الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما إحالة الحكومة اللبنانية لصحافيين بارزين من أصحاب الصحف الصادرة باللغة الأجنبية في لبنان إلى المحكمة، وهما (جُورْجْ نَقَّاشْ) و (كِسْرَوَانْ اللَّبْكِي) من أسرة جريدة " الأوريان "(1) في بيروت إلا لأن الجريدة المذكورة قد نشرت سلسلة من المقالات بإمضاء (جورج نقاش)، كان من شأنها - لو لقيت آذانًا مصغية - أن تثير نزاعًا طائفيًا في لبنان فوق ما فيها من التعرض لأساس الكيان اللبناني.
وفيما يلي موجز الاتهام والحكم
(2):
«حُوكِمَ (جُورْجْ نَقَّاشْ) وَ (كِسْرَوَانْ اللَّبْكِي) لإِقْدَامِهِمَا عَلَى نَشْرِ مَقَالٍ افْتِتَاحِيٍّ في جَرِيدَتَيْهِمَا " الأُورْيَانْ " بِالعَدَدِ الصَّادِرِ بِتَارِيخِ 10 آذار 1949 رَقْمَ 6691، فِيهِ إِثَارَةُ النَّعَرَاتِ الطَّائِفِيَّةِ وَحَضِّ عَنَاصِرِ الأُمَّةِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ..
وَتَنَاوَلَتْ المَحْكَمَةُ المَقَالَ المَذْكُورَ .. وَبَعْدَ أَنْ رَجَعَتْ إِلَى مَجْمُوعِهِ وَرُوحِهِ تَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ السَّيِّدْ (جُورْجْ نَقَّاشْ) قَدْ تَنَاوَلَ القَضِّيَّةَ اللُّبْنَانِيَّةَ فِي الصَّمِيمِ وَمَسَّ كَرَامَةَ الحُكْمِ اللُّبْنَانِيِّ الاِسْتِقْلَالِيِّ وَجَعَلَ مِنَ الحُكْمِ الوَطَنِيِّ الاِسْتِقْلَالِيِّ كَابُوسًا تَرْزَحُ تَحْتَ عِبْئِهِ البِلَادُ وَتَئِنُّ مِنْهُ العِبَادُ. وَبِمَا أَنَّ الكَاتِبَ السَّيِّدَ (جُورْجْ نَقَّاشْ) بَعْدَ أَنْ طَعَنَ وَطَنَهُ لُبْنَانَ وَحُكْمَهُ الوَطَنِيِّ
…
وَخَرَجَ عَنْ حُرَّيَّةِ الرَّأْيِ وَحَقَّرَ الدَّوْلَةَ وَنَعَى عَلَى الاِسْتِقْلَالِ وَبُنَاتِهِ وَأَثَارَ النُّعَرَاتِ مِنْ وراء كِتَابَتِهِ .. وَقَصَدَ الطَّعْنِ بِالوَضْعِ الحالِيِّ وَبِالْقَضَاءِ الوَطَنِيِّ مَعَ إِثَارَةِ النُّعَرَاتِ .. وَبِمَا أَنَّهُ أَسَنَدَ إِلَى مَجْمُوعَةِ الأُمَّةِ اللُّبْنَانِيَّةِ بِأَنَ اِتِّفَاقَ طَوَائِفِهَا عَلَى وَضْعِ ذَلِكَ المِيثَاقِ الوَطَنِيِّ الشَّهِيرِ (3) لَمْ يَكُنْ إلَاّ خَيَالِيًّا، وَنَعَى عَلَى الوَضْعِ الاِسْتِقْلَالِيِّ مُنْذُ نَشْأَتِهِ، وَأَحْكَمَ مِعْوَلَ الهَدْمِ فِيهِ دُونَ أَنْ تَبْدُرَ مِنْهُ عِبَارَةٌ وَاحِدَةٌ يَسْتَشِمُّ مِنْهَا اِنْدِفَاعَهُ وَرَغْبَتَهُ فِي إِيجَادِ الأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ
…
لِذَلِكَ
…
تَقَرُّرَ الحُكْمِ بِحَبْسِ (جُورْجْ فِيلِيبْ نَقَّاشَ) مُدَّةَ
…
ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ وَتَغْرِيمِهِ مِائَةَ لِيرَةٍ .. وَحَبْسِ (كِسْرَوَانْ نُعَوِّمُ اللَّبَكِيِ) شَهْرًا وَاحِدًا وَتَغْرِيمِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينِ لِيرَةً .. وَتَوْقِيفِ جَرِيدَةِ " الأُورْيَانْ " عَنْ الصُّدُورِ مُدَّةَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ».
