الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَجَارِبَهُ العِلْمِيَّةَ
…
" وَكَانَ الأُسْتَاذُ (رُوبَرْتْسُونْ) يُضِيفُ إِلَى كَلَامِهِ عَلَى العِلْمِ عَرْضًا لِلْنَّصْرَانِيَّةِ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الحَيَاةِ الشَّخْصِيَّةِ وَالقَوْمِيَّةِ فِي الصِّينِ. وَلَقَدْ تَعَوُّدَ عَدَدٌ مِنَ الخُطَباءِ أَيْضًا أَنْ يَهْتَمُّوا بِالجَانِبِ الرُّوحِيِّ. وَكَانَ الذِينَ يُحْضُرُونَ هَذِهِ الاِجْتِمَاعَاتِ الدِّينِيَّةِ الخَالِصَةِ يَزِيدُونَ عَلَى عَدَدِ الذِينَ يَأْتُونَ إِلَى المُحَاضَرَاتِ العَادِيَّةِ. وَفِي أَثْنَاءِ رِحْلَةٍ (خِطَابِيَّةٍ) مِثْلَ هَذِهِ خَطَا نَحْوُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ شَخْصٍ خُطُوَاتِهِمْ الأُولَى نَحْوَ تَقَبُّلِ النَّصْرَانِيَّةِ. وَهَكَذَا يُبْرُزُ النَّشَاطُ الاِجْتِمَاعِيُّ وَالفِكْرِيُّ لِجَمْعِيَّةِ الشُّبَّانِ المَسِيحِيِّينَ بَيْنَ وَسَائِلِ التَّبْشِيرِ فِي الصِّينِ .... أَمَّا " جَمْعِيَّةُ الشَّابَّاتِ المَسِيحِيَّاتِ " فَإِنَّهَا تُحَاوِلُ أَنْ تَصْنَعَ لِنِساءِ الصِّينِ مَا تُحَاوِلُ " جَمْعِيَّةُ الشُّبَّانِ المَسِيحِيِّينَ " صُنْعَهُ لِلْرِّجَالِ».
ولا ريب في أن عمل هاتين الجمعيتين في سائر بلاد العالم، وفي البلاد العربية بطبيعة الحال، لا يختلف عن عملها في الصين في شيء البتة.
المَرْأَةُ فَتَاةً وَأُمًّا:
ويهتم المبشرون خاصة بالمرأة. إن المرأة مدار الحياة الاجتماعية، والوصول بالتبشير إليها وصول إلى الأسرة كلها. من أجل ذلك كانت " جمعية الشابات المسحيات " بفروعها، ومن أجل ذلك كانت المنازل والمعاهد التي يعدها المبشرون للفتيات خاصة (1).
ويصفق المبشرون باليدين لأن المرأة المسلمة قد تخطت عتبة دارها. لقد خرجت إلى الهواء الطلق، لقد نزعت عنها حجابها. ولكنهم لا يصفقون لأن المرأة المسلمة قد فعلت ذلك، بل لأن فعلها هذا يتيح للمبشرين أن يتغلغلوا عن طريق المرأة في الأسرة المسلمة بتعاليمهم التبشيرية. ولهذا السبب خاصة أخذ المبشرون منذ أمد يأتون بالنساء المبشرات ليتصلن بالنساء المسلمات وهم يصيحون:«لَقَدْ سَنَحَتْ لَنَا فُرْصَةٌ جَدِيدَةٌ» (2).
وللمرأة عند المبشرين أهمية عظيمة، قال نفر منهم (3):
من أجل ذلك اهتم المبشرون بالتبشير بين النساء اهتمامًا خاصًا، ووضعوا له البرامج
(1) cf. Supra ; cf. too MW. Oct. 37، pp. 362 ff
(2)
Milligan 64 f
(3)
Christian Workers 40
المفصلة وأكثروا من إرسال المبشرين والمبشرات لهذه الغاية، ثم استعانوا على ذلك بكثير من الجمعيات النسائية في أمريكا (1).
