الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ التَّاسِعُ: الأَعْمَالُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:
الأعمال الاجتماعية هي المناسبات التي تربط بعض البشر ببعضهم عَرَضًا، أو تتيح لبعض الناس أن يعرفوا بعضهم الآخر. إن البشر عادة مقسمون حسب أعمالهم، فقلما يتاح للطبيب المنصرف إِلَى عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ أن يجتمع بالتاجر أو بالصانع أو بالفنان. وكذلك يعتذر على رجل من المدينة، أو من حي معين في المدينة، أن يجتمع برجل من مدينة أخرى أو من حي آخر في مدينته هو. من أجل ذلك يلجأ الناس عادة إلى خلق جو اجتماعي يجمع بينهم في مناسبات مختلفة: في الحفلات الرياضية والخطابية، وفي الأندية الأدبية والسياسية، وفي الاتصال فيما بينهم من طريق الصحف والمجلات وأعمال البر والإحسان، وفي الاجتماعات المختلطة بين الجنسين رجالاً ونساءً.
والمبشرون يعرفون هذه كلها في بلادهم فأحبوا أن ينقلوها إلى بلادنا، لَا حُبًّا بِنَا نَحْنُ لكي تكون الصِّلَاتُ بيننا أوثق والحياة عندنا أكثر فائدة وأكثر مرحًا، بل تواصلاً إلى اختراق السور الذي ضربه العُرْفُ الشرقي حول الأسرة المسلمة كي يفتح لهم باب جديد يَلِجُونَهُ للتبشير بيننا. تلك كانت غايتهم الأولى من النشاط الاجتماعي الذي أحبوا أن يثبتوه في بيئتنا بواسطة المدارس الأمريكية خاصة، ومن طريق الخدمة الاجتماعية بين الفلاحين أيضًا.
جاء في كتاب اسمه " مؤتمر العاملين المسيحيين بين المسلمين "(1): «نَحْنُ نَعْنِي بِالعَمَلِ الاِجْتِمَاعِيِّ المَسِيحِيِّ تَطْبِيقَ مَبَادِئَ يَسُوعْ المَسِيحَ فِي جَمِيعِ الصِّلَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ. إِنَّ المسلمين يَدَّعُونَ أَنَّ فِي الإِسْلَامِ مَا يُلَبِّي كُلَّ حَاجَةٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ فِي البَشَرِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُقَاوِمَ الإِسْلَامَ دِينِيًّا بِالأَسْلِحَةِ الرُّوحِيَّةِ. فَالنَّشَاطُ الاِجْتِمَاعِيُّ يَجِبُ أَنْ يُرَافِقَ التَّعْلِيمَ المُبَاشِرَ لِلإِنْجِيلِ وَيُسَاعِدَهُ
(1) Conference of Christian Workers Among Moslems، N. Y. 1924
وَيُتِمُّهُ
…
فَلْنَبْدَأْ بِالصِّلَاتِ اليَوْمِيَّةِ، تِلْكَ التِي تَتَّصِلُ بِالطِّفْلِ وَبِالمَرْأَةِ ثَمَّ نَتَوَسَّعُ فِي تِلْكَ الصِّلَاتِ حَتَّى نَبْلُغَ إِلَى المَبَادِئِ الوَاسِعَةِ التِي أَقَرَّتْهَا عُصْبَةُ الأُمَمِ .. فَأَمَامَ الكَنِيسَةِ اليَوْمَ مُنَاسَبَاتٌ مُمْتَازَةٌ تُتِيحُ (لِلْمُبَشِّرِ المَسِيحِيِّ) أَنْ يَتَّصِلَ بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ فِي البِيئَةِ (الإِسْلَامِيَّةِ) الرَّاقِيَةِ لَمْ يَكُنْ بِإِمْكَانِهِ مِنْ قَبْلُ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِمْ
…
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَحْنُ نَنْصَحُ بِالسَّيْرِ فِي الأَعْمَالِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ عَلَى الأُسُسِ التَّالِيَةِ: إِيجَادُ بُيُوتٍ لِلْرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَخُصُوصًا الطَّلَبَةُ مِنْهُمْ وَمِنْهُنَّ - إِيجَادُ أَنْدِيَةٍ - الاِعْتِنَاءُ بِالتَّعْلِيمِ الرِّيَاضِيِّ وَأَعْمَالِ التَّرْفِيهِ - حَشْدُ المُتَطَوِّعِينَ لأَمْثَالِ هَذِهِ الأَعْمَالِ.
