الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدارسها الدينية على حسابها. وواصلت فرنسا رعايتها للإرساليات في الشرق بالرغم من اضطهادها لها في فرنسا نفسها.
وكان اهتمام فرنسا وتدخلها يزداد كلما لمست ازديادًا في اهتمام بريطانيا بالشرق. فقد كان لبريطانيا، هي الأخرى، مطامعها ومصالحها في هذا الجزء من العالم. ولما لم يكن لبريطانيا (في ذلك الحين) طائفة تشترك مَعًا في المذهب، اضطرت بادئ الأمر، إلى الاعتماد على التجارة والتدخلات الرسمية والخفية في بلاط الخليفة العثماني
…
ثم ازداد الاهتمام الإنجليزي بسورية في القرن الثامن عشر، عندما أصبحت الهند وشرقي آسيا محورين رئيسيين للثروة البريطانية الاستعمارية. وأرسلت بريطانيا عشرات الرحالة والمؤلفين والموظفين لدراسة أحوال سورية كطريق رئيسية إلى الهند
…
وكانت بريطانيا قد سبقت هذه الدول في إرسال دعاتها إلى لبنان لتحريض الشعب ضد إبراهيم باشا والأمير بشير.
فقدم إلى " غزير "، في كسروان، منذ 1839، كاهن إيرلندي الأصل، اسمه (وود)، وادعى أنه جاء ليتعلم العربية هناك. لكنه كان، إذ يتعلم العربية، يلقي بذور الشقاق بين الأهالي. ووعد (وود) البطريرك (حبيش) بمساعدة بريطانيا لإعلان لبنان إمارة مارونية مقابل مساعدة الموارنة لها. وفي الوقت نفسه أكد (وود) للدروز صداقة بريطانيا لهم وعطفها عليهم. ومثل (وود) سعى كل من (تشرشل) و (أونفرا) و (اللادي استنهوب) وغيرهم من البريطانيين الذين أقاموا في لبنان، تحت ستار توزيع الهدايا ومصادقة الشعب، إلى إثارة العصبية الطائفية لفتح المجال أمام بريطانيا لكي تتدخل
…
و (كذلك) انتشر عمال فرنسا في البلاد وتجولوا بين القرى المارونية، طالبين إلى السكان رفع الأعلام الفرنسية لنيل حظوة الجيوش الحليفة» (التي جاءت لحرب إبراهيم باشا).
تَهَكُّمٌ وَاِسْتِهْزَاءٌ:
ودعاة الاستعمار الخالص كدعاة الاستعمار المتستر بالتبشير لا يرعون للناس عهدًا ولا يحفظون لهم كرامة، حتى لأولئك الذين يستميلونهم أو يدعون أنهم استمالوهم. إن دعاة الاستعمار هؤلاء إذا كتبوا عن الشرق ملأوا كتاباتهم بالتهكم والاستهزاء وبشيء كثير من الازدراء أحيانًا. صدر مؤخرًا كتاب باللغة الفرنسية اسمه " آسيا المرعبة "(1) يصف رحلة شبه صحفية في بلاد الشرق الآسيوي. ولقد تهكم مؤلفاه (بيار) و (رينيه غوسيه)(2) على البلاد
(1) Térrifiante Asie
(2)
pierre et René Gosset
الشرقية ما شاء لهما التهكم. ونال لبنان مِنْ هَذَا التَّهَكُّمِ أَمَرَّهُ، مع العلم بأن مؤلفي الكتاب كليهما نَالَا من الإكرام في لبنان - بشهادتهما نفسهما - ما أدهشهما. قال المؤلفان (1): «وَعَرَفْنَا مَرَّةً، عَلَى مَائِدَةِ الصَّبَاحِ، فَتَاةَ رَائِعَةً مِنَ البِيئَةِ اللُّبْنَانِيَّةِ (مِنْ تِلْكَ الأُسَرِ الغَنِيَّةِ المُثَقِّفَةِ التِي تَرَبَّتْ فِي مَدَارِسِنَا وَالتِي تَتَزَوَّدُ بَأَزْيَائِهَا مِنْ بَارِيسَ وَتَصْطَافُ فِي فِرَنْسَا)
…
وَجَهِدَتْ (هَذِهِ الفَتَاةُ) لِتُدْخِلَ السُّرُورَ عَلَى قُلُوبِنَا، اِبْتِغَاءَ سُرُورِنَا وَحْدَهُ، ثَمَّ خَصَّتْنَا يَوْمَيْنِ كَامِلَيْنِ بِسَيَّارَةٍ ظَلَّتْ تَحْتَ تَصَرُّفِنَا حَتَّى بَلَغْنَا الحُدودَ السُّورِيَّةَ. (وَقُلْنَا فِي مَجْمِعٍ: لَعَلَّهَا وَجَدَتْنَا) لَطِيفَيْنِ. فَأَجَابَنَا (رَيْمُونَ دَ)(2)، وَهُوَ صَحَافَيٌّ لُبْنَانِيٌّ:" بِكُلِّ تَأْكِيدٍ، وَلَكِنَّكُمَا أَيْضًا فِرَنْسِيَّانِ "».
