الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب طلاق الغضبان والسكران والمعتوه والمريض والمكره
23 -
حكم طلاق الغضبان
س: ما حكم طلاق الغضبان؟ (1)
ج: الغضبان له ثلاث حالات، إحداها: أن يزول عقله بسبب شدة الغضب، فلا يميز ولا يضبط ما يقول، هذا لا يقع طلاقه كالمجنون، والحالة الثانية: اشتد معه الغضب، حتى لا يستطيع أن يملك نفسه بسبب شدة الغضب، كمسابّة أو مضاربة بأسباب واضحة يجعله يشتد غضبه، فهذه الحال اختلف فيها العلماء، فمنهم من أوقع الطلاق فيها، ومنهم من لم يوقعه، وألحقها بالأولى، وهذا هو الأظهر والأقرب، أنها
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (10).
تلحق بالأولى، إذا اتضحت أسباب شدة الغضب، فإن بعض الناس، يدّعي شدة الغضب، وليس هناك أسباب توجب شدة الغضب، فمتى اتّضحت الأسباب كالمضاربة بين الشخصين، أو بين الرجل وزوجته، أو بينه وبين أبيها أو أخيها، أو نحو ذلك والمسابّة والمشاتمة التي يظهر منها شدة الغضب، ويتضح منها شدة الغضب، وتصدّقه المرأة أو الحاضرون يصدقون ذلك، هذا لا يقع على الصحيح، أما مجرّد دعوة شدة الغضب، من دون دليل ولا بيان، ما يكفي، الحال الثالثة الغضب الذي ليس بشديد العادي، هذا يقع الطلاق فيه عند جميع العلماء، وهو الغضب العادي الذي ليس هناك فيه شدة واضحة، فهذا عند جميع أهل العلم يقع فيه الطلاق.
س: سماحة الشيخ لكم قول طيب في طلاق الغضبان، لعلكم تتكرمون بإعادته هنا جزاكم الله خيرًا (1)
ج: الغضبان له ثلاثة أحوال: كما ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين وفي غيره.
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (173).
الحال الأول: إذا اشتدّ معه الغضب حتى لا يشعر بما يقع منه، بسبب شدّة الغضب، فهذا كالمجنون لا يقع طلاقه عند الجميع.
الحال الثاني: أن يغضب غضبًا شديدًا، لكنه لم يزل معه الشعور لكنه اشتدّ غضبه، بسبب المضاربة أو المسابّة والمشاتمة أو ما أشبه ذلك، مما يسبب شدة الغضب، فإذا وجدت أسبابه وعلاماته، واعترف به الزوجان أو قامت به البيّنة، فإن هذا يعتبر طلاقًا غير واقع؛ لأنه بشدة الغضب قد فقد صوابه، وفقد السيطرة على نفسه، وفقد القدرة على منع نفسه من الطلاق، بسبب شدة الغضب، فهذا الراجح من قولي العلماء، أنه لا يقع وهو الذي نفتي به، كما رجّح ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله، وشيخه أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال به جمع من أهل العلم، إذا اشتد غضبه بأسباب واضحة، من مضاربة أو مسابّة أو غير هذا، من أسباب واضحة ولكن لم يزل شعوره، معه بقية من الشعور يعلم ما صدر منه، لكنه قد اشتد غضبه حتى عجز عن السيطرة على نفسه، هذا الصواب أنه لا يقع طلاقه في هذه الحال، كالذي فقد شعوره.
الحال الثالث: غضب غضبًا عاديًّا لا يمنعه من التعقّل وملك
نفسه هذا يقع بالإجماع، هذا الأخير الذي غضب غضبًا لكن لا يسمى غضبًا شديدًا، غضبًا عاديًّا تكلمت عليه كلامًا أغضبه، أو وجد منها ما يغضبه، لكنه معه شعوره ويضبط نفسه، وليس عنده شدة، تجعل الغضب غالبًا عليه، بحيث يكون قد فقد صوابه، ستّين في المائة، خمسين في المائة، سبعين في المائة يعني النصف، فهذا لا يقع طلاقه، أما الذي غضب لكن شعوره الغالب معه، فهذا يقع طلاقه عند الجميع.
