الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء الأمير بشير الثالث، أو بشير بن ملحم، إلا أنه كان حاكمًا ضعيفًا فزاد الاضطراب وعمت الفوضى في الجبل. ثم إن الدول الأجنبية لم تعجز عن قسمة أهل لبنان قسمين: تعلق الموارنة منهم بفرنسا، واستعمال الإنجليز الدروز (1). ومن قبل فتنة عام 1860 كان الفرنسيون فعلاً يساعدون الموارنة، أما الإنجليز فكانوا يساعدون الدروز (2). ونشبت اضطرابات بدائية بين الدروز والنصارى، ولكنها كانت اضطرابا إقطاعية (3) في سبيل حكم جبل لبنان، إذ جعلت فروع آل شهاب تتنازع الحكم عليه. وعز على آل نكد أن يخسروا امتيازاتهم فاشتركوا في هذا النزاع.
وحاولت حكومة استانبول أن تقرب وجهات النظر بين الإقطاعيين المتنازعين فلم تستطع، فعزلت الأمير بشير الثالث لسوء سياسته وعينت مكانه عمر باشا النمساوي فاحتج أصحاب الإقطاعات - لأن الأمر خرج من يدهم بالكلية ومن يد خصومهم أيضًا - واحتجت الدول الأوروبية كذلك وطلبت إعادة الإمارة إلى آل شهاب، لَا حُبًّا بآل شِهَابٍ ولكن انتهازًا للتدخل في شؤون البلاد العربية. ومع أن الدولة العثمانية لم تقبل بإعادة آل شهاب إلى الحكم فإنها نزلت عند رغبة الدول الأوروبية وضغطها فسحبت عمر باشا من جبل لبنان.
تَقْسِيمُ جَبَلِ لُبْنَانْ فِي القَرْنِ المَاضِي وَتَقْسِيمُ فِلِسْطِينَ اليَوْمَ:
وبلغ اهتمام أوروبا بجبل لبنان أن الأمير (مترنخ) مستشار النمسا وأعظم شخصية سياسية في القرن التاسع عشر، أبدى اهتمامًا كبيرًا بشكل الحكم الذي يجب أن يطبق على جبل لبنان. غير أن تدخل (مترنخ) كان لمصلحة الدول الأجنبية ولم يكن لمصلحة الدولة العثمانية ولا لمصلحة جبل لبنان نفسه. لقد اقترح (مترنخ) أن يقسم جبل لبنان قائمقاميتين إحداهما إسلامية والثانية مسيحية. فاضطرت الدولة العثمانية إلى قبول هذا الاقتراح، وقسمت لبنان قسمين جنوبيًا وشماليًا تفصل بينهما الطريق الممتدة من بيروت إلى دمشق.
(1) cf. Lammens، La Syrie. II 164s، 17 Iss
(2)
Penrose 3
(3)
إذا أراد القارئ أن يتفهم كثيرًا من أسباب النزاع في هذا العهد فإنه يحسن به الرجوع إلى كتاب " الحركات في لبنان إلى عهد المتصرفية " رواية حسين غضبان أبي شقرا وتأليف خطار أبي شقرا، نشر عارف أبو شقرا (بيروت 1952).