وَتَبَدَّى موضوع المرأة في صورته الحقيقية من أن المرأة عنصر فعال في الحياة الدينية، فإذا بالمؤتمر التبشيري الذي عقد في القاهرة عام 1906 يتمخص، فيما تمخض عنه، عن هذا النداء الذي وضعته الأعضاء المبشرات في ذلك المؤتمر:
ومنذ زمن قديم والمبشرون يرون أن يهاجموا هذا المعقل الحصين في الإسلام، فزعموا أن المرأة المسلمة متأخرة، وأنها لا تتحرر إلا إذا دخلت في النصرانية (3). ثم إنهم يزعمون أيضًا «أَنَّ الدِّينَ الإِسْلَامِيَّ نَفْسُهُ مَصْدَرُ أَلَمٍ لِلْمَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، إِنَّهَا تَتَأَلَّمُ بِسَبَبِهِ طَبِيعِيًّا وَرُوحِيًّا وَعَقْلِيًّا: إِنَّهَا تَخَافُ مِنْ زَوْجِهَا وَمِنَ المَوْتِ وَمِنَ الطَّلَاقِ» (4).
على أن الذي يفتريه المبشرون على المرأة المسلمة كثير لا سبيل إلى حصره ولا إلى تعداد وجوهه، فلماذا يفعلون ذلك؟ إن لذلك عندهم غايتين (5):
1 -
أن يثيروا عاطفة الأغنياء من النصارى في أوروبا وأمريكا للبذل في سبيل التبشير.
2 -
أن يحطموا من عزيمة المسلمين ويحملوهم على الشعور بالنقص في أنفسهم.
ويبالغ بعض المبشرين فيزعم أن المسلمين لا يستطيعون أن يتخيلوا أن بإمكان المرأة أن تتعلم الدين. فمن أجل ذلك يريد هذا المبشر الذكي أن يستغل المبشرون كلهم هذه الناحية فيرسلوا إلى أفغانستان خاصة نساءً مبشرات منهم. من هذا السبيل تستطيع هؤلاء المبشرات أن يدخلن إلى الحريم (6) فيبشرن بين نسائه من غير أن يتسرب شك إلى الأفغانيين بحقيقة مهمتهن (7).
(1) Re-thinking Missions 271. 273، cf. 285
(2)
Gairdner 305
(3)
Methods of Missions 21
(4)
ibid. 111 f
(5)
ibid. 110
(6)
لا يزال كثيرون من الغربيين يعتقدون بأن البيت الإسلامي دائرة مضروبة على نساء يتمتع بهن الرجل على هواه.
(7)
Islam and Missons 182
وبعد أن تُدَرِّبَ هَؤُلَاءِ المُبَشِّرَاتُ الأَجنبيات نساءً وطنياتٍ يتوجب عليهن أن ينسحبن من ميدان التبشير ويتركن مكانهن لمبشرات وطنيات من أبناء البلاد. على أن المبشرات الأجنبيات يجب أن يبقين للعمل ومبشرات من وراء ستار (1). والمبشرة عندهم على كل حال امرأة ذات شخصية مسيحية مشعة موحية (2).
وحينما ينظر المبشرون من خلال الأعصر والحوادث لا يستطيعون أن يَرَوْا إلا التبشير. يرى المبشرون أن الحرب العالمية الأولى قد أثرت في كل صقع وشعب، وكذلك فعلت بالمرأة المسلمة فنبهت فطرتها إلى طلب الحرية. إن لهذا التبدل الطارئ على المرأة المسلمة عندهم قيمة خاصة: إن نساء العالم الإسلامي قد أصبحن الآن - بعد هذا التبديل الجديد - أكثر تعرضًا لوصول المبشرين إليهن بالتعاليم المسيحية (3).
