المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(من درر أقوال المحتضرين لحظة الاحتضار: - فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب - جـ ٢

[محمد نصر الدين محمد عويضة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الرقائق

- ‌(عملي في هذا الكتاب:

- ‌باب تعريف الرقائق:

- ‌باب أسباب الكلام في الرقائق:

- ‌باب حاجتنا إلى الرقائق:

- ‌باب العناية بالرقائق:

- ‌باب: التوازن في الرقائق

- ‌باب ما الأشياء التي يمكن أن نطلق عليها رقائق

- ‌الحُجُبُ التي تحول بين العبد وربه هي عشرة

- ‌الحجاب الأول: الجهل بالله:

- ‌الحجاب الثاني: البدعة:

- ‌الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:

- ‌الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة:

- ‌الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر:

- ‌الحجاب السادس: حجاب الشرك:

- ‌(توحيد الربوبيةِ:

- ‌(توحيد الأ لوهية:

- ‌(توحيد الأسماءِ والصفات:

- ‌الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات:

- ‌الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:

- ‌الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف:

- ‌الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير إلى المقصود:

- ‌باب شرطي قبول العمل:

- ‌(أهمية العلم بشرطي قبول العمل:

- ‌(أولاً الإخلاص:

- ‌(تعريف الإخلاص:

- ‌(فضائل الإخلاص:

- ‌(ماذا قال بعض العلماء في الإخلاص

- ‌(خطورة ترك العمل خوف الرياء:

- ‌(هناك أشياء تظن من الرياء وليست منه:

- ‌(علامات الإخلاص:

- ‌(ثانيا: متابعة السنّة:

- ‌باب حقيقة الموت:

- ‌مسألة: ما هي حقيقة الموت

- ‌(الموت أعظم المصائب:

- ‌(الموت موعد مجهول:

- ‌مسألة هل الموت راحة

- ‌مسألة: هل يجوز تمني الموت

- ‌(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه:

- ‌مسألة: هل يجوز لنا أن نكره الموت

- ‌مسألة: ما حكم موت الفجأة

- ‌(عبرة الموت:

- ‌(هو الموت ما منه فوت

- ‌باب‌‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌(رُسُلُ ملك الموت:

- ‌باب ذِكْرُ الموت:

- ‌(كيف تتناسى الموت

- ‌(فوائد ذكر الموت:

- ‌(الأسباب الباعثة على ذكر الموت:

- ‌باب كيف نستعد للموت

- ‌مسألة: كيف نستعد للموت

- ‌(1) اجتناب المنهيات:

- ‌(2) أداء الفرائض والواجبات:

- ‌(3) كثرة ذكرالموت:

- ‌(4) محاسبة النفس:

- ‌(كيفية محاسبة النفس

- ‌(الأدلة على مشروعية المحاسبة:

- ‌(أهمية محاسبة النفس:

- ‌ولمحاسبة النفس فوائد عظيمة ومزايا جسيمة منها ما يلي:

- ‌(5) الإكثار من الطاعات والقربات:

- ‌باب استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة:

- ‌(أثر استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة في رقة القلب:

- ‌(معنى حسن الخاتمة:

- ‌(أسباب حسن الخاتمة:

- ‌(علامات حسن الخاتمة:

- ‌(صور من حسن الخاتمة:

- ‌(علامات سوء الخاتمة:

- ‌(صور من سوء الخاتمة:

- ‌(الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة:

- ‌(1) التسويف بالتوبة:

- ‌(2) طول الأمل:

- ‌(3) حب المعصية وأُلفها واعتيادها:

- ‌(4) الانتحار:

- ‌باب ساعة الاحتضار:

- ‌(أحوال الناس عند الاحتضار:

- ‌(لحظات المحتضرين:

- ‌(من دُرَرِ أقوال المحتضرين لحظة الاحتضار:

- ‌(تعزية النفس عند الاحتضار بالصبر والاحتساب:

- ‌(البكاء عند الموت مخافة سوء المرد:

- ‌(سكرات الموت:

- ‌(الثبات عند الموت:

- ‌(ما يسن عند الاحتضار:

- ‌باب وجوب الصبر والاسترجاع لأهل الميت:

- ‌باب ما ورد في البكاء على الميت:

- ‌باب‌‌ غسل الميتوتكفينه والصلاة عليه ودفنه:

- ‌ غسل الميت

- ‌(تكفين الميت:

- ‌(الواجب في الكفن:

- ‌(كيفية تكفين الميت:

- ‌(الصلاة على الميت:

- ‌(فضل الصلاة على الميت:

- ‌(مقصود الصلاة على الميت:

- ‌(مقام الإمام من الميت:

- ‌(صفة صلاة الجنازة:

- ‌(هل يصلي الإمام على قاتل نفسه:

- ‌(الصلاة على السقط:

- ‌(حمل الجنازة والسير بها:

- ‌(الموعظة بالجنازة والاعتبار بها:

- ‌ دفن الميت

- ‌(الأوقات التي لا يجوز الدفن فيها إلا لضرورة:

- ‌(استحباب الدفن في الأماكن المقدسة:

- ‌(استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:

- ‌(الأمور التي تستحب في الدفن:

- ‌(الأمور التي تستحب بعد الفراغ من الدفن:

- ‌(الأشياء التي تنفع الميت بعد موته:

- ‌(ما ورد في التعزية وحكمها:

- ‌(الحداد على الميت:

- ‌(ما ورد في النهي عن سب الأموات:

- ‌باب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور:

- ‌(ما هو البرزخ

- ‌(سؤال القبر:

- ‌(التثبيت في القبر:

- ‌(عذاب القبر ونعيمه:

- ‌(الأسباب الموجبة لعذاب القبر:

- ‌(الأسباب التي تكون سبباً في النجاة عذاب القبر:

- ‌لعذاب القبر أنواع منها ما يلي:

- ‌(ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنورها عليهم بدعاء الأحياء:

- ‌(عرض منازل أهل القبور عليهم من الجنة أو النار بكرة وعشيا:

- ‌(ضمة القبر:

- ‌(اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه:

- ‌(اجتماع الموتى إلى الميت وسؤالهم إياه:

- ‌(ما ورد من سماع الموتى كلام الأحياء:

- ‌(ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ:

- ‌(زيارة الموتى والاتعاظ بهم:

- ‌(آداب زيارة القبور:

- ‌ الأمور التي يحرم فعلها عند القبور

- ‌(عِظةُ القبور:

- ‌ فوائد زيارة القبور

- ‌(الفرق بين زيارة الموحدين للقبور، وزيارة المشركين:

- ‌(استحباب تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌(أحوال السلف في تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌باب القيامة الكبرى وما يجري فيها:

- ‌(منهج أهل السنة والجماعة في تفصيل الإيمان باليوم الآخر:

- ‌(التفكر في أهوال يوم القيامة:

- ‌(حشر الناس حفاة عراة غرلا:

- ‌(دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين:

- ‌(نصبُ الموازين:

- ‌(الدليل على أن الأعمال توزن:

- ‌(نشرُ الدواوين:

- ‌(حساب الخلائق:

- ‌(الحوض المورود للنبي

- ‌(الصراط:

- ‌(الإيمان بالجنة والنار:

- ‌(الشفاعة:

- ‌باب الترغيب في الجنة:

- ‌(الترغيب في الجنة:

- ‌(إدامة ذِكْرِ الجَنَّة:

- ‌(من أعظم الغبن أن تبيع الجنة بالدنيا الفانية:

- ‌(حُفَّت الجنة بالمكاره:

- ‌(منزلة الجهاد في الإسلام:

- ‌(ومن ملابسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(أهل الجنة لا ينامون:

- ‌(نعيم الجنة يُنسي بؤس الدنيا:

- ‌(مفتاح الجنة:

- ‌(وجود الجنة الآن:

- ‌(مكان الجنة وأين هي:

- ‌ تَفجَّر أنهار الجنة

- ‌(درجات الجنة:

- ‌(الشهداء ممن ينالون الدرجات العلى:

- ‌(أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة:

- ‌(ارتقاء العبد و هو في الجنة من درجة إلى درجة أعلى منها:

- ‌(أعلى أهل الجنة منزلة:

- ‌(أدنى أهل الجنة منزلة:

- ‌(آخر أهل الجنة دخولا إليها:

- ‌(طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم:

- ‌(أسماء الجنة ومعانيها:

- ‌(عدد الجنات:

- ‌(أبواب الجنة وخزنتها:

- ‌(خزنة الجنة:

- ‌(عدد أبواب الجنة:

- ‌(سعة أبواب الجنة:

- ‌(صفة أبواب الجنة وأنها ذات حلق:

- ‌(أول من يقرع باب الجنة:

- ‌(أول من يدخلون الجنة وصفاتهم:

- ‌(صفات أول من يدخلون الجنة:

- ‌(سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة:

- ‌(أصناف أهل الجنة وأوصافهم:

- ‌ أوصاف أهل الجنة في السنة الصحيحة:

- ‌(أكثر أهل الجنة هم أمة محمد

- ‌(النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار:

- ‌(من يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب:

- ‌(ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم الجنة:

- ‌(عرض الجنة:

- ‌(ذكر بناء الجنة وملاطها وحصباؤها و تربتها:

- ‌(غُرف الجنة وقصورها:

- ‌(خيام الجنة:

- ‌(قصور الجنة:

- ‌(كيفية دخول أهل الجنة الجنة:

- ‌(سوق الجنة و ما اعد الله تعالى فيه لأهلها:

- ‌(صفة أهل الجنة في خَلْقِهِم وَخُلُقِهم:

- ‌(سِنُ أهلِ الجنة:

- ‌(تحفة أهل الجنة إذا دخلوها:

- ‌(ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق:

- ‌(الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة:

- ‌(أشجار الجنة وبساتينها وظلالها:

- ‌(ثمار الجنة وتعداد أنواعها وصفاتها:

- ‌(في زرع الجنة:

- ‌(نهر الكوثر:

- ‌ عيون الجنة:

- ‌(طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه:

- ‌فاكهة أهل الجنة:

- ‌شراب أهل الجنة:

- ‌(آنية أهل الجنة التي يأكلون فيها ويشربون:

- ‌(لباس أهل الجنة وحليهم:

- ‌(حُلِّي أهل الجنة:

- ‌(مناديل أهل الجنة:

- ‌(لبسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(فُرُشُ أهل الجنة:

- ‌(بُسُطُ أهل الجنة وزرابيهم:

- ‌(خيام أهل الجنة وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم:

- ‌(مطايا أهل الجنة و خيولهم و مراكبهم:

- ‌(غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم:

- ‌(وصف الحور العين:

- ‌(ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة:

- ‌(رؤية أهل الجنة لله تعالى بأبصارهم جهرة:

- ‌(تكليم الله تعالى لأهل الجنة:

- ‌(أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد:

- ‌(الجنة تتكلم:

- ‌(صفات من يستحقُّ الجنة في القرآن والسنة:

- ‌(الطريق إلى الجنة:

الفصل: ‌(من درر أقوال المحتضرين لحظة الاحتضار:

(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه و من كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: (ليس ذاك، ولكنَّ المؤمن إذا حضره الموت بُشِّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بُشِّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه.

‌(لحظات المحتضرين:

ولا بأس أخي الكريم، أن أذكر لك بعض لطائف المحتضرين، ممن فتح الله عليهم لحظة الموت بالثبات واليقين وختم لهم بصالح الأعمال جزاء على ما قدموا في حياتهم من الطاعات والقربات.

[*] فقد حكى القرطبي في كتابه التذكرة: عن شيخ شيخه أحمد بن محمد القرطبي أنه احتضر فقيل له: قل لا إله إلا الله، فكان يقول: لا. فلما أفاق ذكرنا له ذلك، فقال: أتاني شيطان عن يميني وعن يساري. يقول أحدهما: مت يهودياً فإنه خير الأديان. والآخر يقول: مت نصرانياً فإنه خير الأديان. فكنت أقول لهم: لا. لا. أنى تقولان هذا!! فكان الجواب لهما لا لكم.

فتذكر أخي الكريم عسر هذه اللحظات، وتذكر ما يحصل فيها من البلاء والفتن، فوالله إنها لأحرى بالتذكر والتأمل، والاستعداد والتشمير عن ساعد الجد بالانتهاء عما حرّم الله، وفعل ما افترضه وأوجبه، والإكثار من الخيرات وما ينفع في الدار الآخرة. فإن ذلك من أعظم ما يسهل على المرء سكرة الموت، ويجعله ثابتاً موقناً في دينه ساعة الاحتضار.

فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يحتضر ويقرأ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ [القمر:55،54]

‌(من دُرَرِ أقوال المحتضرين لحظة الاحتضار:

هآنذا أنقل لك كلام المحتضرين لتعلم علم اليقين الذي لا يخالطه شك مدى حقارة الدنيا وزوالها وأنها ظلُ زائر وخيال حائر وأن إقبالها خديعة وإدبارها فجيعة لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزالها، حالها انتقال وسكونها زوال، غَرَّارَةٌ خَدُوع مُعْطِيَةٌ مَنُوع نزوع، فاسمع مقالتهم فيها عند حضور الموت وهم الذين ملكوا الدنيا بأسرها، وتأمل في قولهم بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(قول النبي صلى الله عليه وسلم عند حضور الموت:

ص: 156

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة، وكان في شكواه الذي قبض فيه، أخذته بحة شديدة، فسمعته يقول: قال تعالى: (مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَآءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولََئِكَ رَفِيقاً)[: النساء: 69] فعلمت أنه خير.

(حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الثابت في صحيح أبي داوود) قال: كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم»

(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه الصلاة وما ملكت أيمانكم.