ولقد جُعِلَتْ القَائِمْقَامِيَّةُ الجَنُوبِيَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ تحت حكم الأمير أحمد أرسلان ومركزه بيت الدين. أما القائمقامية الشمالية المسيحية فوضعت تحت حكم الأمير حيدر إسماعيل أبي اللمع وجعل مركزه في بكفيا. وأما دير القمر، مصدر القلاقل الصحيح، فوضعت تحت إدراة متسلم تركي. ولا ريب في أن قسمة جبل لبنان على هذا الشكل لم يكن يراد بها خير لبنان ولا تسهيل إدارته، بل كان الاستعمار يريد منها غاية ذكرها أنيس صايغ في كتابه " لبنان الطائفي "، قال (1):«وَقُسِّمَ لُبْنَانُ (بَعْدَ إِعْلَانِ المُتَصَرِّفِيَّةِ) إِلَى مُدِيرِيَّاتٍ وَقَائِمْقَامِيَّاتٍ، تَجْتَمِعُ كُلُّهَا فِي لُبْنَانٍ مُوَحَّدٍ .. إِلَاّ أَنَّ حُدُودَ لُبْنَانَ تَقَلَّصَتْ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلاً. فَقَدْ سُلِخَ عَنْهُ إِقْلِيمُ وَادِي التَّيْمِ وَبَيْرُوتَ وَصَيْدَا وَطَرَابُلْسَ وَالبِقَاعَ وَعَكَّارَ وَمُعْظَمُهَا مَنَاطِقُ إِسْلَامِيَّةٌ. وَاِنْحَصَرَ لُبْنَانُ الجَديدُ فِي ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ لُبْنَانَ القَدِيمِ. وَقَدْ أَرَادَتْ الدُّوَلُ مِنْ ذَلِكَ المَشْرُوعِ جَعْلَ لُبْنَانَ بَلَدًا مَسِيحِيًّا، غَيْرَ مُهْتَمَّةٍ لِلْخَسَائِرِ الاِقْتِصَادِيَّةِ التِي تَنْجُمُ عَنْ سَلْخِ هَذِهِ المَنَاطِقِ» .
والغريب أن الاستعمار عاد بعد نحو قرن كامل من الزمن إلى هذه النغمة الشاذة واستأجر عمالاً وأذنابًا يكتبون في هذه الدعوة تلميحًا ويبثون فيها الكلام سِرًّا ولكن صريحًا. ومع العلم بأن مثل هذه الدعوة لا يمكن أن تنجح اليوم عمليًا ولا نظريًا، فإن الذين يستخدمهم المستعمرون في الترويج لها ليسوا قليلين. ومن المؤسف أن يكون بعض اللبنانيين قد طالب بتأسيس دولة صهيونية في فلسطين ودولة مسيحية في لبنان منذ عام 1935، ثم في عام 1945 على الأخص (2)، قبل أن تولد دولة إسرائيل مما يدل على أن هذه الدعوة جاءت من الخارج. ولم يكتف الاستعمار بهذه الدعوة في لبنان نفسه، بل أراد أن يكسوها لباسًا دوليًا فاستكتب فردًا من أولئك [الذين] لا يحترمون رأيًا إلا إذا جاء من أجنبي وجاء معه مبلغ من المال - وهؤلاء قليلون جدًا والحمد لله - كتابًا اسمه " لبنان وطن قومي للنصارى في الشرق الأدنى "(3). قيل إن هذا الكتاب طبع بلغات متعددة ووزع على رجال السلك السياسي في لبنان وفي خارج لبنان، كما وزع أيضًا في البلاد التي يكثر فيها المهاجرون من
(1) ص 125.
(2)
راجع " لبنان الطائفي ": ص 161.
(3)
S. O. S، The Lebanon، the Christian National Home of the Near East، 39 pages. No place of printing and no date
من لبنان -. وكان التوزيع لهذا الكتاب سِرًّا وَمَجَّانًا بِالطَّبْعِ. غير أنني لم أر من هذا الكتاب إلا نسخة عربية ونسخة إنجليزية (1). ويقال إنه طبع باللغات الفرنسية والإسبانية والبرتغالية أيضًا.
هذه النغمة، نغمة التقسيم، لم تمت، ولا يزال المستعمر يحاولها مرة بعد مرة. ما تقسيم فلسطين إلا ذيلاً من ذيول تلك السياسة.
لقد قدرت أوروبا بعد قرن واحد أن تعود إلى السياسة نفسها في شأن فلسطين: لقد قسمتها - ظلمًا وعدوانًا - فأعطت الشرق والشمال للعرب، وأعطت الغرب والجنوب لليهود وأرادت تدويل القدس بوضعها تحت حكم حاكم أجنبي (2). وقضية القدس لم تنته بعد بل هي ثائرة إلى اليوم. ولا ريب عندنا أبدًا في أن مشكلة فلسطين لم تولد حُبًّا باليهود، ولا بالعرب طبعًا، وإنما هي مصالح الدول الكبرى تفعل فعلها دائمًا في فلسطين وفي الصين، وفي كل مكان تكون القوة فيه حَكَمًا بين المتناظرين.
