الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (1).
- {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (2).
ومع أننا لسنا هنا في مجال حِجَاجٍ فِقْهِيٍّ لا فائدة منه، فإننا لا نريد أن يقول المبشرون والمستعمرون بعلمهم أو بأهوائهم ما يضر بالدين والقومية والوطن ثم نظل ساكتين لا نقول كلمة حق في وجه جاهل أو ظالم.
ولقد تبنى المبشرون الفرنسيون خاصة هذه الطريقة، ثم أكثر من الكلام فيها المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون)، الذي يقف علمه واستشراقه على التبشير الديني للوصول إلى أهداف استعمارية، شأن العدد الأكبر من المبشرين المتزيين بكل زي والمتلبسين بكل لباس.
ويرى المبشرون أن يتوجهوا بالكتب إلى طبقتين من المسلمين على الأخص: إلى طلبة الأزهر في مصر، على اعتبار أن الأزهر معقل الإسلام، وأن الصابئ الأزهري - إذا اتفق ذلك - يَكُونُ عَوْنًا لِلْمُبَشِّرِينَ عَلَى زِيَادَةِ التَّغَلْغُلِ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ. وعلى كل فالتبشير بين الأزهريين لا يزال تجربة فقط، وإن كان المبشرون ينتظرون أن يتسع وأن يقوم في الدرجة الأولى على الجدال والوعظ (3).
وأما الطبقة الثانية التي يحب المبشرون أن يصلوا إليها بكتبهم الدينية فهي طبقة النساء. إنهم يزعمون أن المرأة المسلمة محجوبة (عن المجتمع والعلم
…
) فيجب أن توضع لها كتب تتفق مع حالها وعقليتها ودرجة تفكيرها (4).
الصَّحَافَةُ خَاصَّةٌ:
منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى والمبشرون يسعون إلى استغلال الصحافة استغلالاً واسعًا في سبيل التبشير. إنهم يرون أن المسلمين يكثرون من قراءة الصحف، ولكنهم يرون أيضًا أن «المَادَّةَ المَسِيحِيَّةَ» قَلَّ أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهَا القُرَّاءُ، وَقَلَّ أَنْ يَفْسَحَ لها الصحفيون مكانًا في صدر صحفهم إلا إذا عُدت في باب الاعلانات ودفع المبشرون عنها أجرًا بعدد
(1)[آل عمران: 59، 60]. المُمْتَرِينَ: الشَّاكِّينَ. امْتَرَى: شَكَّ.
(2)
[البقرة: 37].
(3)
Gairdner 274 f
(4)
Methods of Missions 85 f
سطورها (1).
إن الصحافة لا توجه الرأي العام فقط أو تهيئه لقبول ما تنشر عليه، بل هي تخلق الرأي العام. ويعلن المبشرون أنهم استغلوا الصحافة المصرية على الأخص للتعبير عن الآراء المسيحية، أكثر مما استطاعوا في أي بلد إسلامي آخر. لقد ظهرت مقالات كثيرة في عدد من الصحف المصرية، إما مأجورة في أكثر الأحيان، أو بلا أجرة في أحوال نادرة (2).
على أن المبشرين أنشأوا في العالم صحفًا يومية وأسبوعية خاصة بهم، فهنالك " بَشَائِرُ السَّلَامِ " و" الشَّرْقُ وَالغَرْبُ " في مصر. ثم هنالك النشرة الأسبوعية التي أنشأها البروتستانت في بيروت وظلت تصدر حتى إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم وقفوها عن الصدور لأنه أصبح من المتعذر عليهم أداء رسالتهم التي نذروا أنفسهم لها، كما قالوا هم.
• • •
ونحن سنتناول هنا الكلام موجزًا على جريدة " البَشِيرِ ". وللقارئ أن يجعل هذه الجريدة نموذجًا لجميع الصحف التبشيرية:
كانت المنافسة شديدة بين البروتستانت والكاثوليك، فلما انتقل مركز التبشير البروتستانتي من بلدة " عبيه "(في الشوف، بلبنان) إلى بيروت نقل اليسوعيون مركز نشاطهم عن " غزير "(في شمالي لبنان) إلى بيروت أيضًا. ولقد كانت الصحافة هي المظهر الأول للمنافسة بين الخصمين المتفقين على الإسلام. ويظهر أن ثلاث صحف من الصحف التبشيرية الأربع التي كانت تصدر في بيروت عام 1870 كانت بروتستانتية، وهنالك صحيفة واحدة فقط كانت كاثوليكية (3).
كانت جريدة " البَشِيرِ " جريدة دينية في المقام الأول تقدم من مقام الشرف من صدرها أخبار رومية والبابوية. أما العمل الرئيسي لجريدة " البَشِيرِ " فظاهر إلى حد كبير في ردودها غير المتراخية على أعداء البابوية وأعداء توحيد الإيمان الكاثوليكي (4). ولقد كانت رومية دائمًا نَصْبَ عَيْنَيْ " البَشِيرِ " وهو يتابع عمله الديني والتمديني (كَذَا). أما الآن، بعد أن كثر أعداؤه، فإن نار ردوده قد بردت قليلاً ولكنها لم تنطفئ (5).
(1) cf. Christian Litterature 257 ff، Cash 89
(2)
cf. Cash 89 ; Christian Litterature 259 f
(3)
Les Jésuites en Syrie 5 : 8
(4)
ibid. 6 : 28
(5)
ibid. 6 : 30