س: أنا شاب متزوج منذ سبع سنوات بقريبة لي، وقبل تاريخ هذه الرسالة بسنة حدث بيني وبين زوجتي شجار عنيف جدًّا، دام أكثر من ثلاثة شهور، وبعدها أصبحت تطلق عليَّ الشتائم الكثيرة، والكلام السيئ، وأنا أعاملها معاملة حسنة؛ لأني شاب مؤمن أعمل بما يرضي الله ورسوله، وزاد الأمر حدّة، وهي كل يوم تزيد النار حطبًا والطين بلّة، فأجبرتني على أن أُطلق عليها كلامًا طلقتك طلقتك طلقتك، أي أكثر من مرة، مرات عديدة، وعندما أطلقت هذا الكلام كنت في حالة غضب شديد، وغياب عقل، أطلقت هذا الكلام بُغية أن تكف عن أقاويلها البذيئة المرعبة للبدن، وهي تزيد في ذلك، وأنا أكرر عليها ألفاظ مطلقة مطلقة مطلقة، وأخيرًا لم يُجدِ المراء نفعًا، فأرسلت إلى
والدها وأخذها إلى بيته وظلّت عنده أكثر من سنة، وأنا لا أوافق أهلي على إرجاعها، بسبب أخلاقها الشرسة وأقاويلها المرعبة الكاذبة، وأخيرًا أرادوا تزويجها بشخص فلم تقبل بالزواج من أي إنسان، وقالت لأهلها: إذا أردتم تزوجي سأشرب سمًّا وأموت، أو أحرق نفسي بالنار، وأخلص من هذه الحياة، وأثناء هذا الحجر الطويل كانت تريد أن ترجع لي، ولكنني كنت لا أقبل بها زوجة أبدًا بسبب معاملتها القاسية إلى آخره، فأقنعني أهلها بتزويجها إلي خشية أن تقتل نفسها، فأجبرت على قبولها وصار لها عندي خمسة أيام وأنا لا أقرب منها خشية الإثم والحرام، ووجدت أن أخلاقها صارت بعد هذا الحجر حسنة، تعطيني حقوقي كاملة وتحترمني وتكفر عما بدر منها من أقاويل، وما هو الحل أخبروني بالله عليكم سريعًا، والسؤال: هل وقع طلاق ولم تعد تحل لي، ألا يوجد فتوى لهذه المشكلة؟ أفيدوني وفقكم الله (1)
ج: إذا كان الطلاق المذكور وقع منك حال شدة الغضب وغيبة
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (5).
الشعور وأنك لم تملك نفسك ولم تضبط أعصابك بسبب كلامها السيئ وسبها لك، وشتائمها ونحو ذلك، وأنك أطلقت هذا الكلام في حال شدة الغضب، وغيبة الشعور، وهي معترفة بذلك، أو لديك من يعرف ذلك من الشهود العدول، فإنه لا يقع الطلاق؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلّت على أن شدة الغضب وإذا كان معه تغير الشعور كان أعظم فلا يقع به الطلاق، ومن ذلك ما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:«لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» (1) قال جماعة من أهل العلم: الإغلاق ذلك هو الغضب، يعنون الغضب الشديد، فالغضبان قد أُغلق عليه أمره، وقد أُغلق عليه قصده فهو شبيه بالمعتوه، والمجنون والسكران، إذا صار في شدة الغضب فلا يقع طلاقه، وإذا كان مع ذلك تغيّر الشعور، وأنه لم يحفظ ما صدر منه بسبب شدة الغضب، فإنه لا يقع الطلاق، والغضبان له ثلاث حالات:
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث عائشة رضي الله عنها، برقم (25828).
حالة يتغيّر معها الشعور، فهذا يلحق بالمجانين، ولا يقع طلاقه عند الجميع، عند جميع أهل العلم.
الحال الثاني: أن يكون اشتدّ به الغضب، ولكن لم يفقد شعوره، بل عنده شيء من الإحساس، وشيء من العقل، ولكن اشتد به الغضب حتى ألجأه إلى الطلاق، فهذا لا يقع طلاقه على الصحيح أيضًا.
