الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عاجلة. ألف جماعة من المبشرين كتابًا اسمه " أسس جديدة للتبشير "(1) قالوا فيه: «كَانَ التَّطْبِيبُ وَالتَّعْلِيمُ مِنْ وَسَائِلِ التَّبْشِيرِ، وَيَجِبُ أَنْ يَبْقَيَا كَذَلِكَ. أَمَّا أَعْمَالُ الخَيْرِ فَيَجِبُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ بِحِكْمَةٍ فَلَا تُنْفَقُ الأَمْوَالُ إلَاّ فِي سَبِيلِهَا: يَجِبُ أَنْ تُعْطَى الأَمْوَالُ أَوَّلاً لِلْبُعَدَاءِ، ثَمَّ يَقِلُّ دُفْعُهَا تَدْرِيجًا كُلَّمَا زَادَ اِقْتِرَابُ هَؤُلَاءِ إِلَى الكَنِيسَةِ (أَيْ كُلَّمَا زَادَ الأَمَلُ بِاِنْضِمَامِهِمْ إِلَى المَذْهَبِ الجَدِيدِ)، فَإذَا دَخَلُوهَا مُنِعَتْ عَنْهُمْ أَعْمَالُ الخَيْرِ. ثَمَّ يَجِبُ أَلَاّ نُبَالِغَ فِي النَّاحِيَةِ الخَيْرِيَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» (2).
أَيْنَ يَذْهَبُ مُعْظَمُ أَمْوَالُ الإِحْسَانِ
؟:
وذكر (دانيال بلس) أن أموالاً أرسلت عقب فتنة 1860 إلى خوري قرية في لبنان ليوزعها على أهل قريته فاحتفظ بالأموال لنفسه. هذا فضلاً عن أن الكثيرين من الأهلين كانوا يدعون بأن الدروز قد قتلوا أقاربهم وهدموا بيوتهم ليحصلوا على أموال لا حق لهم بها، أو ليحصلوا على أكثر مما هو حق لهم. وكان ثمة أفراد أقوياء الأجسام ظلوا يعتمدون على أموال الإحسان زمنًا طويلاً بعد فتنة 1860 ويعيشون منها (3).
كان المبشرون يعرفون كيف تنفق هذه الأموال وإلى أين تذهب، وكانوا يغمضون أعينهم لأنهم لم يكونوا يودون الإحسان إلى البائس والمحروم، بل كانت كل طائفة منهم تتصيد بتلك الأموال خِرَافًا جديدة لحظيرتها.
أما كيف يستغل المبشرون أعمال الخير في سبيل التبشير فتمثله القطعة التالية:
كتب (ألمر دوغلاس) مقالاً عنوانه " كيف نضم إلينا أطفال المسلمين في الجزائر "(4)، ذكر فيه أن ملاجئ قد أنشئت في عدد أقطار الجزائر في شمال أفريقيا لإطعام الأطفال الفقراء وكسائهم وإيوائهم أحيانًا. ثم قال:«إِنَّ هَذِهِ السَّبِيلُ لَا تَجْعَلُ الأَطْفَالَ نَصَارَى، لَكِنَّهَا لَا تُبْقِيهِمْ مُسْلِمِينَ كَآبَائِهِمْ. وَمِثْلُ هَذِهِ الجُهُودِ يَبْذُلُهَا المُبَشِّرُونَ فِي شَمَالِ أَفْرِيقْيَا وَمِصْرَ» (5).
ولقد صدر في " نشرة الأخبار للمجلس المسيحي في الشرق الأوسط "(6) مقال عنوانه
(1) Re -Thinking Missions cf. Bibliography
(2)
ibid 67 f. ، cf. 70 f
(3)
Bliss 159 ff
(4)
MW، July 1935 pp. 283 f
(5)
cf. MW . Oct. ، 1935 ، pp ff. ; Oct. 1936، pp. 392 ff
(6)
New Bulletin of the Near East Christian Council، Beirut، Oct. 1945. pages 12 - 16
" جمعيات المتطوعين والخدمة الاجتماعية في مصر "، جاء فيه أشياء كثيرة عن استغلال الحاجات الاجتماعية في الشعب المصري للتبسط في العمل المسيحي في القطر المصري كله.
