المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وهكذا نرى إلى أي حد كان التبشير والسياسة يتعاونان، كانت - التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

[مصطفى الخالدي]

فهرس الكتاب

- ‌إِهْدَاءُ الكِتَابِ:

- ‌مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الثَّالِثَةِ:

- ‌الكَلِمَةُ الأُولَى: مِنْهَاجُ هَذَا الكِتَابِ:

- ‌‌‌الكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: رِسَالَةُ هَذَا الكِتَابِ:

- ‌الكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: رِسَالَةُ هَذَا الكِتَابِ:

- ‌مَصَادِرُ هَذَا الكِتَابِ:

- ‌تَوْطِئَةٌ: وَجْهُ الحَاجَةِ إِلَى هَذَا الكِتَابِ:

- ‌وفيما يلي موجز الاتهام والحكم

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: بَوَاعِثُ التَّبْشِيرِ الحَقِيقِيَّةِ:

- ‌أَثَرُ الحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ:

- ‌خَطَرُ الوَحْدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ عَلَى الغَرْبِ:

- ‌افْتِرَاءَاتُ المُبَشِّرِينَ:

- ‌الإِسْلَامُ وَالسَّيْفُ:

- ‌طَرِيقُ الاِسْتِعْمَارِ:

- ‌إِعْدَادُ المُبَشِّرِينَ:

- ‌الغَايَةُ تُبَرِّرُ الوَاسِطَةَ عِنْدَهُمْ:

- ‌جَنِينَةُ رَسْلَانْ:

- ‌تَنَافُسُ المُبَشِّرِينَ:

- ‌المُبَشِّرُونَ يَحْتَالُونَ عَلَى النِّظَامِ الجُمْرُكِيِّ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: التَّطْبِيبُ حِيلَةٌ لِلْتَّبْشِيرِ:

- ‌اِسْتِغْلَالُ آلَامِ البَشَرِ:

- ‌أَهَمِّيَّةُ المُسْتَوْصَفَاتِ وَالمُسْتَشْفَيَاتِ:

- ‌كِبَارُ أَطِبَّائِهِمْ مُبَشِّرُونَ:

- ‌اِعْتِرَافُهُمْ بِخِدَاعِ المَرْضَى:

- ‌جَهْلُهُمْ وَكُرْهُهُمْ لِلْعِلْمِ:

- ‌العُنْصُرُ النِّسَائِيُّ فِي التَّبْشِيرِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: التَّعْلِيمُ مَيْدَانٌ فَسِيحٌ لِلْتَّبْشِيرِ:

- ‌لَيْسَ لِلْتَّعْلِيمِ عِنْدَهُمْ غَايَةُ سِوَى التَّبْشِيرُ:

- ‌كَيْفَ تَخْتَارُ هَذِهِ المَدَارِسُ أَسَاتِذَتَهَا

- ‌وَسَائِلُ التَّبْشِيرِ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ:

- ‌إِنَّ المُبَشِّرَ الأَوَّلَ هُوَ المَدْرَسَةُ

- ‌الكُتُبُ المَدْرَسِيَّةُ خَاصَّةً وَالطَّعْنُ عَلَى الإِسْلَامِ:

- ‌وَاجِبُ الحُكُومَاتِ الوَطَنِيَّةِ:

- ‌نَشَاطُ المُبَشِّرِينَ مِنْ طَرِيقِ التَّعْلِيمِ:

- ‌التَّبْشِيرُ وِفَادَةُ البِلَادِ فِي المُسْتَقْبَلِ:

- ‌نَشَاطُ المُبَشِّرِينَ فِي إِنْشَاءِ المَدَارِسِ:

- ‌إِجْبَارُ المُسْلِمِينَ عَلَى دُخُولِ الكَنِيسَةِ فِي مَدَارِسِ التَّبْشِيرِ:

- ‌التَّبْشِيرُ بَيْنَ الأُمِّيِّينَ:

