المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(رؤية أهل الجنة لله تعالى بأبصارهم جهرة: - فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب - جـ ٢

[محمد نصر الدين محمد عويضة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الرقائق

- ‌(عملي في هذا الكتاب:

- ‌باب تعريف الرقائق:

- ‌باب أسباب الكلام في الرقائق:

- ‌باب حاجتنا إلى الرقائق:

- ‌باب العناية بالرقائق:

- ‌باب: التوازن في الرقائق

- ‌باب ما الأشياء التي يمكن أن نطلق عليها رقائق

- ‌الحُجُبُ التي تحول بين العبد وربه هي عشرة

- ‌الحجاب الأول: الجهل بالله:

- ‌الحجاب الثاني: البدعة:

- ‌الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:

- ‌الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة:

- ‌الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر:

- ‌الحجاب السادس: حجاب الشرك:

- ‌(توحيد الربوبيةِ:

- ‌(توحيد الأ لوهية:

- ‌(توحيد الأسماءِ والصفات:

- ‌الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات:

- ‌الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:

- ‌الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف:

- ‌الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير إلى المقصود:

- ‌باب شرطي قبول العمل:

- ‌(أهمية العلم بشرطي قبول العمل:

- ‌(أولاً الإخلاص:

- ‌(تعريف الإخلاص:

- ‌(فضائل الإخلاص:

- ‌(ماذا قال بعض العلماء في الإخلاص

- ‌(خطورة ترك العمل خوف الرياء:

- ‌(هناك أشياء تظن من الرياء وليست منه:

- ‌(علامات الإخلاص:

- ‌(ثانيا: متابعة السنّة:

- ‌باب حقيقة الموت:

- ‌مسألة: ما هي حقيقة الموت

- ‌(الموت أعظم المصائب:

- ‌(الموت موعد مجهول:

- ‌مسألة هل الموت راحة

- ‌مسألة: هل يجوز تمني الموت

- ‌(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه:

- ‌مسألة: هل يجوز لنا أن نكره الموت

- ‌مسألة: ما حكم موت الفجأة

- ‌(عبرة الموت:

- ‌(هو الموت ما منه فوت

- ‌باب‌‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌(رُسُلُ ملك الموت:

- ‌باب ذِكْرُ الموت:

- ‌(كيف تتناسى الموت

- ‌(فوائد ذكر الموت:

- ‌(الأسباب الباعثة على ذكر الموت:

- ‌باب كيف نستعد للموت

- ‌مسألة: كيف نستعد للموت

- ‌(1) اجتناب المنهيات:

- ‌(2) أداء الفرائض والواجبات:

- ‌(3) كثرة ذكرالموت:

- ‌(4) محاسبة النفس:

- ‌(كيفية محاسبة النفس

- ‌(الأدلة على مشروعية المحاسبة:

- ‌(أهمية محاسبة النفس:

- ‌ولمحاسبة النفس فوائد عظيمة ومزايا جسيمة منها ما يلي:

- ‌(5) الإكثار من الطاعات والقربات:

- ‌باب استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة:

- ‌(أثر استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة في رقة القلب:

- ‌(معنى حسن الخاتمة:

- ‌(أسباب حسن الخاتمة:

- ‌(علامات حسن الخاتمة:

- ‌(صور من حسن الخاتمة:

- ‌(علامات سوء الخاتمة:

- ‌(صور من سوء الخاتمة:

- ‌(الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة:

- ‌(1) التسويف بالتوبة:

- ‌(2) طول الأمل:

- ‌(3) حب المعصية وأُلفها واعتيادها:

- ‌(4) الانتحار:

- ‌باب ساعة الاحتضار:

- ‌(أحوال الناس عند الاحتضار:

- ‌(لحظات المحتضرين:

- ‌(من دُرَرِ أقوال المحتضرين لحظة الاحتضار:

- ‌(تعزية النفس عند الاحتضار بالصبر والاحتساب:

- ‌(البكاء عند الموت مخافة سوء المرد:

- ‌(سكرات الموت:

- ‌(الثبات عند الموت:

- ‌(ما يسن عند الاحتضار:

- ‌باب وجوب الصبر والاسترجاع لأهل الميت:

- ‌باب ما ورد في البكاء على الميت:

- ‌باب‌‌ غسل الميتوتكفينه والصلاة عليه ودفنه:

- ‌ غسل الميت

- ‌(تكفين الميت:

- ‌(الواجب في الكفن:

- ‌(كيفية تكفين الميت:

- ‌(الصلاة على الميت:

- ‌(فضل الصلاة على الميت:

- ‌(مقصود الصلاة على الميت:

- ‌(مقام الإمام من الميت:

- ‌(صفة صلاة الجنازة:

- ‌(هل يصلي الإمام على قاتل نفسه:

- ‌(الصلاة على السقط:

- ‌(حمل الجنازة والسير بها:

- ‌(الموعظة بالجنازة والاعتبار بها:

- ‌ دفن الميت

- ‌(الأوقات التي لا يجوز الدفن فيها إلا لضرورة:

- ‌(استحباب الدفن في الأماكن المقدسة:

- ‌(استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:

- ‌(الأمور التي تستحب في الدفن:

- ‌(الأمور التي تستحب بعد الفراغ من الدفن:

- ‌(الأشياء التي تنفع الميت بعد موته:

- ‌(ما ورد في التعزية وحكمها:

- ‌(الحداد على الميت:

- ‌(ما ورد في النهي عن سب الأموات:

- ‌باب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور:

- ‌(ما هو البرزخ

- ‌(سؤال القبر:

- ‌(التثبيت في القبر:

- ‌(عذاب القبر ونعيمه:

- ‌(الأسباب الموجبة لعذاب القبر:

- ‌(الأسباب التي تكون سبباً في النجاة عذاب القبر:

- ‌لعذاب القبر أنواع منها ما يلي:

- ‌(ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنورها عليهم بدعاء الأحياء:

- ‌(عرض منازل أهل القبور عليهم من الجنة أو النار بكرة وعشيا:

- ‌(ضمة القبر:

- ‌(اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه:

- ‌(اجتماع الموتى إلى الميت وسؤالهم إياه:

- ‌(ما ورد من سماع الموتى كلام الأحياء:

- ‌(ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ:

- ‌(زيارة الموتى والاتعاظ بهم:

- ‌(آداب زيارة القبور:

- ‌ الأمور التي يحرم فعلها عند القبور

- ‌(عِظةُ القبور:

- ‌ فوائد زيارة القبور

- ‌(الفرق بين زيارة الموحدين للقبور، وزيارة المشركين:

- ‌(استحباب تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌(أحوال السلف في تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌باب القيامة الكبرى وما يجري فيها:

- ‌(منهج أهل السنة والجماعة في تفصيل الإيمان باليوم الآخر:

- ‌(التفكر في أهوال يوم القيامة:

- ‌(حشر الناس حفاة عراة غرلا:

- ‌(دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين:

- ‌(نصبُ الموازين:

- ‌(الدليل على أن الأعمال توزن:

- ‌(نشرُ الدواوين:

- ‌(حساب الخلائق:

- ‌(الحوض المورود للنبي

- ‌(الصراط:

- ‌(الإيمان بالجنة والنار:

- ‌(الشفاعة:

- ‌باب الترغيب في الجنة:

- ‌(الترغيب في الجنة:

- ‌(إدامة ذِكْرِ الجَنَّة:

- ‌(من أعظم الغبن أن تبيع الجنة بالدنيا الفانية:

- ‌(حُفَّت الجنة بالمكاره:

- ‌(منزلة الجهاد في الإسلام:

- ‌(ومن ملابسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(أهل الجنة لا ينامون:

- ‌(نعيم الجنة يُنسي بؤس الدنيا:

- ‌(مفتاح الجنة:

- ‌(وجود الجنة الآن:

- ‌(مكان الجنة وأين هي:

- ‌ تَفجَّر أنهار الجنة

- ‌(درجات الجنة:

- ‌(الشهداء ممن ينالون الدرجات العلى:

- ‌(أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة:

- ‌(ارتقاء العبد و هو في الجنة من درجة إلى درجة أعلى منها:

- ‌(أعلى أهل الجنة منزلة:

- ‌(أدنى أهل الجنة منزلة:

- ‌(آخر أهل الجنة دخولا إليها:

- ‌(طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم:

- ‌(أسماء الجنة ومعانيها:

- ‌(عدد الجنات:

- ‌(أبواب الجنة وخزنتها:

- ‌(خزنة الجنة:

- ‌(عدد أبواب الجنة:

- ‌(سعة أبواب الجنة:

- ‌(صفة أبواب الجنة وأنها ذات حلق:

- ‌(أول من يقرع باب الجنة:

- ‌(أول من يدخلون الجنة وصفاتهم:

- ‌(صفات أول من يدخلون الجنة:

- ‌(سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة:

- ‌(أصناف أهل الجنة وأوصافهم:

- ‌ أوصاف أهل الجنة في السنة الصحيحة:

- ‌(أكثر أهل الجنة هم أمة محمد

- ‌(النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار:

- ‌(من يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب:

- ‌(ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم الجنة:

- ‌(عرض الجنة:

- ‌(ذكر بناء الجنة وملاطها وحصباؤها و تربتها:

- ‌(غُرف الجنة وقصورها:

- ‌(خيام الجنة:

- ‌(قصور الجنة:

- ‌(كيفية دخول أهل الجنة الجنة:

- ‌(سوق الجنة و ما اعد الله تعالى فيه لأهلها:

- ‌(صفة أهل الجنة في خَلْقِهِم وَخُلُقِهم:

- ‌(سِنُ أهلِ الجنة:

- ‌(تحفة أهل الجنة إذا دخلوها:

- ‌(ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق:

- ‌(الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة:

- ‌(أشجار الجنة وبساتينها وظلالها:

- ‌(ثمار الجنة وتعداد أنواعها وصفاتها:

- ‌(في زرع الجنة:

- ‌(نهر الكوثر:

- ‌ عيون الجنة:

- ‌(طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه:

- ‌فاكهة أهل الجنة:

- ‌شراب أهل الجنة:

- ‌(آنية أهل الجنة التي يأكلون فيها ويشربون:

- ‌(لباس أهل الجنة وحليهم:

- ‌(حُلِّي أهل الجنة:

- ‌(مناديل أهل الجنة:

- ‌(لبسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(فُرُشُ أهل الجنة:

- ‌(بُسُطُ أهل الجنة وزرابيهم:

- ‌(خيام أهل الجنة وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم:

- ‌(مطايا أهل الجنة و خيولهم و مراكبهم:

- ‌(غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم:

- ‌(وصف الحور العين:

- ‌(ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة:

- ‌(رؤية أهل الجنة لله تعالى بأبصارهم جهرة:

- ‌(تكليم الله تعالى لأهل الجنة:

- ‌(أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد:

- ‌(الجنة تتكلم:

- ‌(صفات من يستحقُّ الجنة في القرآن والسنة:

- ‌(الطريق إلى الجنة:

الفصل: ‌(رؤية أهل الجنة لله تعالى بأبصارهم جهرة:

عَنْ زُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ أَصْبَحْت يَا حَارِثَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أَصْبَحْت مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: إنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ ذَلِكَ، قَالَ: أَصْبَحْت عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا فَأَسْهَرْت لَيْلِي وَأَظْمَأْت نَهَارِي وَلكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي قَدْ أُبْرِزَ لِلْحِسَابِ، وَلكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَلكَأَنِّي أَسْمَعُ عُوَاءَ أَهْلِ النَّارِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: عَبْدٌ نَوَّرَ الإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ، إذْ عَرَفْت فَالْزَمْ. (1)

(ثانياً مراكب أهل الجنة:

(حديث عبد الرحمن بن ساعدة رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) قال: كنت أحب الخيل فقلت يا رسول الله هل في الجنة خيل فقال إن أدخلك الله الجنة يا عبد الرحمن كان لك فيها فرس من ياقوت له جناحان تطير بك حيث شئت.

‌(رؤية أهل الجنة لله تعالى بأبصارهم جهرة:

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح:

هذا الباب اشرف أبواب الكتاب وأجلها قدرا وأعلاها خطرا وأقَرَهَا عينا لأهل السنة والجماعة و أشدها على أهل البدعة و الضلالة وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون و تنافس فيها المتنافسون وتسابق إليها المتسابقون ولمثلها فليعمل العاملون إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم وحرمانه و الحجاب عنه لأهل الجحيم أشد عليهم من عذاب الجحيم اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وجميع الصحابة و التابعون و أئمة الإسلام على تتابع القرون و أنكرها أهل البدع المارقون والجهمية المتهوكون والفرعونية المعطلون والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون والرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون ومن حبل الله منقطعون و على مسبة أصحاب رسول الله عاكفون و للسنة وأهلها محاربون ولكل عدو لله ورسوله ودينه مسالمون وكل هؤلاء عن ربهم محجوبون وعن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال وشيعة اللعين وأعداء الرسول و حزبه.

(أولاً أدلة رؤية أهل الجنة لله تعالى من القرآن الكريم:

(1) - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 43)(31064) صحيح لغيره

ص: 464

وقد اخبر الله سبحانه و تعالى عن أعلم الخلق به في زمانه وهو كليمه ونجيه و صفيه من أهل الأرض أنه سأل ربه تعالى النظر إليه فقال له ربه تبارك و تعالى: (لَن تَرَانِي وَلََكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمّا تَجَلّىَ رَبّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً)[الأعراف: 143]

وبيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة:

أحدها: أنه لا يظن بكليم الرحمن و رسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا يجوز عليه بل ما هو من أبطل الباطل وأعظم المحال وهو عند فروخ اليونان و الصابئة و الفرعونية بمنزلة أن يسأله أن يأكل و يشرب و ينام و نحو ذلك مما يتعالى الله عنه فيا لله العجب كيف صار أتباع الصابئة و المجوس و المشركين عباد الأصنام و فروخ الجهمية و الفرعونية أعلم بالله تعالى من موسى بن عمران و بما يستحيل عليه و يجب له و أشد تنزيها له منه.

الوجه الثاني: أن الله سبحانه و تعالى لم ينكر عليه سؤاله و لو كان محالا لأنكره عليه و لهذا لما سأل إبراهيم الخليل ربه تبارك و تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى لم ينكر عليه و لما سأل عيسى بن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر عليه سؤاله و لما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله و قال إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين.

الوجه الثالث: أنه أجابه بقوله لن تراني و لم يقل لا تراني و لا إني لست بمرئي و لا تجوز رؤيتي و الفرق بين الجوابين ظاهر لمن تأمله و هذا يدل على أنه سبحانه و تعالى يرى و لكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه.

الوجه الرابع: وهو قوله (وَلََكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت لتجليه له في هذه الدار فكيف بالبشر الضعيف الذي خلق من ضعف.

الوجه الخامس: أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا مكانه وليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن وقد علق به الرؤية ولو كانت مجالا في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته ولو كانت الرؤيا مُحَالا لكان ذلك نظير أن يقول إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام فالأمران عندكم سواء.

ص: 465

الوجه السادس: قوله سبحانه و تعالى (فَلَمّا تَجَلّىَ رَبّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً) و هذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك و تعالى فإنه إذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه و رسله و أوليائه في دار كرامتهم و يريهم نفسه فأعلم سبحانه و تعالى موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر أضعف.

الوجه السابع: أن ربه سبحانه وتعالى قد كلمه منه إليه وخاطبه وناجاه وناداه ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز ولهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار التكليم وقد جمعت هذه الطوائف بين إنكار الأمرين فأنكروا أن يكلم أحدا أو يراه أحد و لهذا سأله موسى عليه السلام النظر إليه وأسمعه كلامه وعلم نبي الله جواز رؤيته من وقوع خطأ به و تكليمه لم يخبره باستحالة ذلك عليه و لكن أراه أن ما سأله لا يقدر على احتماله كما لم يثبت الجبل لتجليه وأما قوله تعالى لن تراني فإنما يدل على النفي في المستقبل ولا يدل على دوام النفي و لو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت قال تعالى: (وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَداً)[البقرة: 95] مع قوله تعالى: (وَنَادَوْاْ يَمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّكَ قَالَ إِنّكُمْ مّاكِثُونَ)[الزخرف: 77]

الدليل الثاني

قوله: (وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوَاْ أَنّكُمْ مّلَاقُوهُ)[البقرة: 223]

وقوله تعالى: (تَحِيّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ)[الأحزاب: 44]

وقوله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا)[الكهف: 110]

وقوله تعالى قال تعالى: (قَالَ الّذِينَ يَظُنّونَ أَنّهُمْ مُلَاقُواْ اللّهِ كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ)[البقرة: 249]

وأجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والرؤية.

الدليل الثالث:

قوله: (لّلّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَىَ وَزِيَادَةٌ)[يونس: 26]

[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:

يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الحسنى في الدار الآخرة، كما قال تعالى:(هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ)[الرحمن: 60].

ص: 466

وقوله: {وَزِيَادَة} هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وزيادة على ذلك [أيضا] ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القُصُور والحُور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظرُ إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه، لا يستحقونها بعملهم، بل بفضله ورحمته وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم عن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس [قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن الصامت] وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، ومجاهد، وعكرمة، وعامر بن سعد، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف والخلف. انتهى.

(فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجهه الكريم كذلك فسرها رسول الله الذي أنزل عليه القرآن فالصحابة من بعده، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(حديث صهيب رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل.

(حديث صهيب رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال إذا دخل أهل الجنةِ الجنة نادى مناد إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه قالوا ألم يبيض وجوهنا وينجنا من النار ويدخلنا الجنة قال فيكشف الحجاب قال فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه.

[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:

(عَنْ صُهَيْبٍ) بِالتَّصْغِيرِ: هُوَ ابْنُ سِنَانَ الرُّومِيُّ.

(إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا) أَيْ بَقِيَ شَيْءٌ زَائِدٌ مِمَّا وَعَدَهُ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ النِّعَمِ وَالْحُسْنَى

(وَيُنَجِّينَا مِنَ النَّارِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ.

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح:

ص: 467

لما عطف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي الجنة دل على إنها أمر آخر من وراء الجنة و قدر زائد عليها و من فسر الزيادة بالمغفرة و الرضوان فهو من لوازم رؤية الرب تبارك و تعالى.

الدليل الرابع:

قال تعالى: (كَلاّ إِنّهُمْ عَن رّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لّمَحْجُوبُونَ)[المطففين: 15]

ووجه الاستدلال بها أنه سبحانه و تعالى جعل من أعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين عن رؤيته واستماع كلامه فلو لم يره المؤمنون و لم يسمعوا كلامه كانوا أيضا محجوبين عنه و قد احتج بهذه الحجة الشافعي نفسه وغيره من الأئمة فذكر الطبراني وغيره من المزي قال سمعت الشافعي يقول في قوله عز و جل (كَلاّ إِنّهُمْ عَن رّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لّمَحْجُوبُونَ) فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة.

و قال الحاكم حدثنا الأصم انبانا الربيع بن سليمان قال حضرت محمد بن إدريس الشافعي و قد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله عز و جل (كَلاّ إِنّهُمْ عَن رّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لّمَحْجُوبُونَ)

فقال الشافعي رحمه الله تعالى: لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا، قال الربيع فقلت يا أبا عبد الله وبه تقول؟ قال: نعم وبه أدين الله و لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى الله لما عبد الله عز و جل.

الدليل الخامس: قال تعالى: (لَهُم مّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)[ق: 35]

[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:

وقوله: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]. وقد تقدم في صحيح مسلم عن صُهَيب بن سنان الرومي: أنها النظر إلى وجه الله الكريم. وقد روى البزار وابن أبي حاتم، من حديث شريك القاضي، عن عثمان بن عمير أبي اليقظان، عن أنس بن مالك في قوله عز وجل:{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} قال: يظهر لهم الرب، عز وجل، في كل جمعة. انتهى.

الدليل السادس:

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح:

قال تعالى: (لاّ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الأنعام: 103]

ص: 468

والاستدلال بهذا أعجب فإنه من أدلة النفاة و قد قرر شيخنا وجه الاستدلال به أحسن تقرير و ألطفه وقال لي: أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا و في ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية وهي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها فان الله سبحانه إنما ذكرها في سياق التمدح و معلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية و أما العدم المحض فليس بكمال و لا يمدح به و إنما يمدح الرب تبارك و تعالى بالعدم إذا تضمن أمراً وجوديا كتمدحه بنفي السِنَةِ والنوم المتضمن كمال القيومية و نفي الموت المتضمن كمال الحياة و نفي اللغوب والاعياء المتضمن كمال القدرة ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته والهيئة وقهره و نفي الأكل والشرب المتضمن كمال الصمدية وغناه ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده وغناه عن خلقه ونفي الظلم المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته ولهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن أمراً ثبوتياً فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمرٍ يشترك هو والمعدوم فيه «فلو كان المراد بقوله لا تدركه الأبصار أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال» لمشاركة المعدوم له في ذلك فان العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار والرب جل جلاله يتعالى أن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به كما كان المعنى في قوله تعالى: (وَمَا يَعْزُبُ عَن رّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرّةٍ)[يونس: 61] أنه يعلم كل شيء وفي قوله تعالى: (وَمَا مَسّنَا مِن لّغُوبٍ)[ق: 38] أنه كامل القدرة وفي قوله تعالى: (وَلَا يَظْلِمُ رَبّكَ أَحَداً)[الكهف: 49] أنه كامل العدل وفي قوله قال تعالى: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لّهُ)[البقرة: 255] أنه كامل القيومية فقوله لا تدركه الأبصار يدل على غاية عظمته و أنه أكبر من كل شيء وأنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به فان الإدراك هو الإحاطة بالشيء و هو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى: (فَلَمّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىَ إِنّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاّ إِنّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء 61،62] فإنه لم ينف عن موسى الرؤية و لم يريدوا بقولهم إنا لمدركون أنا لمرئيون فان موسى صلوات الله و