وكاتب المقال يريد أن تستأثر الجمعيات التبشيرية بكل نواحي الخدمة الاجتماعية، وهو يضن بأن تقوم على ذلك الحكومة المصرية نفسها.
• • •
ويظهر أن الإرساليات الكاثوليكية أكثر استخدامًا للإحسان في سبيل التبشير. ولقد اهتم باباوات رومية في الحقبة الأخيرة بنشر النصرانية بين المسلمين، حتى أن البابا (بندكتوس)(1914 - 1922) عرف باسم " بابا الإرساليات ".
والإرساليات الكاثوليكية كغيرها تتبع طريقين في التبشير: التبشير المباشر بمخاطبة غير النصارى (أو غير الكاثوليك أيضًا رأسًا بأمور العقيدة وبالتعليم المسيحي. أما الطريقة غير المباشرة فتقوم على الإحسان المادي وعلى العناية بالمرضى والتعليم وما أشبه ذلك. ويندر أن تستعمل الطريقة المباشرة مع المسلمين، فإن المبشر الكاثوليكي قد اتبع في كل مكان نزل فيه بين المسلمين الطريقة غير المباشرة (1).
كتب (صموئيل زويمر) صاحب مجلة " العالم الإسلامي "(2) مقالاً في مجلته (3) عنوانه " استخدام الصدقات لاكتساب الصابئين ". ومع أن المقال كله بحث في أن الإسلام أجاز إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم، أي أولئك الذين دخلوا في الإسلام في عهد الرسول وكانوا ذوي حاجة وذوي اتجاه مادي، فإن المقصود من المقالة استخدام الإحسان في سبيل التبشير المسيحي أيضًا.
أما البروتستانت خاصة فإنهم لا يرون أن توزع الإرساليات إعانات من مالها هي، وإن كانت أحيانًا تقوم بتوزيع الإعانات الواردة إليها من أماكن مختلفة (4).
ومما جعل المسلمين ينظرون بحذر إلى الأعمال الاجتماعية التي كان المبشرون يتظاهرون بها رِئَاءَ النَّاسِ أَمْرٌ على غاية الأهمية. كان المبشرون يحسنون أعمالهم الاجتماعية بقولهم إنها أعمال الغرب المتقدم المتحضر في الشرق المتأخر، وإنها نعمة مسيحية بين مسلمين متقهقرين. ولكن المسلمين رأوا فساد الأخلاق يمشي مع هؤلاء الغربيين خطوة فخطوة.
(1) MW، July 1936 pp. 223 f
(2)
The Moslem World، editor : Samuel M. Zwemer
(3)
pp. 141 ff
(4)
MW. 1933 pp. 124 f
واتخذ الإحسان بعد الحرب العالمية الثانية شكلاً جديدًا وطريقة جديدة. لقد أصبح مساعدات فنية للأمم المتخلفة، ثم لم يبق من حاجة لبذله من طريق التبشير ما دام قد أصبح بذله ممكنًا من طريق الحكومات المستعمرة نفسها، ولا غرو فإن التبشير لم يكن سوى وسيلة إلى الاستعمار، فما الفائدة إذن من الاحتفاظ بوسيلة إذا كان الاستعمار قد وجد خيرًا منها؟
أجمل عبد العزيز فهمي أهداف المساعدت الفنية وأغراضها الحقيقية إجمالاً جَيِّدًا في كتابه " الاستعمار عدو الشعوب "(1) واستشهد بالحقائق التالية (2):
وليس مِنَ الخَفِيِّ عَلَى أَحَدٍ أَن هذه المساعدات لا تبذل إلا مع خبراء ينفذون في الدرجة الأولى اتجاه حكوماتهم في البلاد المتخلفة لا حاجات تلك البلاد المتخلفة.