- ‌التَّعْلِيمُ الرَّسْمِيُّ وَالتَّبْشِيرُ:

- ‌التَّعْلِيمُ النِّسَائِيُّ خَاصَّةً:

- ‌التَّبْشِيرُ بَيْنَ الدَّارِسِينَ فِي الخَارِجِ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: التَّعْلِيمُ مَيْدَانٌ فَسِيحٌ لِلْتَّبْشِيرِ:

- ‌1 - " مَدْرَسَةُ عَبِيهْ " (لُبْنَانُ):

- ‌2 - " كُلَّيَّةُ رُوبَرْتْ " فِي اسْتَانْبُولْ:

- ‌3 - " الجَامِعَةُ الأَمِرِيكِيَّةُ " فِي بَيْرُوتْ:

- ‌(هوارد بلس)

- ‌بْيَارْدْ ضُودْجْ:

- ‌سْتِيفَنْ بَنْرُوزْ:

- ‌4 - سَائِرُ المَدَرِاسِ الأَمِرِيكِيَّةِ:

- ‌6 - المُؤَسَّسَاتُ الفِرَنْسِيَّةِ:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: السِّيَاسَةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌1 - تَعَاوُنُ التَّبْشِيرِ وَالسِّيَاسَةِ:

- ‌الحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ:

- ‌التَّبْشِيرُ وَالنُّفُوذُ الأَجْنَبِيُّ:

- ‌السِّلْكُ السِّيَاسِيُّ الأَجْنَبِيُّ يَحْمِي المُبَشِّرِينَ:

- ‌الجِنْسِيَّةُ الأَجْنَبِيَّةُ:

- ‌اليَسُوعِيُّونَ أَيْضًا:

- ‌اليَسُوعِيُّونَ وَالمُفَوِّضْ السَّامِي الفِرَنْسِيُّ:

- ‌سِيَاسَةُ الجِزْوِيتْ:

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُ: السِّيَاسَةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌2 - الفِتَنُ وَالحُرُوبُ فِي الشَّرْقِ:

- ‌إِثَارَةُ الحُرُوبِ:

- ‌الحِصَارُ العَسْكَرِيُّ عَلَى المُسْلِمِينَ وَإِبْعَادُهُمْ عَنْ الشَّوَاطِئِ:

- ‌الاِمْتِيَازَاتُ الأَجْنَبِيَّةُ:

- ‌إِثَارَةُ الاِضْطِرَابَاتِ ثُمَّ اِسْتِغْلَالُهَا:

- ‌فِتْنَةُ عَامِ 1860:

- ‌تَقْسِيمُ جَبَلِ لُبْنَانْ فِي القَرْنِ المَاضِي وَتَقْسِيمُ فِلِسْطِينَ اليَوْمَ:

- ‌الفَصْلُ السَّابِعُ: السِّيَاسَةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌3 - الإِدَرَاةُ الأَجْنَبِيَّةُ فِي خِدْمَةِ التَّبْشِيرِ:

- ‌فِي صَمِيمِ التَّدَخُّلِ السِّيَاسِيِّ:

- ‌كَيْفَ دَخَلَ الإِنْجِلِيزُ إِلَى السُّودَانِ

- ‌فِرَنْسَا خَاصَّةً:

- ‌تَهَكُّمٌ وَاِسْتِهْزَاءٌ:

- ‌اِسْتِفْزَازٌ وَقِلَّةُ ذَوْقٍ:

- ‌التَّوْظِيفُ وَالطَّائِفِيَّةُ:

- ‌4 - الحَيَاةُ القَوْمِيَّةُ وَالاِقْتِصَادِيَّةُ:

- ‌الدَّعَوَاتُ الإِقْلِيمِيَّةُ وَالصُّهْيُونِيَّةُ:

- ‌حَذَارِ اليَسُوعِيِّينَ:

- ‌الحُرُوبُ وَالتَّبْشِيرُ:

- ‌التَّعَاوُنُ بَيْنَ التَّبْشِيرِ وَالسِّيَاسَةِ:

- ‌الحَرَكَةُ القَوْمِيَّة فِي الإِمْبْرَاطُورِيَّةِ العُثْمَانِيَّةِ:

- ‌التَّبْشِيرُ وَالوَطَنِيَّةُ:

- ‌الفَصْلُ الثَّامِنُ:‌‌ التَّبْشِيرُ وَالحَرَكَاتُ القَوْمِيَّةُ:

- ‌ التَّبْشِيرُ وَالحَرَكَاتُ القَوْمِيَّةُ:

- ‌التَّبْشِيرُ يَتَعَاوَنُ مَعَ الصُّهْيُونِيَّةِ:

- ‌الفَصْلُ التَّاسِعُ: الأَعْمَالُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌الإِحْسَانُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌أَيْنَ يَذْهَبُ مُعْظَمُ أَمْوَالُ الإِحْسَانِ

- ‌نَشْرُ الفَسَادِ:

- ‌ جَمْعِيَّةُ الشُّبَّانِ المَسِيحِيِّينَ " وَ " جَمْعِيَّةُ الشَّابَّاتِ المَسِيحِيَّاتِ

- ‌المَرْأَةُ فَتَاةً وَأُمًّا:

- ‌مَاذَا تَضُمُّ هَذِهِ الأَنْدِيَةُ

- ‌مَا الهَدَفُ الصَّحِيحُ لِهَذِهِ الأَبْنِيَةِ

- ‌التَّعْلِيمُ المَجَّانِيُّ:

- ‌المَكْتَبَاتُ وَالتَّصْوِيرُ وَالاِسْتِكْشَافُ وَالنَّشْرُ:

- ‌الصَّحَافَةُ خَاصَّةٌ:

- ‌الكَشْفِيَّةُ وَالمُخَيَّمَاتُ:

- ‌اِنْتِعَاشُ القُرَى وَالصِّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ:

- ‌الفَصْلُ العَاشِرُ: تَشْوِيهُ الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌اللُّغَةُ العَامِّيَّةُ:

- ‌الفَصْلُ الحَادِي عَشَرَ: حَقَائِقُ عَنْ أَفْرِيقْيَا

- ‌فِي المَغْرِبِ:

- ‌فِي السُّودَانِ:

- ‌فِي السُّودَانِ الشَّرْقِيِّ:

- ‌الاِضْطِرَابُ فِي السُّودَانِ:

- ‌التَّكَاتُفُ فِي سَبِيلِ التَّبْشِيرِ:

- ‌التَّعْلِيمُ فِي أَفْرِيقْيَا:

- ‌العَامِلُ السِّيَاسِيُّ:

- ‌حَالُ السُّودِ فِي الإِسْلَامِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ:

- ‌المُسْلِمُونَ فِي الحَبَشَةِ:

- ‌ثَلَاثَةُ مَلَاحِقَ:

- ‌المُلْحَقُ الأَوَّلُ: حِزْبُ البَعْثِ (1): المَارْكْسِيَّةُ وَالقَوْمِيَّةُ العَرَبِيَّةُ:

- ‌المُلْحَقُ الثَّانِي: زِيَارَةُ البَابَا لِفَلَسْطِينَ:

- ‌المُلْحَقُ الثَّالِثُ: مِنَ الحَمَلَاتِ عَلَى الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي عَشَرَ: نَتَائِجُ التَّبْشِيرِ - الحِوَارُ - التَّبْشِيرُ وَإِسْرَائِيلُ:

- ‌1 - نَتَائِجُ التَّبْشِيرِ:

- ‌2 - الحِوَارُ وَغَايَتُهُ الحَقِيقِيَّةُ:

- ‌3 - التَّبْشِيرُ وَالاِسْتِعْمَارُ فِي فَلَسْطِينَ:

- ‌وُجُودُ إِسْرَائِيلَ:

- ‌مَوْقِفُ البَابَوِيَّةِ مِنَ اليَهُودِ وَإِسْرَائِيلَ:

- ‌إِذَاعَةُ الوَثِيقَةِ فِي الصُّحُفِ العَالَمِيَّةِ:

- ‌وَثِيقَةٌ أَقَرَّهَا الفَاتِيكَانْ تَطْلُبُ مِنَ الكَاثُولِيكْ الاِعْتِرَافَ بِالمَعْنَى الدِّينِي لِدَوْلَةِ إِسْرَائِيلَ:

- ‌فهرس هجائي لأعلام الناس

- ‌ آ، أ

- ‌ب

- ‌ت

- ‌ث

- ‌ح

- ‌ ج

- ‌س

- ‌ص

- ‌ر

- ‌د

- ‌ خ

- ‌ش

- ‌ ز

- ‌ف

- ‌ ض

- ‌ط

- ‌ع

- ‌ ظ

- ‌ق

- ‌ك

- ‌ غ

- ‌ل

- ‌ م

- ‌ن

- ‌ ه

- ‌ي

- ‌و

الفصل: وهكذا نرى إلى أي حد كان التبشير والسياسة يتعاونان، كانت

وهكذا نرى إلى أي حد كان التبشير والسياسة يتعاونان، كانت السياسة تعمل مقنعة من وراء المبشرين [الذين] كانوا بدورهم يعملون مقنعين بقناع التعليم والتطبيب وبذل الإحسان. ثم إن رجال السياسة كانوا إذا دافعوا عن المبشرين لم يدافعوا عنهم كمبشرين بل كأمريكيين أو إنجليز أو فرنسيين أو، على الأقل، كأجانب ليس لهم من دولهم ممثل يحميهم ويسهر على مصالحهم.

حتى رجال السياسة العلمانيون كالجنرال (ساراي)، المفوض السامي الفرنسي في سورية ولبنان يوم نشبت الثورة السورية عام 1925، واليهود كـ (أوسكار ستراوس)، كانوا يتفانون في خدمة رجال الدين الأجانب ثقة منهم بأن مساعي البروتستانت والكاثوليك على السواء إنما تعني، في النهاية، تصدير البضائع إلى شعوب الشرق أو الحصول على مراكز حربية في البلاد الشرقية.

‌سِيَاسَةُ الجِزْوِيتْ:

واليسوعيون يتدخلون في السياسة الداخلية ويحاولون أن يؤثروا على مجاري الساسة الخارجية. ثم هم يرتكبون في سبيل ذلك الفظائع والمجازر ويسلبون وينهبون ويقتلون. وهم يحاولون في كل بلد نزلوا فيه وبلغوا شيئًا من القوة أن يستولوا على الحكم أو أن يملأوا مناصب البلاد بطلابهم ثم يحاولوا القضاء على خصومهم وعلى الجماعات التي لا تخضع لهم.

ص: 124

ثم هم يقاومون كل الحركات التي تنبه الشعوب أو تجعل لها سبيلاً إلى الحياة المستقلة. يجب أن يظل الناس عبيدًا لهم أو كالعبيد، ولذلك نجد كل شعب «وعى نفسه» وأراد أن يحيا حُرًّا في أرضه سيدًا في أعماله بدأ بطرد اليسوعيين من بلاده. وإنك واجد مصداق ذلك كله في كتاب غايته تبيان ذلك، هو كتاب " سياسة اليسوعيين " تأليف (بيير دومينك)(1).