وَبِمَا أَنَّ " جَمْعِيَّةَ الشُّبَّانِ المَسِيحِيِّينَ " وَ " جَمْعِيَّةَ الشَّابَّاتِ المَسِيحِيَّاتِ " قَدْ نَصَّبَتَا نَفْسَهُمَا لِلْوُصُولِ إِلَى الشَّبَابِ المُسْلِمِ فِي النَّوَاحِي الآنِفَةِ الذِّكْرِ وَفِي غَيْرِهَا أَيْضًا، فَالوَاجِبُ يَقْضِي أَنْ تُشَجَّعَا لِتَتَّسِعَ دَائِرَةُ عَمَلِهَا فَتَشْمَلَ الجَمَاعَاتِ المَسْؤُولَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ وَمِنَ الذِينَ يُرَحِّبُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الجُهُودِ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْطُنُوا، طَبْعًا، إِلَى الغَرَضِ التَّبْشِيرِيِّ).
وَعَلَى المُبَشِّرِينَ أَنْ يَتَعَرَّفُوا إِلَى أَحْوَالِ المُسْلِمِينَ الاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالاِقْتِصَادِيَّةِ حَوْلَهُمْ ثُمَّ يَسْعَوْا إِلَى الإِصْلَاحِ (فِي الظَّاهِرِ)، سَعْيًا إِلَى التَّأْثِيرِ عَلَى الرَّأْيِ العَامِّ (بِأَنَّ غَايَتَهُمْ شَرِيفَةٌ مُجَرَّدَةٌ مِنَ الغَرَضِ التَّبْشِيرِيِّ). وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يَهْتَمَّ المُبَشِّرُونَ بِهِ (فِي الظَّاهِرِ): إِصْلَاحُ الأَحْدَاثِ - الحَيْلُولَةُ دُونَ الزَّوَاجِ البَاكِرِ - الحَيْلُولَةُ دُونَ تَشْغِيلِ الأَطْفَالِ - مُحَاوَلَةُ إِصْلَاحِ الأَحْوَالِ العَامَّةِ لِلْعُمَّالِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِسَاعَاتِ العَمَلِ وَبِالأُجُورِ وَبِالأُمُورِ الصِّحِّيَّةِ فِي المَعَامِلِ - الرِّفْقُ بِالحَيَوَانِ
…
» (ص 34 - 36.
من أجل ذلك نرى في الدرجة الأولى أن الجدران قد امتلأت في بلادنا بالدعوة إلى «الرِّفْقِ بِالحَيَوَانِ» وبجملة «الطِّفْلُ لِلْمَدْرَسَةِ لَا لِلْعَمَلِ» ، وبالدعوة إلى «إِنْصَافِ العُمَّالِ» . ولكننا لا نرى إصلاحًا خفيفًا في هذا السبيل، بل نرى مقابل ذلك «ظُلْمًا لِلإِنْسَانِ» وَ «تَشْرِيدًا لِلأَطْفَالِ» (1) وَ «اِسْتِغْلَالاً لِلْعُمَّالِ» . فالذين يقومون بهذه الدعوات الظاهرة لا يقصدون الإصلاح الحقيقي، بل يقصدون التسلل بالتبشير إلى الجماعات المسلمة.
والمسلمون خاصة لم يتقبلوا أعمال التبشير الاجتماعية (فِي ظَاهِرِهَا) بسرور، لأسباب مختلفة، منها أن الإسلام نظام اجتماعي كامل، وكل ما يأتي به هؤلاء المبشرون، باعترافهم
(1) كتشريد أطفالنا الفلسطينيين من بلادهم وظلمهم في مخيماتهم بإنفاق المال المخصص لهم على موظفين أجانب ووطنيين.