الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال لهم (واصا باشا): «طَمْئِنُوا أَصْدِقَائَكُمْ وَحُكُومَتَكُمْ (الأَمِرِيكِيَّةِ) بِأَنِّي سَأَعْمَلُ مَا فِي وُسْعِي لِحِمَايَتِكُمْ وَحِمَايَةِ عَمَلِكُمْ» . وكذلك كانت سياسة رستم باشا من قبل (1).
فِرَنْسَا خَاصَّةً:
أما فرنسا خاصة فكانت تعتقد أن النفوذين الديني والسياسي في جبل لبنان احتكار لها دون سائر الدول. من أجل ذلك ساءها أن ترى المبشرين البروتستانت يتمتعون بحماية رسمية. وشاء المتصرف داود باشا - وَكَانَ أَرْمِنِيًّا - أن يرضي فرنسا فمتع القسس الموارنة بالحرية لاستئصال شأفة البروتستانتية (2).
وعلى هذا المنوال سارت الحال في جبل لبنان حتى نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914، فرأت الدولة العثمانية في نظام المصرفية خطرًا على إمبراطوريتها فألغته. وهكذا سكنت حركة التبشير لتنبعث بعد أربعة أعوام من جديد بقوة واتساع، حينما احتل الإنجليز والفرنسيون سورية وقلصوا ظل الدولة العثمانية عن شرق البحر الأبيض المتوسط كله.
على أن هذا الاحتلال الثنائي لم يطل كثيرًا، بل انسحب الإنجليز إلى جنوبي سورية (فلسطين وشرق الأردن) وظل الفرنسيون في الشمال (سورية ولبنان). وهكذا صال المبشرون اليسوعيون في منطقة الانتداب الفرنسي صولة شديدة ثم جعلوا - بعد أن كانوا يلمحون - يصرحون ويلوحون. فمن أقوالهم:
لما فتحت الهدنة عام 1918 للمبشرين طريق سورية من جديد، وطد أولئك المبشرون أقدامهم في حوران، وفوضهم الأساقفة الكاثوليكيون بما كانوا قد أجبروا على تركه عام 1914 (3).
وأشد تلويحًا قولهم: «أَيُّهَا المُبَشِّرُونَ، هَذِهِ فُرَصٌ لَمْ تُسْنَحْ لَكُمْ مِنْ قَبْلُ» (4).
ولم تكن الدولة الفرنسية المنتدبة وحدها عونًا لليسوعيين على تنصير غير النصارى، بل إن الحكومة المحلية - التي لم تكن إلا وجهًا آخر لدولة الانتداب - كانت تساعد في ذلك. يقول اليسوعيون أنفسهم (5):
(1) Jessup 532
(2)
Jessup 250
(3)
Les Jésuites en Syrie 10 : 64
(4)
ibid 11 : 26
(5)
ibid 10 : 66
• • •
كان اليسوعيون يتبجحون بهذه الأقوال عام 1930، حينما كان ظلم الفرنسيين المخيم على بلادنا فِي أَوْجِهِ، وحينما كانت فرنسا تظن أن دولتهم لن تدول. وهكذا كشفت فرنسا القناع عن وجهها في السياسة الاستعمارية: لقد أرادات الإدارة الفرنسية أن تقوم بحركة تنصير واسعة في البلاد مستعينة باليسوعيين، فاختارت بلاد العلويين حول اللاذقية.
يشهد اليسوعيون (1) أن فرنسا أرادت، بعد عهد من الاستعباد والجهل غطى بلاد العلويين، أن توجد للعلويين دستورًا محررًا (لانتزاع العلويين من الإسلام وإدخالهم في النصرانية)، على شرط أن يساعد هذا الدستور على تحقيق ذلك بلا ضجة. لذلك أصدر (المسيو شوفلر)، جلاد بلاد العلويين، مرسومًا بتاريخ (2 أيار 1931 وتحت رقم 2908) يجعل الانتقال من المذهب الكاثوليكي يجري في المحكمة العادية من غير حاجة إلى الإجراءات المعقدة!.