ولقد أتاح الانتداب الفرنسي حرية واسعة المدى للتبشير في سورية ولبنان. وكانت الكنيسة الكاثوليكية تضع لنفسها حدود هذه الحرية بالتعاون من الموظفين الفرنسيين الذين كانوا كاثوليكًا. أما الدولة المنتدبة فلم تكن تناصر حرية التبشير علنًا، ولا هي ذهبت في ذلك إلى حد يقر الكنيسة الكاثوليكية على تنصير المسلمين إلا إذا حدث ذلك التنصير من غير أن يثير ضجة عامة. ومع ذلك فإن المدارس والمستشفيات والهيئات الاجتماعية وأعمال التنصير المباشر التي كانت الكنائس والإرساليات تقوم بها، كانت كلها تمضي في عملها (التبشيري) من غير أن تلقى من الحكومة عرقلة تذكر. أما المدارس فقد ازدهرت أكثر من جميع المؤسسات الأخرى بما تدفق إليها من الموظفين الأجانب والمساعدات المالية الأجنبية (2).

ولما استحال على المبشرين الفرنسيين أن ينصروا أحدًا من أهل الجزائر بالقوة أو بالدعوة أرادوا أن يصلوا إلى نفوسهم بسلوك الحيلة: أرادوا إنشاء مركز للتبشير يشبه في مظهره مظاهر الحياة الإسلامية. لقد اقترح (لافيجري) أن يجعل من مدينة بسكرة في الجزائر - في منتصف الطريق بين جبال الأوراس و (بحيرات) شط الغرسة المتصلة بشط الجريد في تونس - زاوية مسيحية. والزوايا الإسلامية، في الحقيقة، كانت ولا يزال أكثرها إلى اليوم مراكز لرجال الطرق الصوفية المختلفة. ورجال الطرق هؤلاء كانوا، ولا يزال بعضهم حتى اليوم، مرابطين: عبادًا في النهار فرسانًا في الليل. ورئيس الزاوية يدعى المرابط، ويكون مع المرابط مقدم واحد أو عدد من المقدمين يساعدونه في قيادة الإخوان، أي الأتباع الذين يعيشون معه في الزاوية. واقترح (لافيجري) أن تسمى الزاوية المسيحية بيت الله. ثم اقترح أيضًا أن يكون لباس «رواد الصحراء» المسلحين، أو الإخوة المسيحيين الذين يعيشون في الزاوية المسيحية مشابهًا للباس «الإخوان» المسلمين ما عدا لباس الرأس، فإن المسلمين يعتمون فوق الشاشية (الكوفية، غطاء الرأس) بينما

(1) Pierre Dominique، La Politique des Jésuites

(2)

Grubb 171

ص: 125

أراد (لافيجري) أن يلبس الإخوة المسيحيين القبعه فوق الشاشية.

ولقد اعتقد (لافيجري) أن أتباعه من المبشرين أو رواد الصحراء المسلحين كما كان يسميهم أيضًا، يستطيعون أن يتخللوا بين المسلمين تخللاً سلميًا. لقد أراد (لافيجري) أن يكتسب البدو في صحراء الجزائر ثم يقدمهم عطية إلى فرنسا

ويأسف (لافيجري) كثيرًا لأن أمانيه لم تتحقق

ثم كان (لافيجري) يعلن خجله من الأمة الفرنسية لأنه بقي (في منصب الأسقفية في الجزائر) نحو أربعين عامًا في العهود المختلفة، وبين ظهراني شعب مسلم، كان يخضع له، من غير أن يحاول تنصيره. ليس هذا فحسب، بل إنه منع كل محاولة كان بإمكان القسس الكاثوليك أن يقوموا بها في هذا السبيل تصلبًا منه وعنادًا (1).

