المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌اللُّغَةُ العَامِّيَّةُ: ويرى أكثر المهاجمين على استعمار الشرق أن تقطيع أوصال - التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي

[مصطفى الخالدي]

فهرس الكتاب

- ‌إِهْدَاءُ الكِتَابِ:

- ‌مُقَدِّمَةُ الطَّبْعَةِ الثَّالِثَةِ:

- ‌الكَلِمَةُ الأُولَى: مِنْهَاجُ هَذَا الكِتَابِ:

- ‌‌‌الكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: رِسَالَةُ هَذَا الكِتَابِ:

- ‌الكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: رِسَالَةُ هَذَا الكِتَابِ:

- ‌مَصَادِرُ هَذَا الكِتَابِ:

- ‌تَوْطِئَةٌ: وَجْهُ الحَاجَةِ إِلَى هَذَا الكِتَابِ:

- ‌وفيما يلي موجز الاتهام والحكم

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: بَوَاعِثُ التَّبْشِيرِ الحَقِيقِيَّةِ:

- ‌أَثَرُ الحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ:

- ‌خَطَرُ الوَحْدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ عَلَى الغَرْبِ:

- ‌افْتِرَاءَاتُ المُبَشِّرِينَ:

- ‌الإِسْلَامُ وَالسَّيْفُ:

- ‌طَرِيقُ الاِسْتِعْمَارِ:

- ‌إِعْدَادُ المُبَشِّرِينَ:

- ‌الغَايَةُ تُبَرِّرُ الوَاسِطَةَ عِنْدَهُمْ:

- ‌جَنِينَةُ رَسْلَانْ:

- ‌تَنَافُسُ المُبَشِّرِينَ:

- ‌المُبَشِّرُونَ يَحْتَالُونَ عَلَى النِّظَامِ الجُمْرُكِيِّ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: التَّطْبِيبُ حِيلَةٌ لِلْتَّبْشِيرِ:

- ‌اِسْتِغْلَالُ آلَامِ البَشَرِ:

- ‌أَهَمِّيَّةُ المُسْتَوْصَفَاتِ وَالمُسْتَشْفَيَاتِ:

- ‌كِبَارُ أَطِبَّائِهِمْ مُبَشِّرُونَ:

- ‌اِعْتِرَافُهُمْ بِخِدَاعِ المَرْضَى:

- ‌جَهْلُهُمْ وَكُرْهُهُمْ لِلْعِلْمِ:

- ‌العُنْصُرُ النِّسَائِيُّ فِي التَّبْشِيرِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: التَّعْلِيمُ مَيْدَانٌ فَسِيحٌ لِلْتَّبْشِيرِ:

- ‌لَيْسَ لِلْتَّعْلِيمِ عِنْدَهُمْ غَايَةُ سِوَى التَّبْشِيرُ:

- ‌كَيْفَ تَخْتَارُ هَذِهِ المَدَارِسُ أَسَاتِذَتَهَا

- ‌وَسَائِلُ التَّبْشِيرِ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ:

- ‌إِنَّ المُبَشِّرَ الأَوَّلَ هُوَ المَدْرَسَةُ

- ‌الكُتُبُ المَدْرَسِيَّةُ خَاصَّةً وَالطَّعْنُ عَلَى الإِسْلَامِ:

- ‌وَاجِبُ الحُكُومَاتِ الوَطَنِيَّةِ:

- ‌نَشَاطُ المُبَشِّرِينَ مِنْ طَرِيقِ التَّعْلِيمِ:

- ‌التَّبْشِيرُ وِفَادَةُ البِلَادِ فِي المُسْتَقْبَلِ:

- ‌نَشَاطُ المُبَشِّرِينَ فِي إِنْشَاءِ المَدَارِسِ:

- ‌إِجْبَارُ المُسْلِمِينَ عَلَى دُخُولِ الكَنِيسَةِ فِي مَدَارِسِ التَّبْشِيرِ:

- ‌التَّبْشِيرُ بَيْنَ الأُمِّيِّينَ:

- ‌التَّعْلِيمُ الرَّسْمِيُّ وَالتَّبْشِيرُ:

- ‌التَّعْلِيمُ النِّسَائِيُّ خَاصَّةً:

- ‌التَّبْشِيرُ بَيْنَ الدَّارِسِينَ فِي الخَارِجِ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: التَّعْلِيمُ مَيْدَانٌ فَسِيحٌ لِلْتَّبْشِيرِ:

- ‌1 - " مَدْرَسَةُ عَبِيهْ " (لُبْنَانُ):

- ‌2 - " كُلَّيَّةُ رُوبَرْتْ " فِي اسْتَانْبُولْ:

- ‌3 - " الجَامِعَةُ الأَمِرِيكِيَّةُ " فِي بَيْرُوتْ:

- ‌(هوارد بلس)

- ‌بْيَارْدْ ضُودْجْ:

- ‌سْتِيفَنْ بَنْرُوزْ:

- ‌4 - سَائِرُ المَدَرِاسِ الأَمِرِيكِيَّةِ:

- ‌6 - المُؤَسَّسَاتُ الفِرَنْسِيَّةِ:

- ‌الفَصْلُ الخَامِسُ: السِّيَاسَةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌1 - تَعَاوُنُ التَّبْشِيرِ وَالسِّيَاسَةِ:

- ‌الحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ:

- ‌التَّبْشِيرُ وَالنُّفُوذُ الأَجْنَبِيُّ:

- ‌السِّلْكُ السِّيَاسِيُّ الأَجْنَبِيُّ يَحْمِي المُبَشِّرِينَ:

- ‌الجِنْسِيَّةُ الأَجْنَبِيَّةُ:

