الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى وأنهم يشفعون لهم عند الله وقد جاء القرآن بتكذيبهم وتضليلهم ودحض باطلهم لا كما يدعي هذا الملحد.
قوله بحياة الرسول في قبره والرد عليه
…
وأما قوله: "وحيث إن هذه المسألة ذات فروع، ويتعلق بها مسائل أخر فأقسمها إلى مباحث:
المبحث الأول: في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم أن هذه المسألة من أهم المسائل التي اختلف فيها علماؤها ببعضهم، وهم والمعتزلة وغيرهم. وسببه عدم وجود نص في القرآن العظيم يبيّن كيفية حياته عليه الصلاة والسلام بعد وفاته، يؤيد الأحاديث الدالة على حياته الجسدية بعد وفاته، وحيث إن هذه الأحاديث مع أحاديث المعراج المشيرة لحياة بعض الرسل الذين رآهم عليه الصلاة والسلام في تلك الليلة، وآيتي سورة البقرة وسورة آل عمران المذكور فيهما حياة الشهداء: تكون حجة قوية بإثبات حياته الجسدية من نص القرآن بقاعدة القياس التي هي أحد أصول الدين عندنا. فما أدري كيف غفل علماؤنا عنها؟ وذهب النافون منهم وراء تعاليل يعارضها النص والعقل
…
إلى آخر ما هذى به".
والجواب: أن في كلام هذا الأحمق من العجمة وسوء التعبير ما هو اللائق بجهله وحماقته. وقد جعل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم البرزخية بعد وفاته من فروع مسألة التوسل ومتعلقاتها. وثم مضى في بيداء جهله وإتّباع هواه يقلب الحقائق وينصر الباطل والله تعالى لا يصلح عمل المفسدين.
فأما قوله: "اعلم أن هذه المسألة من أهم المسائل التي اختلف فيها علماؤنا ببعضهم وهم والمعتزلة وغيرهم".
فنقول: إن هذه المسألة التي يعنيها الأحمق ليست كما قال: ذات أهمية لغموضها، وعدم بيانها إلا عليه وعلى علمائه الذين ذكرهم. وإلا فقد وردت بها نصوص الكتاب والسنّة، ولم يختلف أحد من علماء المسلمين المقتدى بهم في أن هذه الحياة البرزخية عامة لجميع الخلق. أما حياة الشهداء البرزخية التي
خصوا بها دون غيرهم فهي جزاء لهم على ما قاموا به من إجابة داعي الجهاد في سبيل الله تعالى وبيع أرواحهم لله ابتغاء مرضاته، وطلباً لوعده بأن لهم الجنة في الدار الباقية، يرزقون من نعيمها المقيم، في حياتهم البرزخية قبل غيرهم، لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى. لا أنهم يردون إلى الحياة الدنيا حياة الهم والحزن والتكليف، كما يريده لهم هذا الأحمق ومشايخه أمثال دحلان والنبهاني الذين يزعمون أنهم أحيوا بعد موتهم، وردوا إلى حياتهم الدنيا إلا أنّا لا نراهم، وأنه يسمعون دعاء من يدعوهم، ويجيبون سؤال من يسألهم. ويقولون فوق ذلك: إن الأموات أفضل من الأحياء، وأقرب إلى الله تعالى منهم. فهم أولى وأحق بأن يسأل منهم كل ما يجوز سؤالهم من الأحياء والله تعالى يقول:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر، الآية:22] .
وأما قوله: "إن سبب هذا الاختلاف هو عدم وجود نص في القرآن العظيم يبيّن كيفية حياته عليه الصلاة والسلام بعد وفاته".
فالجواب: أن هذا الأحمق قد غفل أو تغافل، أو جهل أو تجاهل، عما أنزله الله تعالى في كتابه الكريم، وما جاء في سنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: الآيتان30-31] وقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران، الآية:144]، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء، الآيتان:34-35] ففي هذه الآيات قد سوى الله تعالى بين نبيه صلى الله عليه وسلم وبين كل مخلوق في الموت والبعث، والاختصام عنده تعالى. وقال سبحانه وتعالى عن عبده ونبيه عيسى عليه السلام:{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة، الآية: 117] وأما السنّة فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ابن آدم انقطع
عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" وروى البخاري في صحيحه حديث الحوض وفيه:"ليردن عليَّ أناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي. فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك" وروى البخاري أيضاً في صحيحه عن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني فرطكم على الحوض، من مر عليّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردن عليَّ أقوام لم أعرفهم، ثم يحال بيني وبينهم" قال أبو حاتم: فسمعني النعمان بن عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم، فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري سمعته وهو يزيد فيه: "فأقول: إنهم من أمتي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي". وروى البخاري عن ابن عباس رض الله عنهما قال: "لما حُضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال- فقال النبي صلى الله عليه وسلم هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا عني. فكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لنا ذلك، لاختلافهم ولغطهم". وأخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني مقبوض" وفي شرح المواهب اللدنية قال: ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال للناس: خذوا عني مناسككم، فلعلني لا ألقاكم بعد عامي هذا، وطفق يودع الناس. فقالوا: هذه حجة الوداع، فلما رجع من حجه إلى المدينة جمع الناس بما يدعي خَمًّا في طريقه بين مكة والمدينة. فخطبهم وقال- بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ- أيها الناس، إنما أنا بشر مثلكم، يوشك أن يأتيني رسول ربي، فأجيب. ثم خض على التمسك بكتاب الله تعالى ووصى بأهل بيته. وعن عائشة رضي الله عنها: "أن عمر رضي الله عنه لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يقول: والله
ما مات رسول الله، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حياً وميتاً. والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً. ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رِسْلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر رضي الله عنهما، فحمد الله وأنثى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر، الآية:30]، وقال تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران، الآية:144] قال: فنشج الناس يبكون" رواه البخاري. ثم قال: "فرجع عمر رضي الله عنه عن مقالته التي قالها" كما ذكره الوائلي أبو نصر عبد الله في كتاب "الإبانة" عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين بويع أبو بكر رضي الله عنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم استوى على منبره وتشهد عمر رضي الله عنه ثم قال: "أما بعد، فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب الله تعالى، ولا عهد إليَّ رسول الله، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا- أي يكون آخرنا موتاً أو كما قال- فاختار الله ع وجل لرسوله الذي عنده على الذي عندكم. وهذا الكتاب الذي هدى الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه وسلم. فخذوا به تهتدوا لما هدى له رسوله صلى الله عليه وسلم". قال: واختلف في معنى قول أبي بكر رضي الله عنه: "لا يجمع الله عليك الموتتين" فقيل: هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم- هو عمر- أنه: "سيجئ فيقطع أيدي رجال" كما في البخاري في المناقب. قالت عائشة رضي الله عنها: وقال عمر: "وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم" لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى ثانية. إذ لا بد من الموت قبل يوم القيامة. فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين، كما جمعهما على غيره. كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف- أربعة، أو ثمانية، أو عشرة، أو ثلاثون، أو أربعون ألفاً- حذر الموت وهم قوم من بني إسرائيل وقع الطاعون