هذه القضية أثارت مشادة، في خارج المحكمة، أو مشادتين على الأصح: واحدة
(1) L'orient
(2)
جريدة " الديار "(بيروت)، السنة الثامنة، العدد 1816، الأحد في 20 آذار 1949 م، و 20 جمادى الأولى سنة 1368 هـ، الصفحتان الثانية والرابعة. ثم راجع الصحف البيروتية الأخرى الصادرة في هذا التاريخ.
(3)
يقصد الاتفاق في خريف عام 1943 بين جميع طوائف الشعب اللبناني على طلب الاستقلال والتخلص من الحكم الأجنبي.
بين المحامين وأخرى بين الصحف.
أما مشادة المحامين فتدور حول اعتذار المحامي (أدمون رباط) عن الدفاع عن المتهمين، بعد أن كان قد قبل مبدئيًا الدفاع عنهما.
ولقد كان من المفروض أن ينتصر أصحاب الصحف اللبنانية لزميلهم الصحافي، يحكم عليه هذا الحكم. ولكن الانتصار له قد اقتصر على اتخاذ شكل رمزي، هو أن الحكم نفسه كان قاسيًا! أما الكاتب فقد ليم أشد اللوم على أنه كتب هذه الكتابة وتناول الموضوع من هذه الزاوية وبهذه الروح (1).
وبعد، فمن ذا الذي يستفيد من المقالات التي نشرها (جورج نقاش) وأدت إلى الحكم عليه؟ لا شك في أن هذه المقالات تسيء إلى الوطن وإلى نهضته وتسر الأجانب من أصحاب المصلحة!.
• • •
أما نَحْنُ المُؤَلِّفَيْنِ فسنسمع غدًا إخوانًا لنا نحترمهم يقولون بعد صدور هذا الكتاب: عيب على رجلين مثقفين أن يكتبا مثل هذا الكتاب في هذه الحقبة من الكفاح القومي. في هذه الحقبة يجب ألا نذكر شيئًا من هذا، بل يجب ألا نذكر «كلمة» إسلام أو نصرانية ولا «كلمة» مسلم و «كلمة» مسيحي.
إن إخواننا هؤلاء، من الذين نحترمهم، سيقولون ذلك إذا قرأوا عنوان كتابنا ثم قَلَّبُوا صَفَحَاتِهِ بَيْنَ أَنَامِلِهِمْ تَقْلِيبًا آلِيًا فَقَطْ. أما إذا فعلوا ما هم به خليقون فإنهم سيبدلون رأيهم بلا ريب.
أجل سيقوم غدًا من يقول لنا: من العيب أن ندافع عن قومنا ووطننا وأن ندل على جذر للاستعمار ما زال، على رغم اختفائه عن الأعين، من أعمق الجذور في سجل مصائبنا القومية. ولكن لم يقم من هؤلاء رجل قال لسيادة (المطران مبارك) شيئًا حينما كان عام 1948 في باريس فصرح بما يلي:«إِنَّ لُبْنَانَ بَلَدٌ كَاثُولِيكِيٌّ، وَيُحَاوِلُ المُسْلِمُونَ أَنْ يَسْتَبْعِدُوهُ كَمَا يُحَاوِلُونَ اِسْتِبْعَادَ جَمِيعِ المُوَاطِنِينَ الذِينَ يَسْكُنُونَ مَعَهُمْ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ كَاليَهُودِ فِي فِلَسْطِينَ» .
«يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْيَهُودِ وَطَنٌ قَوْمِيٌّ كَيْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ العَيْشِ الهَادِئِ، وَإِلَاّ فَإِنَّ أَيَّةَ
(1) راجع الصحف البيروتية التي صدرت بعد آذار 1949.
