الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن قول أبي بكر بن أبي داود السجستاني رحمه الله تعالى، في التحريض على علم الحديث:
تمسك بحبل الله واتبع الهدى
…
ولا تك بدعياً لعلك تفلح
ولذ بكتاب الله والسنن التي
…
أتت عن رسول الله تنجو وتربح
ودع عنك آراء الرجال وقولهم
…
فقول رسول الله أزكى وأشرح
ولا تك في قوم تلهو بدينهم
…
فتطعن في أهل الحديث وتقدح
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه
…
فأنت على خير تبيت وتصبح
وقال أبو محمد هبة الله بن الحسن الشيرازي رحمه الله تعالى وعفا عنه:
عليك بأصحاب الحديث، فإنهم
…
على منهج للدين ما زال معجما
وما النور إلا في الحديث وأهله
…
إذا ما دجا الليل البهيم وأظلما
فأعلى البرايا من إلى السنن اعتزى
…
وأعمى البرايا من إلى البدع انتمى
ومن ترك الآثار ضلل سعيه
…
وهل يترك الآثار من كان مسلماً؟
وفي هذا القدر كفاية لكشف زيغ هذا الملحد الضال. وبيان كذبه على أئمة أهل الحديث وبهته لهم بما ليس فيهم جازاه الله بما يستحقه.
بين أئمة المذاهب وأئمة الحديث
…
قال المعترض: "ثانيها: من البديه الذي لا مكابرة فيه، أن رواية الأقرب فالأقرب للشارع أصح وأحكم من رواية الأبعد فالأبعد. ولا نزاع بأن الأئمة الأربعة أقرب عهداً للشارع من أئمة الحديث".
والجواب أن يقال لهذا المعترض: نحن لا نقدم تقليد أئمة أهل الحديث برأي دون الأئمة الأربعة، بل إنما نقدم اتباع أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام التي حملوها إلينا على أقوال الرجال.
وأيضاً: فإنا نجيب هذا الأحمق على حكم بديهته بأن رواية الأقرب فالأقرب للشارع أصح وأحكم. فندعوه إلى رواية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه. فهل في هذا القرب تعليل عند المعترض، أو وسيله أقرب منها فيذكرها لنا؟ فإن زعم
هذا الأحمق – على مذهبه الباطل – أن أحكام الله تعالى لا يصح تلقيها، والعمل بها مباشرة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بواسطة، فليس أقرب ولا أفضل من أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". وهل يشك أحد في أن أصحابه صلى الله عليه وسلم هم أفضل هذه الأمة وأقربها إليه، وأكملها علماً وديناً. وقد تلقوا الشريعة منه صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل عليه وهو بين أظهرهم، ولم يقبضه الله تعالى حتى أكمل لهم الدين وأتم عليهم النعمة فقال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة، الآية: 3] فالرسول صلى الله عليه وسلم بلغ هذا الدين الكامل إلى أصحابه رضي الله عنهم، وأصحابه بلغوه عنه لمن بعدهم، كما سمعوه من نبيهم صلى الله عليه وسلم فهل جاء بعدهم أحد من هذه الأمة بزيادة عن هذا الذي بغله الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه لأصحابه؟ أم هل جاء أعلم منهم بكتابه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو أعلم منهم بلغة العرب الفصحى، لغة القرآن والسنة حتى تدعى الأمة لاتباعه وتقليده دون الصحابة رضي الله عنهم؟ والله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء، الآية: 59] ويقول تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء، الآية: 80] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" هؤلاء هم أصحابه رضي الله عنهم، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟.
قال المعترض: "ومن عجيب التوفيق أنك تجد نحو ربع أو ثلث البخاري متصلاً للإمام مالك، كما أنك تجد سنن أبي داود كأنها ملخصة من موطأ مالك وهذا ظاهر على شدة الثقة والاعتماد على روايات مالك رضي الله عنهم أجمعين".
والجواب: أن هذا الأحمق – بناء على فهمه الفاسد – يشير بهذا الكلام إلى أن أئمة أهل الحديث – كالبخاري وأبي داود – يعتمدون في أغلب نقلهم في كتبهم على الإمام مالك. فهم بذلك مقلدون له لشدة ثقتهم به، واعتمادهم على
روايته. وهذا مبلغه من العلم لأنه جاهل أحمق. يظن أن رواية الحديث من باب القليد، فلا يستغرب هذا على فهمه العاطل. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله
…
الحديث" وعن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نضر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه وبلغه فرب حامل فقه ليس بفقيه" وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم" ذكر هذه الأحاديث ابن عبد البر في جامع بيان العلم. فأئمة أهل الحديث – وإن تأخر زمانهم – فقد اجتمع لهم من سنة رسول الله ما لم يجتمع لمن قبلهم من أفراد الأئمة وذلك بما بذلوه من العناية في جمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من مختلف أقطار الأرض التي تفرق فيه الصحابة. فقد كابدوا الأسفار الطويلة في طلب الأحاديث من حفاظها. واجتهدوا في تدوين متونها، وضبطها وتمحيصها، وجمع طرقها وتحرير رواياتها، ومعرفة حال رجالها، وصحة أسانيدها، وقويها من ضعيفها، وغير ذلك مما يحتاج إليه علم الحديث، وهذا الأمر مما لم تتجه إليه همة كل من سبقهم من الأئمة. وإن كان أغزر منهم علماً وأقوى منهم استنباطاً للأحكام من الكتاب والسنة. فقد حبا الله بعض عباده بفضل، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وجعل فوق كل ذي علم عليم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
قال المعترض: "الوجه الثالث: لا خلاف أن في الكتاب والسنة: الناسخ والمنسوخ. وهذا منه المنسوخ من الكتاب بالكتاب ومنه المنسوخ من الكتاب بالسنة. ومنه المنسوخ من السنة بالسنة. وهذه الأقسام أوسع أسباب الاختلاف بين الصحابة والتابعين والأئمة وفيها العام والخاص، والمقيد والمطلق، والمجمل والمفصل، والظاهر والمضمر – إلى آخره. فهذه كلها أحاط الأئمة الأربعة وأصحابهم بأطرافها وما تركوا فيها زيادة لمستزيد، حال كون أئمة الحديث ما تعرضوا لشيء منها البتة. بل سردوا الأحاديث سرداً في أبوابها على علاتها، فإذا وجدتم حديثاً في البخاري أو غيره في سألة، ومثله في موطأ مالك مثلاً، أحدهما فيه تشديد والثاني فيه ترخيص، فأنى لكم معرفة الناسخ،