الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحة الإجماع بأن لا يكون في الحكم المجمع عليه خلاف بين اثنين.
قال: "وهذا يتناول القرآن العظيم" وقد بينا كذبه في هذه الدعوى فيما مضى.
وأما ما يتعلق بالإجماع فقد مضى أيضاً بيانه وما قاله المعترض من رفع الحرج واختلاف الصحابة والتابعين والأئمة وما جاء به من الخبط والتخليط. فهذه هي بضاعته الكاسدة التي لا تستحق النظر فيها، ولا الالتفات إليها، وليس لما يقوله قيمة إلا عند الأغبياء أمثاله وليس من قصدنا تتبع هفواته في مثل هذه المسائل إنما قصدنا الرد عليه فيما غيره من أصول الدين، ودعا إليه من الشرك والبدع وما افتراه من الكذب على أئمة المسلمين.
ادعاء الملحد بأن الإجماع عرف بعد عصر الأئمة الأربعة
…
إلى أن قال الملحد: "وكل ذي قلب طاهر وعقل سليم يعلم يقيناً أن اختلاف الأئمة في بعض الفروع، لا يجوز جعله حجة على أن الدين كان واحداً فجعلوه أربعة. ولو جاز هذا القول لتعدى إلى الصحابة رضي الله عنهم لأن الاختلاف بينهم في بعض الفروع ثابت بالتواتر، بل يستطرد للرسول عليه الصلاة والسلام وهذا كفر يتبرأ المسلمون منه".
أقول: إن ما زعمه هذا المعترض الملحد وما لفقه من القول الساقط ورتبه عليه من تعديته إلى الصحابة رضي الله عنهم، بل نسبه إلى مقام النبوة قول مخترع وكذب مصطنع، أوحته إلى هذا المعترض شياطينه. قال تعالى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام، الآية: 121] أما الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى: فإن مقامهم بحمد الله محفوظ عند جميع المسلمين من أهل السنة لا يختلف فيه منهم اثنان، وذلك لفضلهم وعلو قدرهم في العلم والإمامة. فأما من ينتسب إليهم وليس هو على طريقتهم فهذا من الذين فرقوا الدين وفارقوا طريق الأئمة الأربعة. وإذا كان ما يزعمه هذا المعترض من القول في حق الأئمة زوراً وبهتاناً فهو في تعديته إلى الصحابة رضي الله عنهم أولى وأحرى. وليت هذا الملحد وقف في هذا القول عند هذا
الحد من الخوض في حق الصحابة الأئمة الأربعة بل تعداه إلى مقام الرسول صلى الله عليه وسلم. فزعم أن الخلاف يتطرق إلى أعماله وأقواله فما هو هذا الخلاف الذي يستطرد إلى الرسول أيها الملحد الشاك المرتاب؟ أخزاك الله.
قال المعترض: "ولو نصحتم أنفسكم لعرفتم أن الإجماع الذي أنعم الله به علينا معشر أهل السنة لم يكن مثله لأمة من الأمم أو نحلة من النحل. فنحن أهل السنة – البالغ عددنا نحو ما ئتين وخمسين مليوناً منتشرين في كل جهة من كرة الأرض – لم نزل تفقين على أخذ أصول ديننا وفروعه عن الأئمة الأبعة العظام وبواسطتهم إلى نبيناً عليه الصلاة والسلام. لا فرق في تصديق روايتهم وإخلاص مقاصدهم وبراءة ذمتهم بين علمائنا وعوامنا ولو أن سائلاً سأل كل فرد منا عن إمامه وجمع أجوبتهم لما وجد بينهم واحداً ينتسب إلى إمام خامس، فأي إجماع من عهد آدم إلى الآن أعظم من هذا الإجماع؟ الذي لا يحاول إنكاره إلا من ران على قلبه وختم الله على بصره وسمعه".
أقول: إن هذا المعترض أحق بنصح نفسه، فإنه ممن قال الله فيهم:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: الآية: 44] مع أنه ليس من الداعين إلى البر، بل هو من الدعاة إلى الشرك بالله، والبدع في الدين. فقد أعماه الهوى وغلب عليه الجهل، فصار يخوض في دين الله بهواه ووحي شيطانه، وليس له فيه سند من كتاب ولا سنة ولا مستند يرجع إليه من أقوال أئمة أهل السنة. فقد زعم أن إجماع العوام وأهل البدع والأهواء على مخالفة الكتاب والسنة، والانحراف عن طريق الصحابة والتابعين لهم بإحسان، نعمة أنعم الله بها على هذه الأمة لم تكن لأمة غيرها من الأمم، وهذا قول معتوه جاهل لا يصدر إلا من مثل هذا المعترض الأحمق الذي يعتقد أن الإجماع شرع قائم بنفسه، قد شرعه الله ورسوله توسعة لهذه الأمة فكل فرد منها أو طائفة يستحسنون عملاً لم يرد به الشرع، أو يبتدعون بدعة في الدين بشرط أن يتبعهم عليها العوام والجهلة الطغام، فعلمهم هذا يكون إجماعاً شرعياً على مذهب الحاج مختار وشيخه دحلان المتلاعبين بدين الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فإنهم لا يعتنون بشيء من
علوم الشريعة الصحيحة فيتقيدون به ولا يقفون عند حدودها وإنما هو من أهل الأهواء الذين لم يعتمدوا في أخذ دينهم كتاب ربهم، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بل اعتمدوا على غرورهم واستحسان عقولهم الفاسدة، فقد جمعوا بين المتناقضات فزعموا أن الاجتهاد قد انقطع من بعد عصر الأئمة الأربعة، وأن من خرج عن تقليدهم فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. ومع ذلك يقولون بصحة وقوع الإجماع في كل زمان مع إقرارهم بأن تعريف الإجماع المتفق بصحة وقوع الإجماع في كل زمان مع إقرارهم بأن تعريف الإجماع المتفق عليه بين جميع أهل المذاهب أنه اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي. فكيف يتصور وقوع الإجماع مع القول بانقطاع الاجتهاد، وعدم وجود المجتهدين من بعد عصر الأئمة الأربعة؟ هذا هو غاية التناقض.
وأغرب من هذا: أن المعترض قد ذكر في محل آخر من رسالته هذه كلاماً يقول فيه: "إن الشرع عندنا مبني على ثلاثة أركان، وهي: الأصول، والفروع، والقياس – ثم يقول بعد ذلك – وبعد قرن الأئمة الأربعة وظهور البدع والمنحل: أضاف العلماء للأركان الثلاثة ركناً رابعاً وهو الإجماع".
فزعم أن علماءهم هم الذين جعلوا الإجماع ركناً رابعاً للشرع. وذلك بعد عصر الأئمة الأربعة، أما قبل عصر الأئمة الأربعة فلم يكن هناك إجماع على زعمه وليس هو بحجة. وهذا منتهى الجهل والغباوة اللذين لا ينازع الحاج مختار فيهما أحد قبله ولا بعده من البله الذين هم كسائمة الأنعام.
وقد تقدم الكلام على الإجماع وتفصيل القول فيه، بما أغنى عن إعادته. وحاصله: أن كل إجماع لا يستند إلى دليل من الكتاب والسنة فليس بإجماع، بل الإجماع دليل على وجود نص شرعي، وإن خفي على بعض المجتمعين فلا يخفى على الباقين. وهذا ينطبق على عصر الصحابة رضي الله عنهم. أما بعد عصرهم فقد يتعذر العلم بوقوع الإجماع ممن ينعقد بهم لما ذكر في محله من الموانع التي يتعسر معها – بل يستحيل – معرفة صحة وقوع الإجماع من جميع علماء الأمة المجتهدين الذين تفرقوا في الأقطار البعيدة المتنائية الأطراف. وهي