وِلَايَةٍ غَيْرِ إِسْلَامِيَّةٍ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعِيشَ بِحُرِّيَّةٍ وَتُمَارِسَ مُعْتَقَدَاتِهَا الدِّينِيَّةَ تَحْتَ سَيْطَرَةٍ "إِسْلَامِيَّةٍ بَحْتَةٍ "» (1).
وفي اليوم نفسه، نعم في اليوم نفسه، في 21 حزيران عام 1948، صدرت النشرة المزدوجة من محاضرات دار الندوة (2) فيها محاضرة للسيد (فؤاد أفرام البستاني) الموظف في وزارة التربية الوطنية بالجمهورية اللبنانية، عن مار مارون يقول فيها:«حَتَّى إذَا أَطَلَّتْ طَلَائِعُ الصَّلِيبِيِّينَ (عَلَى لُبْنَانَ) أَمْكَنَ المَوَارِنَةُ أَنْ يَمُدُّوهُمْ بِثُلَاثِينَ أَلْفَ نَبَّالٍ، أَجْمَعَ الفَرَنْجَةُ عَلَى الإِعْجَابِ بِشَجَاعَتِهِمْ وَمَهَارَتِهِمْ .. فَالمَارُونِيَّةُ بِنْتُ لُبْنَانَ، وَلُبْنَانُ فِي الكَثِيرِ مِنْ مَزَايَاهُ وَخَصَائِصِهِ صُنْعُ المَارُونِيَّةِ .. فَلَا وَطَنَ لَهَا سِوَاهُ وَلَا كِيَانَ لَهُ بِدُونِهَا .. (3) فَهُمَا ثَابِتَانِ عَلَى كُرُورِ الأَيَّامِ، لَا اِنْتِقاصًا مِنْ حَقِّ قَرِيبٍ وَلَا عِدَاءَ لِجَارٍ، مُنْدَفِعَانِ وَلَا تَهَوُّرَ، صَابِرَانِ وَلَا يَأْسَ، رَاجِيَانِ وَلَا غُرُورَ!» (4).
فمن قام، ممن يحب هذا الوطن، وقال لهذين: نحن في سبيل كفاح قومي فمن العيب أن تكتبا ما كتبتما؟ ولكن لما أحببنا نحن المُؤَلِّفَيْنِ أن ندافع عن قومنا وبلادنا وأن نقول للمصلحين: هذا ممكن الخطر! قيل لنا هذا عيب.
هنا نود أن نثبت كلمة - في هذا المعنى - ظهرت في مجلة " كل شيء "(5)، عصرها كاتبها من قبله ومن قلب كل مخلص في هذا الوطن. هذه الكلمة، التي تصور حالنا وحال إخواننا غدًا، هي:
كل أسبوع
الحق أننا نعيش في زمن تنقلب فيه الأوضاع أيما انقلاب، وتنعكس مفاهيم
(1) مجلة " بيروت المساء "، بيروت، في 21 حزيران عام 1948، الصفحة 5، نقلاً عن مجلة Paris Soir الباريسية.
(2)
السنة الثانية، النشرتان 5 - 6 (بيروت) 21 حزيران 1948، ص 167، 169.
(3)
هذه النقط من أصل المحاضرة.
(4)
كذا بالأصل. القريب: المسلم في لبنان. الجار: السوري. صابران (لبنان والمارونية): أي على الوضع الراهن. راجيان: أي لتبدل الحال
…
«وهذه الجمل تحتمل من المعنى أكثر من ذلك مما لا يخفى على المتبصر في العواقب!» .
(5)
مجلة " كل شيء "(بيروت)، العدد 119، السنة الثالثة؛ الجمعة 8 تموز 1949، الصفحة الأولى. وقد ظهرت هذه الكلمة بلا توقيع.
الأشياء أيما انعكاس.
وقد أصبح علينا، في هذه الغمرة من اختلال المقاييس وتشويه القيم، أن نصطلح على معنى واحد واضح لكلمة «العَيْبِ» في لبنان.
