الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُ أَفْرِيقِيًّا يَحْتَرِمُ نَفْسَهُ. وَفَوْقَ ذَلِكَ لَا نَجِدُ الزِّنْجِيِّ المُتَمَدْيِنَ بِالمَدَنِيَّةِ الأُورُوبِّيَّةِ يُبْلُغُ تِلْكَ المُسَاوَاةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ التِي يُبْلِغُهُ إِيَّاهَا الإِسْلَامُ بِطَبِيعَةِ الحَالِ. ثَمَّ إِنَّ هُنَالِكَ نَفَرًا مِنَ الأُورُوبِّيِّينَ قَلَّمَا كَلَّفُوا أَنْفُسَهُمْ عَنَاءً فِي إِخْفَاءِ حَقِيقَةٍ (عِنْدَهُمْ) هِيَ أَنَّ «الأَسْيُودَ» (1) المَسِيحِيَّ لَا يَزَالُ مُحْتَقَرًا فِي أَعْيُنِهِمْ كَالزِّنْجِيِّ الذِي يَسْكُنُ الأَدْغَالَ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّادِرِ أَنْ تَرَى هَؤُلَاءِ يَنْتَهِزُونَ كُلَّ فُرْصَةٍ يَظْهَرُونَ فِيهَا تَفْضِيلَهُمْ لِلْسُّودِ المُسْلِمِينَ (عَلَى السُّودِ المُتَنَصِّرِينَ). تِلْكَ الحَقِيقَةُ وَحْدَهَا تُفَسِّرُ لَنَا بِكُلِّ وُضُوحٍ وَاقِعًا هُوَ أَنَّ الأَفْرِيقِيِّينَ الذِينَ تَلَقَّوْا فِي المُدَّةِ الأَخِيرَةِ تَعْلِيمًا مَسِيحِيًّا قَدْ انْقَلَبُوا دُعَاةً لِلإِسْلَامِ. وَبِمَا أَنَّ الأَفْرِيقِيِّينَ لَا يَأْمَلُونَ أَبَدًا أَنْ يَنَالُوا (بِالنَّصْرَانِيَّةِ) مَقَامًا اِجْتِمَاعِيًّا مُسَاوِيًا لِمَقَامِ إِخْوَانِهِمْ فِي العَقِيدَةِ مِنَ النَّصَارَى الأُورُوبِّيِّينَ، فَقَدْ نَشَأَ فِيهِمْ اِسْتِعْدَادٌ لأَنْ يَرَوْا فِي الإِسْلَامِ الدِّينَ (الوَحِيدَ) لِلأَفْرِيقِيِّ الحَدِيثِ».
المُسْلِمُونَ فِي الحَبَشَةِ:
إن البحث في شأن المسلمين في الدول غير الإسلامية لا يدخل، من حيث المبدأ، في نطاق هذا الكتاب. غير أن شأن المسلمين في الحبشة جزء متمم في هذا النطاق. إن ملوك الحبشة النصارى أرادوا في القرن التاسع عشر أن يحملوا المسلمين الأحباش بالقوة على اعتناق النصرانية أو على مغادرة الحبشة. ثم إن (ثِيُودُورْ) ملك الحبشة أراد أن يحالف بريطانيا ضد الدول الإسلامية المجاورة له وخصوصًا مصر، ثم كتب بذلك رسالة إلى الملكة (فيكتوريا) في عام 1863. ولكن رسالته بقيت بلا رَدٍّ فَعَدَّ (ثِيُودُورْ) ذلك إهانة وسجن القنصل الإنجليزي والمبشرين البروتستانت الذين كانت الحكومة الحبشية قد سمحت لهم بالتبشير بين رعاياها المسلمين (2). ومنذ عامين سمحت الحكومة الحبشية للولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء محطة إذاعية تبشيرية في أديس أبابا اسمها «صوت الإنجيل» .