(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري) قالت: إن من نعم الله علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته: دخل علي عبد الرحمن، وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: (أن نعم). فتناولته، فاشتد عليه، وقلت: الينه لك؟ فأشار برأسه: (أن نعم). فلينته، فأمره، وبين يديه ركوة أو علبة - يشك عمر - فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه، يقول:(لا إله الإ الله، إن للموت سكرات). ثم نصب يده، فجعل يقول:(اللهم في الرفيق الأعلى). حتى قبض ومالت يده.

(حديث عائشة رضي الله عنه الثابت في فقه السيرة وصححه الألباني) قالت: وكان إلى جواره قدح فيه ماء يغمس فيه يده ثم يمسح وجهه بالماء ويقول:

اللهم أعني على سكرات الموت.

(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح البخلري) قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه، فقال لها:(ليس على أبيك كرب بعد اليوم). فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه. فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب.

ص: 157

(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) قال: لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرب الموت ما وجد قالت فاطمة وا كرب أبتاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كرب على أبيك بعد اليوم إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا الموافاة يوم القيامة.

(قول الخلفاء والملوك والأمراء عند حضور الموت:

(إن مقالة الخلفاء والملوك والأمراء عند حضور الموت تؤكد بما لا يدعُ مجالاً للشك على تمام التسليم لأمر الله والافتقار إلى رحمته الواسعة والخوف من عذابه:

(مقالة الخلفاء والملوك والأمراء عند حضور الموت ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، كلامهم يشرح الصدور ويبكى الصخور، كلامٌ يُفْري الأكباد ويذيب الأجساد، كلامٌ يُذَكِرُ العاقل وَيُقَوِّمُ المائل ويُنَبِّهُ الغافِل.

(مقالة الخلفاء والملوك والأمراء عند حضور الموت تُبَيِّنُ لك بياناً شافياً مدى حقارةِ الدنيا وأنها ظلُ زائر وخيالُ حائر، وأن إقبالها خديعة وإدبارها فجيعة لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزالها، حالها انتقال وسكونها زوال، غَرَّارَةٌ خَدُوع مُعْطِيَةٌ مَنُوع نزوع، فاسمع مقالتهم فيها عند حضور الموت وهم الذين ملكوا الدنيا بأسرها، وتأمل في قولهم بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(قول أبي بكر الصديق عند حضور الموت:

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن البهي قال: «لما احتضر أبو بكر، جاءت عائشة فتمثلت بهذا البيت: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق به الصدر فكشف عن وجهه فقال: ليس كذاك، ولكن قولي: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)[ق: 19])، انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما وكفنوني فيهما؛ فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن مالك بن مغول، سمع أبا السفر قال: دخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا: يا خليفة رسول الله، ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك؟ قال:«قد نظر إلي، قالوا: ما قال؟ قال: إني فعال لما أريد»

ص: 158

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن أبي عمران الجوني، عن أسير قال: قال سلمان: دخلت على أبي بكر في مرضه فقلت: يا خليفة رسول الله، اعهد إلي عهدا؛ فإني لا أراك تعهد إلي بعد يومك هذا شيئا، قال:«أجل يا سلمان، إنها ستكون فتوح، فلا أعرفن ما كان من حظك منها ما جعلت في بطنك أو ألقيته على ظهرك، واعلم أنه من صلى الصلوات الخمس فإنه يصبح في ذمة الله، فلا تقتلن أحدا من أهل ذمة الله؛ فيطلبك الله بذمته، فيكبك على وجهك في النار»

(قول عمر ابن الخطاب عند حضور الموت:

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن المسور بن مخرمة قال: قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين، اعهد؛ فإنك ميت في ثلاثة أيام، فقال عمر: الله إنك تجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك، قال: وعمر لا يحس أجلا ولا وجعا. فلما مضت ثلاث طعنه أبو لؤلؤة، فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلمون عليه، ودخل في الناس كعب، فلما نظر إليه عمر قال: فأوعدني كعب ثلاثا يعدها ولا شك أن القول ما قال لي كعب وما بي حذار الموت إني لميت ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب.