- ‌اليَسُوعِيُّونَ أَيْضًا:

- ‌اليَسُوعِيُّونَ وَالمُفَوِّضْ السَّامِي الفِرَنْسِيُّ:

- ‌سِيَاسَةُ الجِزْوِيتْ:

- ‌الفَصْلُ السَّادِسُ: السِّيَاسَةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌2 - الفِتَنُ وَالحُرُوبُ فِي الشَّرْقِ:

- ‌إِثَارَةُ الحُرُوبِ:

- ‌الحِصَارُ العَسْكَرِيُّ عَلَى المُسْلِمِينَ وَإِبْعَادُهُمْ عَنْ الشَّوَاطِئِ:

- ‌الاِمْتِيَازَاتُ الأَجْنَبِيَّةُ:

- ‌إِثَارَةُ الاِضْطِرَابَاتِ ثُمَّ اِسْتِغْلَالُهَا:

- ‌فِتْنَةُ عَامِ 1860:

- ‌تَقْسِيمُ جَبَلِ لُبْنَانْ فِي القَرْنِ المَاضِي وَتَقْسِيمُ فِلِسْطِينَ اليَوْمَ:

- ‌الفَصْلُ السَّابِعُ: السِّيَاسَةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌3 - الإِدَرَاةُ الأَجْنَبِيَّةُ فِي خِدْمَةِ التَّبْشِيرِ:

- ‌فِي صَمِيمِ التَّدَخُّلِ السِّيَاسِيِّ:

- ‌كَيْفَ دَخَلَ الإِنْجِلِيزُ إِلَى السُّودَانِ

- ‌فِرَنْسَا خَاصَّةً:

- ‌تَهَكُّمٌ وَاِسْتِهْزَاءٌ:

- ‌اِسْتِفْزَازٌ وَقِلَّةُ ذَوْقٍ:

- ‌التَّوْظِيفُ وَالطَّائِفِيَّةُ:

- ‌4 - الحَيَاةُ القَوْمِيَّةُ وَالاِقْتِصَادِيَّةُ:

- ‌الدَّعَوَاتُ الإِقْلِيمِيَّةُ وَالصُّهْيُونِيَّةُ:

- ‌حَذَارِ اليَسُوعِيِّينَ:

- ‌الحُرُوبُ وَالتَّبْشِيرُ:

- ‌التَّعَاوُنُ بَيْنَ التَّبْشِيرِ وَالسِّيَاسَةِ:

- ‌الحَرَكَةُ القَوْمِيَّة فِي الإِمْبْرَاطُورِيَّةِ العُثْمَانِيَّةِ:

- ‌التَّبْشِيرُ وَالوَطَنِيَّةُ:

- ‌الفَصْلُ الثَّامِنُ:‌‌ التَّبْشِيرُ وَالحَرَكَاتُ القَوْمِيَّةُ:

- ‌ التَّبْشِيرُ وَالحَرَكَاتُ القَوْمِيَّةُ:

- ‌التَّبْشِيرُ يَتَعَاوَنُ مَعَ الصُّهْيُونِيَّةِ:

- ‌الفَصْلُ التَّاسِعُ: الأَعْمَالُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌الإِحْسَانُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

- ‌أَيْنَ يَذْهَبُ مُعْظَمُ أَمْوَالُ الإِحْسَانِ

- ‌نَشْرُ الفَسَادِ:

- ‌ جَمْعِيَّةُ الشُّبَّانِ المَسِيحِيِّينَ " وَ " جَمْعِيَّةُ الشَّابَّاتِ المَسِيحِيَّاتِ

- ‌المَرْأَةُ فَتَاةً وَأُمًّا:

- ‌مَاذَا تَضُمُّ هَذِهِ الأَنْدِيَةُ

- ‌مَا الهَدَفُ الصَّحِيحُ لِهَذِهِ الأَبْنِيَةِ

- ‌التَّعْلِيمُ المَجَّانِيُّ:

- ‌المَكْتَبَاتُ وَالتَّصْوِيرُ وَالاِسْتِكْشَافُ وَالنَّشْرُ:

- ‌الصَّحَافَةُ خَاصَّةٌ:

- ‌الكَشْفِيَّةُ وَالمُخَيَّمَاتُ:

- ‌اِنْتِعَاشُ القُرَى وَالصِّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ:

- ‌الفَصْلُ العَاشِرُ: تَشْوِيهُ الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌اللُّغَةُ العَامِّيَّةُ:

- ‌الفَصْلُ الحَادِي عَشَرَ: حَقَائِقُ عَنْ أَفْرِيقْيَا

- ‌فِي المَغْرِبِ:

- ‌فِي السُّودَانِ:

- ‌فِي السُّودَانِ الشَّرْقِيِّ:

- ‌الاِضْطِرَابُ فِي السُّودَانِ:

- ‌التَّكَاتُفُ فِي سَبِيلِ التَّبْشِيرِ:

- ‌التَّعْلِيمُ فِي أَفْرِيقْيَا:

- ‌العَامِلُ السِّيَاسِيُّ:

- ‌حَالُ السُّودِ فِي الإِسْلَامِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ:

- ‌المُسْلِمُونَ فِي الحَبَشَةِ:

- ‌ثَلَاثَةُ مَلَاحِقَ:

- ‌المُلْحَقُ الأَوَّلُ: حِزْبُ البَعْثِ (1): المَارْكْسِيَّةُ وَالقَوْمِيَّةُ العَرَبِيَّةُ:

- ‌المُلْحَقُ الثَّانِي: زِيَارَةُ البَابَا لِفَلَسْطِينَ:

- ‌المُلْحَقُ الثَّالِثُ: مِنَ الحَمَلَاتِ عَلَى الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي عَشَرَ: نَتَائِجُ التَّبْشِيرِ - الحِوَارُ - التَّبْشِيرُ وَإِسْرَائِيلُ:

- ‌1 - نَتَائِجُ التَّبْشِيرِ:

- ‌2 - الحِوَارُ وَغَايَتُهُ الحَقِيقِيَّةُ:

- ‌3 - التَّبْشِيرُ وَالاِسْتِعْمَارُ فِي فَلَسْطِينَ:

- ‌وُجُودُ إِسْرَائِيلَ:

- ‌مَوْقِفُ البَابَوِيَّةِ مِنَ اليَهُودِ وَإِسْرَائِيلَ:

- ‌إِذَاعَةُ الوَثِيقَةِ فِي الصُّحُفِ العَالَمِيَّةِ:

- ‌وَثِيقَةٌ أَقَرَّهَا الفَاتِيكَانْ تَطْلُبُ مِنَ الكَاثُولِيكْ الاِعْتِرَافَ بِالمَعْنَى الدِّينِي لِدَوْلَةِ إِسْرَائِيلَ:

- ‌فهرس هجائي لأعلام الناس

- ‌ آ، أ

- ‌ب

- ‌ت

- ‌ث

- ‌ح

- ‌ ج

- ‌س

- ‌ص

- ‌ر

- ‌د

- ‌ خ

- ‌ش

- ‌ ز

- ‌ف

- ‌ ض

- ‌ط

- ‌ع

- ‌ ظ

- ‌ق

- ‌ك

- ‌ غ

- ‌ل

- ‌ م

- ‌ن

- ‌ ه

- ‌ي

- ‌و

الفصل: ‌ ‌اللُّغَةُ العَامِّيَّةُ: ويرى أكثر المهاجمين على استعمار الشرق أن تقطيع أوصال

‌اللُّغَةُ العَامِّيَّةُ:

ويرى أكثر المهاجمين على استعمار الشرق أن تقطيع أوصال العرب والمسلمين لا يمكن أن يتم ما دام هنالك «لُغَةٌ وَاحِدَةٌ» يتكلمها العرب ويعبرون بها العرب والمسلمون عن آرائهم وما دام هناك «حَرْفٌ عَرَبِيٌّ» يربط حاضر المسلمين إلى تراثهم الماضي. فإذا حمل المبشر والمستعمرون العرب، على الكتابة باللغة العامية أصبح كل قطر عربي لغة خاصة به أو لغات متعددة. ثم إذا هم استطاعوا أن يحملوا المسلمين على التخلي عن الحرف العربي وإحلال الحرف اللاتيني مكانه انقطعت صلة العرب تمامًا بأدبهم القديم وبالمؤلفات الدينية واللغوية والأدبية والتاريخية والفكرية. حينئذٍ يصبح العرب «وِحْدَاتٍ» لغوية فكرية غير متعارفة، ثم تتنافر هذه الوحدات مع الزمن فيسهل إخضاعها بجهد أيسر من الجهد الذي تحتاج إليه هذه الغاية الآن.

وكان زعيم الحركة الرامية إلى الكتابة في العامية وبالحرف اللاتيني الاستعماريون الفرنسيون وعلى رأسهم المستشرق الفرنسي والموظف في قسم الشؤون الشرقية في وزارة الخارجية الفرنسية (لويس ماسينيون). ولقد حاول (ماسينيون) أن يبث دعوته هذه في المغرب وفي مصر وفي سورية ولبنان خاصة. وكذلك سعى لهذه الغاية مبشرون واستعماريون من أمم أخرى.

أما فيما يتعلق بلبنان خاصة فهناك محاولات عملية كثيرة لم تنجح - وإن تنجح إن شاء اللهُ. من هذه:

- " قواعد اللهجة اللبنانية السورية "، تأليف الأب (رافائيل نخلة) .. ويحاول الأب (رافائيل نخلة) في مؤلفه هذا وضع قواعد ثابتة لهذه اللهجة

والكتاب موضوع بالفرنسية والنصوص العربية منسوخة بالحرف اللاتيني. والكتاب طبع في المطبعة اليسوعية ورقمه في قائمة المطبوعات اليسوعية 296 (ص 33 قائمة 1950).

- " التحفة العامية في قصة فنيانوس "، تأليف شكري الخوري، نشرها الأب (لاي) اليسوعي

مؤلفة بلغة لبنان العامية وتمثل ناحية هامة من حياة اللبنانيين، طبع المطبعة اليسوعية (قائمة المطبوعات اليسوعية رقم 482، ص 60، قائمة 1950).

- " في متلو هلكتاب! "، تأليف الخوري (مارون غصن)، أحد المدرسين في مدرسة عنطورا (لبنان).

ص: 224

وهنالك محاولات كثيرة مثل هذه. ومع أن جميع المحاولات الأولى قد خرجت من المدارس الفرنسية فيجب أن نستثني مِنْ حَمَلَةِ هذه الحركة نفرًا من الأساتذة ليس هذا رأيهم. من هؤلاء الأستاذ (جورج الكفوري) مدير الدروس العربية في الكلية العلمانية الفرنسية في بيروت سابقًا والذي تولى وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة في لبنان في أوائل عهد الاستقلال. للأستاذ (جورج الكفوري) كِتَابٌ قَيِّمٌ اسمه " اللغة العربية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها "(1). ثم إن للأستاذ (جورج الكفوري) نظرات صائبة في صلة اللغة العربية الفصحى بالعامية، وهو يدعو إلى تسهيل الفصحى ويرى من هذا التسهيل فوائد كثيرة، ثم يقول:«وَمَتَى سَهُلَتْ اللُّغَةُ وَأَصْبَحَتْ فِي مُتَنَاوَلِ السَّوَادِ الأَكْبَرِ مِنَ الشَّعْبِ أَصْبَحَ مِنَ اليَسِيرِ إِحْلَالَهَا (أَيْ إِحْلَالُ اللَّغَةِ الفُصْحَى) مَكَانَ العَامِّيَّةِ» .

