الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم في الأصح من قولي العلماء، فهذا هو المختار، لكن لو حكم حاكم بإمضاء الطّلاق، أمضي حكمه واعْتُبر، ولم يجز نقضه لأحد من الناس، فلو عرض الموضوع على حاكم شرعيّ، فحكم بإمضاء الطلاق في الحيض، أو في النفاس، أو في طهر جامعها فيه، أمضي واعْتُمِد؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، ولأنه قول الجمهور، فإذا حكم به الحاكم وجب تنفيذه.
10 -
حكم طلاق الحائض
س: هل المطلقة التي طلقها زوجها، وهي حائض أو في طهر مسها فيه، هل يقع هذا الطلاق أم لا؟ (1)
ج: إذا طلق الزوج المرأة في حال الحيض، أو في حال النفاس أو في حال طهر جامعها فيه، وليست حاملاً، ولا آيسة، اختلف العلماء في ذلك، والجمهور على أنه يقع الطلاق، مع أنه بدعة ومنكر لا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنكر على ابن عمر لمّا طلق امرأته وهي حائض، وأمره أن يمسكها، حتى تحيض، ثم تطهر، ثم يطلق بعد ذلك، أو يمسك، ثم قال له صلى الله عليه وسلم، «فتلك العدة التي أمر
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (79).
الله أن تطلق لها النساء» (1) فالجمهور ذهبوا إلى أن الطلاق وقع، ولكنه مأمور بأن يراجعها إذا كان الطلاق طلقة واحدة، أو طلقتين يراجعها ويبقيها، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:«حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق قبل أن يمس، وإن شاء أمسك» (2) هذا هو المعروف عند جمهور أهل العلم، وذهب آخرون من أهل العلم وهو مروي عن طاوس، وخلاس بن عمرو وجماعة، وهو ثابت عن ابن عمر: أن الطلاق في الحيض لا يقع، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ردّها عليه من دون احتساب الطّلاق عليه، وإنما حسبها هو ابن عمر، اجتهادًا منه حسب الطلقة، ولكن لم يحسبها عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال هؤلاء: إن هذا الطلاق بدعة ومنكر، فلا يقع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (3) وهذا طلاق ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقع، وهذا هو اختيار أبي العباس ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
(3)
أخرجه مسلم، في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718).
عليهما، واختاره جماعة من أهل العلم، وهو أظهر في الدليل، وأقوى في الدليل؛ لأن الرسول أنكر على ابن عمر، وأغلظ في ذلك عليه الصلاة والسلام، وأمره أن يمسكها حتى تحيض، ثم تطهر، ثم قال:«إن شاء طلّق قبل أن يمسّ وإنْ شاء أمسكها» (1)، وفي لفظ:«ثم يطلقها طاهرًا أو حاملاً» (2).
هذا على أنه لم يقع الطلاق؛ لأن إيقاعه، ثم ردها تكثير للطلاق، يعني يوقع الطلاق الأول، ثم يأمره بطلاقها مرة أخرى، والشارع يتشوّف لقلّته لا لكثرته، فالحاصل أنّ قوله:«فليراجعها» (3)، ليس معناه الرجعة المعروفة، التي هي الرجعة بعد الطلاق، وأن المراد عند هؤلاء، يعني فليردها إلى حباله، كونها عنده حتى تطهر من حيضتها التي طلقها فيها، ثم تحيض مرة أخرى، ثم تطهر، ثم بعد هذا إن شاء طلق وإن شاء أمسك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» (4) يعني في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، الآية. قال العلماء: معنى ذلك، طاهرات من غير جماع، هذا معنى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، يطلقن طاهرات
(1) صحيح البخاري الطلاق (5252)، صحيح مسلم الطلاق (1471)، سنن الترمذي الطلاق (1175)، سنن النسائي الطلاق (3390)، سنن أبو داود الطلاق (2179)، سنن ابن ماجه الطلاق (2019)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 124)، موطأ مالك الطلاق (1220)، سنن الدارمي الطلاق (2262).