فلا يكاد أحدنا يأتي عملاً أو يقول قولاً (1) حتى تنقبض بعض الوجوه وتنطلق بعض الألسن: «عَيْبٌ، عَيْبٌ» ..
عيب أن نعتب على «المطران» (2)، وليس بعيب على سيادته أن ينشئ في لبنان سفارة لإسرائيل!
عيب أن نعتب على وزير مسؤول لإرساله «برقية حكومية رسمية» بالتعزية في سمسار لليهود، وليس بعيب أن يبعث بهذه البرقية للوزير المسؤول!
عيب أن نطالب الحكومة بما يحدد موقفها من الاتهامات الكبرى التي توجه عَلَنًا في دمشق إلى «شخصيات لبنانية» ، وليس بعيب أن تلزم الحكومة في هذا الأمر جانب الصمت العميق ..
عيب أن يرتفع صوت المرء بالعقيدة التي يؤمن بها، والفكرة التي يعتنقها، ويعمل صادقًا من أجل العقيدة والفكر، وليس بعيب أن يصبح المرء دونما عقيدة ولا فكر بعد أن كان من أبطال العقائد والأفكار ..
وعيب بعد ذلك أن نقول للأعور أعور، وليس بعيب أن يزيد الأعور عمى في البصر والبصيرة ..
هكذا تصبح المقاييس عندنا في آخر الزمان ..
.. عيب، صحيح عيب!
• • •
على أن الواقع يقضي بأن نقول: إن الشيخ (بطرس الجميل)(3) قد قال لأحدنا الدكتور (عمر فروخ)، إنه والكثيرين من ذوي الرأي لا يقرون (المطران مبارك) على أقواله وأعماله، وإنهم عاتبوا (المطران مبارك) عتابًا مُرًّا. إلا أن هذا العتاب ناقص
(1) المقصود: عَمَلاً في دفاع عن كرامة وَقَوْلاً فيه مطالبة بحق.
(2)
(المطران مبارك)، وكان قد كتب كتاب توصية بإفراد إلى بعض الهيئات الإسرائيلية.
(3)
رئيس حزب منظمة الكتائب اللبنانية.
في نظر المخلصين في هذا الوطن، أو أنه لم ينه هؤلاء عن الاستمرار في ضلالتهم. ثم إن هذا العتاب لم يؤد غايته الشكلية على الأقل، لأنه لم ينشر فيعرف!
هذه كلمة عتاب نسوقها إلى إخوان سيقولون لنا ما سيقولون، أو على الأصح قد قالوا لنا ما قالوه، ولكننا لا نشك في أنهم - إذا قرأوا هذا الكتاب - سيعودون إلى الإنصاف وسيدركون أن سوانا كان أحرى بوضع هذا الكتاب للرد على المفترين. ولكن لما لم يسد هذه الثغرة أحد ممن يجب عليهم أن يسدوها لم يبق ثمت مندوحة عن أن نتطوع نحن للقيام بهذا العمل.
من أجل ذلك كله أحببنا أن نجلو وجه الحقيقة فوضعنا هذا الكتاب: إنه من الخيانة أن نترك كياننا في مهب الخطر بسكوتنا عن مكمن هذ الخطر. إننا نعرف أن أسلاك هذا الخطر تمتد في خارج الوطن العربي من الأمثال أن العالم العربي والعالم الإسلامي قد أجمعا على إنقاذ فلسطين من براثن الصهيونية، ذلك الخطر المشرف على الشرق كله (1)، أما موضع العجب فهو أن المبشرين والذين يشايعون المبشرين عندنا ما زالوا يعملون على الانتصار لليهود كُرْهًا بِالعَرَبِ، مع أن خطر الصهيونية ليس خطرًا على العرب بل على غير العرب أيضًا، ولا هو خطر على الإسلام فحسب بل على النصرانية كذلك، ولا هو خطر على الشرق وحده بل على الغرب والشرق معًا.
