكم النيسابوري – وهو أول حديث سمعته منه – قال: أخبرنا سفيان بن عيينة – وهو
أول حديث سمعته منه – عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" تفرد به سفيان، ولا يصح سنده عمن فوق سفيان، والله أعلم.
وحدث أيضاً عنه بالمسلسل بالحنابلة قال رحمه الله: حدثني عبد الله بن إبراهيم الحنبلي بمنزله بظاهر المدينة النبوية عن شيخ الإسلام ومفتي الشام أبي المواهب تقي الدين عبد الباقي الحنبليان عفى الله عنهما إجازة عن والده تقي الدين المذكور قال: أخبرنا شيخنا عبد الرحمن البهوتي أخبرنا الشيخ تقي الدين بن النجار الفتوحي صاحب "منتهى الإرادات" أخبرنا والدي شهاب الدين أحمد قاضي القضاة الحنبلي أخبرنا بدر الدين الصفدي الظاهري الحنبلي أخبرنا عز الدين أبو البركات الحنبلي أخبرنا أبو علي حنبل بن عبد الله الرصافي قال أخبرنا أبو القاسم هبة الله الحنبلي قال: أخبرنا أبو الحسن بن علي الحنبلي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر الحنبلي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن الإمام أحمد الحنبلي قال: حدثني أبي أحمد بن محمد بن حنبل إمام كل حنبلي عن ابن عدي عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله. قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته" هذا حديث عظيم قد وقع ثلاثياً للإمام أحمد رضي الله عنه.
وقد سمع الشيخ رحمه الله الحديث والفقه من جماعة بالبصرة كثيرة، وقرأ بها النحو وأتقن تحريره وكتب الكثير من الفقه والحديث في تلك الإقامة، وبحث على طريق الهدى والاستقامة، وكان أكثر لبثه لأخذ العلم بالبصرة.
انتهى المراد منه.
وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في كتابه "توحيد الخلاق، في أجوبة أهل العراق" في ترجمته للشيخ محمد بن عبد الوهاب: وقد أجازه أيضاً كل من الشيخ علي أفندي الداغستاني، وعبد الله بن إبراهيم، وعبد اللطيف العفالقي في كل ما حواه ثبت الشيخ عبد الباقي أبي المواهب الحنبلي قراءة وتعلماً وتعليماً
من صحيح البخاري بسنده إلى مؤلفه، وصحيح مسلم بسنده إلى مؤلفه، وشروح كل منهما، وسنن الترمذي بسنده، وسنن ابن ماجه بسنده، وسنن النسائي الكبرى بسنده، وسنن الدارمي ومؤلفاته بالسند، وسلسلة العربية بسندها عن أبي الأسود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومسانيد الأئمة الأربعة، وفقه الحنابلة، وكثير من كتب الأئمة المشهورين.
انتهى المراد منه.
والمقصود: أن المؤسس لهذه الدعوة المحمدية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى لم يكن قائماً بها على جهل، أو طلب جاه أو علو في الأرض أو التماس لحطام الدنيا، حماه الله من ذلك. بل قد جد واجتهد رحمه الله في تحصيل علو الدين ورحل في طلبها إلى الأمصار، وزاحم فيها العلماء الكبار، فشهدوا له بتحصيلها وإتقانه وأجازه فيها الفحول من علماء زمانه فقد أدركته عناية أحكم الحاكمين "ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين" وقد قام بأعباء هذه الدعوة، وصبر على ما ناله فيها من المحنة والجفوة، حتى أظهره الله تعالى على أعداء الحق، فظهر الحق وبان، واستذل الباطل وأهله واستكان، فله الحمد والمنة لا نحصي ثناء عليه.
