الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون كل من دخل المستشفى أو أتى إلى المستوصف للمعالجة قد تلقى من طبيبه المبشر تلك الكرازة (1) التي توجهه نحو المسيح (2).
من أجل ذلك عُنِيَ المبشرون، أول ما عُنُوا، بالتطبيب على أنه واسطة إلى غاية. إن اليسوعيين مثلاً قد أسسوا أكثر أعمالهم التبشيرية في سورية (3) إلى جانب مراكز التطبيب. بل إن مراكز التبشير قد بدأت عندهم مراكز للتطبيب في أول الأمر. وفي هذه المراكز وجهوا عنايتهم الأولى إلى كبار الموظفين وإلى الأعيان. وكانوا يستغلونهم من هذه الطريق لمصالح تبشيرية بحت. ومع الأيام أخذت عناية اليسوعيين بالتطبيب تقل وقيامهم بالتبشير يزيد حتى حل التبشير المحض محل التطبيب (4) الذي كان رِءَاءَ النَّاسِ.
كِبَارُ أَطِبَّائِهِمْ مُبَشِّرُونَ:
ومنذ عام 1875 م وجهت الجمعيات التبشيرية اهتمامها إلى سورية وأنشأت مراكز طبية في غزة ونابلس وغيرهما من المدن، وفي سورية وفلسطين. وكذلك كان لهم أطباء دَوَّارُونَ يزورون القرى ليلاحقوا الناقهين الراجعين إلى قراهم فيكرزوا فيهم، ولكنهم لم ينجحوا (4). وكذلك يجب ألا نعجب إذا علمنا أن أكثر الأطباء البروتستانت الذي نعرف أسماءهم ما جاءوا إلى بلاد العرب إلا حُبًّا بالتبشير لا بالتطبيب. ثم إن جلهم، إن لم نقل كلهم، قد أوقعوا في البلاد أضرارًا تفوق الخدمات الطبية التي أسدوها أضعافًا مضاعفة. إن (آسا دودج) و (فورست) و (كارنيليوس فان ديك) و (جورج بوست) و (تشارلس كلهون) و (ماري أدي) والدكتور (طومسون)(5) كلهم كانوا أطباء في الظاهر. أما في الباطن فكان ضررهم على البلاد يزيد أو ينقص بحسب الاستعداد الشخصي لكل واحد منهم وبحسب الفرص التي سنحت لهم.
اِعْتِرَافُهُمْ بِخِدَاعِ المَرْضَى:
وإذا أنت أردت أن تعرف مبلغ اهتمام هؤلاء الأطباء بالتبشير لا بالتطبيب فاعلم
(1) الكرازة: تعبير مسيحي معناه إلقاء النصائح على الآتين إلى الكنيسة، كرز أو خرز (بالسريانية): وعظ.
(2)
Harrison 141
(3)
Les Jésuites en Syrie 12 : 12 f أما الآن فإن اليسوعيين قد عادوا فأنشأوا مركزًا كبيرًا للتطبيب في البقاع.
(4)
Bliss (R) 316 f. Jessup 802، 804
(5)
cf. jessup 37، 108، 804
إن نفرًا منهم أنشأوا مستوصفًا في بلدة الناصر في السودان، وكانوا لا يعالجون المريض أبدًا إلا بعد أن يحملوه على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح (1)، وإن كان الكاتب قد وضع هذا المعنى في تركيب بلاغي يختلف عن هذا الذي قلناه نحن في اللفظ فقط. ومثل هذا كان فعلهم في أماكن مختلفة، ففي بلدة الناصر هذه مثلاً كان التنصير والتطبيب يسيران جنبًا إلى جنب كما يقول المؤلف نفسه (2). وفي الحبشة كانت المعالجة لا تبدأ قبل أن يركع المرضى ويسألوا المسيح أن يشفيهم (3). ومن الحيل التي استعملها المبشرون في وادي النيل أنهم استخدموا ثلاثة مراكب وجعلوها مستوصفات نقالة على النيل. وكانوا يعلنون عن مجيء الطبيب قبل أن يصل بوقت طويل، فيأتي الناس من كل صوب يحملون مرضاهم، وينتظر الجميع قدوم الطبيب. في هذه الأثناء يقوم فيهم من يبشر (4) فرحًا بالجموع، من غير أن يتحرك ضميره لهذه الآلام التي يتحملها المرضى في وضح الشمس ومضض الانتظار عمدًا وخداعًا.
ومثل هذا كانوا يفعلون في بلدة الشيخ عثمان في اليمن. كان الناس يأتون من مكان بعيد يحملون مرضاهم، وكان أولئك الأطباء، الذين لم يضع اللهُ في قلوبهم شيئًا من معاني الإنسانية، لا يبدأون بعلاج المرضى إلا بعد أن يكرزوا عليهم (5). وحملت أم مرة طلفها المريض وجاءت به إلى مستوصف الناصر بالسودان، ولكن الطفل مات في أثناء الطريق الطويلة، فَلَمْ يُعَزِّ الطَّبِيبُ هَذِهِ الأُمَّ الثَّكْلَى بل جلس يكرز عليها (6).
وكان المبشرون يعلنون ذلك ولا يكتمونه، فقد قال (رشتر):«فِي هَذِهِ المُنَاسَبَاتِ مِنَ التَّطْبِيبِ فِي مُسْتَوْصَفٍ أَوْ مُسْتَشْفَى يُمْكِنُ لِلْطَّبِيبِ أَنْ يُخَاطِبَ المُسْلِمِينَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ لَوْ سَمِعُوا بَعْضَهُ فِي مَكَانٍ غَيْرَ المُسْتَشْفَى وَمِنْ شَخْصٍ غَيَرَ الطَّبِيبِ لامْتَلأُوا غَيْظًا وَغَضَبًا» (7). أما حيث تمتزج الصفاقة بالتدجيل ويمتزج الجهل بموت الضمير فكلام (إيرا هاريس). قالت (إيرا هاريس) تنصح الطبيب الذاهب بمهمة تبشيرية: «يَجِبُ أَنْ تَنْتَهِزَ الفُرَصَ لِتَصِلَ إِلَى آذَانِ المُسْلِمِينَ وَقُلُوبِهِمْ فَتَكْرُزَ لَهُمْ بِالإِنْجِيلِ. إِيَّاكَ أَنْ تُضِيعَ التَّطْبِيبَ فِي المُسْتَوْصَفَاتِ وَالمُسْتَشْفَيَاتِ فَإِنَّهُ أَثْمَنُ مِنْ تِلْكَ الفُرَصِ عَلَى الإِطْلَاقِ.
(1) Milligan 158
(2)
Milligan 101
(3)
Milligan 132
(4)
Milligan 142
(5)
Gairdner 278 f
(6)
Milligan cf. 158
(7)
Richter 252، cf. Methods of Missions 54