وأخيرًا، إذا كان المبشرون وأتباع المبشرين قد وضعوا عشرات الألوف من الكتب وملأوها بالطعن على العرب وبالنيل من الإسلام، يستعملون التجني والمكابرة في ذلك، فإن من حق عَرَبِيَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنْ يَضَعَا كِتَابًا وَاحِدًا، وفي حدود العلم والأدب أيضًا، يدافعان به عن قومهما ودينهما في وجه المبشرين وصنائع المبشرين. وهؤلاء اليوم هم أنشط منهم في كل وقت آخر، بَلْ هُمْ قَدْ اِنْتَهَزَوا مِحْنَةَ فِلَسْطِينَ لِيَتَّخِذُوهَا سُلَّمًا إِلَى قَهْرِ العَرَبِ النَّصَارَى وَالمُسْلِمِينَ الذِينَ يَعْتَزُّونَ بِقَوْمِيَّتِهِمْ العَرَبِيَّةِ وَتَضَامُنِهِمْ الوَطَنِيِّ.
ونحب أن نقدم مثلين اثنين عن تأثر المؤسسات الغربية، التي تسمى إنسانية، بالعداوة التي تحملها للشرق.
إن العرب كلهم يخوضون اليوم حربًا ضد الصهيونيين، والحرب ضد الصهيونية
(1) هذا القسم كتب قبل حرب فلسطين، إذ كنا قد بدأنا تأليف هذا الكتاب في آب 1944.
في حقيقتها معركة من معارك استعمار الشرق. ولقد أرغم العرب في أثناء هذه الحرب على هدنة أربعة أسابيع (1)، أخذت فيها المؤسسات الغربية كلها تساعد اليهود، حتى مؤسسة الصليب الأحمر الدولي. والمفروض في مؤسسة الصليب الأحمر أن تواسي الجرحى أَيًّا كَانَ دِينُهُمْ وَأَيًّا كَانَ جِنْسُهُمْ. ولكن هذه مهمة الصليب الأحمر خارج الشرق. أما في الشرق، وفي الحرب بين العرب واليهود، فمهمته الإجهاز - عمليًا ومن سبيل الإهمال - على العرب ثم مساعدة اليهود.
نشرت جريدة " الديار "(بيروت، السنة الرابعة، العدد 1628، الصادر في 7 تموز 1948، الصفحة الثانية) احتجاجًا للدكتور (جورج حنا) رئيس لجنة إغاثة فلسطين في بيروت وعضو جمعية الصليب الأحمر اللبناني وأحد الكتاب الأحرار الإنسانيين نثبته كاملاً في ما يلي:
" متى الصليب الأحمر الدولي يتحيز لليهود "
كتاب الدكتور (جورج حنا) رئيس لجنة إغاثة فلسطين.
«حضرة (المركيزة دو فريج) رئيسة جمعية الصليب الأحمر اللبناني المحترمة.
تحية واحترامًا. وبعد، أرى من واجبي أن أطلع حضرتك على المعلومات التي وصلتني مؤخرًا عن مستشفى الصليب الأحمر اللبناني الموجود في عكا. وإنه ليؤسفني جِدًّا بهذه المناسبة أن أتقدم بالشكوى المرة من الإهمال الذي يبديه الصليب الأحمر الدولي تجاه المستشفى المذكور بالرغم من أني فهمت أن مؤسستكم كانت كلفته برعايته بعد احتلال عكا من قبل القوات الصهيونية. فعدا عن أن الصليب الأحمر الدولي لم يهتم بإعادة الأطباء والممرضات والمساعدين اللبنانيين إلى لبنان كما تفرض عليه رسالته الإنسانية، فإنه ما زال يبرهن عن تغاضيه عن مساعدة هؤلاء اللبنانيين الذين دفعتهم إنسانيتهم لتحمل المشاق لمساعدة الجرحى والمنكوبين. وفيما نرى الصليب الأحمر الدولي يعنى بتموين ورعاية الجرحى واللاجئين والمحاصرين من اليهود فهو يتظاهر بالعجز عن مساعدة مستشفى الصليب الأحمر اللبناني.
إن جميع المعلومات التي وصلتنا من مصادر لا يشك بثقتها تدل على أن الأشخاص
(1) راجع الحاشية 1 من الصفحة 30.
