المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اعتباره التلفيق أصلا في الشريعة - البيان والإشهار لكشف زيغ الملحد الحاج مختار

[فوزان السابق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌إظهار ما في صدر خطبة الملحد العظمى من جهل وتناقض

- ‌تحريف الملحد لكلام الله وتصرفه فيه

- ‌أفاضل علماء مصر والهند والعراق الذين ردوا على دحلان والنبهاني

- ‌الرد على الملحد في زعمه أن الاجتهاد بدعة

- ‌قول الإمام ابن القيم في الحض على الاجتهاد

- ‌قول الإمام الشاطبي في مختصر تنقيح الفصول: إن الاجتهاد فرض كفاية

- ‌قول الجلال السيوطي في كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض

- ‌فصول من كتاب السيوطي في نصوص المحققين في الاجتهاد

- ‌نقض زعم الملحد أنه متفق مع أهل السنة على مذهب السلف

- ‌إننا والحمد لله على مذهب السلف لم نخرج عنه

- ‌أدلة من كلامه في رسالته: أنه عدو للحديث ولمذهب السلف

- ‌بيان مذهب السلف، ومن هم السلف

- ‌جمل من رسالة الملحد في محاربته لمذهب السلف

- ‌افتراؤه الكذب: أن التوسل بالموتى في القرآن والحديث

- ‌كذبه على الأئمة الأربعة بأنهم دعوا الناس إلى تقليدهم

- ‌نقل ابن القيم عن الأئمة النهي عن التقليد

- ‌تكفير الملحد لعلماء السلف

- ‌أقوال ثقات المؤرخين في صحة عقيدة الوهابيين

- ‌كلام العلامة المصري محمود فهمي

- ‌كلام العلامة محمد بن علي الشوكاني في مدح الإمام عبد العزيز بن سعود

- ‌قصيدة العلامة محمد بن الأمير الصنعاني في مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌كلام الشيخ عبد الكريم الهندي في مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌نقض ما زعمه الملحد من طغيان الوهابيين وبغيهم بالحجاز

- ‌كلام المؤرخ المصري في أن الوهابيين طهروا الحجاز من الشرك والفساد

- ‌كلام الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في تطهير الوهابيين الحجاز من الشرك والفساد

- ‌حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى والي مكة الشريف أحمد بن سعيد

- ‌كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى علماء مكة

- ‌المناظرات التي كانت بين علماء نجد وعلماء مكة

- ‌سرور الملحد من ظهور أهل الباطل على أهل الحق والتوحيد

- ‌ثناء الملحد على دحلان لاتفاق روحيهما الخبيثتين

- ‌تزوير الملحد ل‌‌تاريخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌تاريخ الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌فصل - استطراد في سيرة الشيخ محمد عبد الوهاب وبعض أقواله

- ‌طعن الملحد في آل سعود لنصرتهم للشيخ والرد عليه

- ‌طعنه في آل الشيخ والرد عليه

- ‌موقف سليمان بن عبد الوهاب من أخيه الشيخ محمد وكذب الملحد في روايته عنه

- ‌افتراءات الملحد لأصول الإسلام تماديا في الإنكار على الشيخ والرد عليه

- ‌أصل مذهب الوهابيين من القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام

- ‌افتراء الملحد عليهم في الصفات والرد عليه

- ‌الوهابيون لم ينبشوا القبور بل سووها اتباعا لسنة الرسول عليه السلام

- ‌قول الملحد ببطلان مذهب الوهابية لأنه كمذهب الصحابة والتابعين

- ‌ادعاؤه أن الوهابيين ينكرون الإجماع ودحض مفترياته

- ‌قول الملحد بعدم جواز تقليد الصحابة والتابعين والرد عليه

- ‌أقوال العلماء في وجوب اتباع الصحابة

- ‌الوهابيون متبعون لا مبتدعون

- ‌أقوال الأئمة والعلماء في النهي عن التقليد والحض على الاجتهاد

- ‌هل على العامي أن يتمذهب بمذهب معين؟ رأي الإمام ابن القيم في ذلك

- ‌افتراء الملحد على الوهابيين في الإجماع على القراءات

- ‌ادعاء الملحد بأن الإجماع عرف بعد عصر الأئمة الأربعة

- ‌زعمه أن الأمة كلها على السنة وتفنيد مفترياته

- ‌الفرق بين التقليد والاتباع

- ‌مناقشة المقلدين

- ‌التقليد قبول قول بلا حجة

- ‌أدلة جديدة على إبطال التقليد

- ‌المذهب: معناه دين مبدل

- ‌الواجب على كل مسلم: الاجتهاد في معرفة معاني القرآن والسنة

- ‌لم يقل أحد من أهل السنة: إن إجماع الأربعة حجة معصومة

- ‌افتراءات أخرى للملحد على الوهابيين ودحضها

- ‌كذبه على الفخر الرازي

- ‌كذبه على الوهابيين بأنهم قالوا إن الدين كان واحدا وجعله الأئمة أربعا

- ‌بيان جهل الملحد

- ‌ليس الأئمة سبب الاختلاف بل هو من غلاة المقلدين

- ‌عداوة الملحد لكتب الحديث وأهل الحديث

- ‌ نبذة من سيرة أئمة المذاهب

- ‌قول الملحد برفع الحرج عن الأمة بتعدد بتعدد الأهواء

- ‌في هذا القول طعن فيما كان عليه رسول الله وأصحابه

- ‌كذبه على شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌إنكاره بقاء الاجتهاد في الأمة

- ‌جهله بالأصول والقواعد والمصطلحات

- ‌ذكر جملة من العلماء المجتهدين

- ‌افتراؤه بوجود أولياء كانوا يتلقون الشريعة من ذات صاحبها عليه السلام بدون واسطة

- ‌اعتباره التلفيق أصلا في الشريعة

- ‌ادعاؤه أن الاختلاف هو عين الرحمة والرد عليه من الكتاب والسنة وكلام العلماء

- ‌كذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌افتراء الملحد على أئمة أهل الحديث والرد عليه

- ‌مبدأ جمع الحديث وتأليفه وانتشاره

- ‌ طبقات كتب الحديث

- ‌بين أئمة المذاهب وأئمة الحديث

- ‌ادعاء الملحد أن الأمة لم تجمع على صحيح البخاري

- ‌جهله بالأصول وطعنه في أحاديث الرسول

- ‌الملحد ليس على مذهب من المذاهب الأربعة

- ‌عقيدة الملحد في التوسل والرد عليها

- ‌افتراؤه بأن القرآن جاء بالتوسل بالرسل والأولياء

- ‌ادعاؤه بأنه لا يجوز تطبيق صفات الكافرين والمشركين على المسلمين ولو عملوا مثل أعمالهم واعتقدوا مثل عقائده

- ‌قوله بحياة الرسول في قبره والرد عليه

- ‌تناقضه بادعائه الاجتهاد الذي نفاه نفاه قبلا وتفسيره القرآن بهواه

- ‌أقوال العلماء في الحياة البرزخية

- ‌افتراء الملحد على الوهابيين أنهم أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌زعمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب استقلالا

- ‌عقيدته في الزيارة ودحض مفترياته

- ‌إقامة المواليد بدعة وضلالة

- ‌تحريف الملحد لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وصرفه عن معناه

- ‌نص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌حنقه على شيخ الإسلام لتحقيقه توحيد الله تعالى وإفراده بجميع أنواع العبادات

- ‌لم يحرم شيخ الإسلام ابن تيمية زيارة القبور على الوجه المشروع بل منع تعظيمها وشد الرحال إليها اتباعا للسنة

- ‌كل من تصدى للرد على شيخ الإسلام كانوا من حثالة المقلدين

- ‌زيارة القبور الشرعية ليست مباحة فقط، بل هي سنة مؤكدة

- ‌ليس قصد التبرك من زيارة القبور إلا على دين المشركين الأولين

- ‌خلط الملحد بين التوسل والاستشفاع والاستغفار

- ‌جعله التوسل إلى الله كالتوسل إلى السلاطين

- ‌كذبه على الله بأن الشرع أباح التوسل

- ‌فصل من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة

- ‌افتراء الملحد بأن الوهابيين يعتقدون تأثير الأعراض

- ‌جهله بأن الدعاء هو العبادة

- ‌لم يقل أحد من الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة إن التوسل هو دعاء الأموات

- ‌إن الله لم يتعبدنا باتباع عقولنا بل أرسل إلينا رسولا بالمؤمنين رؤوف رحيم

- ‌ما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم لحماية حمى التوحيد

- ‌هذا الملحد المخذول هو الذي عارض الرسول عليه السلام في أصل رسالته

- ‌شهادة للوهابيين بالإيمان بالقرآن وإنكاره عليهم محبة الرسول وهذا مما لا يتفق مع الشهادة

