الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الطلاق بالثلاث
18 -
حكم الطلاق بالثلاث بألفاظ متعددة
س: أنا رجل متزوج، وقبل سبع سنوات تقريبًا، طلقت زوجتي طلقتين بسبب خلافٍ بينها وبين أهلي، وكنت في ذلك الوقت خارج البلاد، ووقع الطلاق بخطاب بعثته من صورتين، بشهادة اثنين من أصدقائي، صورة للزوجة وصورة لوالدي، وبعد ذلك عدت إلى البلاد وعلمت أن صورة الخطاب لم تصل إليها، ولم تعرف شيئًا عن ذلك الطلاق، وبعد استشارة بعض الناس عندنا، قيل لي: يمكن إرجاعها بعقد جديد، وتمَّ ذلك، وبعد أربع سنوات حصل خلاف مرة أخرى، وأمام قاضي المحكمة الشرعية، طلقتها طلقة واحدة، والآن بعد مرور سنتين أريد إرجاعها خوفًا على مستقبل أطفالي، فهل يجوز لي ذلك أم لا؟ (1)
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (53).
ج: ما دام الطلاق الأول طلقتين، وهذه الثالثة انتهى، ما بقي شيء؛ لأنه عندما طلّقها الثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره، ما دام طلقها طلقتين، ما بقي له إلا واحدة، فإذا تزوجها زواج رغبة، ودخل بها الدخول الشرعي، وجامعها ثم طلقها، أو مات عنها، حلّت له بعقد جديد ومهر جديد.
س: سؤال من المستمع: م. ج. من الرياض يقول: حصل بيني وبين زوجتي ذات يوم خلاف، وغضبت غضبًا شديدًا وطلقتها بالثلاث، كل طلقة لوحدها، بأن قلت: طالق ثم طالق ثم طالق، وقد أتتها العادة الشهرية في ذلك اليوم بعد الطلاق، وقد استفتيت أحد العلماء فأفتاني بجواز رجوعها، فاسترجعتها بأن أشهدت شاهدين، وبعد مرور عام منعتها من أن تذهب إلى أحد الجيران، فلم تمتنع وجاءتني وأنا غاضب، وطلقتها طلقتين، وأريد الآن أن أسترجعها مرة أخرى، وقد سمعت بأن طلاقي الأول لا يجوز أن أسترجعها بعده، فما هو الحكم الصحيح في هذا الموضوع؟ أفيدوني بارك الله فيكم (1)
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (55).
ج: الطلاق الأول فيه تفصيل، فإن كان في طهر جامعتها فيه، فالصحيح أنه لا يقع لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«راجعها» (1) وبيّن له أن الطلاق الشرعيّ أن يطلقها في أول عدتها طاهرًا أو حاملاً؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، قال العلماء: معنى ذلك أن يطلقوهن طاهرات من غير جماع، فإذا كان الطلاق وقع في طهر لم يجامعها فيه، وكان الغضب ليس بشديد فقد وقع الطلاق، والرجعة لا محل لها، والذي أفتاه بذلك فقد أفتاه بغير صواب، أما إن كان الطلاق وقع في شدة غضب، بأن كان بينهما خصام شديد، حتى استحكم عليه الغضب، واشتد به الغضب، ولم يملك نفسه في ذلك، فإن الطلاق حينئذ لا يقع، ويكون السائل حينئذ قد أمسك زوجته، ولا يسمى رجعة، وإنما ردّها إليه، حيث إن الطلاق لم يقع، والخلاصة أنّ السائل مفروض على حالتين: إحداهما أن يكون طلق في طهر جامع فيه، هذا لا يقع على الصحيح، وإن كان الجمهور على خلاف ذلك،
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