وكان الفرنسيون - رجال الدولة الفرنسية - يعدون التبشير بالمذهب الكاثوليكي، أو الدين الكاثوليكي (2)، عملاً وطنيًا. يقول (رينه بوتيه) في كتابه " الكاردينال لافيجري" (3): «إِنَّ العَمَلَ الذِي قَامَ بِهِ (لَافِيجِرِي) بَدَأَ مَعَ عَمَلِهِ التَّبْشِيرِيِّ، بَدَأَ بِنَشْرِهِ عَلَى السُّورِيِّينَ تِلْكَ العَطَايَا التِي تَمْنَحُهَا الكَنِيسَةُ الكَاثُولِيكِيَّةُ، إِنَّهُ جَعَلَ فِرَنْسَا مَحْبُوبَةً (لَدَى السُّورِيِّينَ) وَأَضَافَ إِلَى الحُقُوقِ القَدِيمَةِ التِي كُنَّا نَمْلِكُهَا (نَحْنُ الفِرَنْسِيِّينَ) عَلَى تِلْكَ المِنْطَقَةِ حُقُوقًا جَدِيدَةً .. وَلَكِنْ فِي الجَزَائِرِ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَهَبَ كُلَّ مَا فِي اِسْتِطاعَتِهِ لإِظْهَارِ حُبِّهِ لِفِرَنْسَا. وَهَذَا لَا يَبْدُو فِي المَنَاصِبِ السَّامِيَةِ التِي اِحْتَلَّهَا فَقَطْ، بَلْ فِي تَرْكِهِ وَطَنَهُ (لِلْسُكْنَى فِي الجَزَائِرِ) إِذْ لَيْسَ ثَمَّتَ وَسِيلَةُ أَحَسَنَ مِنَ الحِرْمَانِ مِنْ نِعْمَةِ الوَطَنِ حَتَّى يَسْتَطِيعَ الإِنْسَانُ أَنْ يُدْرِكَ مَا لِهَذِهِ الكَلِمَةِ " فِرَنْسَا " فِي نَفْسِهَا مِنَ الجَمَالِ وَالنُّبْلِ وَالعَظَمَةِ. وَعَلَى أَرْضِ الجَزَائِرِ، مَدِينَةَ الجَزَائِرِ، كَانَتْ القُلُوبُ تَخْفَقُ لِرُؤْيَةِ العَلَمَ المُثَلَّثِ الأَلْوَانِ خَفَقَانًا شَدِيدًا كَانَ يُثِيرُهُ ذَلِكَ العَلَمَ المُتَمَوِّجُ فَوْقَ أَحَدِ الأَبْرَاجِ وَالمُشْرِفِ عَلَى أَرَضٍ أَجَنَبِيَّةٍ. تِلْكَ هِيَ فِرَنْسَا، التِي لَمْ يُحِبَّ (لَافِيجِرِي) أَنْ يَرَاهَا عَظِيمَةً وَجَمِيلَةً فَقَطْ، بَلْ كَانَ يَوَدُّ أَنْ يَرَاهَا أَيْضًا أَشَدَّ قُوَّةً وَأَكْثَرَ سُكَّانًا

أَرَادَ (لَافِيجِرِي)" أَنْ يُحَبِّبَ فِرَنْسَا إِلَى النَّاسِ بِاسْمِ المَسِيحِ ". هَذِهِ الجُمْلَةُ يُمْكِنُ أَنْ تَوجِزَ جَمِيعَ سِياسَةَ (لَافِيجِرِي) الذِي كَانَ رَئِيسَ أَسَاقِفَةٍ، ثَمَّ أَصْبَحَ كَارْدِينَالاً ثَمَّ صَاحِبَ الوِلَايَةِ عَلَى جَمِيعِ أَسَاقِفَةِ أَفْرِيقْيَا. وَفِي الوَاقِعِ إِنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَجْعَلَ مِنَ الوَطَنِيِّينَ مِنْ أَهْلِ أَفْرِيقْيَا رَعَايَا لَهُ وَلَا مُوَاطِنِينَ. لَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُمْ أَوْلَادًا لَهُ. فَبِحُبِّهِ لِلْمَسِيحِ وَبِالحُبِّ الذِي يُكِنُّهُ لِفِرَنْسَا أَرَادَ أَنْ يَتَبَنَّاهُمْ».

