الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صغيرة وشغلوا أنفسهم بتبديل عقائد الأفراد الدينية باذلين جهودًا كبارًا في سبيل منافسة غير نبيلة: عداوة على تجاذب الأشخاص بين اليسوعيين والبروتستانت، ومكائد بين فرق البروتستانت أنفسهم، ثم رياء لا حد له في تزيين الآراء وتسويد صفحات التاريخ.
ونحن هنا دائرون بك حول نقطتين: حول استغلال المبشرين للعلم بطرق لا تنكشف إلا عن ضيق في الأفق، إلا أن هذا قليل الأهمية لأن الإنسان لا يلبث أن يرى هذا الأفق الضيق فيجازي به أصحابه. وأما النقطة الثانية فهي حرص المبشرين على إفساد النبل الإنساني وجعل العلم - العلم الذي هو نعمة في سبيل تحرر الإنسانية ورقيها - وسيلة إلى استعباد الأفراد والأمم ثم سوقهم بسيف الاستعمار إلى الاستكانة أمام سلطان السياسة المادي. لقد سَخَّرَ المبشرون اسم اللهِ في سبيل ترويج بضائع أممهم ونشر الفساد الاجتماعي في العالم، ولا ريب في أن بعضهم قام بما قام به غير عارف بما سيترتب على عمله من العواقب. ولكن العاقبة على كل حال لم تكن حميدة.
لَيْسَ لِلْتَّعْلِيمِ عِنْدَهُمْ غَايَةُ سِوَى التَّبْشِيرُ:
قال نفر من المبشرين:
«إِنَّ أَهْدَافَ المَدَارِسِ وَالكُلِّيَّاتِ التِي تُشْرِفُ عَلَيْهَا الإِرْسَالِيَاتُ فِي جَمِيعِ البِلَادِ كَانَتْ دَائِمًا مُتَشَابِهَةً. إِنَّ المَدَارِسِ وَالكُلِّيَّاتِ كَانَتْ تُعْتَبَرُ فِي الدَّرَجَةِ الأُولَى وَاسِطَةً لِتَمْرِينِ قِسَسٍ لِلْكَنِيسَةِ
…
حَتَّى أَنَّ المَوْضُوعَاتِ العِلْمَانِيَّةِ التِي تُعَلَّمُ، مِنْ كُتُبٍ غَرْبِيَّةٍ وَعَلَى يَدِ مُدَرِّسِينَ غَرْبِيِّينَ، تَحْمِلُ مَعَهَا الآرَاءَ النَّصْرَانِيَّةَ» (1). وعلى هذا (الأساس) كتب المبشر (هنري هريس جسب) إلى المحترم (و. ستوارت دودج) في الخامس من كانون الأول عام 1870:«لِنَبْتَهِلْ إِلَى اللهِ فِي سَبِيلِ تَعْمِيدِ نُفُوسِ أُولَئِكَ الشُّبَّانِ الذِينَ يَتَرَدَّدُونَ عَلَى الكُلِّيَّاتِ» (2). ويرى (هنري جسب) نفسه: «أَنَّ التَّعْلِيمَ فِي (مَدَارِسِ) الإِرْسَالِيَاتِ المَسِيحِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ وَاسِطَةٌ إِلَى غَايَةٍ فَقَطْ. هَذِهِ الغَايَةُ هِيَ قِيَادَةُ النَّاسِ إِلَى المَسِيحِ وَتَعْلِيمِهِمْ حَتَّى يُصْبِحُوا أَفْرَادًا مَسِيحِيِّينَ وَشُعُوبًا مَسِيحِيَّةً. وَلَكِنْ حِينَمَا يَخْطُو التَّعْلِيمُ وَرَاءَ هَذِهِ الحُدُودِ لِيُصْبِحَ غَايَةً فِي نَفْسِهِ وَلِيُخَرِّجَ لَنَا خِيرَةَ عُلَمَاءِ الفَلَكِ وَطَبَقَاتِ الأَرْضِ وَعُلَمَاءِ النَّبَاتِ وَخَيْرِ الجَرَّاحِينَ وَالأَطِبَّاءِ فِي سَبِيلِ الزَّهْوِ العِلْمِيِّ
…
فَإِنَّنَا لَا نَتَرَدَّدُ حِينَئِذٍ فِي أَنْ نَقُولَ: إِنَّ رِسَالَةً مِثْلَ هَذِهِ قَدْ خَرَجَتْ عَنْ المَدَى التَّبْشِيرِي المَسِيحِيِّ إِلَى مَدَى عِلْمَانِيِّ مَحْضٍ،
(1) Re -Thinking Missions 118
(2)
Jessup 378
إِلَى مَدَى عِلْمِيٍّ دُنْيَوِيٍّ. مِثْلَ هَذَا العَمَلِ يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ بِهِ جَامِعَاتُ هَايْدَنْبَرْغْ وَكَمْبْرِدْجْ وَهَارْفَرْدْ وَشِيفِيلْدَ، لَا الجَمْعِيَّاتُ التَّبْشِيرِيَّةُ التِي تَسْعَى إِلَى أَهْدَافٍ رُوحِيَّةٍ فَحَسْبَ» (1).
