الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكَلِمَةُ الثَّانِيَةُ: رِسَالَةُ هَذَا الكِتَابِ:
إذا قلنا إن هذا الكتاب قد أدى رسالة لم نكن مُغَالِينَ وَلَا مُتَبَجِّحِينَ. لقد فتح هذا الكتاب عُيُونًا كثيرة على أخطار كانت خافية على نفر كبير من المُخْلِصِينَ مِمَّنْ لا يعرفون اللغات الأجنبية ليقرأوا ما يكتب فيها، وَمِمَّنْ يعرفون اللغات الأجنبية ولكن لم يرزقوا الجَلَدَ عَلَى تَتَبُّعِ الموضوعات الجافة كموضوع التبشير، ثم مِمَّنْ يضيق وقتهم بأعمالهم السياسية أو الإدارية أو المهنية عن القراءات الواسعة في الكُتُبِ وَالمَجَلَاّتِ. ثم إنه ليس من الحق، ولا من الممكن أنْ نطلب مِنْ كُلِّ مُخْلِصٍ أن يفعل ما فعلناه نحن: أن يسلخ عشر سنوات في تتبع الموضوع واقتصاص آثار المُبَشِّرِينَ في أنحاء الوطن العربي. من أجل ذلك قمنا نحن بهذا العمل وقدمنا خلاصة له في صفحات قليلة. وليثق القارئ بأن الأثر المفيد الذي أحدثه هذا الكتاب قد أَنْسَانَا السَّهَرَ فِي تَقَصِّي مَوَادِّهِ مِنْ كُلِّ مَصْدَرٍ وَمِنْ كُلِّ مَرْجَعٍ. ولقد ملأ نفوسنا غبطة أنَّ نفرًا كريمًا من الحاكمين ومن المشرفين على الحركات الإصلاحية قد عُنُوا بهذا الكتاب ورأوا فيه ما قصدنا نحن منه: هنالك أخطار كنا نشعر أنها أخطار، وكنا نعتقد بوجودها من قرائن كثيرة، ولكن الأدلة المقنعة كانت تعزونا. فلما جاء هذا الكتاب واستخرج الأدلة مِنْ كُتُبِ المُبَشِّرِينَ وَالمُسْتَعْمِرِينَ أَنْفُسُهُمْ لم يبق مجال للشك في صحة ما كنا نشعر به وصواب ما كنا نعتقد.
صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب منذ ثلاث سنوات، فلما أردنا إصدار هذه الطبعة
الثانية كَانَ تَجَمَّعَ لَدَيْنَا مصادر ومراجع كثيرة جِدًّا. وكان بعض هذه قد صدر بعد خروج الطبعة الأولى، كما كان بعضها قديمًا ولكن لم نستطع في ذلك الحين أن نصل إليه. على أن قسمًا كبيرًا من هذه الكتب لا ينطوي على مادة جديدة، ولم يكن من خطتنا أن نجمع الأشياء المتشابهة - وإن كان جمعها يفيد أحيانًا - لِئَلَاّ يزيد حجم الكتاب كثيرًا فيخرج من متناول القارئ العام ويفقد جانبًا من رسالته. وكذلك حرصنا على أن نقصر اعتمادنا في هذه الطبعة أيضًا، كما فعلنا في الطبعة السالفة، على المصادر الأجنبية مِمَّا بَيَّنَّا الغَايَةَ مِنْهُ فِي «الكلمة الأولى». ولكننا شذذنا عن هذه القاعدة فيما يتعلق بثلاثة كتب:
أ - " الغارة على العالم الإسلامي "(1)(*):
كانت مجلة " العالم الإسلامي " الفرنسية (2) قد نشرت موجزًا لمقررات عدد من المؤتمرات التي عقدها المبشرون البروتستانت بقلم أ. لو. شاتليه. وقد رأى مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب أَنْ يُلَخِّصَا ما نشره لو. شاتليه وينشراه تباعًا في جريدة " المؤيد " التِي كَانَا يُحَرِّرَانِ فِيهَا، وذلك في سَنَةِ 1330 للهجرة (1912 م). ثم إنهما أعادا نشر هذه المقالات نفسها في جريدة " الفتح " المصرية سَنَةَ 1349 للهجرة (1930 م). بعدئذٍ جمعاها في كتاب مستقل صدر عن المطبعة السلفية ومكتبتها في العام التالي. ولا ريب في أَن وضع مثل هذا الكتاب في يد القارئ المسلم كان عظيم النفع. ولكن الكتاب في حقيقته خلاصة لجهود المبشرين كما يراها المبشرون، فهو وَإِنْ كَانَ يُنَبِّهُ عَلَى أَضْرَارِ التَّبْشِيرِ فإنه لا يربط جهود المبشرين بالنتائج الدينية والسياسية التي أدت فعلاً إلى الأضرار بالعالم الإسلامي. ثم إن هذا الكتاب خلاصة عربية لخلاصة فرنسية لمادة إنجليزية محدودة.
ومع أن جميع المُلَخَّصَاتِ في كتاب " الغارة على العالم الإسلامي " كانت في شكلها المطول وفي كتبها الأصلية من مصادر كتابنا " التبشير والاستعمار "، فإننا نعتقد أن كتاب " الغارة " هذا قد أَدَّى خِدْمَةً فِي زَمَنِهِ، وأن مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب قد حاولا فتح عين المسلمين على شيء من أخطار التبشير منذ نحو جيلين من الدهر.
(1) مجموع مقالات «لخَّصها ونقلها إلى اللغة العربية مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب» من: La Conquète du Monde Musulman par A . Le Chatelier
نشرت في جريدة " المؤيد "(مصر) سنة 1330 (للهجرة) وفي صحيفة " الفتح "(مصر) سنة 1409 هـ، ثم جمعت في كتاب نشرته المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة 1350 هـ (1931 م)
(2)
Le Monde Musulman.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) بفضل الله وَمَنِّهِ الكَرِيمِ، قُمْتُ بإنجاز هذا الكتاب وتحويله إلى نسق المكتبة الشاملة حتى يستفيد منه أكثر عدد ممكن من الباحثين المسلمين خُصُوصًا وغير المسلمين عُمُومًا.
ب - " لبنان الطائفي ": (1)
أريد من هذا الكتاب أنْ يكون «رَدًّا» على كتاب " التبشير والاستعمار "، ولكنه جاء سَنَدًا له وشهادة مُزكَّاةً فيه. ثم إن صاحبه قد ذكر فيه أشياء لو ذكرناها نحن أو لو ذكرنا مثلها لأثرنا عاصفة هوجاء تضيع في ريحها الغاية التِي تَوَخَّيْنَاهَا.
أَلَّفَ هَذَا الكِتَابَ أنيس صايغ، وهو مثلنا خِرِّيجُ الجامعة الأمريكية في بيروت. ونشر الكتاب «دار الصراع الفكري» ، وهي مؤسسة يشرف عليها الحزب القومي السوري. فإذا كان أنيس صايغ قد أَلَّفَ هَذَا الكِتَابَ بدافع من نفسه هو فقد وجب علينا شكره لأنه عرض للموضوع بإخلاص. ومع أنه قد نسب إلى الإسلام وإلى نفر من المسلمين تُهَمًا مُتَعَدِّدَةً، فإننا نغتفر له هفواته فيها لقلة عنايته بالتاريخ وتعليله وَلِحَدَاثَةِ سِنِّهِ وَضَآلَةِ اِخْتِبَارِهِ. ثم إنه قد عرض للطائفية وإثارة الفتن توصلاً إلى الاستعمار، وخصوصًا في سورية ولبنان، بصراحة وإصرار نَزْعًا عن الدسائس الاستعمارية في بلادنا ستارًا كان كثيفًا. ومع أن أنيس صايغ قد حاول أنْ «يُوَزِّعَ» التُّهَمَ بين الذين اتَّهَمَهُمْ بالسوية، فإنه جعل مركز الثقل في مكان دون مكان، لأن ضميره كان مستيقظًا وهو يؤلف كتابه، سوى غفوات يسيرة كان يذكر فيها «المسيحيين» وهو يقصد «البِيزَنْطِيِّينَ» . ولكنه كان أحيانًا يعود فيستيقظ وشيكًا ليذكر البيزنطيين من غير أن يحاول الإيحاء للقارئ، من طريق تسميتهم باسم آخر، بأنهم من أهل البلاد الوطنيين. والواقع أن المراجع التي أخذ عنها قد خدعته كثيرًا في هذا الشأن.
وأما إذا كان أنيس صايغ قد استجاب في تأليف كتابه لنفر أفلتت الإشارة إليهم منه في مواضع ظاهرة في ثنايا كتابه، فإن علينا أيضًا أن نشكره. لقد أرادوا منه أن يحملهم على ضميره فحملهم على علمه، وأرادوا منه أن يعينهم على خصومهم فأعان الحق عليهم.
إننا نحن لا نزال نعتقد أن التبشير كله شر. لأن الأمريكيين والإنجليز والفرنسيين والهولنديين ومن لَفَّ لَفَّهُمْ يقولون خيرًا بأفواههم بينما آثار أيديهم ظاهرة لنا في فلسطين والمغرب والهند الصينية وقبرص وكشمير وجنوبي أفريقيا وفي الولايات المتحدة نفسها.
إن على هؤلاء كلهم أن يغسلوا أيديهم من دماء ضحاياهم على الأقل قبل أن يمثلوا على
(1) تأليف أنيس صايغ، دار الصراع الفكري، بيروت 1955.