وقد ذكر العلامة المؤرخ محمود فهمي المصري المتوفى بجزيرة سيلان في سياق ما كتبه عن سيرة الوهابيين وشيخهم محمد بن عبد الوهاب، قال: ويحتمل أن المؤسس الأكبر لهذا المذهب لم يتقلد أدنى وظيفة أخرى، سوى أنه كان حاكمهم الدياني، وكان مقره الثابت في الدرعية بأرض نجدن حتى توفى في سنة 1206هـ من بعد أن تقدم في العمر حتى بلغ خمساً وتسعين سنة، واستحوذ على الدرجة العالمية من القناعة وأسر القلوب بفصاحة كلامه وعذوبة منطقه، وكان له قوام عجيب في السياسة والحروب، وما يحصل من الوقائع والكروب. واستمر إلى أن بلغ السيادة القسوى بعلمه وسيفه في بلاد العرب، وكان فيه طوع ولين، أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.
وقد تقدم من كلامه رحمه الله عن الوهابيين ما فيه كفاية.
وأما قول المعترض: "كان أبوه عالماً فاضلاً ورعاً" فهذا حق، فإن الشيخ عبد الوهاب والد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى، كان على جانب عظيم من العلم والفضل، مشهوراً بورعه وزهده. وقد قال الشيخ العلامة المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر (1) في تاريخه "عنوان المجد" وأما الشيخ عبد الوهاب فهو العالم العلامة الكامل الورع الزاهد له المعرفة الكاملة في علوم الشريعة وآلاتها، تولى القضاء في عدة أماكن من نجد منها العيينة وحريملا، وله مؤلفات حسنة، ورسائل مستحسنة، ورأيت له أسئلة وأجوبة أعجبني حسنها، وهي دالة في غزارة علمه وسعة اطلاعه، انتهى.
وأما قول المعترض: "وكان يتفرس في ابنه هذا الشقاوة. . . إلى آخره". فهذه دعوى كاذبة باطلة مرذولة، تحكي دين وأمانة من اخترعها. فإن الشيخ عبد الوهاب رحمه الله قد أثنى على ولده محمد ثناء جميلاً بقوله فيه: إنه يتعجب من فهم ابنه محمد وإدراكه قبل بلوغه الاحتلام. ويقول أيضاً: لقد استفدت من ولدي محمد فوائد من الأحكام. وقد كتب الشيخ عبد الوهاب رسالة إلى بعض إخوانه نوه فيها بشأن ابنه الشيخ محمد، وما هو حائز عليه من الفهم والحفظ والإتقان الذي يعد فيه آية من آيات الله. قال: وقد تحققت أنه بلغ الاحتلام قبل إكماله اثنتي عشرة سنة فرأيته أهلاً للإمامة في الصلاة بالجماعة فقدمته لمعرفته بالأحكام. . . إلى آخر ما ذكره.
فكيف يكون هذا الشيخ الجليل – مع علمه وفضله وورعه الذي أقر له به هذا المعترض – يتفرس في ابنه الشقاوة، ثم هو مع ذلك يثني عليه، وينوه بعلو شأنه في العلم والفهم، ويقدمه للإمامة في صلاة الجماعة بين يديه؟ هذا تناقض شنيع، محال أن يتصف به عالم فاضل ورع، وكذلك العلماء الذين قال عنهم المعترض: إنهم يتفرسون فيه الشقاوة، كيف تتفق هذه الفراسة مع طلبه العلم
(1) ولد عام 1210هـ وتوفي عام 1290هـ ويعتبر من أوثق المؤرخين.
عليهم وتحصيله له وإجازتهم له فيه؟ إن هذين ضدان لا يجتمعان، بل نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم.
ثم يقال لهذا الملحد: ومن هذا الذي تفرس فيه الشقاوة؟ ومن هو الناقل عنه؟ وما وجه هذه الفراسة وما مصدرها غيرك أيها الكذاب؟ "ولو يعطى الناس بدعواهم لا دعى رجال دماء أقوام وأموالهم" فلا كل ناقل صادق، ولا كل طاعن مقبول، فالحق أحق أن يتبع.
وأما قوله: "وكان يميل لمطالعة أخبار من ادعوا النبوة، ويكتم هذا الفكر في نفسه".