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن ابن عمر، قال: كان رأس عمر في حجري في مرضه الذي مات فيه، فقال لي:«ضع خدي على الأرض، فقلت: وما كان عليك كان في حجري أو على الأرض؟ فقال: ضعه لا أم لك، فوضعته، فقال: ويلي، ويل لأمي إن لم يرحمني ربي»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن الحسن، أن عمر، لما حضرته الوفاة قال:«لو أن لي ما على الأرض لافتديت به من هول المطلع»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن عمرو بن دينار، قال: قال لي عمر بن الخطاب حين حضره الموت: «لو أن لي الدنيا وما فيها لافتديت بها من النار، وإن لم أرها»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن أبان بن عثمان قال: دخلت على عمر بن الخطاب حين طعن، ورأسه في التراب، فذهبت أرفعه، فقال:«دعني، ويلي، ويل أمي إن لم يغفر لي. ويلي، ويل أمي إن لم يغفر لي»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن ابن عباس قال: لما طعن عمر قلت له: أبشر بالجنة، فقال:«والله لو كان لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر»

ص: 159

(قول عثمان ابن عفان عند حضور الموت:

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن عبد الله بن سلام أنه قال لمن حضر تشحط عثمان في الموت حين ضربه أبو رومان الأضحى: ماذا كان قول عثمان وهو يتشحط (1)؟ قالوا: سمعناه يقول: «اللهم اجمع أمة محمد، اللهم اجمع أمة محمد، اللهم اجمع أمة محمد» ثلاثا. قال: والذي نفسي بيده لو دعا الله علي تلك الحال أن لا يجتمعوا أبدا ما اجتمعوا إلى يوم القيامة.

يتشحط: يتخبط ويتمرغ ويضطرب.

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن هارون بن أبي يحيى السلمي، عن شيخ من ضبة، أن عثمان جعل يقول حين ضرب والدماء تسايل على لحيته: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستعديك عليهم، وأستعينك على جميع أموري، وأسألك الصبر على ما أبليتني.

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن أبي قتادة قال: دخلت على عثمان وهو محصور - أنا ورجل من قومي - نستأذنه في الحج، فأذن لنا. فلما خرجت استقبلني الحسن بن علي بالباب، فدخل وعليه سلاحه، فرجعت معه، فدخل، فوقف بين يدي عثمان وقال: يا أمير المؤمنين، ها أنذا بين يديك فمرني بأمرك، فقال له عثمان:«يا ابن أخي وصلتك رحم، إن القوم ما يريدون غيري، ووالله لا أتوقى بالمؤمنين، ولكن أوقي المؤمنين بنفسي. فلما سمعت ذلك منه قلت له: يا أمير المؤمنين، إن كان من أمرك كون، فما تأمر؟ قال: انظروا ما أجمعت عليه أمة محمد، فإن الله لا يجمعهم على ضلالة، كونوا مع الجماعة حيث كانت» قال بشار: فحدث به حماد بن زيد، فرق، ودمعت عينه وقال: رحم الله أمير المؤمنين، حوصر نيفا وأربعين ليلة، لم تبد منه كلمة يكون لمبتدع فيها حجة.

(قول علي ابن أبي طالب عند حضور الموت:

ص: 160

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن الأصبغ الحنظلي، قال:«لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي رحمه الله أتاه ابن النباح حين طلع الفجر يؤذنه بالصلاة وهو مضطجع متثاقل، فعاد الثانية وهو كذاك، ثم عاد الثالثة، فقام علي يمشي وهو يقول: شد حيازيمك للموت فإن الموت آتيك ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك فلما بلغ الباب الصغير شد عليه عبد الرحمن بن ملجم فضربه، فخرجت أم كلثوم بنت علي فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الغداة؟ قتل زوجي أمير المؤمنين صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن هارون بن أبي نجيح، عن شيخ من قريش، أن عليا قال لما ضربه ابن ملجم:«فُزْتُ وربِ الكعبة»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن محمد بن علي، أن عليا، لما ضرب أوصى بنيه، ثم لم ينطق إلا بـ «لا إله إلا الله» حتى قبضه الله.

(قول معاوية بن أبي سفيان عند حضور الموت:

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن سفيان بن عيينة قال: سمعت إسماعيل يحدث قال: سمعت هشاما، قال: أخرج معاوية ذراعيه كأنهما عسيبا (1) نخل ثم قال: «ما الدنيا إلا ما ذقنا وجربنا. والله لوددت أني لم أغبر (2) فيكم ثلاثا حتى ألحق بالله. قالوا: يا أمير المؤمنين، إلى رحمة الله وإلى رضوانه، قال: إلى ما شاء الله، قد علم الله أني لم آل (3). وما أنا إن يغير غير؟»

(1)

العسيب: جريدَة من النَّخْلِ. وهي السَّعَفة ممَّا لا يَنْبُتُ عليه الخُوصُ

(2)

أغبر: أمكث

(3)

آلو: أُقَصِّر

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على معاوية في مرضه الذي مات فيه، وكأن ذراعيه سعفتان محترقتان، فقال:«إنكم تقلبون غدا فتى حولا قلبا، وأي فتى أهل بيت إن نجا غدا من النار؟»

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن عن أبي بردة قال: قال معاوية، وهو يقلب في مرضه، وقد صار كأنه سعفة (1) محترقة: «أي شيخ تقلبون إن نجاه الله من النار غدا؟»

(1)

السعف: هو ورق النخل وجريده

ص: 161

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن عبد الملك بن عمير قال: دخل عمرو بن سعيد على معاوية في مرضه فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد انخرط أنفك، وذبلت شفتاك، وتغير لونك، وما رأيت أحدا من أهل بيتك في مثل حالك إلا ما ترى فقال معاوية: فإن الموت لم يخلق جديدا ولا هضبا توقله الوبار ولكن كالشهاب يضي ويخبو وحادي الموت عنه ما يحار فهل من خالد إما هلكنا وهل بالموت يا للناس عار.

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن محمد بن سيرين يقول: أخذت معاوية قرة، واتخذ لحفا خفافا، فكانت تلقى عليه، فلا يلبث أن ينادي بها. فإذا أخذت عنه سأل أن ترد عليه، فقال:«قبحك الله دارا، مكثت فيك عشرين سنة أميرا، وعشرين سنة خليفة، ثم صرت إلى ما أرى»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن الحسن بن جهور، عن شيخ من قريش قال: دخلت جماعة على معاوية فرأوا في جلده غضونا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:«أما بعد، فهل الدنيا أجمع إلا ما قد جربنا ورأينا؟ أما والله لقد استقبلنا زهرتها بجدتنا، وباستلذاذ منا لعيشنا، فما لبثنا الدنيا أن نقضت ذلك منا حالا بعد حال، وعروة بعد عروة، فأصبحت الدنيا وقد وترتنا، وأحلقتنا، واستلامت إلينا؛ فأف للدنيا من دار، ثم أف للدنيا من دار»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن ثمامة بن كلثوم: أن آخر، خطبة خطبها معاوية أن قال:«أيها الناس، إني من زرع قد استحصد، وإني قد وليتكم، ولن يليكم بعدي إلا من هو شر مني، كما كان قبلي خير مني. ويا يزيد إذا وفى أجلي فول غسلي رجلا لبيبا، فإن اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل، وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره، فاستودع القراضة أنفي وفمي وأذني وعيني، واجعل الثوب يلي جلدي دون أكفاني. ويا يزيد احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جريدتي، ووضعتموني في حفرتي، فخلوا معاوية وأرحم الراحمين»

ص: 162

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن ابن عباس قال: لما احتضر معاوية قال: «يا بني، إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، وإني دعوت بمشقص (1)، فأخذت من شعره، وهو في موضع كذا وكذا، فإذا أنا مت فخذوا ذلك الشعر فاحشوا به فمي ومنخري» فحدثني بعض أهل العلم، عن شيخ، من قريش: أن معاوية لما قال ذلك تمثلت ابنته: إذا مت مات الجود وانقطع الندى من الناس إلا من قليل مصرد وردت أكف السائلين وأمسكوا من الدين والدنيا بخلف مجدد كلا يا أمير المؤمنين، يدفع الله عنك، فقال معاوية متمثلا: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع ثم أغمي عليه. ثم أفاق فقال لمن حضره من أهله: اتقوا الله، فإن الله يقي من اتقاه، ولا تقى لمن لا يتقي الله. ثم قضى.

(1)

المشقص: نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن هشام بن محمد بن أبي السائب المخزومي قال: جعل معاوية يقول وهو يجود بنفسه: «إن تناقش يكن نقاشك يارب عذابا لا طوق لي بالعقاب أو تجاوز فأنت ربي رحيم عن مسيء ذنوبه كالتراب»

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن الصلت بن حكيم، عن بعض رجاله، أن معاوية، لما احتضر جعل يقول: «لعمري لقد عمرت في الدهر برهة ودانت لي الدنيا بوقع البواتر وأعطيت جم المال والحلم والنهى وسلم قماقيم الملوك الجبابر فأضحى الذي قد كان مما يسرني كلمح مضى في المزمنات الغوابر فيا ليتني لم أغن في الملك ساعة ولم أغن في لذات عيش نواضر وكنت كذي طمرين (1) عاش ببلغة من الدهر حتى زار ضنك المقابر»

(1)

الطمر: الثوب الخلق الرث القديم

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن محمد بن عقبة قال: لما نزل بمعاوية الموت قال: «ليتني كنت رجلا من قريش بذي طوى، وأني لم أل من هذا الأمر شيئا»

(قول عبد الملك بن مروان عند حضور الموت:

ص: 163

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن عبد العزيز بن عمران بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: لما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، نظر إلى غسال بجانب دمشق يلوي ثوبا بيده ثم يضرب به المغسلة، فقال عبد الملك: والله ليتني كنت غسالا، أكلي كسب يدي يوما بيوم، وأني لم أل من أمر الناس شيئا قال عبد العزيز، عن أبيه: فأخبر بذلك أبو حازم، فقال: الحمد لله الذي جعلهم إذا حضرهم الموت يتمنون ما نحن فيه، وإذا حضرنا الموت لم نتمن ما هم فيه.