أما طريق التبشير بين الفتيات والنساء، اللواتي تعضهن الحاجة خاصة، فقد لخصها مؤتمر [قسنطينة] (في الجزائر) بما يلي (4):
ويبدو أن تشجيع الشبان غير المسيحيين على الزواج بالفتيات الأجنبيات المسيحيات من وسائل التبشير أيضًا. هذا الموضوع شَائِكٌ يحتاج إلى شيء من البسط حتى تُفْهَمَ مقاصدنا من طرقه. إن للزواج بالأجنبيات، في جميع الشعوب، عوامل مختلفة. من هذه العوامل استظراف الجمال الغريب، وإن كان في بعض الأحيان أقل قدرًا من الجمال المألوف. إن الآسيوي الأسمر يميل إلى الأوروبية المهقاء (5) أو التي أوتيت بسطة في الجسم وإن كانت بنت جلدته
(1) Re-thinking Missions 182
(2)
ibid. 283
(3)
Missionary Outlook 66 ff
(4)
Christian Workers 71
(5)
المهقاء هي البيضاء الخالصة البياض (كَلَوْنِ الكِلْسِ) أي التي لا يخالط بياضها حمرة أو صفرة.
أحسن منها من الناحية الروحية والألفة في الحياة البيتية وتوفير السعادة.
ولكن لما انتشرت الحضارة الغربية في الشرق وانتشر معها شيء يسير أو كثير من الثقافة الأجنبية والذوق الأجنبي وأساليب الحياة الاجتماعية المألوفة في الغرب، ثم ظل جانب كبير من الحياة في الشرق مُوصَدًا دُونَ هذه الأساليب التي اتفق أنها أوثق صلة بالغريزة البشرية وأكثر تساهلاً في سلوك الأفراد الشخصي والاجتماعي، مال المثقفون بالثقافة الغربية من الشرقيين إلى الانفلات من البيئة الشرقية المغلقة للانطلاق في البيئة الغربية المشرعة إلى كل جهة. ثم لما كثر أيضًا التردد بين الشرق والغرب للتجارة والأسفار وطلب العلم والبعثات المختلفة نشأت دواع من الألفة والحب والمصلحة واتفاق الأذواق بين الشرقيين والغربيات في الأكثر.
ولقد أجاز الإسلام الزواج بالكتابيات من اليهوديات والنصرانيات بعد أن سكنت عواصف العداوة بين الإسلام وبين اليهود والروم النصارى. ثم جئنا نحن اليوم نقيس الفرنسيات والبريطانيات والأمريكيات على الروميات في صدر الإسلام بجامع النصرانية بينهن، فنتزوج بهن من غير حرج، مع أن الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين هم ألد أعدائنا اليوم. فإذا نحن عرفنا أن زواج المسلم بالنصرانية واليهودية كان محرمًا في بدء الدعوة الإسلامية لاشتداد أوار الحرب والعداوة بين المسلمين وبين اليهود والنصارى ثم جاز الزواج بالنساء منهم لما زالت دواعي العداوة والحرب أدركنا أن الزواج بالفرنسيات والبريطانيات والأمريكيات يجب أن يكون اليوم ممنوعًا حُكْمًا، للعداوة التي يحملها الغربيون للإسلام والحروب الدائرة فعلاً بين المسلمين والغربيين في كل مكان. ولا ريب أبدًا في أن الزواج بالإسرائيليات، وباليهوديات اللواتي لا يسكن إسرائيل أيضًا، يجب أن يكون محرمًا قطعًا (1).
ونأتي الآن إلى الصعيد الشخصي، إن الموضوع المقصود قد تختلف أجنبية من أجنبية وقد تكون مثلاً أو العلم أو السلوك الاجتماعي. ولكن حينما تضع الجماعات أسسًا لحياتها بل تقصد إلى القواعد العامة وتهتم بمصلحة العديد الأكثر. من أجل ذلك قد نرى مسلمين تزوجوا بأجنبيات وهم يعيشون عيشة هنيئة صحيحة، بل قد نرى أيضًا أولادًا ولدوا من أمهات غير مسلمات ثم هم مع ذلك ذَوُو محافظة على الشعائر وغيرة على الإيمان. ولكن القاعدة العامة هي أن الزواج بالأجنبيات غير المسلمات يسلب البيت الإسلامي جَوَّهُ
(1) راجع " الأسرة في الشرع الإسلامي "، تأليف الدكتور عمر فروخ: ص 82.