• • •
لقد عرفنا كيف أوقظ جبل لبنان في القرن التاسع عشر إلى النعرة الطائفية: إن السياسة الاستعمارية هي التي لعبت دورها يومذاك ووضعت في لبنان خَطًّا فَاصِلاً ظَاهِرًا وَرَسْمِيًّا بَيْنَ النَّصَارَى وَالمُسْلِمِينَ، ثم حملت البلاد مشاكل كانت البلاد في غنى عنها. ولقد انتقد جميع الحكام والمؤرخين، فيما بعد، قسمة جبل لبنان قسمين: مسيحيًا ومسلمًا، ولم يكن الأمير (مترنخ) منظم مؤتمر فْيِينَّا والقاضي على خطط نابليون وعلى نتائج الثورة الفرنسية وحافظ الملوك على عروشهم في أوروبا بالغافل عن وجه الصواب والخطأ، ولكن السياسة الاستعمارية هي التي أوحت إليه بما اقترح.
وبعد أن كانت الاضطرابات إقطاعية أصبحت دينية وأصبح حلها غير ممكن. إن حل هذه المشاكل لم يبق معتمدًا على تراضي سكان جبل لبنان وحدهم، بل كان خاضعًا إلى حد كبير لرضى الدول الأوروبية. أما رضى الدول الأجنبية فقد كان عسيرًا، لأنها لم تكن تريد حل المشكلة بل كانت تريد دوام الاضطراب في الإمبراطورية العثمانية ليتسنى لها التدخل كلما شاءت.
ولقد صدق ظن المخلصين، فإن الأحقاد قد غذيت بهذا التقسيم وبعثت به في جبل لبنان الأضغان. ثم ما زالت الفوضى تعم والدسائس تنمو حتى انفجرت الصدور في عام 1845 «فِي كِسْرَوَانَ حَيْثُ تَأَلَّبَ الأَهْلُونَ وَاجْتَمَعَتْ الغَوْغَاءُ حَامِلِينَ السِّلَاحَ بِرِئَاسَةِ
(1) الحاشية 3 على الصفحة السابقة.
(2)
التقسيم الذي اقترحته هيأة الأمم.
زَعِيمِهِمْ (طَانْيُوسْ شَاهِينْ) وَتَهَدَّدُوا المَشَايِخَ (1) بِسُوءِ العَاقِبَةِ. وَكَانَ بَدْءُ الإِسَاءَاتِ فِي " ذَوْقِ مَكَايِلْ "(قُرْبَ " جُونِيَّةَ ") لِكَوْنِهَا مَرْكَزَ الاِئْتِمَارِ وَالشَّغَبِ فِي الشَّعْبِ فَحَدَثَ مَا سَاءَ وَلَمْ يَخْلُ عَنْ إِرَاقَةِ الدِّمَاءَ. ثَمَّ اِنْدَفَعَتْ العَامَّةُ المُتَجَمْهِرَةُ عَلَى أَمْوَالِ المَشَايِخِ وَأَمْلَاكِهِمْ نَهْبًا وَغَصْبًا، فَفَرَّ الخَازِنِيُّونَ (2) لَاجِئِينِ إِلَى مَدِينَةِ بَيْرُوتَ .. ثُمَّ اِمْتَدَّتْ الثَّوْرَةُ مِنْ " كِسْرَوَانَ " إِلَى " المَتْنِ "(شَمَالِيَّ طَرِيقِ بَيْرُوتَ - دِمَشْقَ مُبَاشَرَةً) وَالمَحَلَاّتِ المُخْتَلِفَةِ. وَلَرُبَّمَا كَانَ لِلإِكْلِيرُوسْ فِي أَوَّلِ الأَمْرِ ضِلْعٌ مَعَ الأَهَالِي» (3).
على أن الفتن التي أخذت تطل برأسها أو تنفجر منذ عام 1840 لم تكن كافية لتبرر التدخل الأجنبي، لقد كانت فتنًا قطاعية في الأغلب، ودينية بالعرض. ثم إنها كانت قاصرة على أقسام خاصة من الجبل يثور فيها المسيحي على المسيحي أو الدرزي على الدرزي.