(2)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4908)، صحيح مسلم الطلاق (1471)، سنن الترمذي الطلاق (1176)، سنن النسائي الطلاق (3392)، سنن أبو داود الطلاق (2185)، سنن ابن ماجه الطلاق (2019)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 130)، موطأ مالك الطلاق (1220)، سنن الدارمي الطلاق (2262).
(3)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4908)، صحيح مسلم الطلاق (1471)، سنن الترمذي الطلاق (1176)، سنن النسائي الطلاق (3392)، سنن أبو داود الطلاق (2185)، سنن ابن ماجه الطلاق (2019)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 130)، موطأ مالك الطلاق (1220)، سنن الدارمي الطلاق (2262).
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
من غير جماع، أو في حال الحمل؛ لحديث ابن عمر:«فليطلقها طاهرًا أو حاملاً» (1) هذا القول أظهر في الدليل؛ لأنه موافق لحديث ابن عمر، وموافق للآية الكريمة، ولما ذكره أهل العلم في تفسيرها، وإن كان خلاف قول الأكثرين، لكن المعوّل عليه في المسائل هو ما يقرب من الدليل، وما يقتضيه الدليل، ثم هو أرفق بالأمة وأنفع للأمة؛ لأن من الناس من يغضب ويطلق في الحيض والنفاس، وفي طهر جامعها فيه، فإذا ردّت عليه، ففيه جمع الشمل، وجمع الأسرة، وربّما كان لديهما أولاد، ويجمع الشمل بينهما وبين أولادهما، فالحاصل والخلاصة أن هذا مع كونه أظهر في الدليل، هو أرفق بالأمة والله يقول سبحانه {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} ، ويقول جل وعلا:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:«يسروا ولا تعسروا» (2) فالتيسير للأمة والتسهيل عليها مهما
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، برقم (69)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم (1734).
أمكن مطلوب، وهو أقرب إلى قواعد الشرع، التي جاءت بالتيسير والتسهيل والرحمة، وما أكثر ما يقع الطّلاق من الناس، في حال الغضب الشديد، في حال الحيض، في حال النفاس، وفي حال الطهر الذي جامعها فيه، ثم يندم الجميع، ففي هذا القول رحمة للأمة، وجمع للشمل، وتيسير للأمور، وتقليل للفرقة، ولا يخفى على كل من له أدنى خبرة بأحوال الناس ما يترتب على الطلاق، من شرّ عظيم في الغالب، وفرقة للأولاد مع والديهم، وضياع في بعض الأحيان للأولاد، ومتاعب كثيرة للأب، والأم جميعًا، والأولاد، والله المستعان.
س: تقول هذه السائلة: يا سماحة الشيخ أرجو فتوى منكم، في طلاق المرأة وهي حائض، هل يقع الطلاق والمرأة حائض أثابكم الله؟ (1)
ج: هذا الموضوع فيه خلاف بين العلماء، أكثر العلماء يرون أنه يقع الطلاق في الحيض، هذا الذي عليه أكثر أهل العلم، وذهب بعض أهل العلم، إلى أنه لا يقع إذا كان يعلم الزوج، أنها في الحيض، إذا طلّق في الحيض، فقد أثم، ولا يقع، إذا كان يعلم، أمّا إذا كان ما يعلم، إلاّ بعد الطلاق منها، فالطّلاق يقع إذا كان لا يعلم، أمّا إذا كان يعلم أنها حائض
(1) السؤال الثامن والأربعون من الشريط رقم (11).
قبل أن يطلق، ثم أقدم على الطلاق، فالصواب أنه لا يقع، وعليه التّوبة؛ لأنه لا يجوز.
س: نرجو التعريف هل يقع الطلاق على الحائض؟ (1)
ج: الطلاق في الحيض لا يجوز، والرسول زجر عن ذلك، زجر عن الطلاق في الحيض، والصواب أنه لا يقع، إذا اتّفق عليه الزوجان، إذا كان يعلم الزوج أنها حائض، الصواب أنه لا يقع، وذهب الأكثرون إلى أنه يقع، أكثر العلماء على أنه يقع مع الإثم وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقع، إذا كان الزّوج يعرف ذلك، حيث الطلاق مع الإثم، والواجب على الزوج أن يحذر ذلك.
