الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتلبس المبشرون بجميع المظاهر، حتى في ثوب المستكشفين الذين ظهروا أمام العالم علماء أعلامًا. فقد كان (دَافِيدْ لِيفِنْغِسْتُونْ)(1813 - 1873) رحالة بريطانيا اخترق أواسط أفريقيا من مرفأ سن بول دي لاوندا في أنغولا البرتغالية شرقًا إلى كيليمان عند مصب نهر زامبيسي في مضيف الموزمبيك تجاه مدغشقر شمال خط العرض العشرين غربًا. على أن (لِيفِنْغِسْتُونْ) كان مبشرًا قبل أن يكون رحالة، ولم تكن رحلته المشهورة في تاريخ الاستكشافات الجغرافية إلا تمهيدًا للبعثات التبشيرية. قال (رُولَانْدْ أَولِيفَرْ) في كتابه " العامل التبشيري في شرق أفريقيا " (1):
«لَقَدْ أَعَدَّ (لِيفِنْغِسْتُونْ) نَفْسَهُ مُنْذُ سَنَوَاتِهِ الأُولَى، حِينَمَا كَانَ يَعْمَلُ فِي " جَمْعِيَّةِ التَّبْشِيرِ اللُّنْدُنِيَّةِ "، لِلاِضْطِلَاعِ بِمَشَاكِلِ التَّبْشِيرِ الخَاصَّةِ بِأَفْرِيقْيَا الإِسْتِوَائِيَّةِ وَبِالعَمَلِ بَيْنَ شُعُوبِ فِطْرِيَّةٍ فِي بِلَادٍ لَمْ تَكُنْ قَدْ سَكَنَهَا الأُورُوبِّيُّونَ .. وَفِي عَامِ 1856 كَانَ (لِيفِنْغِسْتُونْ) لَا يَزَالُ يُفَكِّرُ، بِطَبِيعَةِ الحَالِ، فِي التِّجَارَةِ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِعْمَارِ. وَبِمَا أَنَّهُ كَانَ أَوَّلاً، وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، مُبَشِّرًا مَسِيحِيًّا، فَلَقَدْ اخْتَارَ، كَعُضْوٍ فِي هَذِهِ الحَرَكَةِ (التَّبْشِيرِيَّةِ)، أَنْ يَبْحَثَ عَنْ نَهْرٍ تَسْتَطِيعُ السُّفُنُ أَنْ تَمْخُرَ فِيهِ إِلَى دَاخِلِ البِلَادِ
…
».
لقد أراد (لِيفِنْغِسْتُونْ) أن يستكشف طرقًا في أفريقيا للمبشرين لا للمدنية.
الغَايَةُ تُبَرِّرُ الوَاسِطَةَ عِنْدَهُمْ:
كل هذه الوسائل لَمْ تُجْدِ نَفْعًا كبيرًا ظاهرًا، فظهر في عام 1932 كتاب اسمه " التفكير الجديد في أمر الإرساليات "(2)، أصدرته لجنة المبشرين. لقد رأى هؤلاء أن التبشير يجب أن يستمر، ولكن وسائله يجب أن تتبدل (ص 4 - 5 - 18).
ذلك أنهم رأوا أن العالم يتبدل فأحبوا أن تتبدل خططهم حتى توافق الأحوال الجديدة (3)؛ والمبشرون يفرضون على أنفسهم أن يكونوا مستعدين لأن يقبلوا بأمور تخالف العقيدة المسيحية (4). من ذلك مثلاً أن المسيحية تعتقد أن الله واحد، ولكنها تستطيع أن تتسامح مع أصحاب العقائد التي تُعَدِّدُ اللهَ فتقول تقربًا إليهم بأن الله يتشكل في مظاهر مختلفة (راجع ص 53). وهذا الكتاب يجيز للمبشرين - كي لا ينفروا منهم أبناء الديانات المخالفة للنصرانية - أن يتأولوا التعبير المسيحي «المَسِيحُ ابْنُ اللهِ» .