العاملين في مستشفى الصليب الأحمر اللبناني في عكا والمحجوزين فيها يقاسون العذاب والحرمان، وأن أولئك الأبطال الإنسانيين مهملون من قبل الصليب الأحمر الدولي المفروض فيه أن يكون عونًا لهم. فالصليب الأحمر الدولي على ما أعلم مؤسسة إنسانية عالمية لا تفرق بين الجهات المختلفة ولو كانت متحاربة. وهذ ما لا نراه مع الأسف في الحالة القائمة في فلسطين. لذلك:
1 -
أرفع احتجاجي على تصرفات الصليب الأحمر الدولي في فلسطين وعلى تغاضيه عن الاهتمام ببعثة الصليب الأحمر اللبناني في عكا وتحيزه للجانب اليهودي.
2 -
أسأل الصليب الأحمر اللبناني فيما إذا كان يرضى عن هذه المعاملة المغرضة وهو عضو في الصليب الأحمر الدولي.
3 -
بوصفي عضوًا في الصليب الأحمر اللبناني أطلب بإلحاح رفع احتجاج صارخ إلى المقر العام للصليب الأحمر الدولي وإلى الوسيط الكونت (برنادوت).
4 -
بذل جميع المساعي لإعادة الأطباء والممرضات والمساعدين اللبنانيين فورًا.
5 -
في حال سكوت الصليب الأحمر الدولي عن إجابة هذا الطلب أقترح أن تخابر مؤسسات الهلال الأحمر العربية وإيقافها على حقيقة الأمر لاتخاذ اللازم مع مؤسسة الصليب الأحمر الدولي».
• • •
على أن احتجاج سيادة المطران (جاورجيوس حكيم)(1)، مطران حيفا وعكا والناصرة وسائر منطقة الجليل لطائفة الروم الكاثوليك، كان أشد وأدل على فقدان العنصر الإنساني في تلك المؤسسات الإنسانية، إذا اصطدمت مصالح دولها في الشرق.
قال المطران (حكيم) يذكر حال العرب في فلسطين بعد الحرب الصهيونية ويشير إلى مدينة عكا خاصة:
وعاد المطران (حكيم) يوجه اللوم إلى مؤسسة الصليب الأحمر التي تعمل في خدمة
(1) جريدة " الديار "، العدد 1626، الأحد 4 تموز 1948.
اليهود ثم هي تهمل العرب عمدًا، فقال مُتَأَلِّمًا:«آسَفُ أَنْ يَعْمَلَ الصَّلِيبُ الأَحْمَرُ الدَّوْلِيُّ تَحْتَ رَايَةِ الصَّلِيبِ» (1).
• • •
وسيرى القارئ في فصول هذا الكتاب أيضًا أن المبشرين يتسترون بنشر العلم وبالتطبيب المجاني والأعمال الاجتماعية وما إلى ذلك في سبيل غاية واحدة: إنهم يريدون أن ينقذوا من خلال هذه المظاهر إلى تحطيم الجدار الإسلامي لينفذوا من خلاله إلى الحقل القومي. وبما أن هذا الجدار قد انثغر الآن ثغرات متعددة، فقد وجب العمل على سد هذه الثغرات قبل أن ينهار الجدار كله.
من أجل ذلك نرى أن لوضع هذا الكتاب مبررًا عظيمًا، بل إن وضعه قد أصبح واجبًا علينا لنفتح أعين قومنا على الخطر الحقيقي للمبشرين بين العرب خاصة وفي الشرق عامة. وكذلك يجب أن نعلم أن الصهيونية أيضًا ليست شيئًا سوى وسيلة من الوسائل التي يحاول الغرب بها أن يستمر في استعباد الشرق العربي بعد تصديع جداره وتجزئة رقعة أرضه. إن هذا الكتاب إذن ليس كتابًا «هَدَّامًا» ، ولكنه محاولة مخلصة لكشف ستار عن «الهَدَّامِينَ» . إنه واجب نقوم به في سبيل أمتنا وقومنا ووطننا.
13 رمضان 1368 هـ
9 تموز 1949 م.
المؤلفان
(1) مجلة " كل شيء "(بيروت)، السنة الثانية، العدد 68؛ 9 تموز 1948، الصفحة الأولى، تحت صورة الكونت (برنادوت).