الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم في السودان كان إنكليزيًا مصريًا (1) مؤسسة تبشيرية مسيحية، لأن الرجل الذي تحمل تلك الكلية اسمه كان مسيحيًا.
6 - المُؤَسَّسَاتُ الفِرَنْسِيَّةِ:
تختلف المؤسسات الفرنسية عن المؤسسات الأمريكية في أنها تحمل اسمها على ثيابها، سواءً أكانت بروتستانتية أم كاثوليكية. وقد يجوز لنا أن نستثني المؤسسات العلمانية التي تهتم ببسط السياسة والثقافة الفرنسيتين أكثر من بسط المذهب الكاثوليكي أو البروتستانتي.
وإذا نحن اقتصرنا في الكلام على مؤسسة واحدة من هذه، على المؤسسة اليسوعية فإننا لا نعدو الصواب لأن هذه المؤسسات كلها توجه من مكان واحد، من رومية، ومن فرنسا أحيانًا: توجه توجيهًا دينيًا من رومية وتوجيهًا دينيًا سياسيًا من فرنسا.
كانت سورية على الأخص ميدانًا للسباق بين البروتستانت الأمريكيين وبين اليسوعيين ذوي اللون الفرنسي. ويظهر أن اليسوعيين بدأوا يتسربون إلى سورية منذ القرن الثامن عشر حينما أنشأوا مدرسة عينطورة في مقاطعة كسروان في جبل لبنان في عام 1734 ثم تخلوا عنها للرهبان اللعازريين. وبعد مائة عام، بعد حملة إبراهيم باشا على سورية، عاد اليسوعيون إلى سورية بنشاط جديد، وأخذوا ينافسون البروتستانت منافسة شديدة (2). ولقد اهتم اليسوعيون في أول أمرهم بالتعليم الديني لاعتقادهم أنهم إذا سيطروا على رجال الدين المسيحي، بأعدادهم في مدارسهم هم، استطاعوا أن يسيطروا على القرى النصرانية كلها (3). وكان الاستعمار في التعليم اليسوعي ظاهرًا غير مستتر، كما كان عند منافسيهم. ولذلك بنوا برنامج مدارسهم منذ 1864 على البرنامج الفرنسي رأسًا مع إضافة دروس اللغة العربية (4). ولقد بسط هؤلاء غايتهم من ذلك فقالوا: إن اليسوعيين مبشرين يريدون أن يقدموا إلى تلاميذهم النصارى العلم مع التعليم، وفي الوقت نفسه يريدون أن يجعلوهم يعرفون فرنسا ويحبونها (5).
(1) إن التقارب الأخير (1952) بين مصر والسودان يدل دلالة واضحة على أن المبشرين كانوا، حتى في عام 1903، يخطئون فهم الصلات بين مصر والسودان، وبين السودان والتبشير أيضًا. وفي 1956 ألغيت المدارس التبشيرية في مصر والسودان وطلب إليها، إذا كانت تريد أن تستمر في هذين البلدين، أن تتقيد بأنظمة الحكومتين وبمنهاجهما.
(2)
Bliss R 328 - 329 and footnote 3
(3)
Les Jésuites en Syrie 1 : 7 - 12
(4)
ibid 1 : 9
(5)
ibid 2 : 8
ولقد كان اليسوعيون قد اختاروا بلدة " غزير " للتعليم، لما كان منافسوهم قد اختاروا بلده " عبيه " للغاية عينها. فلما انتقل الأمريكيون إلى بيروت لم تبق " غزير " في رأي اليسوعيين المركز الذي يمكن الكاثوليك من الدفاع عن عقائدهم في ميدان العلم والتعليم، ولذلك عزموا على نقل كليتهم من " غزير " إلى بيروت أيضًا (1). وَنَعَمَ اليسوعيون في القرن الأخير بامتيازات لم تتوفر للأمريكيين. أجل، إن الانتداب قد رفع الرقابة عن أعمال الأمريكيين وترك لهم الحرية في نشاطهم الديني، ولكن الانتداب نفسه قد سخر جيوشه ورجاله لخدمة اليسوعيين. قال اليسوعيون:«كَانَ المُبَشِّرُونَ اليَسُوعِيُّونَ فِي أَوَّلَ أَمْرِهِمْ (قَبْلَ الاِنْتِدابِ الفِرَنْسِيِّ عَلَى سُورِيَّةَ) يُنْشِئُونَ المَدَارِسَ فِي جَبَلِ الدُّروزِ ثَمَّ يُغْلِقُونَهَا إذَا قَصَّرَتْ مَوَارِدُهُمْ الاِقْتِصَادِيَّةُ عَنْ إِدَرَاتِهَا. وَلَكِنَّ التَّعْلِيمَ (التَّبْشِيرِيَّ) اليَوْمَ - أَيْ بَعْدَ الاِنْتِدابِ - وَخُصُوصًا فِي جَبَلِ الدُّروزِ يَقُومُ عَلَى تَعَاوُنٍ وَثِيقٍ بَيْنَ المُبَشِّرِينَ وَبَيْنَ السُّلُطَاتِ العَامَّةِ» (2).
ولا نحب هنا أن نسهب في الكلام على المؤسسات اليسوعية ولا المؤسسات الشبيهة بها، فالغايات اليسوعية معروفة. ولكن الغريب أن اليسوعيين لا يزالون في لبنان وحده قوة تتحدى كل إصلاح في التعليم الرسمي. إلا أن هذا الكتاب ليس موضعًا لبحث ذلك.
علينا أن نقتدي بأمم الغرب التي لم تستطع بلادها أن تسير في معارج الاستقلال والرقي إلا بعد أن وضعت اليسوعيين خارج حدودها: يجب أن نتعلم من غيرنا ما ننفع به أنفسنا.
لقد تعثر الشرق في حياته السياسية والقومية لأن المدارس الأجنبية المختلفة قد فرقت أبناء الوطن الواحد طرائق مختلفة فشتتت أهدافهم وباعدت بين الطرق إلى تلك الأهداف. إن التعليم قوة توجيهية عظيمة، فلا يجوز أن تكون في أيد أجنبية تلعب بها وتستغلها لمآرب وأغراض أجنبية.
إن التعيم الوطني الموحد، ولو كان ناقصًا بعض النقص، أفضل من التعليم الأجنبي المتنافر، ولو كان كاملاً كل الكمال.
(1) ibid 5 : 8
(2)
ibid 10 : 65