ولما تجولا في شوراع بيروت قالا (3):
«إِنَّ لِجَادَّةِ الفِرَنْسِيِّينَ مَعْنَاهَا فِي بَيْرُوتْ. وَلَنْ نَخْشَى أَنْ يُصِيبَهَا مَا أَصَابَ شَوَارِعَنَا فِي سَايْغُونْ (4). إِنَّ فِرَنْسَا لَمْ تَكُنْ فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ مَحْبُوبَةً فِي لُبْنَانَ كَمَا أَصْبَحَتْ بَعْدَ أَنْ غَادَرْنَاهَا نَحْنُ
…
وَبِاِنْتِهَاءِ الاِنْتِدابِ تَسَلُّمَ لُبْنَانُ اِسْتِقْلَالَهُ وَكَأَنَّهُ هَدِيَّةٌ عَجِيبَةٌ. لَقَدْ نَسِيَ الدَّقائِقَ الحَرِجَةِ كَيْلَا يَنْسَى التُّرَاثَ الذِي خَلَّفْنَاهُ لَهُ. وَمَا كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا. وَاِجْتَمَعْنَا حَوْلَ مَائِدَةِ (جُورْجْ نَقَّاشْ) مُدِيرُ جَرِيدَةِ " الأُورْيَانْ "(5) بِأَحَدِ أَصْدِقَائِنَا اللُّبْنَانِيِّينَ القُدَمَاءَ، مِنَ الذِينَ اِلْتَقَيْنَا بِهِمْ فِي أَقْطَارِ العَالَمِ الأَرْبَعَةِ خِلَالَ الأَعْوَامِ الأَخِيرَةِ، وَهُوَ (جُوزِيفْ حَ) مُدِيرُ الشُّؤُونِ الخَارِجِيَّةِ فِي بِلادِهِ فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ (6). وَفِي هَذَا الجَوِّ الهَادِئِ لَمْ نَسْتَطِعْ إلَاّ أَنْ نَسْتَعِيدَ ذِكْرَى (ثِقَةَ) مُتَبَادَلَةً نَبَتَتْ مُنْذُ سِنِينَ خَلَتْ حِينَمَا كَانَ وَزِيرًا مُفَوَّضًا فِي بْرُوكْسَالْ. لَقَدْ حَدَّثَنَا (فِي لِقَائِنَا هَذَا) عَنْ النِّزَاعِ الوِجْدَانِيِّ الفَاجِعِ الذِي يَنْتَابُ أَهْلَ جِيلِهِ. إِنَّهُ لَمَّا حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فِرَنْسَا بِعُنْفٍ حِينَمَا كَانُوا يُكَافِحُونَ فِي سَبِيلِ اِسْتِقْلَالِ بِلَادِهِمْ، وَجَدُوا أَنَفْسَهُمْ (فَجْأَةً) بَلَا ثِقَةٍ أُخْرَى، وَلَا لُغَةٍ أُخْرَى، وَلَا أُسْلُوبٍ مِنْ أَسَالِيبِ التَّفْكِيرِ سِوَى تِلْكَ التِي كَانُوا تَعَلَّمُوهَا فِي كُلِّيَّاتِنَا وَمَدَارِسِنَا».
(1) ص 73.
(2)
«الدَّالْ» الفرنجية يمكن أن تقابل في العربية الدال أو الضاد.
(3)
ص 74.
(4)
سايغون: مدينة في الهند الصينية التي طرد منها الفرنسيون فتبدلت شوارعها أسماء جديدة وأوجهًا جديدة.
(5)
(L'Orient (Beyrouth
(6)
يوم كان المؤلفان في سياحتهما.