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (366).
س: هل يقع طلاق غير السّنة، أي: في طهر تماس الزوجان فيه، جزاكم الله خيرًا؟ (1)
ج: تقدم الكلام على هذا، وأنه لا يقع على الصحيح، إذا كانت في طهر جامعها فيه، وليست حبلى ولا آيسة، أمّا إذا كانت حاملاً أو آيسة، يقع الطلاق، ولو جامعها، لكن إذا كانت في طهر لم يجامعها فيه، وهي
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (291).
لست حبلى، وليست آيسة، فإنه يقع على الصحيح؛ لحديث ابن عمر بأن أمره أن يطلّقها قبل أن يمسّها.
س: يسأل المستمع ويقول: هل طلاق المرأة الحائض يقع؟ وهل هو بدعة؟ (1)
ج: نعم طلاق الحائض بدعة، ولا يقع إذا اعترف به الزوجان، إذا كان يعلم حين طلّقها أنها حائض، لا يقع على الصحيح؛ لأنّه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث ابن عمر أنه أنكر عليه لمّا طلّق، وأمره أن يعيدها، ثم إذا طهرت أمسكها أو طلقها، إذا طهرت، حتى تحيض حيضة أخرى، وخيّره بين أن يطلق أو يمسك، الحاصل أن تطليق الحائض لا يجوز، والصحيح أنه لا يقع أيضًا، هذا هو الصحيح، خلافًا للجمهور، يعني لا بُدَّ أن يكون يعرفه الزوج، أمّا إذا كان طلقها وهو لا يدري أنها حائض، فيقع الطلاق، ولو قالت: إنها حائض، ما يقبل قولها وحدها، لا بد أن يعلم هو أنها حائض، حين الطلاق، يعني يعلم بذلك قبل أن يطلّق، أما كونه يعلم من بعد أن طلق من قولها لا يكفي، إذا طلقها وهو يعلم أنها حائض، فقد أثم، والطلاق لا يقع.
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (392).
س: السائلة أم عبد الرحمن تقول: أنا امرأة متزوجة، وذات مرة حصلت مشاجرة بيني وبين زوجي، وتدخّل والده وأخذ يضربه، وقال: وهو في تلك الحالة: أنت طالق ثلاثًا، ورددها ووقت وقوع الطلاق كنت حائضًا، وبعد ذلك عملت أن الطلاق لا يقع إذا كانت الزوجة حائضًا، وبعد مضي سنة من هذا جاء مرة إلى البيت، وهو سكران فتشاجرت معه، وقد كان يبدو على وجهه الغضب، فقال: أنت طالق وردّدها مرتين. وبعد أن أفاق أحسّ بالندم والحسرة، فذهبنا إلى أحد القضاة، وقال: إن طلاق السكران لا يقع، وبعد مضي سنتين من هذه، حصل أيضًا شجار، وتدخل أهلي في الموضوع، وقلت له: إني لا أريدك، ولكن أريد طلاقي منك، فخرجنا ولم يتلفظ بطلاق، ووقتها كان في كامل وعيه، وبعد مضي نصف شهر بعث بورقة مكتوب فيها طلاق السنة فقط، ولم يحدد، ومضى على ذلك شهور، وكنت وقتها حاملاً، وبقيت بعيدًا عن بيته، حتى وضعت حملي، وبعد مرور سنة طلب الرجوع إليه، وأعلن توبته واستقامته، فهل يصح لي الرجوع إليه بعد هذا كله، فأنا راغبة في العودة إليه، حفاظًا على نفسي وعلى طفلتي من الضياع، علمًا أن والدي يرفض العودة إليه، ومع ذلك لا يساعدني في الإنفاق على
نفسي، وعلى ابنتي، فأنا بنفسي أنفق من مالي، حيث السكن في بيت بمفردي. أفيدوني بارك الله فيكم؟ (1)
ج: نرى أن تحضري معه لدى الحاكم الشرعي لديكم؛ لينظر في هذه المسائل، حتى ينظر في الموضوع، وإذا تاب توبة صادقة واستقام، فلا مانع من الرجوع إليه، وإن أبى والدك الرجوع إليه، فالقاضي يحكم بما يرى في هذا، ويكون الوالد عاضلاً، ويمكن أن يزوجك أحد إخوتك، إذا كان لك إخوة من أبيك، إذا رأى القاضي ذلك، أو يحضره القاضي، وينصحه، ويشير عليه، حتى يزوّجك والدك، المقصود أن هذا الطلاق الأخير يعتبر طلقة واحدة، طلاق السنة يعتبر طلقة واحدة، لا تمنع من رجوعك إليه بعقد جديد، أمّا الطلاق الأول في حال الحيض، والطلاق الثاني في حال السكر، إذا كان ليس معه عقله، لا يقعان على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن الصحيح من أقوال العلماء: أن السكران الذي زال عقله، لا يقع طلاقه في حال السكر، وزوال العقل، كالمجنون، والمعتوه، وكذلك في حال الحيض والنفاس، لا يقع على الصحيح؛ لما ثبت في الصحيح من حديث ابن
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (48).
عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره عمر، أنّ ابن عمر طلّق امرأته وهي حائض، أمره أن يردها ثم يمسكها، حتى تحيض، ثم تطهر، وبعد ذلك يطلقها إذا شاء، أو يمسكها، وقال عله الصلاة والسلام:«تلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» (1) يعني في قوله سبحانه: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، فالحاصل: أن الطلقة الأولى والثانية إذا كان الأمر على ما قلت لا تقعان، والطلقة الأخيرة: طلاق السنة تقع واحدة، وله الرجوع إليك بعقد جديد، بعد وضع الحمل، إذا كان لم يراجع مدة الحمل، فله الرجوع إليك بعقد جديد، وعلى والدك أن يزوجه عليك، إذا كان صالحًا، إذا كان مسلمًا يصلي، أمّا إذا كان لا يصلي، فلا يزوّج، ولا كرامة، لكن إذا كان مسلمًا بعيدًا عن المكفّرات، عن أسباب الكفر، فالوالد يزوجك إياه؛ لرغبتك ولوجود طفلة معك، فإذا أبى والدك من دون علة، ترفعين الأمر للحاكم، والحاكم ينظر في الأمر، يعني القاضي، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
س: تشاجرت أنا وزوجتي قبل مدة، فقلت لها: طالق؛ لأجل أن تسكت، فقالت كلمة ثانية، وكنت غاضبًا جدًّا من كلامها، فقلت لها مرة أخرى: طالق، ومكثت مدة لا أتكلم معها، أما اليوم فإني أتكلم معها في أغراض البيت، أو إذا لزم شيء للأولاد، ولا يوجد شيء غير هذا، فما الحكم في هذا أفيدونا ولكم الشكر؟ (1)
ج: الله جلّ وعلا شرع لعباده الطلاق؛ ليتخلص كل واحد من الزوجين من صاحبه، إذا لم تستقم الحال، ولم يحصل ما يقيم العلاقة على الوجه المرضي، وجعله سبحانه ثلاثًا؛ ليراجع بعد الأولى، وبعد الثانية، وليس له الرجعة بعد الثالثة، وحرم إيقاعه بالثلاث جميعًا، بل يكون واحدة بعد واحدة، كما قال جل وعلا:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ، فإذا طلقها طلقة واحدة، فله مراجعتها ما دَامت في العدة، ثم إذا راجعها، بقيت على حالها زوجة شرعية، كحالها الأولى، فإن طلقها الثانية، فله مراجعتها أيضًا، من دون عقد نكاح، كما الطلقة الأولى، فأنت أيها السائل طلقتها طلقتين، فلك المراجعة،
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (47).