فهذا من نمط ما قبله من الافتراء وقلة الحياء. وفي الحديث: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" فمن أين عرف هذا الملحد أن الشيخ كان يميل لمطالعة أخبار من ادعوا النبوة، ما دام يكتم هذا الفكر في نفسه؟ فهل عنده علم من الغيب، أم هو الذي يدعي النبوة ويزعم أن الوحي ينزل عليه من السماء يخبره عن بواطن العباد وما يسرونه في أنفسهم؟ أم هو محض الافتراء والكذب على الله وعلى عباده المؤمنين؟ وقد قال تعالى:{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل، الآية:105] وهل قام هذا الملحد وأمثاله بعداوتهم للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتقولوا عليه الكذب إلا بسبب ما قام به الشيخ من الدعوة إلى تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله، لأن الخصومة بينه وبين معارضيه كانت في تحقيق هذين الأصلين اللذين جهل حقيقتهما كثير من الناس، فاكتفوا منهما باللفظ دون المعنى. فجاءوا من الأعمال بما يخالفهما من صرف أنواع العبادة لغير الله تعالى، واتباع غير رسوله صلى الله عليه وسلم. فلما بين الشيخ رحمه الله تعالى أن مجرد الإتيان بلفظ الشهادتين مع مخالفة ما دلتا عليه من أصول التوحيد، ومع الشرك الأكبر في العبادة لا يدخل المكلف في الإسلام إذ المقصود من لفظ الشهادتين: حقيقة الأعمال التي لا يقوم الإيمان بدونها، كمحبة الله وحده، والخضوع له والإنابة
إليه، والتوكل عليه، وإفراده بالاستعانة والاستغاثة فيما لا يقدر عليه سواه، وعدم الإشراك به فيما يستحقه من العبادات، كالدعاء والخوف والرجاء، والذبح والنذر ونحو ذلك من العبادات التي هي معنى شهادة أن لا إله إلا الله. وأما شهادة أن محمداً رسول الله: فتصديقه فيما جاء به من عند الله، واتباعه فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر. قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر، الآية: 7] وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران، الآية: 31] فمن ابتغى طريقاً إلى الله غير طريقه صلى الله عليه وسلم فإنه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله، فإن الطرق إلى الله تعالى من يوم بعثته صلى الله عليه وسلم مسدودة إلا من طريقه، ومن طلب الهدى من غير هديه ضل سواء السبيل.
وقد كثرت الطرق المخالفة لطريقه صلى الله عليه وسلم من أناس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله لفظاً فقط، مع مخالفة أعمالهم لما دلت عليه هاتا الشهادتان من أفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة، وفرض الاتباع لرسول صلى الله عليه وسلم دون غيره. فلما قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بالدعوة إلى تحقيق هذين الأصلين عارضه ورثة أبي جهل وقالوا له كما قال أسلافهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص، الآية: 5] ورموه بالجنون والسحر ورموا أصحابه بأنهم صابئة وأنهم حثالة وغثاء. وكذلك أتباعهم على الحقيقة لهم قسط من إرثهم فسماهم هؤلاء الملاحدة خوارج ومشبهة ووهابية يميلون إلى أخبار من ادعوا النبوة وأمثال هذه المفتريات التي لا تروج إلى على كل جاهل لا يدرك الحقائق. وكيف تخفى الحقائق على من عنده أدنى اطلاع وبصيرة يفرق بهما بين الحق والباطل؟ فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد أشهر مذهبه ودعوته التي يدعو الناس إليها في مصنفاته المطولة ورسائله المختصرة فلم يترك لمعارضيه شبهة إلا كشفها، ولا طريقاً توصل إلى الله وإلى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم على بينهما وأوضحها. وقد جاهد بلسانه وقلمه وسارت الكتائب من جيوش الموحدين لجهاد المشركين والمعاندين بأمره لتكون كلمة الله هي العليا ودينه الظاهر، فقد حمى حما التوحيد لله تعالى علناً لم يخف في الله لومة لائم.