الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(وجبت). ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال:(وجبت) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: (هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض).
الشاهد: أن الناس أثنوا شراً فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم.
كما يجوز سب الكفار ولعنهم قال تعالى: (لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)[سورة: المائدة - الآية: 78]
و قال تعالى: (تَبّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ)[سورة: المسد - الآية: 1]
مسألة: هل يجوز الثناء على الميت بخير؟
نعم يجوز الثناء على الميت بخير:
(حديث عمر الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما مسلم، شهد له أربعة بخير، أدخله الله الجنة). فقلنا: وثلاثة، قال:(وثلاثة). فقلنا: واثنان، قال:(واثنان). ثم لم نسأله عن الواحد.
باب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور:
[*] (عناصر الباب:
(ما هو البرزخ
؟
(هول القبور:
(سؤال القبر:
(التثبيت في القبر:
(عذاب القبر ونعيمه:
(الأسباب الموجبة لعذاب القبر:
(الأسباب التي تكون سبباً في النجاة عذاب القبر:
(أنواع عذاب القبر:
(ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنورها عليهم بدعاء الأحياء:
(عرض منازل أهل القبور عليهم من الجنة أو النار بكرة وعشيا:
(ضمة القبر:
(اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه:
(اجتماع الموتى إلى الميت وسؤالهم إياه:
(فيما ورد من تلاقي الموتى في البرزخ وتزاورهم:
(ما ورد من سماع الموتى كلام الأحياء:
(ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ:
(زيارة الموتى والاتعاظ بهم:
(الفرق بين زيارة الموحدين للقبور، وزيارة المشركين:
(استحباب تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:
(أحوال السلف في تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:
وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
(ما هو البرزخ؟
مسألة: ما هو البرزخ؟
[*] (قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابة أهوال القبور:
إن الله سبحانه وتعالى خلق بني آدم للبقاء لا للفناء، وإنما ينقلهم بعد خلقهم من دار إلى دار، كما قال ذلك طائفة من السلف الأخيار، منهم بلال بن سعد، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما، فأسكنهما في هذه الدار، ليبلوهم أيُّهم أحسن عملاً، ثم ينقلهم إلى دار البرزخ فيحبسهم هنالك إلى أن يجمعهم يوم القيامة ويجزي كل عاملٍ جزاء عمله مفصّلاً هذا مع أنهم في دار البرزخ بأعمالهم مدانون مكافئون، فمكرَّمون بإحسانهم وبإساءتهم مهانون، قال تعالى:(وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون: 100]
قال مجاهد: البرزخ الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا، وعنه قال: هو ما بين الموت إلى البعث،
قال الحسن: هي هذه القبور التي بينكم وبين الآخرة، وعنه قال أبو هريرة: هي هذه القبور التي تركضون عليها لا يسمعون الصوت ،
وقال عطاء الخرساني: البرزخ مدة ما بين الدنيا والآخرة ، وصلى أبو أمامة على جنازة فلما وضعت في لحدها ، قال أبوأمامة: هذا برزخ إلى يوم يبعثون.
وقيل للشَّعبي مات فلان قال: ليس هو في الدنيا ولا في الآخرة هو في برزخ، وسمع رجلا يقول: مات فلان أصبح من أهل الآخرة. قال: لا تقل من أهل الآخرة! ولكن قل من أهل القبور.
(هول القبور:
(أخي الحبيب:
أما تفكرت في حال من مات ونُقِلَ من القصورِ إلى ظلمة القبور وما فيها من الدواهي والأمور تحت الجنادل والصخور .. ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود .. ومن ملاعبة الأهل والولدان إلى مقاساة الهوام والديدان .. ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوبيل؟ فأخذهم الموت على غرة، وسكنوا القبور بعد حياة الترف واللذة، وتساووا جميعاً بعد موتهم في تلك الحفرة.
(ولله درُ من قال:
أتيت القبور فناديتها
…
أين المعظم والمحتقر؟!
وأين المذل بسلطانه
…
وأين القوي على ما قدر؟!
تفانوا جميعاً فما مخبر
…
وماتوا جميعاً ومات الخبر!!
فيا سائلي عن أناس مضوا
…
أما لك فيما مضى معتبر؟!
تروح وتغدو بنات الثرى
…
فتمحو محاسن تلك الصور!
(أخي الحبيب:
ماذا أعددت لأول ليلة تبيتها في قبرك؟ أما علمت أنها ليلة شديدة، بكى منها العلماء، وشكا منها الحكماء، وشمر لها الصالحون الأتقياء؟
فارقت موضع مرقدي
…
يوماَ فقارققني السكون
القبر أول ليلة
…
بالله قل لي ما يكون؟!
كان الربيع بن خثيم يتجهز لتلك الليلة، ويروى أنه حفر في بيته حفرة فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيها، وكان يمثل نفسه أنه يقد مات وندم وسأل الرجعة فيقول: رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99،100]، ثم يجيب نفسه فيقول:(قد رجعت يا ربيع!!) فيرى فيه ذلك أياماً، أي يرى فيه العبادة والاجتهاد والخوف والوجل.
الثرى والتراب .. ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة .. ومن المضجع الوثير إلى المصرع
[*] (شيع الحسن رحمه الله: جنازة فجلس على شفير القبر فقال: إن أمراً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله، وإن أمراً هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره.
