الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صغيرة للفقراء مجانية، لا لتعليمهم في الدرجة الأولى بل لحفظ المظهر التبشيري باديًا للعيان (1). إن الفقراء أكثر انقيادًا لقبول هذا المظهر من أندادهم من أبناء الأغنياء.
هذه النزعة في التعليم المجاني لا ينفرد بها اليسوعيون الفرنسيون وحدهم، بل يتنازعها جميع المبشرين. ولقد استطاع المبشرون المشيخيون (2) الأمريكيون أن يغلبوا المبشرين الآخرين في هذا الضرب من الإحسان (3). ومن الأمثلة التي تدل على اهتمام المبشرين بالتعليم المجاني أن المدارس الفرنسية والروسية (كانت) تُعَلِّمُ مَجَّانًا ثم تقدم الكتب والطعام واللباس أحيانًا بلا مقابل (4).
المَكْتَبَاتُ وَالتَّصْوِيرُ وَالاِسْتِكْشَافُ وَالنَّشْرُ:
واستغل المبشرون جميع أوجه النشاط الاجتماعي للتبشير، حتى تلك التي لا يسبق الوهم إلى أنها بؤرات تبشيرية. من هذه الأوجه كلها إنشاء المكتبات لبيع الكتب في الظاهر ولتكون سِتَارًا لإدارة أعمال التبشير. ولقد اتفق ذلك في أول الأمر حينما كانت الدولة العثمانية تنظر إلى المبشرين نظرتها إلى الجواسيس، كما مر معنا في فصل «السياسة» .
من هذه المكاتب مكتبة (شارليه بازييه)(5)، وكانت لا تزال إلى عهد قريب قائمة في السوق الطويلة في بيروت باسمها وبنائها. ثم هنالك المصور القديم المعروف باسم (بونفيس)(6)، ولقد كان محله في بيروت مشهورًا، وهو الذي خص نفسه بأخذ مشاهد سورية ولبنان على بطاقات بريدية. على أن محل (بونفيس) قد زال الآن. وهنالك نفر كثيرون جاءوا إلى هذه البلاد تجارًا وأساتذة وأطباء ولكنهم كانوا طلائع للتبشير على ما عرفنا من قبل. ويهمنا أن نعلم الآن أن أصحاب مكتبة شارليه بازييه والمصور (بونفيس) كانوا من البروتستانت الفرنسيين، وإنهم ظلوا يعيشون في بلادنا حتى عام 1926 (7).
وهنالك نفر من المبشرين جاءوا إلى بلادنا تحت ستار البحوث العلمية كالاستكشافات الجغرافية والجيولوجية. من هؤلاء (وليم غودل) و (إِلِي سْمِيثْ Ellie Smith) و (وليم طومسون) الذي ظل
(1) ibid. 7 : 7
(2)
المشيخيون فرقة من البروتستانت Presbyterian
(3)
Richter 222 f
(4)
ibid. 227
(5)
Charlier Béziés ولكنها بعد ذلك أصحبت تبيع إلى جانب الكتب وأدوات الكتابة أشياء أخرى.
(6)
Bonifis .
(7)
Bianquis 26
يعمل مبشرًا تحت ستار العلم خمسين عَامًا (1).
ومما لا ريب فيه أن للكتب تأثيرًا كبيرًا في الناس. وتلك ظاهرة لم يغفلها المبشرون، إذ هم يرون أن أشد الوسائل أثرًا كان إنتاج النشرات المسيحية إلى المسلمين (2). وبقطع النظر عن قيمة هذا الأثر الذي يزعمونه، فإن سياستهم في إنتاج تلك النشرات تتبع التوجيه التالي:
يحرص المبشرون في الدرجة الأولى على نشر الكتب الدينية كالأناجيل الأربعة، وعلى نشر أشياء من " التوراة ". ثم إنهم يطرقون في نشراتهم موضوعات مختلفة ولكن يفرغونها في قالب مسيحي ديني. والمبشرون حريصون جد الحرص على أن يتولى كتابة هذه الموضوعات أشخاص وطنيون لا مبشرون أجانب، أو أشخاص صبأوا إلى النصرانية حديثًا، لأن هؤلاء يكونون أقدر على فهم عقلية جماهيرهم وعلى عرض تلك الموضوعات على شكل يقرب من فهم تلك الجماهير (3).
وفي بعض الأحيان يختار المبشرون موضوعات إسلامية لها مقابل في الديانة النصرانية (4) ثم يموهون الحقائق ويقفزون فوق الفروق. إن " القرآن الكريم " يسمي المسيح «كَلِمَةَ اللهِ» ، ومعنى ذلك أن الله تعالى ألقى كلمته، أي أمره، بأن يولد المسيح على ذلك الوجه المعجز في التاريخ. ولكن المبشرين يأخذون «كَلِمَةَ اللهِ» ليفسروها التفسير النصراني. ووجه الخلاف أن كل شيء في هذا العالم كما يرى المسلمون كان بأمر الله:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (5). وفي " القرآن الكريم " آيات كريمات تجعل عيسى كآدم مثلاً، وتجعل آدم يتلقى من ربه «كَلِمَاتٍ» لا كلمة واحدة: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، الْحَقُّ
(1) Wm Goodell، Ellie Smith. Wm Thomson. cf. Richter 97 f
(2)
Enc. of Missons 600
(3)
cf. Re-thinking Missions 180 ff
(4)
cf. Methods of Missions 97 ff
(5)
[سورة يس، الآية: 82].