وأخيرًا أفلح الظالمون فأثاروا فتنة عام 1860 وقسموا السكان قسمين واضحين: مسلمين ونصارى، فبردت بذلك بعض الصدور وأسرعت الدول الغربية ترسل جيوشها وأساطيلها إلى شواطئ بلادنا لحماية
…
النصارى. ولو فرضنا أن فرنسا وحدها أرادت حماية النصارى لكان ذلك معقولاً، إذ يقال إن السلاح استقر في أيدي الموارنة من أيد فرنسية. ولكن إنجلترا التي قدمت فيما قيل أيضًا السلاح إلى الدروز وقد ادعت الآن حماية النصارى.
وبعد أن وقعت الواقعة وهدرت الدماء البريئة من الطرفين ولطخ تاريخ وطننا بالسوء ووصمنا كلنا بالتعصب وقف المبشرون يعبرون عن رأيهم في النار التي أججوها وألقونا فيها وقودًا.
يزين (جان بيانكي) الفرنسي، وهو قسيس بروتستانتي ورئيس شرف لجمعية المبشرين البروتستانت في باريس وأستاذ اللغة الفرنسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، القول فيعرف هذه الفتنة بأنها «مَذْبَحَةٌ» قام بها الدروز لقتل النصارى الأرثوذكس والموارنة (4).
ولقد غاب عن بال (جان بيانكي) الفرنسي أن «مذبحة حقيقية» قد هيئت من قبل في وطنه فرنسا، وإنها كانت أيضًا في ظاهرها دينية وفي باطنها سياسية إلى أبعد مرامي
(1) المشايخ هنا رؤساء الإقطاع، وقد كان من المشايخ دروز ونصارى على السواء.
(2)
آل الخازن نصارى.
(3)
راجع " لبنان "، تأليف لجنة من الأدباء، بيروت، المطبعة الأدبية سنة 1334 هـ. الصفحات 298 - 301. ثم " ثورة وفتنة في لبنان "، تأليف أنطوان العقيقي، نشره يوسف يزبك (بيروت 1936)، ثم " الحركات في لبنان " لعارف أبي شقرا.
(4)
Bianquis 6، 27
السياسة. تلك هي مذبحة القديس (بارثليميو) التي نفذت ليلة عيد هذا القديس (في 23 آب 1572) وذهب في نارها ألفان من الهوغونت (1) البروتستانت في باريس وحدها ونحو عشرة آلاف آخرون في فرنسا خارج باريس (2).
ويرى المبشر الأمريكي (هنري هاريس جسب) هذه الفتنة إعلانًا ناجحًا، فلقد «اِضْطَرَبَتْ لَهَا أُورُوبَا وَأَمَرِيكَا، وَأَصْبَحَ لُبْنَانُ بِهَا مَعْرُوفًا فِي العَالَمِ الغَرْبِيِّ فَأَمْكَنَ أَنْ تُجْمَعَ الإِعَانَاتُ بِاسْمِهِ وَالتَّبْشِيرِ فِيهِ» (3).
أما (يوليوس رشتر) الألماني فقد أجرى في أول الأمر الدموع على خديه وقال: «إِنَّ هَذِهِ المَذْبَحَةَ الجَدِيدَةَ قَدْ أَثَارَتْ رَحْمَةً قَوِيَّةً فِي العَالَمِ المَسِيحِيِّ» . ولكنه يعود فيمسح هذه الدموع من وجهه وعينيه ليتبدل بها ابتسامة اطمئنان ويقول: «وَعَنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ بَدَأَ فِي عَامِ 1860 فَصْلٌ جَدِيدٌ فِي تَارِيخِ الجُهُودِ البْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ فِي الشَّرْقِ الأَدْنَى» (4).
ولم يحدث قبل مذابح الأرمن عام 1895 و 1896 حادث حفز الإرساليات البروتستانتية المختلفة إلى التكاتف في سبيل تنصير هذا القسم من العالم كحادث سنة 1860. لقد كان هذا الحادث فريدًا إلى درجة أن المبشرين والرهبان لم يكتفوا بأن أثاروه ثم وقفوا يتفرجون به، بل إن منهم من اشترك فيه، فإن الراهب اليسوعي (فرديناندو بوناشيتا) قتل عام 1860 في اضطرابات مدينة زحلة بعد أن قتل سبعة من الدروز (5).