[*] (ووعظ عمر بن عبد العزيز يوماً أصحابه فكان من كلامه أنه قال: إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً، وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم .. سل غنيهم ما بقي من غناه؟ .. واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون .. واسألهم عن الجلود الرقيقة، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟! .. أكلت الألسن، وغفرت الوجوه، ومحيت المحاسن، وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء، ومزقت الأشلاء فأين حجابهم وقبابهم؟ وأين خدمهم وعبيدهم؟ وجمعهم وكنوزهم؟ أليسوا في منازل الخلوات؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء؟ قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة والمال والأهل.
[*] (وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: "ويحك يا يزيد! من ذا يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضى عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس! ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم .. من الموت موعده .. والقبر بيته .. والثرى فراشه .. والدود أنيسه .. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر .. كيف يكون حاله؟! "، ثم بكي رحمه الله.
(فيا ساكن القبر غداً! ما الذي غرك من الدنيا؟ أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ .. ليت شعري بأي خديك بدأ البلى .. يا مجاور الهلكات صرت في محلة الموت .. ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا .. وما يأتيني به من رسالة ربي .. ثم انصرف رحمة الله فما عاش بعد ذلك إلا جمعة.
(أخي الحبيب:
تفكر في الذين رحلوا .. أين نزلوا؟ وتذكر القوم نوقشوا وسئلوا .. ولقد ودوا بعد الفوات لو قبلوا .. ولكن هيهات هيهات وقد قبروا.
أما اعتبرت بمن رحل، أما وعظتك العبر، أما كان لك سمعٌ ولا بصر.
(أخي الحبيب:
القبر أول منازل الآخرة فكيف بنا أهملنا بنيانه وقوضنا أركانه وليس بيننا وبين الانتقال إليه إلا أن يقال: فلان مات.
وأنت إذا أمعنت النظر في كل شيء لن تجد أفظع من القبر وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث هانىء مولى عثمان رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قال: كان عثمان إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت منظراً قطُّ إلا والقبر أفظع منه ".
[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ) وَمِنْهَا عُرْضَةُ الْقِيَامَةِ عِنْدَ الْعَرْضِ، وَمِنْهَا الْوُقُوفُ عِنْدَ الْمِيزَانِ، وَمِنْهَا الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَمِنْهَا الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَآخِرُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الدُّنْيَا وَلِذَا يُسَمَّى الْبَرْزَخُ
(فَإِنْ نَجَا) أَيْ خُلِّصَ الْمَقْبُورُ
(مِنْهُ) أَيْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
(فَمَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنَ الْمَنَازِلِ
(أَيْسَرُ مِنْهُ) أَيْ أَسْهَلُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ لَكُفِّرَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ
(وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ) أَيْ لَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَلَمْ يُكَفِّرْ ذُنُوبَهُ بِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِهِ
(فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّارَ أَشَدُّ الْعَذَابِ وَالْقَبْرُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ
(قَالَ) أَيْ عُثْمَانُ رضي الله عنه.
(مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالظَّاءِ أَيْ مَوْضِعًا يُنْظَرُ إِلَيْهِ وَعَبَّرَ عَنِ الْمَوْضِعِ بِالْمَنْظَرِ مُبَالَغَةً لِأَنَّهُ إِذَا نُفِيَ الشَّيْءُ مَعَ لَازِمِهِ يَنْتَفِي بِالطَّرِيقِ الْبُرْهَانِيِّ
(قَطُّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمَضْمُومَةِ: أَيْ أَبَدًا وَهُوَ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْمَاضِي
(إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ) مِنْ فَظُعَ الْأَمْرُ كَكَرُمَ اشْتَدَّتْ شَنَاعَتُهُ وَجَاوَزَ الْمِقْدَارَ فِي ذَلِكَ، يَعْنِي أَشَدُّ وَأَفْظَعُ وَأَنْكَرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْظَرِ.
قِيلَ: الْمُسْتَثْنَى جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ مَنْظَرٍ وَهُوَ مَوْصُوفٌ حُذِفَتْ صِفَتُهُ، أَيْ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا فَظِيعًا عَلَى حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْفَظَاعَةِ، إِلَّا فِي حَالَةِ كَوْنِ الْقَبْرِ أَقْبَحَ مِنْهُ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ. أهـ
فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون
…
القبر أول ليلة بالله قل لي فيه ما يكون
نظرة واحدة بعين البصيرة في هذا القبر والله سوف تعطيك حقيقة هذه الدنيا فبعد العزة وبعد الأموال وبعد الأوامر والنواهي وبعد الخدم والحشم وبعد القصور والدور، أهذه هي نهاية ابن آدم في هذه الحفرة الضيقة المظلمة.
تالله لو عاش الفتى في عمره
…
ألفاً من الأعوام مالك أمره
متلذذاً فيها بكل نعيم
…
متنعماً فيها بنعمى عصره
ما كان ذلك كله في أن يفي
…
بمبيت أول ليلة في قبره
فإذا تفكر في ما سيلقاه في قبره وأنه إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. إذا تفكر في هذا كله ارتدع عن المعاصي ورق قلبه لخالقه.
(أخي الحبيب:
انظر لحال الموتى وتأمل حالهم ومآلهم فوالله إنه سيأتيك يوم مثل يومهم وسيمر عليك ما مرّ بهم، ألا فاعتبر واستعد، ولا تغفل ولا تنسى مصيرك ومآلك، فهل تصورت نفسك وأنت مكان هذا المدفون، والله إنها نعمة كبيرة أن أعطاك الله العبرة من غيرك ولم يعط غيرك العبرة منك، فأعطاك الفرصة أن تحاسب نفسك وتستعد لذلك المصرع، فهلاّ استفدت من هذه الفرصة ما دام في الوقت مهلة، لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [الصافات:61] وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (