الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
وكذلك طبقت مدارس المبشرين سياستها الضيقة على كتب التدريس، واعتمدت في أول أمرها كتابًا واحدًا هو التوراة (1). ولما أدركت أن هذا الكتاب وحده لا يكفي ورضيت أن تدرس التاريخ والجغرافية كانت تدرسهما من ناحية صلتهما بالتوراة فقط. ثم أضافت إلى ذلك كله موضوعات مشابهة (2):
الكُتُبُ المَدْرَسِيَّةُ خَاصَّةً وَالطَّعْنُ عَلَى الإِسْلَامِ:
وأخيرًا جاءت العلوم الحديثة، ولم يبق بالإمكان أن تتجاهل المدارس الأجنبية علومًا عظيمة نافعة كالرياضيات والكيمياء والحقوق والاجتماع والاقتصاد والرسم وما شابهها، فلجأت تلك المدارس حينئذٍ إلى سياسة جديدة، إلى سياسة الدس على الإسلام والتاريخ الإسلامي. أليست هذه المدارس مدارس تبشيرية؟ أو ليس هدفها الأول مقاومة العرب والإسلام؟ فلماذا لا تضيف إذن إلى خطتها العمل على تشويه سمعة خصمها؟ وهكذا انحدر التبشير والمبشرون إلى درك في التاريخ والعلم لا يحمدون على الانحدار إليه. فلنستعرض بعض آراء هؤلاء في الكتب التي يقررونها في مدارسهم.
لنأخذ أولاً الكتاب التالي ففيه أسوأ ما يمكن أن يقال، ثم لنفرع منه الآراء المنبثة في غيره من الكتب.
اسم الكتاب الذي أعنيه: " البحث عن الدين الحقيقي "(3)، وهو محاضرات في التعليم الديني، تأليف (المنسنيور كولي). وقد صدر عن اتحاد مؤسسات التعليم المسيحي في باريس (طبعة 1928). هذا الكتاب قد نال رضا (البابا ليون الثالث عشر) في عام 1887 ثم عاش في المدارس المسيحية في الشرق والغرب إلى اليوم يطوي الصدور على الأحقاد نحو العرب والمسلمين، ويستفز شعور المسلمين استفزازًا شديدًا.
جاء على الصفحة 220 من هذا الكتاب ما يلي:
«الإِسْلَامُ - فِي القَرْنِ السَّابِعِ (لِلْمِيلَادِ) - بَرَزَ فِي الشَّرْقِ عَدُوٌّ جَدِيدٌ، ذَلِكَ هُوَ الإِسْلَامُ الذِي أُسِّسَ عَلَى القُوَّةِ وَقَامَ عَلَى أَشَدِّ أَنْوَاعِ التَّعَصُّبِ. لَقَدْ وَضَعَ مُحَمَّدٌ السَّيْفَ فِي أَيْدِي الذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَتَسَاهَلَ فِي أَقْدَسِ قَوَانِينِ الأَخْلَاقِ، ثُمَّ سَمَحَ لأَتْبَاعِهِ بِالفُجُورِ
(1)" العهد القديم " و" العهد الجديد ": أو " التوراة " و" الإنجيل " Bible .
(2)
Jessup 593; Bliss R 334 : Re-Thinking Missions 264
(3)
Rechèrche de la vraie religion ; cf Bibliograhie
وَالسَّلْبِ. وَوَعَدَ الذِينَ يَهْلَكُونَ فِي القِتَالِ بِالاسْتِمْتَاعِ الدَّائِمِ بِالمَلَذَّاتِ. وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَصْبَحَتْ آسِيَا الصُّغْرَى وَأَفْرِيقْيَا وَإِسْبَانْيَا فَرِيسَةً لَهُ، حَتَّىَ إِيطَالِيَا هَدَّدَهَا بِالخَطَرِ، وَتَنَاوَلَ الاجْتِيَاحُ نِصْفَ فِرَنْسَا. لَقَدْ أُصِيبَتْ المَدِنِيَّةُ. وَلَكِنَّ هَيَاجَ هَؤُلَاءِ الأَشْيَاعِ (المُسْلِمِينَ) تَنَاوَلَ فِي الأَكْثَرِ كِلَابِ النَّصَارَى
…
وَلَكِنْ انْظُرْ، هَا هِيَ النَّصْرَانِيَّةُ تَضَعُ بِسَيْفِ شَارْلْ مَارْتَلْ سَدًّا فِي وَجْهِ سِيْرِ الإِسْلَامِ المُنْتَصِرِ عِنْدَ بْوَاتْيِهْ (752 م). ثُمَّ تَعْمَلُ الحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ فِي مَدَى قَرْنَيْنِ تَقْرِيبًا (1099 - 1254 م) فِي سَبِيِلِ الدِّينِ، فَتُدَجِّجَ أُورُوبَا بِالسِّلَاحِ، وَتُنْجِي النَّصْرَانِيَّةَ. وَهَكَذَا تَقَهْقَرَتْ قُوَّةُ الهِلَالَ أَمَامَ رَايَةِ الصَّلِيبِ، وَانْتَصَرَ الإِنْجِيلُ عَلَى القُرْآنِ، وَعَلَى مَا فِيهِ مِنْ قَوَانِيِنِ الأَخْلَاقِ السَّهْلَةِ
…
» (1).
هذا نوع من الكتب التي تؤلف في الغرب عن الشرق، بل إن هذا النوع هو الغالب على أهل الغرب حينما يكتبون عن الشرق العربي أو الشرق المسلم: تعصب ذميم وتشويه للحقائق وإيقاد للأحقاد. ثم هم يأتون بهذه الكتب وَيُدَرِّسُونَهَا في الشرق العربي والشرق المسلم. ويظهر أن هذا الكتاب الذين نحن بصدده يُدَرَّسُ، أو كان يُدَرَّسُ على الأقل، في مدارس الإخوة المسيحية (الفرير)(*) في بيروت وفي جميع المدارس التابعة لهذه الرهبنة في غير بيروت.
هذا النوع من التأليف هو الذي أقلق السلام بين الشرق والغرب منذ أقدم الأزمنة، وهو الذي يهدد السلام كل يوم وخصوصًا في الشرق. وليس بعجيب أن تكون حكومة الانتداب الماضية قد حمت هذا النوع من التأليف وفرضته على البلاد بالقوة. إن قارئ أمثال هذا الكتاب هو أحد ثلاثة نفر: - إما أن يكون من الذين يُسَرُّونَ بمثل هذه الشتائم ليشفي صدرًا حقودًا، وهو خطر على الوطن لأنه يجر عليه أسوأ العواقب.
- وإما أنه رجل من سواد العامة يثار بمثل هذه الأمور فيقابلها حينئذٍ بمثلها، فيرد عليه آخرون قوله ثم تنتهي الحال بفتنة عمياء تأتي على كل شيء، وذلك أيضًا خطر على الوطن.
- وإما أنه رجل عاقل يرى في ثنايا ما يقرأ نفسًا صغيرة وغاية حقيرة فيحتقر صاحبها ثم يوسع حكمه إلى احتقار الذين يرضون عن صاحبها، فإذا هوممتلئ شكوكًا وحذرًا واشمئزازًا من الذين يعيشون معه، وفي ذلك أيضًا خطر على الوحدة الوطنية.
(1) لا تزال أمثال هذا الكتاب تُدَرَّسُ في مدارس الإرساليات الأجنبية في لبنان. وفي كل حين تضطر وزارة المعارف اللبنانية إلى منع كتاب أو أكثر.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) الفرير: كلمة فرنسية Frères وتعني الإخوة (أي الإخوة المسيحيين).