والحال الثالث: أن يكون غضبه عاديًّا، ليس بالشديد جدًّا، بل عاديًّا كسائر الغضب، الذي يقع بين الناس ليس بالشديد وليس بالملجئ، فهذا يقع معه الطلاق عند الجميع، والسائل حاله إما من الوسط، أو من الشديد الذي قد تغير معه الشعور، حسب ما ذكر في سؤاله فيكون طلاقًا غير واقع وزوجته معه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله للجميع الهداية والصلاح وحسن العاقبة.
س: قبل ثمانية أعوام طلّقت زوجتي، وكنت في حالة غضب، علمًا بأنها لم تكن موجودة أمامي، بل كانت في بيت والدها، وكانت يومها حاملاً في الشهر السابع، وقد راجعتها بعد الوضع، وقد سمعت في برنامجكم أن طلاق السنّة، أن تكون الزّوجة في حالة طهر، أرجو إفادتي هل ما قمت به في السابق يعتبر طلقة أم لا، وإذا كان يعتبر طلقة، فماذا
أفعل وزوجتي معي منذ ثمان سنوات، جزاكم الله خيرًا؟ (1)
ج: إذا كان الواقع كما ذكرت، فإنه يقع عليها طلقة واحدة، إذا كان الغضب عاديًّا لم يشتد كثيرًا، ولم يغير الشعور، فإنه يقع طلقة واحدة، وأمَّا اعتبار كونها طاهرًا، هذا إذا كانت غير حامل، أمَّا إذا كانت حاملاً فالطلاق لها يقع، وإن كان معها نزيف ما دامت حاملاً، ولو كانت غير طاهرة، ولو كانت على جنابة، المقصود من كلام الطهارة، إذا كانت غير حامل، ينبغي للمؤمن ألاّ يطلّق إلا في طهر لم يجامع فيه، هذا هو المقصود وليست حاملاً ولا آيسة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أنكر على ابن عمر، لمّا طلق زوجته وهي حائض، وأمره أن يمسكها حتى تحيض ثم تطهر، ثم ليطلق وهي طاهر أو حامل، قبل أن يمسها يعني في حال كونها غير حامل، أمَّا إذا وطئها وهي حامل، فما يمنع الطلاق ولو وطئها وهي حامل، أو معها نزيف ليس بحيض؛ لأن دم الحامل يسمى نزيفًا، ليس بحيض على الصحيح؛ لأن الحامل لا تحيض، فالمقصود أن طلاق الحامل واقع، إذا كان المطلق عاقلاً معه
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (209).
عقله، ولو كان معه غضب لم يشتد به، يخرجه عن شعوره وعن ضبط نفسه، وإذا كنت راجعتها قبل أن تضع، فرجعتك صحيحة، أمَّا إن كنت راجعتها بعد الوضع، فالرجعة غير صحيحة؛ لأنها خرجت من العدة بالوضع، إذا كنت طلقتها في الحمل ثم تركتها ولم تراجعها حتى وضعت، فإن راجعتها فهي أجنبية فبقاؤك هذه المدة معها غلط، وعليك أن تمتنع منها مع التوبة إلى الله من ذلك؛ لأنّك لم تسأل، وعليك إذا كنت ترغب فيها وهي ترغب فيك، تجديد النكاح بعقد جديد ومهرٍ جديد؛ لأنها أجنبية، أمَّا إن كنت راجعتها قبل الوضع، أي قلت: أنا راجعت زوجتي، أو مراجع زوجتي أو ما أشبه ذلك، قبل أن تضع الحمل فهي زوجتك، وإن كنت ما رددتها للبيت إلا بعد الوضع، إن قلت: راجعتك قبل أن تضع الحمل، وأشهدت على ذلك فرجعتها صحيحة، ولو كانت عند أهلها، لم ترجعها إلى بيتك إلا بعد الوضع، أمَّا إذا كنت ما راجعتها بالكليّة بل سكتَّ ولم تقل شيئًا، حتى وضعت، فإنها تكون بهذا قد خرجت من العدة، ومضى عليها طلقة، ولك العودة إليها بنكاح جديد، بشروطه المعتبرة شرعًا، يعني بشرط رضاها، وبقية الشروط، وعليكما التوبة إلى الله جميعًا، من هذا العمل السيئ، وهو