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن ابن قبيصة بن ذؤيب، عن أبيه قال: كنا نسمع نداء عبد الملك بن مروان من وراء الحجاب: «يا أهل النعم، لا تغالوا منها شيئا مع العافية. وكان قد أصابه داء في فمه»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن المفضل بن فضالة، عن أبيه، قال: استأذن قوم على عبد الملك بن مروان وهو شديد المرض، فقالوا: إنه لما به. فقالوا: إنما ندخل فنسلم قياما ثم نخرج. فدخلوا عليه وقد أسنده خصي إلى صدره، وقد اربد لونه، وجرى منخراه، وشخصت عيناه، فقال:«دخلتم علي في حال إقبال آخرتي وإدبار دنياي، وإني تذكرت أرجى عملي فوجدته غزوة غزوتها في سبيل الله وأنا خلو من هذه الأشياء؛ فإياكم وأبوابنا هذه الخبيثة أن تطيفوا بها»

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن أبي مسهر: قيل لعبد الملك بن مروان في مرضه: كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ قال: أجدني كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىَ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ وَتَرَكْتُمْ مّا خَوّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىَ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تّقَطّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلّ عَنكُم مّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)[الأنعام: 94]

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن عن شعيب بن صفوان قال: «لما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة دعا بنيه فأوصاهم، ثم لم يزل بين مقالتين حتى فاضت نفسه: الحمد لله الذي لا يبالي صغيرا أخذ من ملكه أو كبيرا، والأخرى: فهل من خالد لما هلكنا وهل بالموت يا للناس عار؟»

ص: 164

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن ابن عامر الهذلي قال: دخل سليمان بن عبد الملك على الوليد بن عبد الملك وهو يجود بنفسه، فلما نظر إليه قال:«أجلسوني، فأجلس، فقال متمثلا: وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع فقال سليمان: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع»

(قول سليمان بن عبد الملك عند حضور الموت:

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن المثنى بن معاذ بن معاذ قال: سمعت أبي يقول: لما احتضر سليمان بن عبد الملك جعل يقول: «إن بني صبية صغار أفلح من كان له كبار قال: فيقول عمر بن عبد العزيز: أفلح المؤمنون يا أمير المؤمنين. ويقول سليمان: إن بني صبية صيفيون أفلح من كان له شتويون قال: فيقول عمر: أفلح المؤمنون يا أمير المؤمنين» حدثنا عبد الله قال: وحدثني بعض أهل العلم: أن آخر ما تكلم به سليمان أن قال: أسألك منقلبا كريما. ثم قضى.

(مقالة عمر بن عبد العزيز عند حضور الموت:

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن المغيرة بن حكيم قال: قالت لي فاطمة بنت عبد الملك - امرأة عمر بن عبد العزيز -: كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول: «اللهم أخف عليهم موتي ولو ساعة من نهار. فلما كان اليوم الذي قبض فيه، خرجت من عنده، فجلست في بيت آخر، بيني وبينه باب، وهو في قبة له، فسمعته يقول: (تِلْكَ الدّارُ الَاخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ)[القصص: 83] ثم هدأ. فجعلت لا أسمع له حركة ولا كلاما. فقلت لوصيف كان يخدمه: ويلك انظر أمير المؤمنين أنائم هو؟ فلما دخل عليه صاح فوثبت، فدخلت، فإذا هو ميت، قد استقبل القبلة، وأغمض نفسه، ووضع إحدى يديه على فيه، والأخرى على عينيه»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن عمرو بن قيس قال: قالوا لعمر بن عبد العزيز لما حضره الموت: اعهد يا أمير المؤمنين. قال: «أحذركم مثل مصرعي هذا، فإنه لا بد لكم منه. وإذا وضعتموني في قبري، فانزعوا عني لبنة، ثم انظروا ما لحقني من دنياكم هذه»