ص: 469

سلامه عليه نفى إدراكهم إياهم بقوله كلا وأخبر الله سبحانه و تعالى أنه لا يخاف دركهم بقوله: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لاّ تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَىَ)[طه: 77] فالرؤية و الإدراك كل منهما يوجد مع الآخر و بدونه فالرب تعالى يرى و لا يدرك كما يعلم و لا يحاط به و هذا هو الذي فهمه الصحابة و الأئمة من الآية قال بن عباس لا تدركه الأبصار لا تحيط به الأبصار قال قتادة هو أعظم من أن تدركه الأبصار وقال عطية ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها لا تحيط به إذ كان غير جائز أن يوصف الله عز وجل بأن شيئا يحيط به وهو بكل شيءٍ محيط وهكذا يسمع كلام من يشاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه وهكذا يعلم الخلق ما علمهم ولا يحيطون بعلمه ونظير هذا استدلالهم على نفى الصفات بقوله تعالى ليس كمثله شيء وهذا من أعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله و إنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها وإلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى بهذا المدح منه مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله وبعد عن مشابهة اضرابه فقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى: 11] من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته وقوله تعالى: (لاّ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ)[الأنعام: 103] من أدل شيء على أنه يرى ولا يدرك وقوله تعالى: (هُوَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الحديد: 4] من أدل شيء على مباينة الرب لخلقه فإنه لم يخلقهم في ذاته بل خلقهم خارج عن ذاته ثم بان عنهم باستوائه على عرشه وهو يعلم ما هم عليه فيراهم وينفذهم بصره ويحيط بهم علما وقدرة وإرادة وسمعا وبصرا فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا و تأمل حسن هذه المقابلة لفظا

ص: 470

ومعنى وبين قوله «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار» فانه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصار وتحيط به وللطفه وخبرته يدرك الأبصار فلا تخفي عليه فهو العظيم في لطفه اللطيف في عظمته العالي في قربه القريب في علوه الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.

الدليل السابع:

قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرَةٌ * إِلَىَ رَبّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة 22: 23]

[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} من النضارة، أي حسنة بَهِيَّة مشرقة مسرورة، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أي: تراه عيانا، كما رواه البخاري، رحمه الله، في صحيحه:"إنكم سترون ربكم عَيَانا". وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح، من طرق متواترة عند أئمة الحديث، لا يمكن دفعها ولا منعها، ثم ذكر رحمه الله تعالى الأحاديث الآتية:

(حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنكم سترون ربكم عياناً.

(حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني العصر والفجر ثم قرأ جرير (وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)[طه: 130]

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(هل تضارُّون في القمر ليلة البدر). قالوا: لا يا رسول الله، قال:(فهل تضارُّون في الشمس ليس دونها سحاب). قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك.

(حديث أبي موسى رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جَنَّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فِضَّة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله إلا رِدَاء الكبرياء على وجهه في جنة عدن. انتهى.

(ثانياً أدلة رؤية أهل الجنة لله تعالى من السنة الصحيحة:

(حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنكم سترون ربكم عياناً.

ص: 471

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(هل تضارُّون في القمر ليلة البدر). قالوا: لا يا رسول الله، قال:(فهل تضارُّون في الشمس ليس دونها سحاب). قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك.

(حديث أبي موسى رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: جَنَّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فِضَّة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله إلا رِدَاء الكبرياء على وجهه في جنة عدن.

(حديث صهيب رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل.

(حديث صهيب رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال إذا دخل أهل الجنةِ الجنة نادى مناد إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه قالوا ألم يبيض وجوهنا وينجنا من النار ويدخلنا الجنة قال فيكشف الحجاب قال فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه.

[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:

(عَنْ صُهَيْبٍ) بِالتَّصْغِيرِ: هُوَ ابْنُ سِنَانَ الرُّومِيُّ.

(إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا) أَيْ بَقِيَ شَيْءٌ زَائِدٌ مِمَّا وَعَدَهُ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ النِّعَمِ وَالْحُسْنَى

(وَيُنَجِّينَا مِنَ النَّارِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ.

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح:

لما عطف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي الجنة دل على إنها أمر آخر من وراء الجنة و قدر زائد عليها و من فسر الزيادة بالمغفرة و الرضوان فهو من لوازم رؤية الرب تبارك و تعالى.

ص: 472