• • •

وبعد أن نامت فكرة «الكِتَابَةِ العَامِّيَّةِ بِالحَرْفِ اللَاّتِينِي» رجعت من جديد وتحت ستار «تَسْهِيلِ اللَّغَةِ» إلى الاستيقاظ. وآخر ما ظهر في هذا الباب " تبسيط قواعد العربية وتبويبها على أساس منطقي جديد "(2)، تأليف الدكتور (أنيس فريحة)(أحد أساتذة التاريخ واللغات السامية في الجامعة الأمريكية في بيروت).

أما الأساس الجديد الذي يقترحه (أنيس فريحة) فهو موضع جدال كبير، وأنا أعتقد أنه في بعض الأماكن يعقد ما كان إلى الآن سهلاً في الصرف والنحو. فنحن المتشددين نقتصر في أدوات الجواب على كلمتين:«نَعَمْ، بَلَى» لما بينها من الاختلاف في المعنى ولأن لهما فائدة عملية في قراءتنا وكتاباتنا. أما الدكتور (أنيس فريحة) فيدخل هاتين الأداتين في باب: «حُرُوفٍ تَشْتَرِكُ بَيْنَ الاسْمِ وَالفِعْلِ» ، ثم يعدد منها سِتًّا هي: نَعَمْ، بَلَى، إِيْ، أَجَلْ، جِيرْ (مُمَاتَةٌ)، جَلَلْ (مُمَاتَةٌ)(3) - ويقصد بكلمة (مُمَاتَةٍ) أنها لا تستعمل اليوم -.

ولكن يبدو أن الدكتور (أنيس فريحة) يريد أمرًا آخر: إنه يريد أن يجعل من اللغة العربية الفصحى والحرف العربي مشكلتين يستحيل حلهما، ولذلك هو يرى أن ينتقل العرب إلى الكتابة في العامية وبالحرف اللاتيني. إن يبسط رأيه هذا على منحى كبير وبشيء من التهكم كان يجب أن يترفع عنه من يدعو إلى «أَسَاسٍ مَنْطِقِيٍّ جَدِيدٍ». إنه يقول:

(1) صفحاته 12، بيروت 1948.

(2)

جونية 1952.

(3)

" تبسيط قواعد العربية ": ص 7.

ص: 225

«يُطَالِبُ مَثَلاً، بَعْضُ النَّاسِ بِتَبَنِّيِ الحَرْفَ اللَاّتِينِيَّ تَسْهِيلاً لِلْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيضًا لِنَفَقَاتِ الطِّبَاعَةِ

وَنَحْنُ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ النَّظِرِيَّةِ، وَلَا نَرَى حَلاًّ لِلْكِتَابَةِ إلَاّ بِتَبَنِّيِ الحَرْفَ اللَاّتِينِيَّ وَضَبْطِ الكَلِمَاتِ فِيه مَرَّةً واحدَةً

وَأَمَا الذِينَ لَا يَرَوْنَ مُشْكِلَةً فِي الأَمْرِ، وَهُمْ مَنْ لَمْ يُمَارِسُوا التَّعْلِيمَ، فَيَقُولُونَ:" هَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ خَارِجُونَ عَلَى العُرُوبَةِ وَالإِسْلَامِ! ". وَيُطَالِبُ بَعْضُ النَّاسِ بِتَيْسيرِ قَوَاعِدِ العَرَبِيَّةِ لِتَقْرَبَ مِنَ العَامِّيَّةِ، أَوْ لِرَفْعِ العَامِّيَّةِ لِتَقْرَبَ مِنَ الفُصْحَى، فَيَتَسَاءَلُ البَعْضُ الآخَر:" وَهَلْ العَرَبِيَّةُ مُعَقَّدَةٌ لِنُبَسِّطَهَا أَوْ عَسِيرَةٌ لِنُيَسِّرَهَا؟ إِنَّمَا أَنْتُمْ جَمَاعَةٌ خَارِجُونَ عَلَى العُرُوبَةِ وَالإِسْلَامِ! " لماذا يَثُورُ النَّاسُ كُلَّمَا طَالَبْنَا بِالتَّيْسِيرِ؟ وَلِمَاذَا لَا يُدْرِكُونَ؟: الأَمْرُ بَسِيطٌ: الجَهْلُ، الجَهْلُ عَدُوُّ العَرَبِ الأَكْبَرِ!».

وهنالك إخوان لنا في الجامعة الأمريكية يرون رأي الدكتور (فريحة)، ولكننا لن نثبت رأيهم هذا لأنهم لم يكتبوه بَعْدُ. فالدعوة إلى العامية وإلى الحرف اللاتيني قد انتقلت الآن من اليسوعيين إلى الجامعة الأمريكية. أما تعليقنا المفصل على هذه الحركة الجديدة القديمة فهو قسمان: قسم هو صلة ذلك بالتبشير، وقد مر الكلام عليه في أماكن مختلفة. ثم هنالك قسم يتعلق بالاقتراح من حيث هو اقتراح وما فيه من مآخذ فليس موضعه هنا. على أن ملاحظة واحدة ضرورية في هذا المقام: أن الدعوة إلى العامية وإلى الحرف اللاتيني معناها:

1 -

خلق مشكلة لا حل مشكلة.

2 -

قطع حاضر العرب ومستقبلهم بماضيهم.

3 -

تنفيذٌ لمآرب تبشيرية استعمارية، لأن الأمر بدأ كذلك. ولا يمكن أن يكون سبب هذه الدعوة الآن غير سببها بالأمس.

4 -

أن كثيرًا من كتاب الدكتور (فريحة) لا صلة له بتبسيط العربية على الإطلاق، كجداول ضمائر الإشارة مثلاً. الدكتور (فريحة) يقترح لأسماء الإشارة:(ص 33 - 34) عددًا أكبر من العدد الذي تثبته كتب النحو المدرسية. إن الدكتور (فريحة) يريد أن يبرز أشكالاً كثيرة لضمائر الإشارة، كما يسميها هو، لكي يجسم مشاكل اللغة العربية الفصحى ومشاكل الكتابة بالحرف العربي توصلاً إلى الدفاع عن رأيه في اتخاذ العامية لغة كتابة وإحلال الحرف اللاتيني محل الحرف العربي في الكتابة العربية.

وفي خلال ثلاث سنوات، أي منذ صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، زاد نشاط الدكتور (أنيس فريحة) في حقل الدعوة إلى اللغة العامية. ولسنا الآن في سبيل استخراج صورة

ص: 226

لنشاطه من كتبه ومقالاته وأحاديثه. ولكن الرجل كشف الآن عن اعتقاده وأصبح يقول صراحة وَعَلَنًا باللغة العامية المكتوبة بالحرف اللاتيني. وسنكتفي هنا بكلمة في كتابيه الأخيرين في الموضوع: في كتابه " محاضرات في اللهجات وأسلوب دراستها "(1) وفي كتابه " نحو عربية ميسرة "(2)، وأحسب أنه استوفى معظم آرائه في هذين الكتابين. ومع أن خلاصة الكتاب الأول موجودة في الكتاب الثاني، أو أن الكتاب الأول كله ملخص من الكتاب الثاني (3)، فإن الدكتور (أنيس فريحة) ينضح في كتابه الثاني بالحقد على اللغة العربية الفصحى وبالبغض لأهلها وبالتهكم على تراثها والهزؤ برجالها.

وفي ما يلي جمل مختارة من كتابه " نحو عربية ميسرة ":

- «وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ اِعْتِمَادَ اللُّغَةِ، كَمَا تَحَدَّرَتْ إِلَيْنَا مُدَوَّنَةً، مَصْدَرًا لِدِرَاسَةِ اللُّغَةِ فِي عُهُودِهَا السَّابِقَةِ. ذَلِكَ لأَنَّ الذِينَ اِسْتَنْبَطُوا قَوَاعِدَهَا وَضَبَطُوا أَحْكَامَهَا اِعْتَمَدُوا الشِّعْرَ الجَاهِلِيَّ أَوَّلاً ثَمَّ القُرْآنَ الكَرِيمَ مَادَّةَ لُغَوِيَّةً. وَمَتَى كَانَتْ لُغَةُ الشِّعْرِ وَلُغَةُ الأَدَبِ وَالدِّينِ مِرْآةً تَعْكِسُ لُغَةَ النَّاسِ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَكَاسِبِهِمْ» (ص 11).

- «وَلَكِنْ تَجْدُرُ بِنَا الإِشَارَةُ أَوَّلاً إِلَى أَنَّ الجَمْعَ (جَمْعَ الكَلِمَاتِ فِي القَوَامِيسِ) تَنَاوَلَ لُغَاتٍ عَرَبِيَّةٍ كَثِيرَةٍ، وَكَانَ الحَمَاسُ لِلْجَمْعَ بَالِغًا مَبْلَغَهُ فَأَقْحَمُوا هَذِهِ الكَثْرَةَ دُونَ رَوِيَّةٍ فِي التَّحْقِيقِ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِنَا هَذَا مَا يُقَلِّلُ مِنْ اِحْتِرَامِنَا لأُولَئِكَ العلماءَ الأَفْذَاذِ. وَلَكِنَّ عَمَلَ المَعَاجِمِ لَا يَتِمُّ بِالطَّرِيقَةِ الفَرْدِيَّةِ. غَيْرَ أَنَّ مَنْ يَعْرِفُ " لِسَانَ العَرَبِ " أَوْ " التَّاجَ " أَوْ " القَامُوسَ " (4) لَا يَسْتَطِيعُ إلَاّ أَنْ يَرْفَعَ قُبَّعَتَهُ إِجْلَالاً لِجَامِعِيهَا» (ص 13).

- «فَإِنَّ عَلَينَا فِي مَوَاقِفِنَا الرَّسْمِيَّةِ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِلُغَةِ الأَجْيَالِ الغَابِرَةِ، عَلَيْنَا أَنْ نُعَبِّرَ عَنْ أَحَاسِيسِنَا وَدَوَاخِلِنَا بِلُغَةٍ وَقَفَتْ فِي مَجْرَاهَا عِنْدَ نُقْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الزَّمَانِ وَالمَكَانِ (يقصد الدكتور فريحة: ظُهورَ الإِسْلَامِ) عِنْدَمَا أُحِيطَتْ بِهَالَةٍ مِنَ التَّقْدِيسِ، وَعِنْدَمَا سِيجَ حَوْلَهَا بِسِيَاجٍ مِنَ الأَحْكَامِ، فَوَقَفَتْ فِي تَطَوُّرِهَا عِنْدَ هَذِهِ النُّقْطَةِ مِنَ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ» (ص 18، 19).

