الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما كان فعلهم ذلك احتياطاً على دينهم ورجاء أن يخلى بينهم وبين عبادة ربهم يذكرونه آمنين مطمئنين. وهذا حكم مستمر متى غلب المنكر في بلد آخر، أي بلد كان، يخلى بينه وبين دينه، ويظهر فيه عبادة ربه. فإن الخروج على هذا الوجه حتم على المؤمن، وهذه الهجرة التي لا تنقطع إلى يوم القيامة {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة، الآية:115] انتهى.
وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم"وذكر ما رواه مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: "اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار، فنادى المهاجري: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ إلى آخر الحديث. قال: فهذان الاسمان "المهاجرون والأنصار" اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة وسماهما بهما كما سمانا بالمسلمين من قبل. وفي هذا أن انتساب الرجل إلى المهاجرين والأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط كالانتساب إلى القبائل والأمصار، ولا من المكروه والملحق به، كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى. انتهى.
وبهذا تعرف أن هذا المعترض جاهل ضال، فهو يعترض على الأسماء الشرعية وتطيب لقلبه ونفسه الخبيثة: أسماء الفرق المبتدعة التي خالفت ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه.
موقف سليمان بن عبد الوهاب من أخيه الشيخ محمد وكذب الملحد في روايته عنه
…
وأما قول المعترض: "فلما مات قام بالدعوة ابنه عبد الله، فلما مات قام ابنه سليمان بن عبد الله فقتله إبراهيم باشا".
أقول: هذا خطأ وتخليط كالذي قبله. فإن الشيخ رحمه الله لما توفي ولي القضاء بعده ابنه حسين، ثم تولي القضاء بعد الشيخ حسين أخوه عبد الله، فنقله إبراهيم باشا فيمن نقل إلى مصر. وأما أولاد الشيخ عبد الله الشيخ سليمان وأخوه الشيخ علي، فقد قتلهما إبراهيم باشا الذي اشتهر بقتل العلماء في بلاد تجد وفي بلاد الأناضول حين خروجه على دوله خليفة المسلمين.
وأما قول المعترض: "وممن تصدى للرد على محمد المذكور ومناظرته: أخوه سليمان".
أقول: إنه لا دخل لقريب ولا بعيد في الهداية إلى الدين، وإن أنكر سليمان على أخيه ورد عليه وناظره، فلا يلزم من ذلك كون سليمان على الحق، وكون أخيه محمد على الباطل، وفي الأنبياء عبرة بنوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم ومع هذا فقد هدى الله سليمان إلى الحق، فرجع عن غيه (1) ، وأعلن خطأه، وأظهر توبته عما سلف منه. وكتب في ذلك رسالة هذا نصها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، من سليمان بن عبد الوهاب إلى الإخوان أحمد بن محمد التويجري وأحمد ومحمد ابنا عثمان بن شبانه، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأذكركم ما من الله به علينا وعليكم من معرفة دينه، ومعرفة ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده، وبصرنا من العمى، وأنقذنا من الضلالة. وأذكركم بعد أن جئتمونا في الدرعية من معرفتكم الحق على وجهه، وابتهاجكم وثنائكم على الله تعالى الذي أنقذكم. وهذا دأبكم في سائر مجالسكم عندنا، وكل من جاءنا من المجمعة يثني عليكم والحمد لله على ذلك. وكتبت لكم بعد ذلك كتابين غير هذا أذكركم وأعظكم، ولكن يا إخواني معلومكم ماجرى منا من مخالفة الحق، واتباعنا سبل الشيطان، ومجاهدتنا في الصد عن اتباع سبل الهدى. واليوم معلومكم: لم يبق من أعمارنا إلا اليسير، والأيام معدودة، والأنفاس محسوبة، والمأمول منا أن تقوم لله ونفعل مع الهدى أكثر مما فعلنا مع الضلال، وأن يكون ذلك لله وحده لا شريك له، لا لما سواه لعل الله سبحانه يمحو عنا سيئات ما مضى وسيئات ما بقي. ومعلومكم عظم الجهاد في سبيل الله وما يكفر من الذنوب، وأن الجهاد باليد والقلب واللسان والمال، وتفهمون أجر من هدى الله به رجلاً
(1) الصحيحة أن الشيخ توقف حتى تظهر نتيجة حرب الرياض مع الدرعية. كما توقف غيره. فلما انتهت بالإستيلاء على الرياض ودخول أهلها في الدين، جاء سليمان وغيره من العلماء المتوقفين للمبايعة. ينظر في هذا بحث للدكتور محمد الشويعر باسم الشيخ سليمان بن عبد الوهاب المفترى عليه مجلة البحوث الإسلامية العدد ص 60 ص 255- 300.