ما دامت في العدة، ما دامت لم تحض ثلاث حيضات، بعد الطلقة الأولى، ولا تزال زوجة لك، حتى تطلقها الطلقة الثالثة، هذا إذا كان الغضب خفيفًا، أما إذا كان الغضب شديدًا، حصل بينكما تنازع شديد، وكلمات جارحة، منها شديدة، حتى اشتد غضبك، ولم تملك نفسك للإمساك عن الطلاق، فهذا الطلاق حينئذ عند الغضب الشديد، لا يقع على الصحيح، من أقوال العلماء، والغضب ثلاثة أحوال، الناس في الغضب لهم ثلاثة أحوال: إحداها أن يشتد الغضب حتى يفقد الشعور، ويكون كالمجنون والمعتوه، فهذا لا يقع طلاقه عند جميع أهل العلم؛ لأنه بمثابة المجنون والمعتوه، زائل العقل، هذا لا يقع طلاقه، إذا زال عقله من شدة الغضب، ولم يملك نفسه، ولم يضبط ما يقول، ولم يحفظ ما يقول، الحال الثاني: أن يشتد معه الغضب، ولكنه يفهم ما يقول ويعقل، إلاّ أن الغضب اشتد معه كثيرًا، ولم يستطع أن يملك نفسه، بطول النزاع أو المسابّة والمشاتمة، أو المضاربة، فاشتد غضبه لأجل ذلك، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، والأرجح أنه لا يقع أيضًا، فإن كان غضبه من هذا القبيل، فالطلاق غير واقع، وإن كان غضب من الحال الثالثة، وهي غضب خفيف، الذي يحصل من التكدر من الزوج،
وكراهة لما وقع من المرأة، ولكنه لم يشتدّ معه شدة كبيرة، تمنعه من التعقّل وضبط نفسه، بل هو غضب عادي خفيف، فهذا يقع معه الطلاق عند جميع أهل العلم، لكن إذا كانت المرأة في حال حيض عند الطلاق، أو في حال نفاس، أو في حال طهر، قد جامعها فيه، فجمهور أهل العلم يرون وقوع الطلاق، مع الإثم؛ لأن الطلاق يجب أن يكون في طهر لم تجامعها فيه، أو في حال حمل، هذا هو الطلاق الشرعي، أن تكون المرأة حاملاً، أو في طهر لم تجامعها فيه، فإن كانت في طهر جامعتها فيه، أو في حال حيض أو نفاس، فقد اختلف العلماء في ذلك، فجمهور أهل العلم يرون أنه يقع الطلاق مع الإثم، والقول الثاني أنه لا يقع؛ لأنه طلاق غير شرعي، ولم يصادف الحال التي شرع الله فيها الطلاق، فلم يقع وهذا القول هو الأرجح من حيث الدليل؛ لما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، «أنه طلّق امرأته وهي حائض، فأنكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، وأمره بالمراجعة، وأن يمسكها، حتى تطهر من حيضها، التي هي فيه، ثم تحيض، ثم تطهر بعد ذلك، ثم إن شاء طلّق، وإن شاء أمسك» (1)، فهذا
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
ظاهر بأن طلاقه لم يقع، كما قال جمع من أهل العلم؛ لكون الرسول أمره بالمراجعة، ثم بالإمساك حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم قال:«فإن شئت فأمسكها، وإن شئت فطلقها، قبل أن تمسَّها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلَّق لها النساء» (1) يعني في قوله سبحانه: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، فهذا يدل على أن الطلاق في طهر جامعها فيه، أو في حيض أو نفاس، طلاق غير شرعي، وطلاق في العدة التي لم يأمر الله بالطلاق فيها، وهذا هو المختار، وإن كان خلاف قول الجمهور، فأنت أعلم بنفسك، وما جرى عليك حين الطلاق، فإن كان الغضب اشتد معك، شدة واضحة قوية؛ لقوة النزاع بينكما، وسوء الكلام الذي صدر منها، حتى لم تملك نفسك، أو كانت في طهر جامعتها فيه، أو حيض، فالطلاق غير واقع، أما إن كانت في حال حمل أو في حال طهر لم تجامعها فيه، كان الغضب ليس بشديد، كان غضبًا عاديًّا فإن الطلاق واقع، قد مضى عليها طلقتان، ولك مراجعتها، ما دامت في العدة، فإذا طلقتها بعد هذا مرة ثالثة، حرمت عليك، حتى تنكح زوجًا غيرك،
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
