الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» (1) لكن إذا كان قصده أن عليه الطلاق وعليه الحرام أن فلانًا ما يتزوج فلانة، وقصده منعه، فهذا إذا فعل، عليه كفارة يمين، حكمه حكم اليمين، إذا ما أطاعوه، زوجوه، وقال: عليَّ الطلاق والحرام ما يتزوج فلانة، يكون عليه كفارة يمين، ولا يقع الطلاق في أصح أقوال أهل العلم، إذا كان قصده المنع. أمّا إذا كان قصده أن يقع الطلاق والتحريم، إذا كان قصده بالطلاق ألا يتزوج فلانة، قصده أن زوجته طالق أو قصده أنها حرام عليه، ناوٍ هذا ويريد أنها تحرم عليه أو تطلق فله نيته، فهو على ما نوى.
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم (331).
56 -
حكم الحلف بالطلاق في البيع والشراء
س: رسالة طويلة بعث بها مستمع من جمهورية مصر العربية، جاء فيها قوله: ما حكم الذين يحلفون بالطلاق، وليس في نيّتهم الطلاق؟ بل لأجل شراء سلعة أو بيع سلعة، وهو يعلم بأن طلاقه هذا كاذب؟ فهل عليه كفارة يمين أم ماذا يفعل في حياته الزوجية؟ جزاكم الله خيرًا؟ (1)
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (139).
ج: هذا يرجع فيه إلى نيّته، إذا حلف بالطلاق يرجع فيه إلى نيته، فإذا قال: عليه الطلاق لا يكلم فلانًا، أو عليه الطلاق بقوله لزوجته: لا تكلمين فلانًا، أو عليه الطلاق ما يبيع السلعة الفلانية، أو عليه الطلاق ما يشتري السلعة الفلانية، أو عليه الطلاق ما يدخل بيت فلان، فالمرجع هو نيته، إذا كان قصده من هذا منع نفسه من هذا الشيء، ليس قصده إيقاع الطلاق، أو قصده حثّ نفسه على فعله، بأن يقول: عليه الطلاق أن يزور فلانًا، عليه الطلاق أن يكلم فلانًا، قصده الحث، فهذا كله بحكم اليمين، وعليه كفارة اليمين إذا فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله، عليه كفارة اليمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام، أمّا إن كان قصد إيقاع الطلاق، قال: عليه الطلاق ما يكلم فلانًا، عليه الطلاق ما يشتري السلعة الفلانية، وقصده أنه متى فعل وقع الطلاق، فإنه يقع الطلاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (1) هذا هو الصواب من قولي العلماء. وذهب الأكثر إلى
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، برقم (1)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: **إنما الأعمال بالنيات .. ** برقم (1907).
أنه يقع الطلاق مطلقًا، ولو قصد الحثّ والمنع أو التصديق أو التكذيب، ولكن الصواب التفصيل، فإن كانت النية حثًّا، أو منعًا، أو تصديقًا أو تكذيبًا، ليس قصده إيقاع الطلاق، إنما قصده تخويف زوجته بأن تفعل كذا، وردعها عن ذلك، أو قصده أن يمنع نفسه من كذا وليس قصده إيقاع الطلاق، فهذا حكمه حكم اليمين في أصح قولي العلماء، واختار هذا القول أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والعلامة ابن القيم رحمه الله وجماعة من أهل العلم المحققين.
س: لدى بعض دلَاّلي الأغنام في السودان عادة سيئة، وهي كثرة الحلف بالطلاق لترويج أغنامهم، وبعضهم متزوج، وقد يكون ما حلف عليه بالطلاق مخالفًا للواقع، ما حكم هذا الحلف، وهل يقع الطلاق فعلاً؟ وهل هناك كفارة أرجو توجيهكم؟ (1)
ج: هذا عمل لا يجوز، لا بالطلاق ولا بغير الطلاق، ليس له أن يروّج بضاعته بالأيمان، لا بالأيمان بالله ولا بالطلاق، كل ذلك لا يجوز؛ لأن هذا تغرير بالناس، وخداع بالناس، وربما كذب في ذلك،
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (163).
فإنّ من أكثر الأيمان يغلب عليه الكذب، ثم إنه يخدع الناس قد يكون كاذبًا في ذلك، فيخدع الناس بأيمانه حتى يشتروا سلعته، وإن كانت رديئة أو يشتروها بأكثر من ثمنها؛ لكثرة أيمانه، قد جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال:«ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، أشيمط زان،- يعني شائبًا زانيًا- وعائل مستكبر، - يعني فقيرًا مستكبرًا- ورجل جعل الله له بضاعة، لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه» (1) فكثرة الحلف في البيع والشراء أمر منكر وخطير، ومن أسباب غضب الله عز وجل، فينبغي للمؤمن أن يحذر ذلك وألا يكثر الأيمان، فإنْ دعت الحاجة إلى اليمين، فليكن صادقًا من غير إكثار، إن اتهموه بأنه غاش في كذا أو غاش في كذا، وهو ليس بغاش بل صادق وحلف لهم يمينًا بالله إنه صادق، فلا بأس بذلك عند الحاجة، أما إكثار الأيمان بالطلاق أو بالله، هذا لا يجوز، وهو من أسباب الكذب، ومن أسباب الخداع والغش، وإذا كان صادقًا في
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الصغير في باب من اسمه محمد، برقم (821) جـ2/ 82، ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية .. برقم (107)، بدون لفظ **ورجل جعل الله له بضاعة
…
**
طلاقه لا يقع شيء، لكن لا ينبغي له استعمال ذلك؛ لأنه وسيلة إلى استعمال الباطل، وسيلة إلى الطلاق الكاذب، وسيلة إلى فراق أهله، فينبغي للمؤمن أن يحذر ذلك، وأن يعتاد الصدق مع قلة الأيمان والمحافظة عليها، والله يقول سبحانه:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} ، والإكثار من الأيمان من أسباب الوقوع في الكذب، ومن أسباب غش الناس وخديعة الناس، فالواجب الحذر من ذلك، وإذا كان في يمينه صادقًا أو في طلاقه صادقًا، فلا شيء عليه، لكن لا ينبغي له الإكثار من ذلك، بل يكون عند الحاجة مع القلّة والعناية بعدم الكثرة، حتى يسلم من الوعيد الشديد، ومن غضب الله عز وجل، أمّا الكاذب، فهذا فيه وعيد الكذب، نسأل الله العافية، وهو على خطر عظيم، ووعيد في كذبه، في أيمانه وفي طلاقه، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«من حلف على يمين وهو فيها كاذب، لقي الله وهو عليه غضبان» (1) نسأل الله العافية والسلامة، فالواجب على المؤمن، أن يحذر، وإذا كان كاذبًا فقد ذهب أكثر أهل العلم، أنه يقع الطلاق نسأل الله العافية، والصواب أنه لا يقع
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه، برقم (5086) حـ 11/ 482.