الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمسألة زيارة القبور كافة، لا بتحريم ولا كراهة لأن زيارة القبور سنّة متفق عليها عند جميع المسلمين فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بها، وعلمها لأصحابه، فمن فعلها كما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها لأصحابه فهو عامل بسنّة، مأجور عليها ومن أهمل العلم بها فهو تارك لسنّة غير مأزور بتركها.
وأما المسألة التي يتكلم عليها شيخ الإسلام: فهي أم مسائل دين الإسلام وهي تحقيق التوحيد لله تعالى، وإفراده بجميع أنواع العبادات. وهذا التوحيد هو معنى "لا إله إلا الله" لا مجرد لفظها، وبهذا أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ليكون الدين كله لله تعالى. فأين مسألة زيارة القبور- التي هي سنّة- من هذه المسالة- التي هي أصل دين الإسلام؟ {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الروم، الآية:59] ولكن هذا الملحد ومن قلدهم من دعاة الوثنية سموا دعاء الأموات وصرف أنواع العبادات لهم بزيارة القبور، فضلوا وأضلوا كثيراً من الجهلة عن سواء السبيل.
نص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
…
وهذا نص كلام شيخ الإسلام الذي حرفه الملحد بقصد المغالطة.
قال في"ج1، ص 122،121".
فلما ظهر دين المسيح عليه السلام بعد أرسطو بنحو ثلاثمائة سنة- في بلاد الروم واليونان: كانوا على التوحيد، إلى أن ظهرت فيهم البدع، فصوروا الصور المرقومة في الحيطان، وجعلوا هذه الصور عوضاً عن تلك الصور. وكان أولئك يسجدون للشمس والقمر والكواكب، فصار هؤلاء يسجدون إليها إلى جهة الشرق التي تظهر منها الشمس والقمر والكواكب، وجعلوا السجود إليها بدلاً عن السجود لها ولهذا جاء خاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه الذي ختم الله به الرسالة، وأظهر به من كمال التوحيد ما لم يظهر من قبله. فأمر صلى الله عليه وسلم أن لا يتحرى أحد بصلاته طلوع الشمس ولا غروبها، لأن المشركين يسجدون لها تلك الساعة. فإذا صلى الموحدون لله عز وجل في تلك الساعة صار ذلك نوع مشابهة لهم، فيتخذ ذريعة إلى السجود لهاز وكان من أعظم
أسباب عبادة الأصنام: تصوير الصور وتعظيم القبور. ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأمرني أن لا أدع قبراً مُشْرِفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته" وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا" وفي الصحيحين أنه قال قبل موته بخمس ليال: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك". ولما ذكرت له أم سلمة وأم حبيبة كنيسة بأرض الحبشة- وذكرتا من زخرفها وتصاوير فيها- قال: "أولئكِ كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا تلك التصاوير، أولئكِ شرار الخلق عند الله" متفق عليه. ونهي: " أن يستقبل الرجل القبر في الصلاة" حتى لا يتشبه بالمشركين الذي يسجدون للقبور. ففي الصحيح أنه قال: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها" إلى أمثال ذلك مما فيه تجريد التوحيد لرب العالمين، الذي أنزل الله به كتبه، وأرسل به رسله. فأين هذا ممن يصور صور المخلوقين في الكنائس ويعظمها، ويستشفع بمن صُوّرت على صورته؟ وهل كان أصل عبادة الأصنام في بني آدم من عهد نوح عليه السلام إلا هذا؟ والصلاة إلى الشمس والقمر والكواكب والسجود إليها ذريعة إلى السجود لها. ولم يأمر أحد من الأنبياء باتّخاذ الصور والاستشفاع بأصحابها ولا بالسجود إلى الشمس والقمر والكواكب، وإن كان يذكر عن بعض الأنبياء تصوير صورة لمصلحة، فإن هذا من الأمر التي تتنوع فيها الشرائع بخلاف السجود لها، والاستشفاع بأصحابها. فإن هذا لم يشرعه نبي من الأنبياء ولا أمر قط أحد من الأنبياء أن يدعى غير الله عز وجل، لا عند قبره، ولا في مغيبه، ولا يتشفع به في مغيبه ولا بعد موته. بخلاف الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وفي يوم القيامة، وبالتوسل به بدعائه، والإيمان به. فهذا من شرع الأنبياء عليهم السلام. ولهذا قال تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف، الآية:45] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ
لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء، الآية:25]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل، الآية:36]، وقال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس، الآية:18] وقال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر، الآيات:1-4] .
انتهى ما أشار إليه المعترض من كلام الشيخ في صحيفة "120" وما بعدها من الجزء الأول.
ثم نسوق بعده نص كلام الشيخ في "ج5، ص55" من "الجواب الصحيح" الذي ذكره الملحد.
قال الشيخ رحمه الله تعالى في سياق الرد على النصارى في دعواهم نفي الشرك عن أنفسهم، مستدلين على ذلك بالآية الكريمة، وهي قوله تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة، الآية:82] .
قال: وأما قولهم: "ونفى عنا اسم الشرك" فلا ريب أن الله تعالى فرق بين المشركين وأهل الكتاب في عدة مواضع، ووصف من أشرك منهم في بعض المواضع، بل قد ميز بين الصابئين والمجوس، وبين المشركين في بعض المواضع وكلا الأمرين حق، فالأول: كقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة، الآية: 1] وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا
وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج، الآية:17]، وقال تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة، الآية:82]، وأما وصفهم بالشرك ففي قوله:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة، الآية:31] فنزه نفسه تعالى عن شركهم. وذلك أن أصل دينهم: ليس فيه شرك، فإن الله إنما بعث رسله بالتوحيد، والنهي عن الشرك كما قال تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف، الآية:45]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل، الآية:36]، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء، الآية:25] فالمسيح صلوات الله وسلامه عليه ومن قبله من الرسل إنما دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وفي التوراة من ذلك ما يعظم وصفه، لم يأمر أحد من الأنبياء بأن يعبد ملك، ولا نبي ولا كوكب ولا وثن، ولا أن تسأل الشفاعة إلى الله من ميت ولا غائب ولا نبي ولا ملك، فلم يأمر أحد من الرسل بأن يدعو الملائكة، ويقول: اشفعوا لنا إلى الله، ولا يدعو الأنبياء ولا الصالحين من الموتى والغائبين. ويقول: اشفعوا لنا إلى الله، ولا نصور تماثيلهم ولا مجسدة ذات ظل، ولا مصورة في الحيطان. ولا يجعل دعاء تماثيلهم وتعظيمها قربة وطاعة، وسواء قصدوا دعاء أصحاب التماثيل وتعظيمهم والاستشفاع بهم، وطلبوا منهم أن يسألوا الله تعالى وجعلوا تلك التماثيل تذكرة بأصحابها، أو قصدوا دعاء التماثيل، ولم يستشعروا أن المقصود دعاء أصحابها، كما فعله جهال المشركين، وإن كانوا في هذا جميعه إنما يعبدون الشيطان. وإن كانوا لا يقصدون عبادته فإنه قد يتصور لهم في صورة ما، يظنون أنها صورة الذي يعظّمونه. ويقول: أنا الخضر، أنا المسيح، أنا جرجس، أنا الشيخ فلان، كما وقع هذا لغير واحد من المنتسبين إلى المسلمين والنصارى. وقد يدخل الشيطان في بعض التماثيل فيخاطبهم وقد يقضي بعض حاجاتهم.