مسرح الإنسانية دور المحسن الكريم. إن أساتذة الجامعات في الولايات المتحدة هم الذين يشنقون الزنوج الأمريكيين على جذوع الأشجار، وهم الذين ينشرون الظلم الأمريكي في العالم. إن هؤلاء الأساتذة يملكون توجيه الناشئة في أيديهم، والناشئ الأمريكي لا يولد وهو يحمل العداوة للشعوب الملونة، ولكنه يحملها بعد أن يولد، يُحَمِّلُهُ إِيَّاهَا أَبَوَاهُ أَوْ مُعَلِّمُوهُ أَوْ قَادَتُهُ. فكيف يصح في العقل أن الأساتذة الأمريكيين الذين يعلمون أهل الأرض يعجزون عن تعليم أبنائهم؟ أما نحن العرب فإننا خَيِّرُونَ، على اختلاف أصولنا ومذاهبنا. وما تناحرنا الحاضر إلا لأن المصالح الأجنبية تتعهدنا بالشر. يجب على الحكومات العربية كلها أن ترقب نشاط هذه المؤسسات الأجنبية كلها - والمؤسسات العلمية في الدرجة الأولى حتى يرتفع الشر كله من البلاد العربية.
لقد كان هذا المنتظر أَنْ يُحْدِثَ كِتَابُ " لبنان الطائفي " ضَجَّةً لأنه تكلم عن نفر من ذوي المراكز المرموقة وعن بعض المؤسسات بما يوجب اتهام بعضها عند بعض في قوميتها ووطنيتها، حسب ما ينظر كل فريق من الفريقين إلى القومية وإلى الوطنية. ثم إنه سمى أشياء بأسمائها ونسبها إلى أشخاص بأسمائهم. ولكن ضياع أثر الكتاب بعد خفوت صوته دليل على أنه لم يلق «تَرْوِيجًا» ، إِذْ يَبْدُو أَنَّ الذِينَ كَانَ يَهُمُّهُمْ أَنْ يَظْهَرَ هَذَا الكِتَابُ عَلَى مَا تَخَيَّلُوا لِيُرَوِّجُوا لَهُ رَأَوْهُ، بَعْدَ أَنْ طُبِعَ، عَلَى خِلَافِ مَا أَمَّلُوا فَسَكَتُوا. أما رأينا في هذا الكتاب فهو أنه يجب على المواطنين المحبين لوطنهم أن يقرأوه حتى يعرفوا الزوايا التي يهب علينا منها ريح الاستعمار، وَالحُفَرِ التي تثب منها القلاقل والفتن.
ج - " الاستعمار عدو الشعوب ":
هذا الكتاب بقلم عبد العزيز فهمي (1)، ويمتاز بأنه يحاول أن يرى الاستعمار في صوره المختلفة، غير أنه يؤكد جوانبه المادية وحدها ويُعَرِّجُ عَلَى التَّبْشِيرِ تَعْرِيجًا. هذا الكتاب يضرب أمثلة مفيدة تساعد على فهم الاستعمار الغربي النازل بالشرق مع المشاريع الاقتصادية الغربية.
• • •
وهنالك كتاب آخر لا بُدَّ من ذكره هنا وإن كنا لن نأخذ منه شيئًا ولن نعطيه شيئًا ولن
(1) مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1953.
نستشهد به، لأن غايتنا مخالفة لغايته، وطريقنا إلى القارئ غير طريقه. هذا الكتاب اسمه " لبنان وطن قومي للنصارى في الشرق الأوسط ". هذا الكتاب الذي ظهر في اللغتين العربية والإنجليزية، وفي الفرنسية والإسبانية وغيرهما في الأغلب، ثم وزع في المهاجر المختلفة في الأكثر لا يحمل اسم مؤلف ولا اسمًا لمكان الطبع ولا تعيينًا لزمان الطبع. والذي يقرأ هذا الكتاب لا يخفى عليه ما أريد منه من الدَسِّ على أبناء الوطن وعلى التاريخ والحقيقة.
ومع أن هذا الكتاب لا يخفى عليه ما أريد منه من الدَسِّ على أبناء الوطن وعلى التاريخ والحقيقة.
ومع أن هذا الكتاب الصغير (فهو واحد وخمسون صفحة باللغة العربية، وخمسة وثلاثون بالإنجليزية) قد يثير حفيظة الجاهل إذا قرأه فإنه يثير شفقة العاقل على الذين كتبوه ونشروه، فهو فضلاً عما فيه من افتراء على التاريخ، بَعِيدٌ جِدًّا عن كل فكرة سياسية صحيحة. ونحن لا نريد تفنيد ما في الكتاب بعد أَنْ قَرَّرْنَا أَلَاّ نستشهد به في كتابنا.
• • •
إننا نرجو أن يستمر كتابنا هذا في أداء رسالته بَيْنَ عَامَّةِ القُرَّاء فيفتح عيونهم على أخطار التبشير ثُمَّ يُنَبِّهُهُمْ إلى الطرق التي يتلافون بها تلك الأخطار. وكذلك نرجو أنْ يظل دليلاً صالحًا في أيدي القائمين على الحركات الإصلاحية.
إِنَّ هَذَا الكِتَابِ إِذَا حَقَّقَ ذَلِكَ، أَوْ حَقَّقَ بَعْضَهُ فَقَطْ، يَكُونُ قَدْ أَدَّى رِسَالَتَهُ كُلَّهَا، أَوْ أَدَّى بَعْضَ رِسَالَتِهِ عَلَى وَجْهِهَا.
الأحد 3 شوال 1375 هـ - 13 أيار 1956 م.
المُؤَلِّفَانِ