ويرى بعضهم: «أَنَّ المَدَارِسَ قُوَّةٌ لِجَعْلِ النَّاشِئِينَ تَحْتَ تَأْثِيرِ التَّعْلِيمِ المَسِيحِيِّ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ قُوَّةٍ أُخْرَى (3). ثُمَّ إِنَّ هَذَا التَّأْثِيرَ يَسْتَمِرُّ حَتَّى يَشْمَلَ أُولَئِكَ الذِينَ سَيُصْبِحُونَ يَوْمًا مَا قَادَةً فِي أَوْطَانِهِمْ (4).
ورأي المبشرين في ذلك لم يتغير قط، حتى المستر (بنروز) الذي جاء في عام 1948 ليتسلم زمام الرئاسة في جامعة بيروت الأمريكية كان أيضًا خاضعًا لهذه الفكرة، إنه يقول (5): «لَقَدْ أَدَّى البُرْهَانُ إِلَى أَنَّ التَّعْلِيمَ أَثْمَنَ وَسِيلَةٍ اسْتَغَلَّهَا المُبَشِّرُونَ الأَمَرِيكِيُّونَ فِي سَعْيِهِمْ لِتَنْصِيرِ سُورِيَّةَ وَلُبْنَانَ
…
وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَقَرَّرَ أَنْ يُخْتَارَ رَئِيسُ الكُلِّيَّةِ البْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ الإِنْجِيلِيَّةِ (الجَامِعَةُ الأَمِرِيكِيَّةُ اليَوْمَ) مِنْ مُبَشِّرِي الإِرْسَالِيَّةِ السُّورِيَّةِ».
وفي الوقت الذي كان الدكتور (بنروز) يعد مواد كتابه التبشيري، انعقد في القدس (في نيسان 1935) مؤتمر تحت إشراف فرع فلسطين من لجنة التعليم للمجلس التبشيري المتحد. ولم يضع المؤتمر تقريرًا على عادة المؤتمرات الأخرى، بل عهد إلى أحد أعضائه (هـ. دانبي) ليضع كتابًا توجيهيًا يتضمن ما وصل إليه المؤتمرون من الملاحظات والآراء (6).
يقول (دانبي) في كتابه (ص 1): «كَانَ التَعْلِيمُ
…
وَسِيلَةً قَيِّمَةً إِلَى طَبْعِ مَعْرِفَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالعَقِيدَةِ المَسِيحِيَّةِ وَالعِبَادَةِ المَسِيحِيَّةِ (فِي نُفُوسِ الطُّلَاّبِ)».
والمؤلف يفرق بين المدارس المسيحية التبشيرية. «إِنَّ المَدَارِسَ التَّبْشِيرِيَّةَ تُحَاوِلُ أَنْ تَنْقُلَ الطُّلَاّبَ مِنْ مَذَاهِبَ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى مَذْهَبِهَا هِيَ. أَمَّا المَدَارِسُ " المَسِيحِيَّةُ " فَإِنَّهَا تُحَاوِلُ أَنْ تُهَيِّئَ لِلْطَّالِبِ، مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ كَانَ، جَوًّا مَسِيحِيًّا وَتُحَمِّلُهُ فِيهِ عَلَى مُمَارَسَةِ
(1) Jessup 592، 567
(2)
Jessup 562، p 592
(3)
Anna A. Milligan، 108
(4)
Milligan، 124 - 5
(5)
Penrose 7، 10 (*)
(6)
جميع أرقام الصفحات المحصورة بين الأهلة في متن المقاطع التالية تعود إلى: H. Danby، Why Christian Schools ? or what can Christian Schools contribute ? with particular reference to Palestine، Jerusalem 1936