ص: 165

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن أبي زيد الدمشقي قال: لما ثقل عمر بن عبد العزيز، دعي له طبيب، فلما نظر إليه قال: أرى الرجل قد سقي السم، ولا آمن عليه الموت. فرفع عمر بصره إليه فقال:«ولا تأمن الموت أيضا على من لم يسق السم» . قال الطبيب: هل حسست بذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قد عرفت حين وقع في بطني. قال: فتعالج يا أمير المؤمنين، فإني أخاف أن تذهب نفسك. قال:«ربي خير مذهوب إليه. والله لو علمت أن شفائي عند شحمة أذني ما رفعت يدي إلى أذني فتناولته. اللهم خر لعمر في لقائه. فلم يلبث إلا أياما حتى مات. رحمه الله»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن عن يحيى بن أبي كثير قال: لما حضر عمر بن عبد العزيز الموت بكى، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ أبشر، فإن الله قد أحيا بك سننا، وأظهر بك عدلا. فبكى ثم قال:«أليس أوقف فأسأل عن أمر هذا الخلق؟ فو الله لو رأيت أني عدلت فيهم لخفت على نفسي أن لا تقوم بحجتها بين يدي الله إلا أن يلقنها حجتها، فكيف بكثير مما صنعنا؟ قال: ثم فاضت عيناه. فلم يلبث إلا يسيرا بعدها حتى مات. رحمه الله»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن ليث بن أبي رقية، عن عمر بن عبد العزيز قال: لما كان في مرضه الذي مات فيه قال: أجلسوني. فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت. ثلاث مرات. ولكن لا إله إلا الله. ثم رفع رأسه، فأحد النظر، فقال له: إنك لتنظر إلي نظرا شديدا يا أمير المؤمنين؟ قال: إني لأرى حضرة، ما هم إنس ولا جن. ثم قبض.

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن مسلمة بن عبد الملك قال: «لما احتضر عمر بن عبد العزيز كنا عنده في قبة، فأومأ إلينا أن اخرجوا. فخرجنا، فقعدنا حول القبة، وبقي عنده وصيف، فسمعناه يقرأ هذه الآية: (تِلْكَ الدّارُ الَاخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ)[القصص: 83]. ما أنتم بإنس ولا جان. ثم خرج الوصيف، فأومأ إلينا أن ادخلوا، فدخلنا، فإذا هو قد قبض»

(قول هشام ابن عبد الملك عند حضور الموت:

ص: 166

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن شيخ من قريش قال: حبس هشام بن عبد الملك عياض بن مسلم ـ وكان كاتبا للوليد بن يزيد ـ وضربه وألبسه المسوح (1). فلم يزل محبوسا حتى مات هشام. فلما ثقل هشام وصار في حد لا يرجى لمن كان في مثله الحياة، فرهقته غشية (2) وظنوا أنه قد مات، فأرسل عياض بن مسلم إلى الخزان: احتفظوا بما في أيديكم، فلا يصلن أحد إلى شيء. وأفاق هشام من غشيته، فطلبوا من الخزان شيئا، فمنعوهم، فقال هشام: أرانا كنا خزانا للوليد ومات هشام من ساعته. فخرج عياض من الحبس، فختم الأبواب والخزائن. وأمر بهشام فأنزل عن فراشه، ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن. فكفنه غالب - مولى هشام - ولم يجدوا قمقما يسخن فيه الماء، حتى استعاروه فقال الناس: إن في هذا لعبرة لمن اعتبر

(1)

المسوح: جمع مِسْح، وهو كساء غليظ من الشعر.

(2)

الغشي: فقدان الوعي، والإغماء

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن إسحاق أبي عمر الشيباني قال: لما احتضر هشام بن عبد الملك، أبصر أهله يبكون حوله، فقال:«جاد عليكم هشام بالدنيا، وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع، وتركتم عليه ما حمل، ما أعظم متقلب هشام إن لم يغفر له»

(قول هارون الرشيد عند حضور الموت:

[*](روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن مسرور الخادم قال: «أمرني هارون أمير المؤمنين لما احتضر، أن آتيه بأكفانه. فأتيته بها، فجعل ينتقيها على عينه، ثم أمرني فحفرت قبره، ثم أمر فحمل إليه، فجعل يتأمله ويقول: (مَآ أَغْنَىَ عَنّي مَالِيَهْ * هّلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَهْ)[الحاقة 28: 29] ويبكي، ثم تمثل ببيت شعر»

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن حدثني أحمد بن محمد الأزدي قال: «جعل هارون أمير المؤمنين يقول وهو في الموت:» واسوءتاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم «

(قول المعتصم عند حضور الموت:

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن سمعت علي بن الجعد قال: «لما احتضر المعتصم جعل يقول:» ذهبت الحيل، ليست حيلة «. حتى أصمت.

[*] (روى ابن أبي الدنيا بإسناده في كتابه المحتضرين عن شيخ من قريش: أنه جعل يقول: أؤخذ من بين هذا الخلق، حدثنا عبد الله قال: وحدثت أنه قال: لو علمت أن عمري هكذا قصير، ما فعلت ما فعلت.

ص: 167