والواجب على المؤمن أن يتقي الله في كل شيء، وأن ينظر في الأمر، إذا أراد الطلاق، لا يعجل في الطلاق، ينظر فإن كانت الزوجة مستقيمة الحال، فلا وجه للطلاق، ولا ينبغي الطلاق، وهكذا إذا أمكن التعديل، وأمكن العلاج، فلا تنبغي العجلة في الطلاق، ثم إذا عزم على الطلاق، فلينظر هل هي في طهرٍ، لم يجامعها فيه، وهل هي حامل، فلا بأس بالطلاق إذا كانت في طهرٍ لم يجامعها فيه، أو في حال حمل، أما إن كانت في طهرٍ جامعها فيه، أو في حال حيض أو نفاس، فلا يجوز الطلاق، فالواجب على المؤمن أن ينظر في هذه الأمور، ولا يعجل، في طلاقه لأهله، بل ينظر ويتأمل، وينظر في العواقب، ولا يعجل، ثم ينظر في حال المرأة، هل هي حبلى، أو في طهرٍ لم يجامعها فيه، حتى يطلق على بصيرة وحتى يكون طلاقه طلاقًا شرعيًّا، موافقًا لما جاء به النص.
س: يقول السائل: في إحدى مشاجراته مع زوجته، قال لها: اعتبري نفسك مطلقة، أو طالقة، هل هذا طلاق، وما حكمه إذا كان طلاقا، وهل له كفارة؟ (1)
ج: يعتبر طلاقًا وليس له كفارة إن كانت ثالثة تمت الثلاث وبانت
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (236).
منه، وحرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره، أمَّا هذه الأولى، أو الثانية فله المراجعة ما دامت في العدة؛ لقوله سبحانه:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} ، الآية، لكن متى كانت هذه الطلقة هي الثالثة، حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره؛ لقوله سبحانه:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ، إلا أن يمنع مانع، من كون الطلاق وقع في حيض، أو نفاس، أو طهر جامعها فيه، فإن الصحيح أنه لا يقع؛ لحديث ابن عمر في الصحيحين:«أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي بمراجعتها، وقال له: إذا طهرت، فطلق، أو أمسك» (1) والمقصود: أن الطلاق الأصل فيه الوقوع إلا إذا كان هناك مانع، كأن يطلقها في حال حيضها، أو في نفاسها، وهو يعلم ذلك، أو في طهر جامعها فيه، وليست حاملاً، ولا آيسة، فهذا لا يقع على الصحيح، إلا إذا حكم به حاكم، وقع؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، والواجب على المسلم ألاّ يطلق إلا على بصيرة، في طهر، لم يجامع فيه، أو في حال الحمل، حتى لا يقع في
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).
خلاف الشرع، يتثبت في الأمر، إذا أراد الطلاق يتثبت في الأمر، ولا يعجل، إلا إذا كانت في طهر لم يجامعها فيه، أو في حال حمل، يطلقها طلقة واحدة، لا يزيد عن طلقة السنة طلقة واحدة فقط، حتى يراجعها، إذا أراد، إلا أن تكون الثالثة، فالثالثة ليس بعدها رجعة، كما تقدم، وإذا علم أنها حائض، أو في نفاس، لا يطلق، يمسك حتى تطهر، أو كان في طهر جامعها فيه يمسك، حتى تحيض، ثم تطهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بهذا، لما أخبر أنه طلقها، وهي حائض، غضب عليه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه عمر:«مره أن يراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلق قبل أن يمس» (1) فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق عليها النساء، أن تكون في طهر ليس فيه جماع، أو في حال الحمل، هذا هو الطلاق الشرعي، فالأحوال خمسة: حال الحيض، أو نفاس، أو طهر جامعها فيه وليست حاملاً ولا آيسة، هذه الثلاث لا يطلق فيها، لا يجوز له الطلاق فيها، الحالة الرابعة: أن يكون في طهر لم يجامعها فيه، وليست حاملاً، فهذا
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها .. ، برقم (1471).