الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيطان، مع ما اشتمل عليه من الكذب لزعمه أن من وجه اعتراضه إليهم: يستعملون المغالطة مع الجهال في إرشادهم لما كان عليه السلف الصالح من تجريدهم الاتباع لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنهم يقولون لهم: إن الدين كان واحداً فجعلوه أربعة. فمع ما تضمنه كلام المعترض من سوء التعبير وفساد التركيب، فمراده – والله أعلم – أن الضمير في "جعلوه" راجع إلى الأئمة الأربعة وهذا منه بناء على أنه من أتباعهم المتعبدين بمذهبهم.
فنقول: إن هذه الدعوى هي عين المغالطة، حيث جعل الأئمة رحمهم الله تعالى جنة لاتباع هواه لا لاتباعهم، ونسب مذهب أئمة أهل البدع إلى الأئمة الأربعة ترويجاً لباطلهم على الجهال المقلدين لكل ناعق أمثالهم. ورمى أتباعا الأئمة والسلف الصالح على الحقيقة بأنهم يفترون على الأئمة ويعادونهم ويحسدونهم وهذه دعوى لا تروج إلا على أجنبي عن دين الإسلام ومعرفة أئمته الأعلام، ومكانتهم من أهل السنة والجماعة على الحقيقة. إذ لا يوجد أحد من المسلمين يقول: بأن واحداً من الأئمة رضي الله عنهم أمر الناس بتقليده أوتقليد غيره، فإن ادعى ذلك احد من المسلمين فهو المفتري عليهم، كما لا يوجد احد من المسلمين ينكر أن الأئمة الأربعة رضي الله عنهم نهوا عن تقليدهم وتقليد غيرهم فإن أنكر ذلك أحد من المسلمين فقد افترى عليهم وعاداهم فكيف ينسب إليهم من يدعي الإسلام أنهم فرقوا الدين، ويفتري عليهم ويحسدهم ويعاديهم؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
ونحن نورد من كلام الأئمة رضي الله عنهم في هذا المعنى ما بيبين ضلال هذا المعترض.
نقل ابن القيم عن الأئمة النهي عن التقليد
…
قال الإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله تعالى في أعلام الموقعين: فصل. وقد نهى الأئمة الأربعة رضي الله عنهم عن تقليدهم، وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة. فقال الشافعي رحمه الله:"مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل، يحمل حزمة حطب وفيها أفعى تلدغه وهو لا يدري" ذكره البيهقي.
وقال إسماعيل بن يحيى المزني في مختصره: اختصرت هذا من علم الشافعي ومن معنى قوله لأقر به على من أراده، مع إعلاميه نهيه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه ويحتاط لنفسه.
وقال أبو داود: قلت لأحمد: الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ قال: لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء. ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد: الرجل مخير فيهم وقد فرق أحمد بين التقليد والاتباع. فقال أبو داود سمعته يقول: الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، ثم هو بعد في التابعين مخير. وقال أيضاً: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الثوري ولا الأوزاعي. وخذ من حيث أخذوا، وقال: من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال.
وقال بشر بن الوليد: قال أبو يوسف: لا يحل لأحد أن يقول بمقالتنا حتى يعلم من أين قلنا.
وقد صرح مالك رحمه الله تعالى بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي: إنه يستتاب، فكيف بمن ترك قول الله وقول رسوله لقول من هو دون إبراهيم أو مثله؟
وقال جعفر: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني الهيثم بن جميل قال قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، إن عندنا قوماً وضعوا كتباً يقول أحدهم: حدثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب بكذا، وفلان عن إبراهيم بكذا ويأخذون بقول إبراهيم؟ قال مالك: وصح عندهم قول عمر؟ قلت: إنما هي رواية، كما صح عندهم قول إبراهيم. فقال مالك: هؤلاء يستتابون. انتهى.
فهذا كلام الأئمة رضي الله عنهم صريح في النهي عن تقليدهم وتقليد غيرهم ما عدا الصحابة رضي الله عنهم الذي لا يجوز المعترض تقليدهم. فما هو وجه الاعتراض على الأئمة، كما زعم المعترض؟ وأي لوم يوجه إليهم كما يدعيه هذا الجاهل ومن قلدهم من أهل البدع الذين ينسبوه ما هم عليه من الضلال مذهباً للأئمة الأربعة؟ وهذا من أعظم الظلم والعدوان والمغالطة.