الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّقْوَى المَسِيحِيَّةِ وَسُلُوكِ المَسِيحِيِّ (88 وما بعدها، 99)، وَخُصُوصًا مَا دَامَ طِفْلاً. وَهَكَذَا يَنْشَأُ الطَّالِبُ وَتَنْشَأُ مَعَهُ فَلْسَفَةٌ مَسِيحِيَّةٌ لِلْحَيَاةِ» (ص 30).
وقبل (دانبي) و (بنروز) ذكر المبشر المشهور (جون موط) نفسه كلامًا أكثر وضوحًا، وفي ما يتعلق بالتعليم بين الصغار خاصة، قال (1):
«يَجِبُ أَنْ نُؤَكِّدَ فِي جَمِيعِ مَيَادِينِ (التَّبْشِيرِ) جَانِبَ العَمَلِ بَيْنَ الصِّغَارِ وَلِلْصِّغَارِ. وَبَيْنَمَا يَبْدُو مِثْلَ هَذَا العَمَلِ وَكَأَنَّهُ غَيْرِيَّةٌ، تَرَانَا مُقْتَنِعِينَ لأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ نَجْعَلَهُ عُمْدَةَ عَمَلِنَا فِي البِلَادِ الإِسْلَامِيَّةِ. إِنَّ الأَثَرَ المُفْسِدَ فِي الإِسْلَامِ يَبْدَأُ بَاكِرًا جِدًّا. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الأَطْفَالُ الصِّغَارُ إِلَى المَسِيحِ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ الرُّشْدَ وَقَبْلَ أَنْ تَأْخُذَ طَبَائِعُهُمْ أَشْكَالَهَا الإِسْلَامِيَّةً. إِنَّ اخْتِبَارَ الإِرْسَالِيَاتِ فِي الجَزَائِرِ، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الأَمْرِ، وَكَمَا ظَهَرَ مِنْ بُحُوثِ مُؤْتَمَرِ شَمَالِ أَفْرِيقْيَا، اخْتِبَارٌ جَدِيدٌ وَمُقْنِعٌ
…
وَهَكَذَا نَجِدُ أَنَّ وُجُودَ التَّعْلِيمِ فِي يَدِ المَسِيحِيِّينَ لَا يَزَالُ وَسِيلَةً مِنْ أَحْسَنِ الوَسَائِلِ لِلْوُصُولِ إِلَى المُسْلِمِينَ».
كَيْفَ تَخْتَارُ هَذِهِ المَدَارِسُ أَسَاتِذَتَهَا
؟:
والمؤلف لا يطلب من المعلم أن يكون مسيحيًا فحسب، «بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَسِيحِيًّا مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ وَأَنْ يُطَبِّقَ الحَيَاةَ المَسِيحِيَّةَ عَلَى المَبَادِئِ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالدَّوْلِيَّةِ» (ص 30، 31). ولهذا كان المعلم الأجنبي أفضل من المعلم الوطني، وخصوصًا إذا كان المعلم الوطني مسلمًا. ثم يقول (دانبي):
«ثُمَّ يَتَّسِعُ الشَّكُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ حِينَمَا نَأْتِي إِلَى اِسْتِخْدَامِ مُعَلِّمٍ غَيْرَ مَسِيحِيٍّ لِيُعَلِّمَ مَوْضُوعَاتٍ لَا نَجِدُ لِتَعْلِيمِهَا مُعَلِّمًا مَسِيحِيًّا. أَجَلْ، إِنَّ البَرَاعَةَ فِي التَّعْلِيمِ لَا صِلَةَ لَهَا بِدِينِ المُعَلِّمِ. وَمِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ مُعَلِّمًا مُسْلِمًا ذَا خِبْرَةٍ بِمِهْنَتِهِ وَذَا كِفَايَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الجَانِبَ الشَّخْصِيَّ وَقُوَّةَ الخُلُقِ وَالشُّعُورِ بِالوَاجِبِ مَا يَجْعَلُ مِنْهُ مُعَلِّمًا يَبْعَثُ الحَيَاةَ فِي طُلَاّبِهِ أَوْ مُرَبِّيًا صَالِحًا. ثُمَّ هُوَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي طُلَاّبِهِ أَكْثَرَ مِنَ المُعَلِّمِ المَسِيحِيِّ المُجَرَّدِ مِنَ الصِّفَاتِ التِي يَتَّصِفُ بِهَا ذَلِكَ المُعَلِّمُ المُسْلِمُ. وَلَكْنَ إِذَا كَانَتْ الغَايَةُ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي المَدَارِسِ المَسِيحِيَّةِ (كَمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ) إِنَّمَا هِيَ تَزْوِيدُ الطُّلَاّبِ بِاسْتِشْرَافٍ مَسِيحِيٍّ لِلْحَيَاةِ، وَتَمْرِينٍ لَهُمْ عَلَى مُمَارَسَةِ المَبَادِئِ المَسِيحِيَّةِ وَتَقْرِيبِهِمْ مِنْ اخْتِبَارٍ شَخْصِيٍّ