ويختلف المبشرون في نسبة التبعة إلى المقاتلين. إن (رشتر) مثلاً يرى أن الذنب كان على الموارنة: «لَقَدْ كَانَ المَوَارِنَةُ مَرَّةً ثَانِيَةً مُخْطِئِينَ فَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ الهَزَائِمِ التِي مُنُوا بِهَا فِي عَامِ 1842 و 1845، فَإِنَّهُمْ ظَلُّوا تَوَّاقِينَ إِلَى إِذْلَالِ جِيرَانِهِمْ. وَمِنْ غَيْرِ سَبَبٍ سَقَطَ المَوَارِنَةُ عَامَ 1860 عَلَى بِضْعِ قُرَى دُرْزِيَّةٍ. وَلَكِنَّ الدُّرُوزَ نَهَضُوا إِلَيْهِمْ نَهْضَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ» (6).
أما (دانيال بلس) فيرى أن التبعة تقع على أكتاف المسلمين، قال (7): «وَلَقَدْ بَقِينَا حِينًا (بَعْدَ الفِتْنَةِ) نَخْشَى هُجُومًا عَلَى مَدِينَةِ بَيْرُوتْ، إِذْ قِيلَ إِنَّ اتِّفَاقًا عُقِدَ بَيْنَ دُرُوزِ الجَبَلِ وَبَيْنَ قِسْمٍ مِنَ النَّوْعِ السَّافِلِ فِي المُسْلِمِينَ لمُهَاجَمَةِ المَدِينَةِ فِي لَيْلَةٍ مَا
…
ثُمَّ إِنَّ جَمِيعَ السُّكَّانِ
(1) Huguenots
(2)
A General Hist. of Europe، by Robinson، breasted and Smith، Boston Etc. 1921. p. 336
(3)
Jessup 215
(4)
Richter 201 ff
(5)
Les Jésuites en Syrie 12 : 17، 18
(6)
Richter 198
(7)
Bliss 153، 154
المُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ السَّافِلِ كَانُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ يُلَوِّحُونَ بِعِصِيِّهِمْ وَنَبَابِيتِهِمْ
…
» (1).
مع العلم بأن بعضهم خاضها وأبلى فيها البلاء الحسن كالراهب (بوناشيتا) مثلاً.
هذه نماذج من آراء المبشرين في فتنة سنة الستين ومن نياتهم المبيتة وأعمالهم أيضًا.
أما الإحسان الذي أسدوه إلى المنكوبين فهو في فصل الإحسان من هذا الكتاب.
ولكن ماذا يهمنا الآن من حمل التبعة على الموارنة أو على الدروز؟ إن هذه «الفِتْنَةَ الدِّينِيَّةَ» كانت نقمة على لبنان، ولكنها حققت للدول الأجنبية هدفًا عظيمًا. أجل، قد لا يكون لهذه الفتنة صلة بالدين، ولكن كان لها بلا ريب صلة بالسياسة: لقد «اِنْعَقَدَ فِي بَيْرُوتْ مُؤْتَمَرٌ دَوْلِيٌّ حَضَرَهُ المُفَوِّضُ السُّلْطَانِيُّ مَعَ خَمْسَةٍ مِنْ وُكَلَاءِ الدُّوَلِ وَمُفَوِّضِيهِمْ، أَعْنِي دَوْلَةَ إِنْجْلِتْرَا وَفِرَنْسَا وَرُوسْيَا وَالنِّمْسَا وَبْرُوسِيَةَ
…
وَقَرًّرُوا أَنْ تَكُونَ إِدَارَةُ الجَبَلِ بِوَاسِطَةِ مُتَصَرِّفٍ مَسِيحِيٍّ مِنْ طَرَفِ الدَّوْلَةِ العَلِيَّةِ بِرِضَا الدُّوَلِ» (3). هذا المتصرف (الحاكم) يجب أن يكون نصرانيًا أوروبيًا ومن أتباع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، لا وطنيًا سوريًا مسلمًا أو مسيحيًا (4).
(1) Bliss 152، 154
(2)
Les Jésuites en Syrie 11 : 13
(3)
" لبنان "، تأليف لجنة من الأدباء: ص 291 - 302.
(4)
Jessup 210