- «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الفُصْحَى بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَتْ لُغَةَ الدِّينِ وَاللُّغَةَ الرّسمِيَّةَ أُخْضِعَتْ لِلْقُيُودِ التِي يَفْرِضُهَا الصَّرْفِيُّونَ وَالنَّحْوِيُّونَ» (ص 22).

(1) القاهرة 1955.

(2)

بيروت 1955.

(3)

" نحو عربية ميسرة ": ص 7، 8.

(4)

يعرض الدكتور (فريحة) هنا بالمعاجم وواضعيها " لسان العرب " لابن منظور، و" تاج العروس " للمرتضى الزبيدي، و" القاموس المحيط " للفيروزآبادي.

ص: 227

- «غَيْرَ أَنَّ مَنْزِلَةَ العَرَبِيَّةِ قَضَتْ أَنْ يُسَيَّجَ حَوْلَهَا بِسِيَاجٍ مِنَ الأَحْكَامِ وَالقَوَاعِدِ الشَّدِيدَةِ» (ص 23).

- «وَلَكِنَّ نَشَاطَهُمْ (نَشَاطُ العَرَبِ) تَوَقَّفَ عِنْدَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ» (ص 29).

«إِذَنْ لَا يُمْكِنُ الشَّعْبُ السَّامِيُّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَسْهَمَ فِي خَلْقِ العِلْمِ وَالفَلْسَفَةِ وَالفَنِّ، لأَنَّ أَسَاسَ العِلْمِ وَالفَلْسَفَةِ وَالفَنِّ اللَّذَّةَ العَقْلِيَّةَ وَالشَّغَفَ الرُّوحِيَّ وَالرَّغْبَةَ المُلِحَّةَ فِي اِسْتِجْلَاءِ غَوَامِضِ الكَوْنِ» (ص 53).

- «اللُّغَةُ

ظَاهِرَةٌ إِنْسَانِيَّةُ لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالآلِهَةِ وَلَمْ تَهْبِطْ مِنْ عَلِ، بَلْ نَشَأَتْ مِنْ أَسْفَلَ» (ص 73).

- «وَتُحَاوِلُ هَذِهِ المَدْرَسَةُ فَرْضَ هَذِهِ الفُصْحَى بِشَكْلِهَا الذِي وَصَلَتْ بِهِ إِلَى النَّاطِقِينَ بِهَا مِنْ نُقْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الزَّمَانِ وَالمَكَانِ، عَلَى مُجْتَمَعٍ بَعُدَ عَنْ هَذِهِ النُّقْطَةِ، أَوْ قُلْ عَلَى مُجْتَمَعٍ يَسِيرُ مَعَ الحَيَاةِ فَهُوَ لَا يَعْرِفُ الجُمُودَ» (ص 123).

- «غَيْرَ أَنَّ القُرْآنَ الكَرِيمَ نَزَلَ بِلُغَةِ الأَدَبِ وَالشِّعْرِ وَالدِّينِ لِذَلِكَ العَصْرِ، وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ، بَلْ مِنَ الضَّرُورِيِّ، أَنْ يَنْزِلَ بِلُغَةِ الأَدَبِ وَالشِّعْرِ وَالدِّينِ. وَنَعْتَقِدُ أَنَّ المُجْتَمَعَ الإِسْلَامِيَّ الأَوَّلَ، نِسْبَةً لإِعْجَابِهِ بِهَذِهِ اللُّغَةِ وَنِسْبَةً لِمَقَامِ القُرْآنَ الكَرِيمَ فِي نُفُوسِهِمْ، جَهَدُوا أَنْ يَجْعَلُوا مِنْ هَذِهِ اللُّغَةِ التِي نَزَلَ بِهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ لُغَةَ النَّاسِ اليَوْمِيَّةِ. يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ مَبْلَغَ الجُهْدِ الذِي أُنْفِقَ فِي سَبِيلِ ضَبْطِ أَحْكَامِ هَذِهِ اللُّغَةِ، وَفِي مُحَارَبَةِ اللَّحْنِ، وَفِي إِصْرَارِ المَقَامَاتِ العُلْيَا عَلَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللُّغَةُ لُغَةَ الدَّوَاوِينِ وَالكُتَّابِ وَالمُنْشِئِينَ. وَوَضْعِ سِيَاجٍ حَوْلَ اللُّغَةِ لِلْحِفَاظِ عَلَيْهَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ، لَا بَلْ ضَرُورَةٌ، لِكُلِّ أُمَّةٍ نَاشِئَةٍ» (ص 125، 126).

- «أَقُولُ لِنَفْسِي إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَخْضَعَ العَرَبِيَّةُ لِي وَأَنْ تَلِينَ لِفِكْرِي، لَا أَنْ يَخْضَعَ فِكْرِي وَعِلْمِي لِقَوَالِبَ مُعَيَّنَةٍ تَرُوقُ (1) لأَذْوَاقِ جِيلٍ مِنَ النَّاسِ مَاتُوا مُنْذُ مِئَاتِ السِّنِينَ» (ص 141).

- «إِنَّنَا نَاقِمُونَ عَلَى القَوَاعِدِ

إِنَّ وَضْعَ الأَحْكَامِ يُقَيِّدُ اللُّغَةَ

إِنَّهُ يَقِفُ فِي مَجْرَاهَا الطَّبِيعِيَّةِ وَيَسُدُّ عَلَيْهَا الطَّرِيقَ كَمَا حَدَثَ لِلُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الفُصْحَى. فَإِنَّ وَضْعَ الأَحْكَامِ لَهَا أَوْقَفَ عَمَلَ النَّوَامِيسِ اللُّغَوِيَّةِ عِنْدَ نُقْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الزَّمَانِ وَالمَكَانِ» (ص 194).