وأقرب مثال على التدخل السياسي مع المساعدات الفنية مشروع بناء السد العالي على نهر النيل في مصر. عرضت الولايات المتحدة على مصر تمويل بناء سد على النيل بأموال بعضها
(1) 127 - 141.
(2)
" مجلة الغرفة التجارية "(في الولايات المتحدة) - السنة العاشرة، مارس (آذار) 1953، العدد 3، ص 9، 96 (" الاستعمار عدو الشعوب ": ص 131).
(3)
أفضل؟
هِبَةً وبعضها قرض طويل الأمد، ولكنها اشترطت شروطًا كثيرة مختلفة رأى الجانب المصري أن يدرسها بإنعام النظر. وطال الأخذ والرد بين الجانبين المصري والأمريكي، واتفق أن السياسة العربية عامة والمصرية خاصة كانت قد اقتنعت في تلك الأثناء - خَطَأً أَوْ صَوَابًا - بالتقرب من المعسكر الشرقي بيع الأسلحة للعرب إلا بشروط قاسية جِدًّا منها ألا يستعمل هذا السلاح في محاربة إسرائيل. ولما رأت الولايات المتحدة أن لا أمل بإعادة مصر إلى قبضة الدول الغربية، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أعلنت في الوقت الحاضر لا تستيطع تمويل هذا السد لأسباب مِنْهَا أَنَّ ثَمَّتَ دُوَلاً لها مصالح في مياه النيل فيجب أخذ رأيها في توزيع تلك المياه. ومنها أيضًا أن الولايات المتحدة تشك في أن مصر، في الوقت الحاضر أيضًا، تستطيع أن تقوم بقسطها المالي لإنجاز هذا السد. كأن الولايات المتحدة لم تكن تعرف ذلك قبل اليوم. وفي اليوم نفسه أصدرت بريطانيا بيانًا تذكر فيه الصعوبات التِي تَحُولُ دون مساهمتها في تمويل السد العالي لأسباب لا تختلف عن الأعذار التي انتحلتها الولايات المتحدة (1).
وبعد فإن القسم الأوفر من المبالغ التي تدفع في البلاد المتخلفة يذهب إلى الموظفين. وغني عن البيان أن المترتبات الضخمة يتناولها الموظفون الدوليون (أي الأمريكيون في الأكثر) لا الموظفون المحليون الذين تنفذ المشاريع في بلادهم.
وفيما يلي مثال واحد على العمل اليسير الذي تقوم به وكالة الإغاثة للاجئين الفلسطينيين والدعاية الضخمة التي ترافق ذلك العمل. جاء في نشرة " الأمم المتحدة "(2) تقرير جُعِلَ عنوانه " أعمال وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين خلال عام 1954 ". غير أننا إذا طالعنا التقرير وجدناه يتناول السنوات الخمس من 1951 إلى 1955. وهكذا يبرز في العنوان العنصر الأول للدعاية الضخمة، وهو أن المبلغ الذي ذكر في التقرير والذي يقرب من مائة وخمسة وأربعين ميلونًا من الدولارات لم ينفق على اللاجئين في عام واحد، كما يوهم العنوان بل في خمسة أعوام. فالوكالة قد أنفقت على اللاجئين إذن تسعة وعشرين مليون دولار في كل عام كانت الحكومات العربية تدفع منها مليون دولار في العام. وإذا رجعنا النظر في التقرير رأينا أن في وكالة الإغاثة نحو تسعة آلاف موظف يتناولون رواتبهم من هذا المبلغ. ولا يعقل أن تقل رواتب هؤلاء ونفقات الإدارة عن عشرة ملايين دولار
(1) جريدة " الحياة "(بيروت)، السنة 11، العدد 3133، الجمعة 20 تموز (يوليو) 1956، 12 ذي الحجة 1375 هـ.
(2)
نشرت أسبوعية يصدرها مكتب الأمم المتحدة للأنباء في الشرق الأوسط، المجلد الثاني، العدد 37، القاهرة في 16 سبتمبر (أيلول)1955.