(1) Pottier. Card. Lavigerie 194 - 198

(2)

cf. Larousse، Sous catholicisme

(3)

Pottier. 177 - 178

ص: 126

هذا التبشير الممزوج بالسياسة، بل هذه السياسة المغلقة بالتبشير، هو الاستعمار. على أن هذا الاستعمار لم يكن خاصًا بالفرنسيين، ولكنه ظهر عند الفرنسيين في أبشع صوره.

ولقد أجمع الأب اليسوعي (ملييز)(1) سياسة فرنسا الدينية في الشرق من جميع جوانبها قال: «إِنَّ الحَرْبَ الصَّلِيبِيَّةَ الهَادِئَةَ التِي بَدَأَهَا مُبَشِّرُونَا فِي القَرْنِ السَّابعِ عَشَرَ لَا تَزَالُ مُسْتَمِرَّةً إِلَى أَيَامِنَا. إِنَّ الرُّهْبَانَ الفِرَنْسِيِّينَ وَالرَّاهِبَاتِ الفَرَنْسِيَّاتِ لَا يَزَالُونَ كَثِيرِينِ فِي الشَّرْقِ» (ص 23).

«لَقَدْ اِحْتَفَظَتْ فِرَنْسَا طَوِيلاً بِرُوحِ الحُروبِ الصَّلِيبِيَّةِ وَبِالحَنِينِ إِلَى تِلْكَ الحُروبِ حَيَّةً فِي نَفْسِهَا، وَكَثِيرًا مَا فَكَّرَ مُلُوكُهَا بِحَمْلَةٍ صَلِيبِيَّةٍ جَدِيدَةٍ (عَلَى الشُّرْقِ)، وَلَكِنَّ أُورُوبَا المُنْشَقَّةُ (عَلَى نَفْسِهَا) كَانَتْ دَائِمًا تَجْعَلُ مِنَ المُسْتَحِيلِ (عَلَى فِرَنْسَا) أَنْ تَقُومَ بِحَمْلَةٍ بَعيدَةَ المَدًى

» (ص 14، 15).

«وَكَانَ مِنْ غَايَاتِ الاِمْتِيازَاتِ الأَجْنَبِيَّةِ دَائِمًا أَنْ تَحْتَفِظَ (فِرَنْسَا) بِالدُّورِ الذِي يَلْعَبُهُ رُهْبَانُهَا، وَإِنْ تَوَسَّعَ ذَلِكَ الدَّوْرُ. وَقَدْ اِعْتُرِفَ لِقَنَاصِلِنَا وَسُفَرَائِنَا بِالِحِماِيَةِ لِلْنَّصَارَى، تِلْكَ المُهِمَّةُ الصَّعْبَةُ التِي لَمْ تُخْلَعْ عَلَيْهِمْ إلَاّ شَرَفَ حُضُورِ القَدَادِيسِ فِي الكَنَائِسِ. وَلَقَدْ كَانُوا يَبْذُلُونَ جُهْدًا كَبِيرًا لِيُهَدِّئُوا مِنْ اِرْتِجَافِ المُسْلِمِينَ المُتَعَصِّبِينَ وَلِيَحْمُوا أَعْمَالَ المُبَشِّرِينَ فِي الإِمْبْرَاطُورِيَّةِ العُثْمَانِيَّةِ» (ص 15، 16).

«وَكَانَ مُمَثِّلُو فِرَنْسَا يُسَانِدُونَ أَعْمَالَ مُبَشِّرِينَا» (ص 22).

«وَكَانَ لِفرنسا فِي أَكْثَرِ الأَحْيَانِ قُصَّادٌ رَسُولِيُّونَ فِي أَشْخَاصِ قَنَاصِلِهَا، وَخُصُوصًا فِي القَرْنِ السَّابِعِ عَشَرَ» (ص 50).

وكثيرًا ما اختارت فرنسا قناصلها وسفراءها من رجال الدين.

(1) Milliez، La Croisade du Levant

ص: 127