الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالمقصود أن هذه الأعراف .. والعادات .. والفضلات .. والمباحات .. قد تكون حجاباً بين العبد وبين ربه .. وقد تكون كثرة النوم حجاباً بين العبد وبين الله .. قد يكون الزواج وتعلق القلب به حجاب بين العبد وبين الله .. وهكذا الاهتمام بالمباحات .. والمبالغة في ذلك .. وشغل القلب الدائم بها .. قد يكون حجاباً غليظاً يقطعه عن الله.
نسأل الله عز وجل ألا يجعل بيننا وبينه حجاباً ..
الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:
والغفلة تستحكم في القلب حين يفارق محبوبه جل وعلا .. فيتبع المرء هواه .. ويوالي الشيطان .. وينسى الله قال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)[الكهف:28] .. ولا ينكشف حجاب الغفلة عنه إلا بالانزعاج الناشئ عن انبعاث ثلاثة أنوار في القلبهي ما يلي:
(1)
نور ملاحظة نعمة الله تعالى في السر والعلن .. حتى يغمر القلب محبته جل جلاله. فإن القلوب فطرت على حب من أحسن إليها.
(2)
نور مطالعة جناية النفس .. حتى يوقن بحقارتها .. وتسببها في هلاكه .. فيعرف نفسه بالازدراء والنقص .. ويعرف ربه بصفات الجمال والكمال .. فيبذل لله .. ويحمل على نفسه في عبادة الله .. لشكره وطلب رضاه.
(3)
نور الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان من الأيام .. فيدرك أن عمره رأس ماله. فيشمّر عن ساعد الجدّ حتى يتدارك ما فاته في يقسة عمره.
فيظل ملاحظا لذلك كله .. فينزعج القلب .. ويورثه ذلك يقظة تصيح بقلبه الراقد الوسنان .. فيهب لطاعة الله .. سبحانه وتعالى .. فينكشف هذا الحجاب .. ويدخل نور الله قلب العبد .. فيستضيء.
الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف:
إن هناك أناسا عبيد للعادة .. تقول له: لم تدخن؟!! .. يقول لك: عادة سيئة .. أنا لا أستمتع بالسيجارة .. ولا ضرورة عندي إليها .. وإنما عندما أغضب فإني أشعل السيجارة .. وبعد قليل أجد أني قد استرحت.
ولما صار عبد السيجارة .. فصارت حجابا بينه وبين الله .. ولذلك أول سبيل للوصول الى الله خلع العادات .. ألا تصير لك عادة .. فالإنسان عدو عادته فلكي تصل الى الله، فلا بد أن تصير حرا من العبودية لغير الله.
[*] قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" ولا تصح عبوديته ما دام لغير الله فيه بقية" .. فلا بد أن تصير خالصا لله حتى يقبلك.
الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير إلى المقصود:
هذا حجاب الملتزمين .. أن يرى المرء عمله .. فيكون عمله حجابا بينه وبين الله .. فمن الواجب ألا يرى عمله .. وإنما يسير بين مطلعة المنّة .. ومشاهدة عيب النفس والعمل .. يطاع منّة الله وفضله عليه أن وفقه وأعانه .. ويبحث في عمله .. وكيف أنه لم يؤده على الوجه المطلوب .. بل شابه من الآفات ما يمنع قبوله عند الله .. فيجتهد في السير .. وإلا تعلق القلب بالعمل .. ورضاه عنه .. وانشغاله به عن المعبود .. حجاب .. فإن رضا العبد بطاعته .. دليل على حسن ظنه بنفسه .. وجهله بحقيقة العبودية .. وعدم علمه بما يستحقه الرب جل جلاله .. ويليق أن يعمل به .. وحاصل ذلك أن جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها .. وعيوب عمله .. وجهله بربه وحقوقه .. وما ينبغي أن يعامل به .. يتولد منها رضاه بطاعته .. وإحسان ظنه بها .. ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات .. ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة .. فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها ..
ولله درّ من قال: متى رضيت نفسك وعملك لله فاعلم أنه غير راض به .. ومن عرف أن نفسه مأوى كل عيب وشر .. وعمله عرضة لكل آفة ونقص .. كيف يرضى الله نفسه وعمله؟!
وكلما عظم الله في قلبك .. صغرت نفسك عندك .. وتضاءلت القيمة التي تبذلها في تحصيل رضاه .. وكلما شهدت حقيقة الربوبية. وحقيقة العبودية .. وعرفت الله .. وعرفت النفس .. تبين لك أن ما معك من البضاعة .. لا يصلح للملك الحق .. ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبته .. وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله .. ويثيبك عليه بكرمه وجوده وتفضله.
فحينها تتبرأ من الحول والقوة .. وتفهم أن لا حول ولا قوة إلا بالله .. فينقشع هذا الحجاب.
هذه هي الحجب العشرة بين العبد وبين الله .. كل حجاب منها أكبر وأشد كثافة من الذي قبله. أرأيت يا عبد الله كم حجاب يفصلك اليوم عن ربك سبحانه وتعالى؟! .. قل لي بربك: كيف يمكنك الخلاص منها؟!
فاصدق الله .. واصدق في اللجوء إليه .. لكي يزيل الحجب بينك وبينه .. فإنه لا ينسف هذه الحجب إلا الله ..
[*] قال ابن القيّم رحمه الله: (فهذه عشرة حجب بين القلب وبين الله سبحانه وتعالى .. تحول بينه وبين السير إلى الله .. وهذه الحجب تنشأ عن أربعة عناصر .. أربعة مسميات هي: النفس .. الشيطان .. الدنيا .. الهوى .. ).
فلا يمكن كشف هذه الحجب مع بقاء أصولها وعناصرها في القلب البتة .. لا بد من نزع تلك الأربعة لكي تنزع الحجب التي بينك وبين الله.