لكن هذا قول جماعة من السّلف أنه لا يقع؛ لحديث ابن عمر حيث إنه طلّق في غير العدّة فلا يقع، والحال الثاني أن يكون طلّق في طهر لم يجامعها فيه، لكنه قد اشتد عليه الغضب، شدة واضحة، ليس غضبًا عاديًّا وغضبه شديد بأن طال النزاع بينهما، والمسابّة والمشاتمة حتى استحكم به الغضب، واشتدّ به الغضب، حتى عدم الشعور بسبب شدة الغضب، هذا لا يقع عليه أيضا على الصحيح؛ لأنّ شدة الغضب تجعل الإنسان كالمجنون وكالمعتوه، لا يميّز ما يضرّه وما ينفعه، ويكون كالمكره المدفوع بقوة، حتى أوقع الطلاق في هاتين الحالتين، الطلاق غير واقع، أمّا إن كان الغضب غير شديد، بل عاديًّا أو كان طلّقها في طهر لم يجامعها فيه، فإن الطلاق ماض، وعليه أن يفارقها ويبتعد عنها، والطلاق الأخير غير واقع؛ لأنه صادفها وهي غير زوجة، وإن كان قد وطئها فوطؤها ليس في محلّه، ويكون الطلاق الأخير صادفها في غير نكاح، فلا يقع وتكون قد بانت بالطلاق الأول، وعليه التّوبة إلى الله، عليك أيها السائل التوبة إلى الله، من عودك إيّاها، وجماعك إيّاها بعد الطلاق، هذا هو الجواب عن هذا السؤال، وأرجو أن السائل فهم، فإن السؤال هذا مهم، والجواب مهم، وأعيده مرّة
أخرى، أيّها السائل لك حالان إحداهما: أن تكون طلقتها في طهر جامعتها فيه، وفي حالة ثانية وهي الغضب الشديد يشبه أن تكون فاقد الشّعور من شدة الغضب؛ بسبب أن يكون النزاع أو المضاربة أو المشاتمة، فالطّلاق في هاتين الحالتين غير واقع، وزوجتك معك، وينظر في الطّلاق الأخير، أمّا إن كنت طلّقتها في طهر لم تجامعها فيه، والغضب ليس بالشديد، فالطلاق قد وقع وهي غير زوجة لك، وعليك أن تسرّحها، والطلاق الأخير لا يقع إلا إن صادفها وهي زوجة لك، أما الطلاق الثاني إذا كان صادفها أنها زوجة، وأن الطلاق الأول لم يقع لشدة الغضب، أو لكون المرأة طلّقتْ في طهر جامعتها فيه، وللأمرين كأن طلقتها في طهر جامعتها فيه، مع شدة الغضب أيضًا، فإن هذا لا يقع، والطلاق الثاني يقع، فإن كنت طلّقتها طلقتين بألفاظ تدل على ذلك، بأن قلت: أنت طالق ثم طالق أو طالق وطالق، أو قلت: طالق طالق، وأردت تطليقتين فإنه تقع الطلقتان، أمّا إن قلت طالق طالق ولم تنو الطلقتين، أو قلت طالق طالق بلفظك؛ من غضب أو شبهه ولكن لم تنو الطلقتين، فإنّ الطلاق الثاني يكون مؤكدًا للطلاق الأول، ولا يقع إلا واحدة بأن قلت: أنت طالق طالق بدون واو وبدون ثم،
وبدون شيء آخر طالق طالق، وبدون نية عند العلماء في حكم الطلقة الواحدة، ويكون اللفظ الثّاني مؤكدًا للفظ الأول، ولا يقع به طلاق ثان، أما إذا كنت قلت أنت طالق طالق، أو طالق ثم طالق، أو أنت طالق أنت طالق أو تراكِ طالق تراكِ طالق، ولا تنوي تأكيدًا في قولك: طالق طالق، ولم تنو إفهامًا لها، وهكذا لو قلت: طالق طالق، نويت الثنتين، فإن هذا يقع به الطلقتان: طالق طالق، طالق ثم طالق أنت طالق أنت طالق، تراكِ طالق، تراكِ طالق، يقع به الثنتان، إلا إذا كنت نويت بالثانية من قولك: طالق طالق، نويت به تأكيد الأوّل إفهامًا، وما نويت شيئًا بقولك: طالق طالق، فإنه لا يقع إلا واحدة، وهكذا إذا قلت: أنت طالق أنت طالق الطّلاق طالق، الطّلاق طالق نويت التأكيد بالثانية، أو الإفهام لم يقع إلا واحدة، وإلاّ فالأصل وقوع الثنتين.