(1) Mott، The Moslem World of To - Day 371 - 372
لِلإِيمَانِ المَسِيحِيِّ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمُسْلِمِ الأَمِينِ أَنْ يُعَاوِنَنَا عَلَى بُلُوغِ هَذِهِ الغَايَةِ؟ ثُمَّ إِذَا كَانَ هُوَ يَعْتَقِدُ بِهَذِهِ الغَايَةِ (لأَنَّهُ ضَعِيفُ الشَّخْصِيَّةِ خَنُوعٌ) وَلَكِنَّهُ لَا يَخْطُو خُطْوَةً يُصَبِحُ بِهَا مَسِيحِيًّا، أَفَلَا يَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ عَلَى تَلَامِيذِهِ تَأْثِيرٌ سَلْبِيٌ فَيَسْتَنْتِجُونَ مِنْ سُلُوكِهِ أَنَّ الدِّينَ لَيْسَ مَوْضُوعًا ذَا أَهَمِّيَّةٍ حَاسِمَةٍ؟» (ص 62، 67، 68).
«فَلِلْمَدَارِسِ المَسِيحِيَّةِ إِذَنْ رِسَالَةٌ تُؤَدِّيهَا. وَلِرِسَالَتِهَا هَذِهِ غَايَةٌ قُصْوَى، هِيَ أَنْ تَجْعَلَ الشُّعُوبَ كُلَّهَا فِي المُسْتَقْبَلِ تَابِعَةً لِلْكَنِيسَةِ» . (ص 101، رجع ص 14 وما بعدها إلى 18)
من أجل ذلك كله ترفض هذه المدارس - وفي فلسطين خاصة - أن تتقيد بالمنهاج الرسمي للبلاد (1): «إِنَّ تَقَيُّدَ هَذِهِ المَدَارِسَ بِالمَنَاهِجِ الرَّسْمِيَّةِ يُفْقِدُهَا صِفَتَهَا التَّبْشِيرِيَّةَ المَسِيحِيَّةَ وَيَجْعَلَهَا مَدْرَسَةً فِي عِدَادِ المَدَارِسِ الوَطَنِيَّةِ فَتَبْطُلُ الغَايَةُ مِنْ وُجُودِهَا» . (راجع ص 6، 10)
وهكذا نرى أن عقلية الأجانب، الذين يأتون إلى بلادنا باسم العلم ونشر العلم، لم تتغير قط في القرن الذي انقضى على بدء مجيئهم إلى هذه البلاد، منذ أيام (دانيال بلس) إلى أيام (ستيفن بنروز): كلهم مبشرون في الدرجة الأولى، وناشرون للعلم بِالعَرَضِ فقط. وما يقال عن الجامعة الأمريكية يقال عن الجامعة اليسوعية وعن كل إرسالية أجنبية.
وبما أن التبشير رأسًا لم يجعل أحدًا من المسلمين يصبأ إلى النصرانية، فقد اتفق المبشرون على أن يقتربوا من المسلمين بطريقة غير مباشرة. والكل متفقون على أن التعليم أفضل هذه الطرق غير المباشرة (2). من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا كانت أكثر مدارس البنين والبنات - والمدارس الأمريكية خاصة - لا تزال مرتبطة بالإرساليات (3). ومع أن الإرساليات التبشيرية تحاول النفوذ إلى الطوائف المسيحية المتعددة في الشرق، كأن يكتسب البروتستانت مثلاً نفرًا من الأرثوذكس، فإن المقصود الأول بالتبشير من طريق التعليم هم المسلمون، وخصوصًا بعد أن تبدلت الأحوال والعقليات بعد الحرب العالمية الأولى. وهكذا كان «تَارِيخُ الأَعْمَالِ التَّبْشِيرِيَّةِ فِي البِلَادِ الإِسْلَامِيَّةِ، إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ، تَارِيخًا لِلْتَّعْلِيمِ الأَجْنَبِيِّ» (4).
(1) إن مدارس الإرساليات في لبنان تحاول كلها ألا تتقيد بالمنهاج الرسمي في التعليم وتطالب بجعل التعليم حُرًّا.
(2)
M W، July، 36، pp 224 ff
(3)
M W، Oct. 1931. p 389
(4)
cf Milligan 20; Christian Workers 21. III ; Gairdner 277 f