الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونادى بها عليهم منادي الفلاح {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء، الآية: 81] فانتبه إلى حقيقة دعوة الشيخ رحمه الله من نور الله بصيرته وسبقت عند الله سعادته فرأى حقيقة غربة الدين، وما طرأ عليه من البدع والضلالات التي شوهت وجهه وغيرت معالمه. فعلم يقيناً أن هذا الشيخ من الأئمة المتقين الداعين إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة وإلى هدى سيد المرسلين. فقد تحمل الشيخ محمد رحمه الله تعالى أعباء هذه الدعوة وصبر على ما أصابه بسببها من المحنة والجفوة حيث شرق بهذه الدعوة الحنيفية أئمة الضلال، كدحلان وأمثاله، فهاجوا وماجوا وأدبروا واستكبروا وضلوا فأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، وألبوا عليه ما استطاعوا وقالوا له كما قال أسلافهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص، الآية: 5] فأشاعوا عنه الكذب الصراح، وكتبوا إلى الأمصار يشنعون بالشيخ وبدعوته، وينسبون إليه من عظيم القبائح مات تنبو عنه الأسماع، فرد الله كيدهم في نحرهم وأظهر دينه ولو كره المشركون.
وقد وردت على الشيخ محمد رحمه الله أسئلة من الشام والعراق ومن الحجاز واليمن ومن نجد ونواحيها يسألونه فيها عما يعتقده وما يدعو الناس إليه؟ ويطلبون الحجة والدليل عليه. فأجابهم بأجوبة من الكتاب والسنة وإجماع صالح سلف الأمة، ما بمثلها يهتدي المهتدون وبها يأخذ المستدلون وعليها يعتمد المنصفون، فهدى الله من اهتدى وخاض في لجج طغيانه من آثر العمى على الهدى.
وها أنا أورد بعضاً من رسائل الشيخ محمد رحمه الله تعالى إلى أشراف مكة وعلمائها، وطرفاً مما جرى بين علماء مكة وعلماء الوهابيين من المناظرة بين يدي الشريف بمكة.
كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى والي مكة الشريف أحمد بن سعيد
…
قال الشيخ الإمام حسين بن غنام الإحسائي رحمه الله في تاريخه "روضة الأفكار والأفهام" ثم دخلت السنة الخامسة والثمانون بعد المائة والألف (1) وفيها أرسل الشيخ محمد وعبد العزيز بن محمد آل سعود إلى والي مكة الشريف
(1) يعني بذلك العام الهجري.
أحمد بن سعيد هدايا. وكان قد كاتبهم وراسلهم وطلب منهم أن يرسلوا فقيهاً وعالماً من جماعتهم يبين له حقيقة ما يدعو إليه من الدين ويحضر عند علماء مكة. فأرسل إليه الشيخ وعبد العزيز رحمها الله تعالى الشيخ عبد العزيز الحصين، وكتب معه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالة وهذه نسختها، وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم. المعروض لديك أدام الله أفضل نعمه عليك، حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدراين وأعز به دين جده سيد الثقلين، إن الكتاب لما وصل إلى الخادم، وتأمل ما فيه من الكلام الحسن، رفع يديه بالدعاء إلى الله تعالى بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها، وعداوة من خرج عنها. وهذا هو الواجب على ولاة الأمور، ولما طلبتم من ناحيتنا طالب علم امتثلنا الأمر وهو واصل إليكم، ويحضر في مجلس الشريف أعزه الله تعالى هو وعلماء مكة فإن اجتمعوا فالحمد لله على ذلك، وإن اختلفوا أحضر الشريف كتبهم وكتب الحنابلة والواجب على الكل منها ومنهم أن يقصد بعلمه وجه الله تعالى ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} – إلى قوله – {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران، الآية: 81] فإن كان الله سبحانه قد أخذ الميثاق على الأنبياء إن أدكوا محمداً صلى الله عليه وسلم على الإيمان به ونصرته فكيف بنا يا أمته؟ فلا بد من الإيمان به، ولا بد من نصرته، لا يكفي أحدهما عن الآخر وأحق الناس بذلك وأولاهم به أهل البيت الذي بعثه الله منهم وشرفهم على أهل الأرض وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك يعلم الشريف أعزه الله تعالى أن غلمانك من جملة الخدام. ثم أنتم في حفظ الله وحسن رعايته.
فلما وصل الشيخ عبد العزيز الحصين إلى الشريف الملقب بالفِعْر، واجتمع هو وبعض علماء مكة عنده، وهم يحيى بن صالح الحنفي، وعبد الوهاب بن حسن التركي مفتي السلطان، وعبد الغني بن هلال وتفاوضوا في ثلاث مسائل وقت المناظرة فيها.