واحداً. والمطلوب منكم: أكثر ما تفعلون الآن، وأن تقوموا لله قيام صدق وأن تبينوا للناس الحق على وجهه، وأن تصرحوا لهم تصريحاً بيناً بما كنتم عليه سابقاً من الغي والضلال، فيا إخواني الله الله، فالأمر أعظم من ذلك، فلو خرجنا نجأر إلى الله في الفلوات وعدنا الناس من السفهاء والمجانين في ذلك لما كان بكثير منا. وأنتم رؤساء الدين والدنيا في مكانكم أعز من الشيوخ، والعوام كلهم تبع لكم، فاحمدوا الله على ذلك ولا تتعللوا بشيء من الموانع إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يرى ما يكره، ولكن أرشدكم في ذلك إلى الصبر، كما حكى الله تعالى عن العبد الصالح في وصيته لابنه، فلا أحق من أن تحبوا الله، وتبغضوا لله، وتوالوا لله وتعادوا لله، وترى يعرض في هذا أمور شيطانية، وهي أن من الناس من ينتسب لهذا الدين، وربما يلقى الشيطان، أن هذا ما هو صادق، وأن له ملحوظاً دنيوياً وهذا أمر ما يطلع عليه إلا الله تعالى، فإذا أظهر أحد الخير فاقبلوا منه وولوه، فإذا ظهر من أحد شر وإدبار عن الدين فعادوه واكرهوه، ولو أنه أحب حبيب، وجامع الأمر في هذا أن الله خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، ومن رحمته بعث لنا رسولاً يأمرنا بما خلقنا له، ويبين لنا طريقته. وأعظم ما نهانا عنه: الشرك بالله، وأمرنا بعداوة أهله وبغضهم، وتبيين الحق وتبيين الباطل. فمن التزم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أخوك ولو هو أبغض بغيض، ومن تنكب عن الصراط المستقيم فهو عدوك ولو هو ولدك أو أخوك. وهذا شيء أذكركموه، مع أني بحمد الله أعلم أنكم تعلمون ما ذكرت لكم ومع هذا فلا عذر لكم عن التبيين الكامل الذي لا يبقى معه لبس، وأن تذكروا دائماً في مجالسكم ما جرى منا ومنكم، وأن تقوموا مع الحق أكثر من قيامكم مع الباطل. فلا أحق من ذلك، ولا لكم عذر لأن اليوم الدين والدنيا ولله الحمد مجتمعة في ذلك. فتذاكوا ما أنتم فيه أولاً في أمور الدنيا من الخوف والأذى واعتلاء الظلمة والفسقة عليكم، ثم رفع الله ذلك كله بالدين، وجعلكم السادة والقادة ثم أيضاً ما من الله به عليكم من الدين انظروا إلى مسألة واحدة فمما نحن فيه من الجهالة، كون البدو تجري عليهم أحكام الإسلام مع معرفتنا أن الصحابة قاتلوا أهل الردة وأكثرهم متكلمون بالإسلام، ومنهم من أتى
بأركانه. ومع معرفتنا أن من كذب بحرف من القرآن كفر ولو كان عابداً، وأن من استهزأ بالدين أو بشيء منه فهو كافر، وأن من جحد حكماً مجمعاً عليه فهو كافر، إلى غير ذلك من الأحكام المكفرات. وهذا كله مجتمع في البدوى وأزيد. ونجري عليهم أحكام الإسلام اتباعاً لتقليد من قبلنا بلا برهان، فيا إخواني تأملوا تذكروا في هذا الأصل لديكم على ما هو أكثر من ذلك، وأنا أكثرت عليكم الكلام لوثوقي بكم أنكم ما تشكون في شيء فيما تحاذرون، ونصيحتي لكم ولنفسي، والعمدة في هذا أن يصير دأبكم في الليل والنهار أن تجأروا إلى الله أن يعيذكم من أنفسكم وسيئات أعمالكم، وأن يهديكم إلى صراطه المستقيم الذي كان عليه رسله وأنبياؤه وعباده الصالحون. وأن يعيذكم من مضلات الفتن. فالحق وضح وابلَوْلَج، وماذا بعد الحق إلا الضلال، فالله الله. ترى الناس إللي في جهاتكم تبع لكم في الخير والشر فإن فعلتوا ما ذكرت لكم ما قدر أحد من الناس يرميكم بشر، فصرتوا كالأعلام هداة للحيران، فالله سبحانه وتعالى هو المسؤول أن يهدينا وإياكم سبل السلام، والشيخ وعياله وعيالنا طيبين ولله الحمد، ويسلموا عليكم السلام. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. اللهم اغفر لكاتبه ولوالديه ولذريته، ولمن نظر فيه فدعا له بالمغفرة والمسلمين والمسلمات أجمعين".