الروحي الإسلامي ويبدل كثيرًا من المثل العليا فيه. والغالب أن مثل هذا البيت لا ينشأ على اللغة العربية، أو قد ينشأ على لغة أجنبية إلى جانب اللغة العربية. وإذا علمنا أن اللغة الأجنبية تكون في هذه الحال لغة الأم أدركنا تأثير تلك اللغة على الأولاد وخصوصًا حينما يكون الأب جاهلاً لتلك اللغة أو قليل المعرفة بها.
ثم يجب أن ندرك وراء كل ريب أن الزواج بالأجنبيات ينشأ دائمًا من دواع عارضة: من استلطاف في أمر من الأمور، أو فورة عاطفية، أو ألفة في رحلة، أو هربًا من نفقات الزواج في الشرق، أو من جُبْنٍ اِجْتِمَاعِيٍّ في البيئة التي نشأ فيها الشاب المسلم وانفتاح البيئة الجديدة التي وجد فيها نفسه، أو ما يشبه ذلك من الأمور الوقتية الزائلة. وكذلك يجب أن نعلم أن أشخاصًا كثارًا لهم قيمة اجتماعية أو سياسية أو قيمة ذاتية على الأقل وضع في طريقهم فتيات تزوجوهن ثم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الإنسلاخ من بيئتهم فخسرتهم بيئتهم وفقدت بفقدهم عاملاً قويًا في إنهاضها أو إصلاحها.
ويتمثل الخطر في الزواج بالأجنبيات في صورة بارزة جِدًّا حينما تكثر الزوجات غير المسلمات في البيئات الإسلامية فتتخلخل حينئذٍ تلك البيئات وتضعف الحياة الإسلامية فيها. ويحسن أن نذكر أيضًا أن الزواج بالأجنبيات يترك آثارًا سيئة في الأسرة والمجتمع. إن الصدمة النفسية،التي تصيب فتاتنا إذا رأت قريبها أو مواطنها من بني أمتها قد آثر عليها أخرى أجنبية، تعظم أحيانًا حتى تحمل تلك الفتاة على نقمة مرة تنتهي بكبت أو ثورة عنيفة أو استهتار هادئ، وكل ذلك شر كبير. وكذلك يسلب الزواج بالأجنبيات مجتمعنا عددًا من الرجال فيزيد فيه عدد النساء، فيخلق ذلك لنا مشكلة اجتماعية أو يعقد المشكلة الناشئة في مجتمعنا الشرقي، وفي المجتمع العربي إلى حد أبعد، من زيادة عدد النساء على الرجال. إن زواج الشرقيين بالغربيات يحل، في هذه الناحية، من مشاكل المجتمع الغربي ليزيد في مشاكل المجتمع الشرقي. وهكذا يكون الغربيون، قصدوا هم أو لم يقصدوا وأردنا نحن أو لم نرد قد وصلوا إلى أهداف لهم سياسية ودينية. وأشد من ذلك إيلامًا أن نفرًا من قادة العرب ونفرًا من القائمين على رأس الحركات القومية العربية متزوجون بأجنبيات. فكيف يستطيع هؤلاء أن يكونوا ذوي بأس وصلابة في كفاحهم القومي وفي بيئتهم بينما أولادهم يرثون من الحمية الفرنسية من أمهم مثلاً مقدارًا كالمقدار الذي يرثونه من الحمية العربية من أبيهم.
• • •
ويتوسل المبشرون إلى التأثير في أذهان الشرقيين بالأبنية الفخمة العظيمة. إن كنائس