س: تزوجت منذ خمس عشرة سنة من امرأة مسلمة، وأنجبت لي أربعة أبناء وابنتين، إلا أن العلاقة الزوجية قد ساءت في بادئ الأمر، ثم تمَّ الصلح بتدخّل الأقارب، ولكن ما لبث أن عاد الخلاف بيننا، وقد حاولت إصلاح أمرها بشتى الطرق، ولكن لا فائدة وذات مرة اشتد غضبي عليها، فقلت لها: أنت طالق، وقد استفتيت أحد المشايخ،
فأفتاني باسترجاعها، وفعلاً استرجعتها، ولم يدم الوفاق بيننا، بل عادت إلى ماضيها وإساءتها إليَّ بكل ما تستطيع فعله، فقلت لها أنت طالق يا فلانة، وسميتها باسمها، ومرة ثالثة وربما رابعة كلما تُسيء إليَّ أقول لها: أنت طالق، دون أن تسمعني، وحدث هذا أكثر من ثلاث مرات فهل تحرم عليَّ بذلك أم لا؟ (1)
ج: إذا كان الطلاق صدر منك، وأنت في شعورك وضبط عقلك، وكمّلت الثلاث حرمت عليك؛ لأن الطلقة الثالثة هي الأخيرة، والله يقول سبحانه:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ، هذه هي الطلقة الثالثة، فإذا كنت في الطلاقات الثلاث، قد حضر شعورك وقلتها وأنت ضابط عقلك، فإنها تقع هذه الطلقات، إلا إذا كان شيء منها في حال حيضٍ أو نفاس أو طهرٍ جامعتها فيه، فإنها لا تقع في أصح قولي العلماء، والمسألة فيها خلاف وعند الجمهور أن الطلاق يقع، حتى في حال البدعة في حال الحيض والنفاس، ولكن أرجح القولين عدم الوقوع، إذا كان الطلاق وقع منك في حال كونها حائضًا،
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (51).
أو نفساء أو في طهرٍ جامعتها فيه، ولا يجوز الطلاق في حال الحيض ولا في حال النفاس ولا في طهرٍ جامعتها فيه، فإنه يحرم الطلاق في هذه الأحوال الثلاث؛ لما ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه طلق امرأته وهي حائض، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يراجعها ثم يمسكها، حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق قبل أن يمسَّ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فتلك العدة التي أمر الله، أن تطلق لها النساء» (1)، يعني في قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، فطلاقهن للعدّة أن تطلق المرأة في حال طهر لم يجامعها فيه الرجل، أو في حال كونها حاملاً، هذا هو الطلاق الشرعي، أن تطلّق المرأة حال كونها حاملاً، أو في طهرٍ لم يجامعها الزوج فيه، ولم يتبين حملها؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمر:«ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً» (2) وفي لفظ آخر: «قبل أن يمسّها» (3) وهذا يدل على أن الطلاق في حال الحيض، أو النفاس أو في طهرٍ مسَّها
(1) صحيح البخاري الطلاق (5332)، صحيح مسلم الطلاق (1471)، سنن النسائي الطلاق (3392)، سنن أبو داود الطلاق (2185)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 124)، موطأ مالك الطلاق (1220)، سنن الدارمي الطلاق (2262).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
فيه، أي جامعها فيه يكون بدعة محرمًا، لكن هل يقع أم لا؟ على قولين: أكثر أهل العلم أنه يقع مع الإثم، والقول الثاني: أنه يأثم وعليه التّوبة إلى الله، ولكن لا يقع؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمر:«راجعها» (1)، ولم يقل له: إن الطلاق وقع، فقال: راجعها أي: ردّها، وفي لفظ فردها عليَّ، ولم يرها شيئًا، قال ابن عمر: فردها عليَّ ولم يرها شيئًا، أي: لم يرها شيئًا واقعًا على الصحيح، ولكن عليك مع هذا التّوبة إلى الله، إذا كنت راجعتها بعد الثالثة، ولم تتبصّر ولم تسأل، فالواجب على المؤمن أن يسأل، ولا يقدم على شيء إلا على بصيرة، فالطلاق الثالث يحرّمها، إلا إذا وجد مانع من وقوعه، فعليك أن تتصل بأهل العلم مع المرأة ووليها حتى يحقّق في أمركما، وحتى يعرف حالها حين الطلاق، وبعد ذلك يفتيك العالم، مما يتضح له شرعًا عند حضورك، مع المرأة، ووليها لديه وسؤالكم جميعًا عمّا وقع، وقد عرفت من هذا الكلام، أن الطلقة الأخيرة الثالثة تحرّمها عليك، حتى تنكح زوجًا غيرك إذا كانت الطلقات الثلاث وقعت في طهرٍ لم تجامعها فيه، أو في كونها حاملاً فإنها تحرم عليك، حتى تنكح زوجًا غيرك، أمّا إن كانت إحدى الطلقات وقعت في حيضٍ أو نفاسٍ، أو طهرٍ جامعتها فيه، فإنها
(1) صحيح البخاري الطلاق (5332)، صحيح مسلم الطلاق (1471)، سنن النسائي الطلاق (3392)، سنن أبو داود الطلاق (2185)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 124)، موطأ مالك الطلاق (1220)، سنن الدارمي الطلاق (2262).