فأجابوه برسالة ينبغي أن تذكر هنا. ونصها:
"بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد المرسلين من كاتبيه الفقيرين أحمد التويجري وأحمد بن عثمان وأخيه إلى من من الله علينا وعليه باتباع دينه واقتفاء هدى محمد صلى الله عليه وسلم نبيه وأمينه، الأخ سليمان بن عبد الوهاب زادنا الله وإياه من التقوى والإيمان وأعاذنا وإياه من نزغات الشيطان. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد إبلاغ الشيخ وعياله وعبد الله وإخوانه السلام، وبعد فوصل إلينا نصيحتكم جعلكم الله من الأئمة الذين يهدون بأمره، الداعين إليه وإلى دين نبيه صلى الله عليه وسلم. فنحمد الله الذي فتح علينا وهدانا لدينه، وعدلنا عن الشرك والضلال، وأنقذنا من الباطل والبدع المضلة، وبصرنا بالإسلام الصرف الخالي عن شوائب الشرك. فلقد من الله علينا وعليكم
فله الفضل والمنة بما نور لنا من اتباع كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدلنا عن سبيل من ضل بلا برهان. ونسأله أن يتوب علينا وعليكم ويزيدنا من الإيمان. فلقد خضنا فيما مضى بالعدول عن الحق ودحضناه، وارتكبنا الباطل ونصرناه، جهلاً منا وتقليداً لمن قبلنا. فحق علينا أن نقوم مع الحق قيام صدق أكثر مما قمنا مع الباطل على جهلنا وضلالنا. فالمأمول والمبتغى منا ومنكم وجميع إخواننا التبيين الكامل الواضح، لئلا يغتر بأفعالنا الماضية من يقتدي بجهلنا، وأن نتمسك بما اتضح وابلولج من نور الإسلام، وما بين الشيخ رحمه الله تعالى من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم فلقد حاربنا الله ورسوله واتبعنا سبل والضلال. ودعونا إلى سبيل الشيطان، وتنكبنا كتاب الله تعالى وراء ظهورنا جهلاً منا وعداوة، وجاهدنا في الصد عن دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واتبعنا كل شيطان تقليداً وجهلاً. فلا حول ولا قوة إلا بالله:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف، الآية: 23] . {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء، الآية: 87] فالواجب منا لما رزقنا الله تعالى معرفة الحق: أن نقوم معه أكثر وأكثر من قيامنا مع الباطل، ونصرح بالتبيين للناس بأنا كنا على باطل فيما فات، ونقوم له مثنى وفرادى، ونتوكل على الله عسى أن يتوب علينا، ويعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يهدينا سبل السلام، ويجعلنا من الداعين إلى الهدى لا من الدعاة إلى النار. فنحمد الله الذي لا إله إلا هو حيث من علينا بهذا الشيخ في آخر هذا الزمان، وجعله بإذنه وفضله هادياً للتائه الحيران. نسأل الله العظيم أن يمتع به المسلمين ويعيذه من شر كل حاسد وباغ ويبارك في أيامه، وأن يجعل جنة الفردوس مأواه وإيانا، وأن ينفعنا بما بينه. فقلد بين دين نبيه صلى الله عليه وسلم وغم أنف كل جاحد، وصار علماً للحق حين طمس، ومصباحاً للهدى حيث درست أعلامه ونكس، وأطفأ الله به الشرك بعد ظهوره، حتى عبدت الأوثان صرفاً بال رمس. ولم يزل – من الله عليه برضاه – ينادي: أيها الناس هلموا إلى دين نبيكم الذي بعث به إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ثم لم ينقموا منه وعليه إلا أنه يقول: أيها الناس اعبدوا ربكم أو اعطوه حقه الذي خلقكم لأجله،
وخلق لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه. إن الله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات، الآية: 56] وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النمل، الآية: 36] وقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن، الآية: 18] وقال: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران، الآية: 20] وفسر إسلام الوجه بالقصد في العبادة. فإذا دعا غير الله، أو نذر لغير الله، أو استغاث بغير الله، أو توكل على غير الله، أو التجأ إلى غير الله، فهذه عبادة لمن قصد بذلك. هذا والله الشرك الأكبر، وإنا نشهد بذلك وقمنا مع أهله ثلاثين سنة وعادينا من أمر بتجريد التوحيد العداوة البينة التي ما بعدها عداوة. فالواجب علينا اليوم: نصر الله ودينه وكتابه ورسوله والبراءة من الشرك وأهله وعداوتهم وجهادهم باليد واللسان لعل الله أن يتوب علينا ويرحمنا ويستر مخازينا. وأكبر من هذا: البدو الذين لا يدينون دين الحق، لا يصلون ولا يزكون ولا يورثون، ولا لهم نكاح صحيح، ولا حكم عن الله ورسوله يدينون به صريح، ونقول: هم إخواننا في الإسلام، سبحانك هذا بهتان عظيم، ومكابرة لما جاء به رسول رب العالمين. فنقول: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل. فإن اختل من هذا شيء لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس. وإن عمل بالتوحيد ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق شر من الكافر. أعاذنا الله وإياكم من الخزي يوم تبلى السرائر، فالواجب علينا وعلى من نصح نفسه: أن يعمل العمل الذي يحصل به فكاك نفسه، وأن يعبد الله ولا يعبد معه غيره، فالعبادة حق الله على العبيد، ليس لأحد فيها شرك، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلاً عن السفلة والشياطين. وحق الله علينا أن نجأر إليه بالليل والنهار والسر والعلانية في الخلوات والفلوات، عسى أن يتوب علينا ويعفو عنا ما فات، ويعيذنا من مضلات الفتن، فالحق بحمد الله وضح وابلولج، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. انتهى.