(1) Missionary Factor in East Africa، 1، 9، 11
(2)
Re-thinking Missions
(3)
Re-thinking Missions، p xi ; Les Jésuites en Syrie 10 : 41 ss
(4)
Levonian، cf. 13، pp. 129 - 136
تأويلاً روحيًا (ص 56).
وكذلك يرى هذا الكتاب أن جميع المبشرين من بلاد رأسمالية، ولكن هذا يجب ألا يمنعهم من تفهم المذاهب الاقتصادية الأخرى كالاشتراكية والشيوعية. وعليهم أن يطعنوا الرأسمالية إذا كان ذلك يفتح لهم قلوب الخاضعين قهرًا لها، حتى إنه ليس ثمت مانع يمنع مصادقة الشيوعيين أيضًا (ص 252 - 254)، وإن كانت الشيوعية عدوة للنصرانية.
من هنا نرى بوضوح أن المبشرين ينصحون لأنفسهم بالتلون في سبيل الوصول إلى قبول بعض الناس. هنالك كتاب اسمه " طرق العمل التبشيري بين المسلمين "(1)، يقول: «لِنَجْعَلَ هَؤُلَاءِ القَوْمِ المُسْلِمِينَ يَقْتَنِعُونَ فِي الدَّرَجَةِ الأُولَى بِأَنَّنَا نُحِبُّهُمْ فَنَكُونَ قَدْ تَعَلَّمْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى قُلُوبِهِمْ
…
يَجِبُ عَلَى المُبَشِّرِ أَنْ يَحْتَرِمَ فِي الظَّاهِرِ جَمِيعَ العَادَاتِ الشَّرْقِيَّةِ وَالإِسْلَامِيَّةِ حَتَّى يَسْتَطِيعَ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى بَثِّ آرَائِهِ بَيْنَ مَنْ يُصْغِي إِلَيْهَا، وَعَلَيْهِ مَثَلاً أَنْ يَتَحَاشَى أَنْ يَقُولَ عَنْ المَسِيحِ إِنَّهُ ابْنُ اللهِ (2) حَتَّى لَا يَنْفَرَ مِنْهُ أُولَئِكَ الذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ هَذَا الإِيمَانَ فَيَسْتَطِيعُ أَنْ يُقَارِبَهُمْ حِينَئِذٍ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ». وأما المحترم (تشارلس واطسون) (3) فيقول (4):«يَجِبُ أَنْ يَظَلُّوا (أَيْ المُبَشِّرُونَ) بُرَءَاءَ كَالحَمَامِ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُهُمْ أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالحَيَّاتِ» .
• • •
ومما يدل على قلة احتفال المبشرين بالمثل العليا الحقيقية وبالأحداث التي تساعد على تقدم المدنية نحو مدى أوسع وأجمل موقفهم من إعلان الحرية العثمانية في تموز عام 1908.
لقد كان إعلان الحرية العثمانية وإعادة الدستور في الإمبراطورية العثمانية كلها حدثًا عظيمًا في تاريخ تركيا نفسها وفي تاريخ العرب، وكذلك كان له تأثير كبير أيضًا في السياسة الدولية.
أما المبشرون فلم يروا في تلك المناسبة الفذة في تاريخ إمبراطورية كالإمبراطورية العثمانية إلا فرصة جديدة لنجاح حركة التبشير. وبعد أن يشير (جسب) إلى هذه المناسبة العظيمة في الإمبراطورية العثمانية، يقول: «إِنَّ القَضِيَّةَ التِي تُوَاجِهُنَا بِطَبِيعَةِ الحَالِ
(1) Methods of Missions Work among Moslems، cf. p 31
(2)
Methods of Missions Work among، pp 45 ff. ، 51 f.، 53
(3)
Rev. Charles R. Watson
(4)
Islam and Missions 192