- ‌الوهابيون بحمد الله سميعون مطيعون منفذون لكلام الله ولسنة رسوله عليه الصلاة والسلام

- ‌حديث "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وتلاعب الملحد به

- ‌آية {من يشفع شفاعة حسنة} وإلحاده في معناها

- ‌حديث "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك" وبيان أنه واه

- ‌كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث

- ‌تضعيف حديث قصة فاطمة بنت أسد

- ‌نقض دعوى الملحد أن النبي يتوسل بنفسه وبالأنبياء

- ‌نقض دعوى الملحد في حديث الأعمى والكلام على ضعفه ومعناه

- ‌كذب الملحد في دعوى عمل الصحابة بحديث الأعمى

- ‌تحريف الملحد للمنام بجعله حديثا

- ‌قصة رؤيا بلال بن الحارث مكذوبة

- ‌تحريف الملحد في توسل عمر بالعباس

- ‌كذب حديث توسل آدم برسول الله

- ‌تحريف الملحد في استدلاله على دعاء الموتى بحديث الشفاعة

- ‌أقوال علماء السلف في حديث الشفاعة

- ‌تحريف الملحد في استدلاله بحديث "يا عباد الله احبسوا

- ‌كفر الحاج مختار بضربه الأمثال لله بخلقه

- ‌ضلال الملحد وسادته في معاني الاستشفاع والاستغفار والتوسل

- ‌نحريف الملحد لآيات القرآن في الاستشفاع والاستغفار والتوسل

- ‌كذب الملحد وشيعته على الوهابيين بدعوى تحريم الصلاة على رسول الله

- ‌أكاذيب دحلان وضلالاته في تسوية الأحياء بالأموات

- ‌معارضة الملحدين نصوص الكتاب والسنة بأهوائهم

الفصل: ‌اعتباره التلفيق أصلا في الشريعة

تجري من تحتها الأنهار. وفيهم الخلفاء الأربعة، وفيهم عترته وأهل بيته وفيهم المشهود لهم بالجنة، وفيهم الذين غفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، وهم الذين لو أنفق أحدنا من بعدهم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. وقد حدث بينهم الاختلاف في أمور كثيرة، منها خلاف علي وفاطمة مع أبي بكر في ميراثهما من رسول الله، بل اختلفوا والرسول صلى الله عليه وسلم مسجى بين أظهرهم قبل دفنه وبعده فيما تدعو الحاجة – بل الضرورة – إلى بيانه من ذاته الشريفة عليه أفضل الصلاة والسلام. فيما منهم من أحد جاء إلى قبره صلى الله عليه وسلم يسأله، كما كانوا يسألونه في حال حياته لأنهم يعلمون بأنه لا يستوي الأحياء ولا الأموات، ولم يطمع الشيطان في أحد منهم، أو ممن بعدهم من القرون المفضلة، فيتمثل لهم أو يسمعهم من الكلام ما يغويهم به، كما أغوى هؤلاء الملاحدة من متأخري هذه الأمة، الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فقد ادعى هؤلاء الزنادقة المحال، وكذبوا المعقول والمنقول، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

ثم إن المعترض أورد إشكالين، ثم أجاب عنهما من عنده، فالأصل والجواب كله جهل في جهل، وظلمات بعضها فوق بعض، يستحقان الترك والسخرية بصاحبهما.

ص: 243

‌اعتباره التلفيق أصلا في الشريعة

قال المعترض: "البحث الرابع: في التلفيق".

ثم نقل تحت هذه الترجمة أقوالاً عن بعض العلماء جرى فيها على عادته من الجهل والتخليط. وقد سمى الأخذ بما دلت عليه الأحاديث التي في صحيح البخاري تلفيقاً جازاه الله بما يستحقه. ونحن لا يهمنا من بحث المعترض هذا شيء لأنه بحث مخترع، هو التلفيق بعينه، لأننا لا نعلم للتلفيق أصلاً في الشريعة، ولم ينقل فيه شيء عن الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعين لهم من القرون المفضلة، ولم يذكروا الأئمة الأربعة ولا أصحابهم. وإنما هو من اختراع المتعصبين للتقليد الأعمى من متأخري جهلة هذه الأمة فإنهم يسمون من يطلب الدليل على مسائل الدين من الكتاب والسنة: ملفقاً. بل يسمون من قلد من قال

ص: 243

بهما من الأئمة ملفقاً لأنه لم يتقيد عندهم بتقليد إمام واحد من الأئمة الأربعة، ويجعله بمنزلة الرسول صلى الله عليه وسلم في تجريد الإتباع له. وهذا من محدثات الأمور التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنها، فقال:"عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".

نقول: فأي بدعة أقبح مما بلغه التقليد اليوم من الغلو الذي أبطل العمل بنصوص الكتاب والسنة عند هؤلاء المتعصبين للتقيد الأعمى؟ انظر إلى ما يقوله الملحد مختار فيما سبق قريباً في رسالته هذه.

قال: "ومع هذا فأخبرونا: متى أجمعت الأمة على التعبد والتعامل بصحيح البخاري أو غيره؟ وأي عالم أو فقيه أفتى في حكم عن البخاري أو غيره؟ " يعني من كتب الحديث. قاتله الله أنى يؤفك هذا المفتري الضال.

ثم قال الملحد: "البحث الخامس في ترجمة الأئمة الأربعة" فأخذ يتهوس بكلام من عنده في حق الأئمة الأربعة هم في غنى عنه لأنه يتقول على الله بغير علم. إذ جزم هذا الملحد على الله: بأنه سبق في علمه أن يكون الأئمة الأربعة واسطة تدوين شريعته، وحفظ دينه. رشحهم لذلك كترشيح الأنبياء والرسل- إلى آخر ما هذى به من فضول الكلام، الذي ليس له صلة بترجمة الأئمة الأربعة. فقد ترك من ترجمتهم ما هو اللائق بهم ذكره من إخلاصهم العبادة لله تعالى، والزهد في الدنيا، وطلب الآخرة، مع ما أعطاهم الله من الفهم والفقه في علوم الشريعة، وتجريد الاتباع لصاحبها عليه الصلاة والسلام، حيث استحقوا أن يسموا بذلك أئمة يقتدى بهم إلى منهج المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.

فأما ما يدعيه هذا الملحد من الغلو في تقليدهم: فكله جهل وخوض في دين الله بغير علم. قد نهى الأئمة الأربعة عنه، وأغلظوا القول فيه، والتحذير منه. فقد قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "إنما أنا بشر، أصيب وأخطئ،

ص: 244

فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة" وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى وأبو يوسف: "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه" وقال أبو حنيفة أيضاً: "هذا رأي فمن جاءنا برأي أحسن منه قبلناه" وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس" وقال: "إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط" وقال: "إذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فإني أقول بها" وقال أبو داود: قلت لأحمد: "الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ فقال: لا يتقلد دينك أحداً من هؤلاء. ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل مخير" وقال الإمام أحمد أيضاً:"لاتقلدني ولاتقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذنا". وقال: "من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال" وقد قدمنا من نصوص الأئمة من جميع المذاهب في هذا المعنى ما فيه كفاية.

وأما زعمه هذا الملحد – بل جزم به على الله تعالى – وهو: "أنه تعالى وكل حفظ دينه إلى الأئمة الأربعة، دون غيرهم" فهذا قول لم يقله غيره ممن سبقه من هذه الأمة، بل قد أعلمنا الله في كتابه الكريم المنزل على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم أنه تعالى وحده الحافظ لدينه. حيث يقول جل ذكره:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر، الآية: 9] وقد أخذ الله تعالى الميثاق على الذين أتوا الكتاب ليبينه للناس، ولا يكتمونه. فالأمة كلها مأمورة بحفظ هذا الدين والجهاد في سبيله وليس هذا الأمر محصوراً في أشخاص من هذه الأمة دون غيرهم، كما خص الرسل والأنبياء بالقيام بأعباء ما كلفوا به من أداء النبوة الرسالة. فهذا الغبي الأحمق لا يمنعه مانع من القول على الله بغير علم.

وأما إهماله ذكر ترجمة الإمام أحمد رحمه الله تعالى فلأنه من أئمة أهل الحديث، فليس بمستنكر من الحاج مختار إهماله لترجمة الصديق الثاني الإمام أحمد رضي الله عنه.

