الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس. فإن هذه الأزمنة قد غلب على أهلها الكسل، والملل، وحب الدنيا. انتهى ما نقلته من كتاب الرد للإمام السيوطي.
المذهب: معناه دين مبدل
…
وقال الإمام أبو شامة أيضاً في كتاب "المؤمل": وسئل بعض العارفين عن معنى المذهب؟ فأجاب: إن معناه دين مبدل، قال تعالى:{وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً} [الروم، الآيتان: 31 – 32] انتهى.
ولا بأس من إعادة ما نقلته قريباً في ردي هذا عن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالىن قال في كتابه "أعلام الموقعين عن رب العالمين": وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان:
أحدهما: لا يلزمه. وهو الصواب المقطوع به، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب الله ورسوله على أحد أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة ويبرأ أهلها من هذه النسبة. بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له، لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال، ويكون بصيراً بالمذهب على حسبه، أو لمن قرأ كتاباً في فروع ذلك المذهب وعرف فتوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك البتة بل قال: أنا شافعي، أو حنبلي، أو غير ذلك. لم يصر كذلك بمجرد القول، كما لو قال: أنا فقيه، أو نحوي أو كاتب لم يكن كذلك بمجرد قوله.
يوضحه: أن القائل أنه شافعي، أو مالكي، أو حنفي يزعم أنه متبع لذلك الإمام، سالك طريقه. وهذا إنما يصح إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال. فأما مع جهله وبعده جداً عن سيرة الإمام وعلمه وطريقه: فكيف يصح الانتساب إليه بالدعوى المجردة، والقول الفارغ من كل معنى؟ والعامي لا يتصور أن يصح له مذهب، ولو تصور له ذلك لم يلزمه ولا لغيره ولا يلزم أحداً قط أ، يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، بحيث يأخذ أقواله كلها، ويدع أقوال غيره. وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام وهم
أعلى رتبة وأجل قدراً وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك. وأبعد منه قول من قال يلزمه أن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة. فيالله العجب، ماتت مذاهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة الإسلام، وبطلت جملة إلا مذاهب أربعة أنفس من بين سائر الأئمة والفقهاء. وهل قال ذلك أحد من الأئمة أو دعا إليه أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه؟ والذي أوجبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على الصحابة والتابعين وتابعيهم: هو الذي أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة، لا يختلف الواجب ولا يتبدل، وإن اختلفت كيفيته أو قدره باختلاف القدرة والعجز والزمان والمكان والحال فذلك أيضاً تابع لما أوجبه الله ورسوله.
ومن صحح للعامي مذهباً قال: هو قد اعتقد أن هذا المذهب الذي انتسب إليه هو الحق، فعليه الوفاء بموجب اعتقاده، وهذا الذي قاله هؤلاء: لو صح للزمه تحريم استفتاء غير أهل المذهب الذي انتسب إليه، وتحريم تمذهبه بمذهب نظير إمامه أو أرجح منه أو غير ذلك من اللوازم التي يدل فسادها على فساد ملزوماتها، بل يلزم منه أنه إذا رأى نص رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول خلفائه الأربعة مع غير إمامه أن يترك النص وأقوال الصحابة ويقدم عليها قول من انتسب إليه.
وعلى هذا فله أن يستفتي من شاء من أتباع الأئمة وغيرهم، ولا يجب عليه ولا على المفتي أن يتقيد بأحد من الأئمة الأربعة بإجماع الأئمة، كما لا يجب على العالم أن يتقيد بحديث أهل بلده أو غيره من البلاد بل إذا صح الحديث وجب عليه العمل به، حجازياً كان أو عراقياً أو شامياً أو مصرياً أو يمنياً. انتهى.
وقال العالم الأصولي الفقيه الشيخ محمد بن عبد العظيم المكي الحنفي في كتابه "القول السديد" الفصل الأول: اعلم أنه لم يكلف الله أحداً من عباده
بأن يكون حنفياً أو مالكياً أو شافعياً أو حنبلياً، بل أوجب عليهم الإيمان بما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم والعمل بشريعته. انتهى.
وقال الشيخ العلامة صالح بن محمد العمري في كتابه "إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار" وقد نقل كلاماً طويلاً عن ابن العز في حاشية الهدية في العمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال: وقال ابن العز أيضاً: وما يقع لأئمة الفتوى من هذا – أي من ترك العمل بالحديث – فهم مأجورون عليه مغفور لهم. ومن تبين له شيء من ذلك لا يعذر في التقليد. فإن أبا حنيفة وأبا يوسف رحمهما الله تعالى قالا: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه، وإن كان الرجل متبعاً لأبي حنيفة أو مالك أو شافعي أو أحمد رضي الله عنهم ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى منه فاتبعه، كان قد أحسن في ذلك. ولم يقدح في دينه ولا عدالته بلا نزاع. بل هذا أولى بالحق، وأحب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فمن يتعصب لواحد معين غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرى أن قوله هو الصواب الذي يجب اتباعه، دون الأئمة المتأخرين فهو ضال جاهل. بل قد يكون كافراً يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس اتباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم دون الآخرين فقد جعله بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك كفر، بل غاية ما يقالك إنه يسوغ أو يجب على العامي أن يقلد واحداً من الأئمة من غير تعيين زيد ولا عمرو. أما من كان محباً للأئمة، موالياً لهم، يقلد كل واحد منهم فيما يظهر له أنه موافق للسنة فهو محسن في ذلك والصحابة والأئمة بعدهم كانوا مؤتلفين متفقين، وإن تنازعوا في بعض فروع الشريعة، فإجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة. ومن تعصب لواحد بعينه من الأئمة دون التابعين فهو بمنزلة من يتعصب لواحد من الصحابة دون الباقين، كالرافضي والناصبي والخارجي. فهذه طرق أهل البدع والأهواء، الذين ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم مذمومون، خارجون عن الشريعة، ومن تبين له من العلم ما كان خفياً عليه فاتبعه فقد أصاب، زاده الله هدى. وقد قال الله تعالى:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه، الآية: 114] ومن جملة