ويجمل أنيس صايغ في كتابه " لبنان الطائفي " تدخل فرنسا في لبنان خاصة واستغلال السياسة والتجارة والعلم والطائفية في سبيل مصالحها هي، مع الإشارة إلى المنافسة الشديدة في هذا الشأن بينها وبين إنجلترا خاصة، قال (2):
«إِلَاّ أَنَّ التَّدَخُّلَ الأَجْنَبِيَّ فِي شُؤُونِ لُبْنَانَ، بِالمَفْهُومِ الاِسْتِعْمَارِيِّ الحَدِيثِ، لَمْ يَبْدَأْ إلَاّ فِي القَرْنِ المَاضِي. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الحَوادِثُ التِي ذَكَرْنَاهَا إلَاّ مُقَدِّمَاتٍ لِلاِسْتِعْمَارِ الحَقِيقِيِّ الذِي عَرَفَهُ لُبْنَانُ فِي القَرْنَيْنِ الأَخِيرَيْنِ، إِذْ أَصْبَحَتْ سُورِيَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ، ضِمْنَ مُمْتَلَكَاتِ الإِمْبْرَاطُورِيَّةِ العُثْمَانِيَّةِ، مَطْمَعَ دُوَلِ أُورُوبَا المُتَنَازِعَةِ فِيمَا بَيْنَهَا، وَالسَّاعِيَةِ إِلَى تَوْسِيعِ مُمْتَلَكَاتِهَا وَمَنَاطِقَ نُفُوذِهَا عَلَى حِسَابِ بَعْضِهَا بَعْضًا
…
».
(1) Les Jésuites en Syrie 10 : 37
(2)
ص 93، 94، 106، [107]، 108، 109.
«وجد هؤلاء الاستعماريون أن الخطوة الأولى في سبيل السيطرة على لبنان تستوجب استثمار الطائفية فيه - في إثارة طائفة على أخرى، وفي رعاية طائفة ضد أخرى. لذلك غذى هؤلاء الطائفية ونموها وتعهدوها بأموالهم ودهائهم، بحيث أخذت الطائفية مفهومًا جديدًا، وأصبحت، لدى الكثيرين، مجرد وليدة لهذه التغذية الاستعمارية الآثمة. وأخذ رجال الحكومات الأجنبية، من وزراء وقناصل وعمال مأجورين، الدور الذي كان لرجال الإقطاع في العصور الوسطى
…
دور التستر وراء قناع الطائفية، لتحقيق الأطماع الجزئية.
بدأت هذه المرحلة في القرن التاسع عشر. وقد بزغ هذا القرن أثناء ولاية الأمير بشير الثاني، الملقب بـ " الكبير ". وقد اعتمد الأمير المذكور على الطائفية، كوسيلة للمحافظة على نفوذه في الشعب، أكثر من أي لبناني آخر. وحفل عصره بالمؤامرات الطائفية، العلنية والخفية، التي كان هو يحيكها، لوحده، أو بتعاونه مع الدول الأجنبية، ليلهي الشعب عن الثورة عليه، ويؤمن لسيادته الامتداد الذي يريده.
وكانت فرنسا تعتبر نفسها حامية المسيحيين في الشرق، وخاصة الموارنة في لبنان، بمقدار ما كان المورانة يعتبرونها صديقتهم الكبيرة الأولى. فقد جرت التقاليد في البلدين على اعتبار الصداقة المارونية والفرنسية في غاية العراقة، تدعمها القرون الطويلة، وتجعل فرنسا لا تقبل منافسة دولة أخرى في هذه الصداقة، وتجعل الموارنة لا يقبلون منافسة طائفة أخرى في الولاء لفرنسا.
ودعمت فرنسا هذه العلاقة السياسية المتسترة بثوب ديني بتعهد العلاقات التجارية والإرساليات التبشيرية بين لبنان وفرنسا. فقد ضاعفت فرنسا عنايتها بأمور التجارة، وأرسلت القناصل وأسست المكاتب والمراكز الثابتة لتسهيل أمورها. وكانت فرنسا منذ 1520 قد حاولت ضم لبنان إليها بالقوة، للحصول على ثروته وكنوزه، حينما أرسلت أسطولاً يتألف من خمس عشرة سفينة إلى سواحل لبنان، إلا أن مسلمي ودروز السواحل هاجموا الجنود الفرنسيين وطردوهم
…
أما التبشير فكان الميدان الأوسع لإنماء العلاقات الطائفية
…
وبدأت الإرساليات تفد إلى لبنان منذ القرن الثالث عشر
…
ورعى ملك فرنسا بنفسه شؤون التبشير، في ذلك القرن، واهتم ببناء الكنائس. وبدأت فرنسا تستقبل رجال الدين اللبنانيين وتعلمهم في