- «وَلَكِنَّ لِلْنَّاسِ أَنْ يَسْأَلُوا: مَاذَا سَيَحُلُّ بِالقُرْآنِ الكَرِيمِ؟ وَمَاذَا سَيَحُلُّ بِالأَدَبِ القَدِيمِ: وَجَوَابُنَا هُوَ أَنَّ القُرْآنَ الكَرِيمَ سَيَخْلُدُ، سَيَبْقَى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ كَمَا بَقِيَتْ كُتُبٌ دِينِيَّةٌ عَدِيدَةٌ رَغْمَ اِنْحِرَافِ لُغَةِ النَّاسِ عَنْ لُغَةِ هَذِهِ الكُتُبِ» (ص 198).

إن هذه الشواهد التي استقيتها من كتاب الدكتور (أنيس فريحة) تدل على أن الدافع الحقيقي

(1) يقصد: راقت، أو كانت تروق.

ص: 228

لدعوته أن يهجر العرب لغتهم الأدبية (الفصحى) والمكتوبة بالحروف العربية إلى لهجة من لهجاتهم العامية مكتوبة بالحرف اللاتيني ليس تيسير العربية، ولكن قطع العرب صلتهم بالقرآن الكريم، إلا أن يبقى ليقرأ في المساجد كما تقرأ اللاتينية في الكنائس الكاثوليكية. وكذلك يريد الدكتور (فريحة) أن يقطع العرب صلتهم بالأدب القديم لأنه هو لا يستطيع أن يفهم الأدب الجاهلي أو " رسالة الغفران " لأبي العلاء المعري ولا أن يجد قيمة لشعر المتنبي.

كلنا نريد، في حياتنا العصرية، أن نيسر القراءة والكتابة في اللغة العربية، كما يسرنا حياتنا المنزلية بالاختراعات الأمريكية، وكما يسرنا انتقالنا بالطائرة والسيارة بدلاً من امتطاء الإبل والخيل والبغال والحمير. على أن الأمم لا تمزج عادة تراثها الروحي بالحياة الواقعية، ذلك لأن الأمم تستمد بقاءها من التراث الروحي. نحن نعلم كالدكتور (فريحة) أن الإملاء في اللغة الألمانية واللغة الإسبانية أهون من الإملاء باللغة العربية، ولكن الإملاء العربي أهون من الإملاء الإنجليزي والفرنسي. ونحن لا نذكر شيئًا عن اللغة اليابانية أو الصينية. ولكن اللغة العربية بالإضافة إلينا وإلى قومنا ليست واسطة للتفاهم فقط، بل هي رابطة قومية أيضًا وجامعة دينية وخزانة للثقافة الأدبية والروحية. فنحن العرب والمسلمين جميعًا نحتمل قواعد النحو العربي والكتابة بالحرف العربي، إن صح أن في النحو العربي والحرف العربي كل هذه الصعوبات والمشاكل التي يدعي الدكتور (فريحة) وجودها، في سبيل الحفاظ على هذه الصلة بعالمنا الذي بلغ ذروة تطوره عند نقطة في الزمان والمكان. وبعد، فنحن شاكرون لأسلافنا أنهم أقاموا سياجًا حول اللغة العربية، ذلك لأنهم أقاموا هذا السياج حولنا نحن. ثم إن مشاكل اللغة العربية، في النحو والخط، ليست أكثر من مشاكل اللغة الإنجليزية كثرة تقتضي هذه الحملة العنيفة على اللغة العربية والإسلام.

يحمل الدكتور (فريحة) على الرسم العربي (1) لأنه لا يثبت الحروف المصوتة (الدالة على الحركات) في صلب الكلمات. غير أنه اتفق في التاريخ أن الساميين اختاروا أن تتألف الكلمات من الحروف الساكنة وأن تعين حركات تلك الحروف بعلامات تسمى «شَكْلاً» . فكتابة الحرف العربي مشكولاً يسقط حجج الدكتور (فريحة) كلها، إلا إذا ظل متمسكًا بأن طبع الكتب والمجلات بالحرف العربي ليس مشروعًا اقتصاديًا، وأن الطبع بالحرف اللاتيني أكثر توفيرًا للوقت والمال.

ولكن غاب عن الدكتور (فريحة) أن اللغات، كل اللغات، تصل إلينا بالرواية أكثر مما

(1)" نحو عربية ميسرة ": ص 190 - 192.

ص: 229

تصل إلينا بالكتابة. إن الطفل الفرنسي يلفظ العدد «ألفين وسبعمائة وثمانية وتسعين» (2798) كما يتلقاه بالرواية: de mil sèt sa' katr ve' diz uit

لا كما يراه مكتوبًا في كتب القراءة والنحو في القواميس: deux mille sept cent quatre-vingt dix-huit

ثم ما فائدة إثبات الأحرف المصوتة في الكلمات الإنجليزية مثلاً؟ إن الحرف u يلفظ في كل كلمة من الكلمات الإنجليزية التالية لفظًا خاصًا. إن هذا الحرف u يقع ثلاثة عشر مرة في الكلمات الإحدى عشرة التالية، ويلفظ على ثلاثة عشر وجهًا: but، full، build، noun، muse، fur، furniture، furlough، funk ، fruit

أنا لا أستطيع أن أصدق أن الدكتور (فريحة) أستاذ اللغات السامية لا يعرف هذه الأشياء، وهل يعقل أنه كتب ما كتب «من عقله» ومن غير أن يرجع إلى القاموس. ولكن الدكتور (فريحة) يُرَوِّجُ غاية للمبشرين أرادوا بها أن يكون لكل بقعة عربية لغتها المستقلة. ونحن نرجو اللهَ أن يهدي صديقنا الدكتور (فريحة) وألا يحقق له ولا للمبشرين أملاً.