وجاء الملك (يُوحَنَّا) فأمر بتعبئة عامة ثم أعلن حربًا صليبية على المسلمين. ووصف الجنرال (غوردن) المَلِكَ (يُوحَنَّا) هذا فقال (3): «إِنَّهُ مِثْلِي مُتَعَصِّبٌ فِي الدِّينِ. إِنَّهُ يَشْعُرُ أَنَّهُ يَحْمِلُ رِسَالَةً وَأَنَّهُ سَوْفَ يُحَقِّقَهَا: تِلْكَ الرِّسَالَةُ هِيَ أَنْ يُنَصِّرَ جَمِيعَ المُسْلِمِينَ» .
(1) إن ناقل المقال من الألمانية إلى الإنجليزية يستعمل الكلمة الإنجليزية «Nigger» . هذه الكلمة تعني «أَسْيُودًا» تصغيرًا لكللمة «أَسْوَدَ» ، على سبيل الاحتقار، كما تعني أيضًا نوعًا من الخنافس (والخنفسة حشرة سوداء كريهة).
(2)
Trimingham، J. Spencer : Islam in Ethiopia ، 118، 119، of. 122 ; A Dictionary of Dates (Everyman's Library)، under : Abyssinta
(3)
Trimingham، op. cit. 121
وقد اتفق أن الحكومة الحبشية استطاعت من طريق القهر أَنْ تُنَصِّرَ بعض المسلمين ولكن جماعات كثيرة من أولئك المقهورين على تبديل دينهم خرجوا من الكنيسة التي عمدوا فيها إلى المساجد ليعودوا إلى إيمانهم. ولم يكن لذلك نتيجة إلا ازدياد العداوة بين المسلمين والنصارى من الأحباش (1).
والنصارى في الأصل أقلية في الحبشة، ولكن الاستعمار البريطاني خاصة هو الذي يدعم الأسرة المسيحية الحاكمة على كثرة من المسلمين يتكلم العديد منهم اللغة العربية ويعرفون جمعهم اللغة العربية لأنها لغة الإسلام.
وبعد الحرب العالمية الثانية أضاف الاستعمار البريطاني الأمريكي ظلمًا جديدًا إلى الظلم القديم فأضاف " إيرتريا " إلى الحبشة وأخضعها للأسرة المسيحية الحاكمة. إن الكثرة المطلقة من أهل " إيرتريا " مسلمون. من أجل ذلك لما أجبر الاستعمار على مغادرة " إيرتريا " المسلمة فضل أن تكون تلك المقاطعة تحت حكم ملك مسالم للسياسة العربية ومستند في حكمه وسياسته إليها على أن تكون دولة مسلمة مستقلة.
ونحن إذا كَرَّرْنَا النظر في المقاطعات الأفريقية التي استقلت، بعد الحرب العالمية الثانية، وجدنا أن الاستعمار قد أقام قبل مغادرته تلك البلاد حكومات أكثرها من الصابئين إلى النصرانية، مع أن الكثرة المطلقة من أهل تلك الدول الجديدة مسلمون. غير أن الاستعمار لم ينل من ذلك مآرب كثارًا. إن معظم هؤلاء أصبحوا يشعرون أنهم مسؤولون أمام قومهم قبل أن يكونوا مسؤولين أمام الدول الأجنبية التي مهدت لهم سبيل الحكم لأنهم صابئون. ولما خاب ظن الاستعمار في (باتريس لومومبا) في الكونغو، وجدنا (باتريس لومومبا) يسقط صريعًا في أحوال غامضة، إذا لم تكن من تدبير الاستعمار فإنها كانت على الأقل تتمتع بحماية الاستعمار. وبعد مقتل (لومومبا) وجدت أسرته ملجأ أمينًا ورعاية عطوفًا في الجمهورية العربية المتحدة لا في بلجيكا التي تمتعت بخيرات الكونغو اِسْتِيلَاءً وَنَهْبًا قَرْنًا كَامِلاً مِنَ الزَّمَنِ.
(1) ibid . 122 - 123، cf. 127