ص: 245

قال الأحمق: "فإن قيل: إن القائلين بجواز الاجتهاد لا يعنون المعاني التي ذهبتهم إليها، ولا يقولون بالخروج عن الإجماع، ولا غاية لهم إلا العمل بالكتاب والسنة، هم لما سمعوا من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم أنه ما جعل في الدين من حرج، وأن شريعتنا سمحاء، لا عذر لأحد في تنكبها، ورأوا الأئمة الأربعة أخذوا الأمة بالشدة والحرج، حتى اضطر كثير من الناس لترك فروض لا عذر لهم في تركها، إلا ما في أدائها من الحرج. ورأوا أئمة الحديث الذي أجمعت الأمة أيضاً على صحة ما دونوه في كتبهم نقلوا أحاديث تخرج الأمة من الحرج. قالوا: أي بأس علينا، وأي خلل في ديننا إذا رجحنا قولاً في مسألة. رواه البخاري مثلاً على قول رواه أبو حنيفة في تلك المسألة، فخرجنا برواية البخاري من الحرج الذي أخذنا به أبو حنيفة، ولم نخرج بذلك عن شرع الشارع، ولا عن إجماع الأمة. ونكون قطعنا عذرا من يعتذر من الحرج؟ فهذا مذهبنا. وهذا ما ندين الله به وما أساء ظنكم بنا إلا عدم التفاهم".

أقول: إن هذا الجاهل الأحمق معجب بنفسه، متماد في غيه. فهو يهذي بما لا يدري. فقد افترى على من يقولون بجواز الاجتهاد، كما يعبر عنهم. فإنهم لم يقولوا في حق الأئمة الأربعة إ، هم أخذوا الأمة بالشدة والحرج

إلى آخر ما قال. فإن هذه التهمة لا يسندها إلى الأئمة الأربعة إلا عدو للإسلام ولأئمته رضي الله عنهم. فقد جني هذا الملحد على الأئمة الأربعة، ورماهم بما يبرأون منه وممن قاله في حقهم. بل هم فيما يختلفون فيه من فروع الشريعة، وما يستنبطونه من أحكامها يوسعون على الأمة لا يضيقون عليها. عليها. وهم مع ذلك يأمرون بإتباع الكتاب والسنة وينهون عن تقليدهم وتقليد غيرهم كما تقدم ذكره في ردنا هذا.

وإن هذا الملحد ليدل قوله على أنه من المتلاعبين، الذين اتخذوا الهوى لهم إلها، والشيطان لهم ولياً. فهو يظن أن الناس مثله، يتتبعون من الدين ما وافق هواهم، ويتلاعبون به كما يتلاعب. ونبرأ إلى الله منه ومن قوله وندين من

ص: 246

قلوب مخلصة: أنه لن يؤمن أحدنا حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به رسول الله كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم.

وأما حجة القائلين ببقاء الاجتهاد في هذه الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فليست هي اتهام الأئمة الأربعة بأخذ الأمة بالشدة والحرج، حتى يضطر كثير من الناس لترك فروض لا عذر لهم في تركها إلى ما في أدائها من الحرج، كما يقوله هذا الأحمق سبحانك هذا بهتان عظيم.

بل حجتهم هي: اتفاق الأئمة من كل مذهب على أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات لا يجوز خلو عصر منه، وأن ترك الاجتهاد مؤد إلى إبطال الشريعة. وهذا الاتفاق المجمع عليه منهم استناداً إلى عمل الصحابة رضي الله عنهم، وإجازة النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم العمل على ذلك من بعدهم في القرون المفضلة، واتفاق الأئمة الأربعة عليه، لنهيهم عن تقليدهم وتقليد غيرهم.

وقد تقدم بحث الاجتهاد فيما مضى من ردنا هذا ونقلنا من أقوال الأئمة في كل مذهب الاتفاق على باء الاجتهاد في هذه الأمة ما أغنى عن إعادته هنا.

وقد أقر الملحد هنا بأن الأمة أجمعت على صحة ما دونه أئمة الحديث في كتبهم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الإقرار –بعدما تقدم منه من الطعن في أئمة أهل الحديث، وما قاله فيهم، وإنكاره أخذ الأحكام من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله:"إن ترجيح الر اجح من نصوص الأحاديث لا يفيد إلا ظناً، يعد الأخذ به زندقة لا إسلامية، قال: وأنتم لا تجدون في كتب الحديث بياناً ولا إشارة تهديكم إلى الصواب" وهنا يقرن الملحد بين حديث رواه البخاري وبين قول قاله أبو حنيفة، منكراً على من يقدم رواية البخاري على قول أبي حنيفة، وهكذا هذا الملحد هائم في ظلمات كفره وجهلة.

وأما قوله: "فالجواب أن في هذا التعليل أنواع مغالطات

إلى آخر ما قال".

ص: 247