ولقد فضح الدكتور (فريحة) نفسه لما ألقى السؤال الذي يقبع وراء دراساته وتعليلاته واقتراحاته، ذلك السؤال الذي يفسر نقمته على اللغة الفصحى ويعلل حقده على الحرف العربي وعلى الأدب القديم. وبعد أن دعا الدكتور (أنيس فريحة) للهجات العامية وللحرف اللاتيني ما شاءت له الدعوة وما شاءت له الدعوى قال (" نحو عربية ميسرة ": ص 198، 199):

«وَلَكِنَّ لِلْنَّاسِ (يقصد المسلمين) أَنْ يَسْأَلُوا: مَاذَا سَيَحُلُّ بِالقُرْآنِ الكَرِيمِ؟ ....» .

وجوابنا هو أن القرآن الكريم سيخلد على ما هو عليه كما بقيت كتب دينية عديدة رغم انحراف لغة الناس عن لغة هذه الكتب. فإن (لغة هذه الكتب) حافظت على روعتها وجلالها ومقامها الديني. هاك لغة " التوراة " الإنجليزية المعروفة بترجمة الملك (جايمس)(1). فإنها على قدمها تعتبر في الإنجليزية، إلى جانب مقامها الديني، قطعة أدبية رائعة

ولكنها تخالف لغة الناس. وَقُلْ مِثْلَ هذا في لغة (شكسبير) فإنها حافظت على كيانها ومقامها. وفي لندن اليوم مسرح مشهور يعرف

(1) أوائل القرن السابع عشر الميلادي.

ص: 230

بـ Old Vic يمثل فيه إلى روايات (شكسبير) بلغتها القديمة وبشعرها القديم وبتعابيرها القديمة، وإنك إذا قست هذه اللغة بلغة جرائد لندن، أو إذا قستها بلغة الشارع في أوكسفورد أو كمبريدج وجدت فروقًا شاسعة. وها هي الكنيسة الكاثوليكية فإنها تعتبر الترجمة اللاتينية للتوراة لغة الكنيسة الرسمية، ولا يكون القداس إلا باللغة اللاتينية. وقل مثل هذا في الكنيسة الأرثوذكسية التي حافظت على اللغة اليونانية التقليدية، والكنيسة المارونية التي احتفظت باللغة السريانية، والكنيسة المسيحية الحبشية التي احتفظت باللغة السامية القديمة المعروفة بـ «لغة الجعز» . (على) أن الفارق بين هذه الكنائس التي احتفظت بلغاتها القديمة وبين الإسلام عظيم جدًا، ذلك لأن العامية المهذبة المحكية لا تختلف عن لغة " القرآن الكريم " اختلاف السريانية عن العربية أو الإغريقية عن العربية، أو اللاتينية عن الفرنسية (1). فلن تكون لغة " القرآن الكريم " غريبة عن أفهام الناس. وسيظل الناس يتعلمونه ويحفظونه غيبًا ويدرسون صرفه ونحوه وسحر بيانه كما يفعلون اليوم. وسيظلون يقرأونه ويستظهرونه تبركًا

هذا ما يتعلق بالمستقبل القريب. ولكن ما سيحدث في المستقبل البعيد، بعد مئات السنين؟ هنا ندخل في نطاق الحدس والتخمين. ولكن يتراءى لي أن في ذلك الزمن لن تكون الحياة الروحية وقفًا على الكلمة ولفظ الكلمة وشكل كتابة الكلمة

عندها يكون للناس الحرية أن ينظروا إلى الدين من خلال نظاراتهم لا من خلال نظاراتنا نحن

نحن زائلون والحياة للأجيال القادمة

لا تحرص أن تفرض على أبنائك عقائدك وعاداتك ومقاييسك وذوقك ونظرك إلى الحياة

قد يسايرك (ابنك) بعض الطريق، ولكنه في قرارة نفسه يضحك من حرصك هذا ويسير في طريقه الخاص

».

وهكذا نجد بوضوح أن الحملة على العربية الفصحى إنما هي في حقيقتها حملة على اللغة التي تجمع بين العرب والمسلمين، وحملة على العروبة والإسلام، وأمنية في أن يصبح القرآن كتاب دين لا صلة له بالحياة: يستطيع نفر من المسلمين أن يقرأه من غير أن يفهموا منه شيئًا ومن غير أن يشعروا بما فيه إلا كما يشعر الوثني إذا نظر إلى صورة معلقة في الجدار أو إلى وثن قائم على قاعدة من الحجارة.

غير أن الله الذي جعل في القرآن من عناصر الخلود ما حفظه إلى اليوم، بينما جميع اللغات التي كانت في عصره أو بعد عصره أيضًا قد بادت وانقرض المتكلمون بعدد كبير منها، سيجعله خالدًا أبدًا.

(1) التركيب ضعيف ومبهم.

ص: 231

إننا عرفنا في الفصول السابقة عددًا كبيرًا من الوسائل التي يتوسل بها المبشرون إلى الوصول إلى الإسلام والمسلمين، كما أدركنا أن التبشير إنما هو في الحقيقة تمهيد إلى السيطرة السياسية على بلاد المشرق لاستغلالها اقتصاديًا.

فالتبشير إذن خطر ديني بالغ فوق ما هو خطر سياسي واقتصادي: إنه خطر على كيان الأمم الشرقية، إن القضية بالنسبة إلينا قضية بقاء أو فناء.

بيروت 9 جمادى الأولى 1372 هـ - 25 كانون الثاني 1953 م.

شتورا 22 ذي الحجة 1375 هـ - 30 تموز 1956 م.

ص: 232