الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[*] (وقالت طائفة أخرى منهم أبن مسعود وابن عباس وناس من أصحاب رسول الله متشابها في اللون والمرأى وليس يشبه الطعم قال مجاهد متشابها لونه مختلفا طعمه.
[*] (قال ابن قتيبة: كل ما في الجنة من الأنهار والسرر والفرش والأكواب مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد كما قال ابن عباس: ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء. انتهى.
وقال تعالى: (يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ)[الدخان: 55]
هذا يدل على أمنهم من انقطاعها ومضرتها.
وقال تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنّةُ الّتِيَ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مّنْهَا تَأْكُلُونَ)[الزخرف 72: 73]
وقال تعالى: (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاّ مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ)[الواقعة 32: 33]
أي لا تكون في وقت دون وقت ولا تمنع ممن أرادها.
وقال تعالى: (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رّاضِيَةٍ * فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ)[الحاقة 21: 23] والقطوف جمع قطف وهو ما يقطف والقطف بالفتح الفعل أي ثمارها دانية قريبة ممن يتناولها فيأخذها كيف يشاء قال البراء بن عازب يتناول الثمرة وهو نائم.
وقال تعالى: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً)[الإنسان: 14]
قال ابن عباس إذا هَمَّ أن يتناول من ثمارها تدلت له حتى يتناول ما يريده وقال غيره قريب إليهم مذللة كيف شاءوا، فهم يتناولونها قياما وقعودا ومضطجعين فيكون كقوله قطوفها دانية ومعنى تذليل القطف تسهيل تناوله.
وقال تعالى: (فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ)[الرحمن: 52]
وقال تعالى: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ)[الرحمن: 68] وخص النخل والرمان من بين الفاكهة بالذكر لفضلهما وشرفهما كما نص على حدائق النخل والأعناب في سورة النبأ إذ هما من أفضل أنواع الفاكهة وأطيبها وأحلاها.
وقال تعالى: (وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مّن رّبّهِمْ)[محمد: 15]
قال ابن عباس: ثمر الجنة أمثال القلال والدلاء أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيه عجم.
(في زرع الجنة:
قال تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذّ الأعْيُنُ)[الزخرف: 71]
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث، وعنده رجل من أهل البادية: أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء. فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا، فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا يدل على أن في الجنة زرعا وذلك البذر منه وهذا أحسن أن تكون الأرض معمورة بالشجر والزرع.
(أنهار الجنة وعيونها وأصنافها:
(أولاً أنهار الجنة:
لما كانت النفس البشرية تألف المياه والبساتين والأشجار وتسكن إليها فقد زين الله جل وعلا الجنة، وألبسها من بهاء الأشجار وعلوها وبركة الثمار ونموها وجريان الأنهار وسيولها وعذوبة العيون في أركانها، ما تقر به أعين عباد الله الصالحين، وفي الجنة أنهار كثيرة ذات أنواع متعددة، وقد تكرر ذكر الأنهار في القرآن في عدة مواضع كما يلي:
(موضع: تجري من تحتها الأنهار:
قال تعالى: (وَبَشّرِ الّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ)[البقرة: 25]
(وفي موضع: تجري تحتها الأنهار:
قال تعالى: (وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100]
(وفي موضع: تجري من تحتهم الأنهار:
قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ)[الأعراف: 43]
وهذا يدل على أمور منها ما يلي:
أحدها: وجود الأنهار فيها حقيقية.
الثاني: أنهار جارية لا واقفة.
الثالث: أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا.
قال تعالى: (مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لّذّةٍ لّلشّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مّنْ عَسَلٍ مّصَفّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مّن رّبّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطّعَ أَمْعَآءَهُمْ)[محمد: 15]
يَصِفُ اللهُ تَعَالى الجَنَّةَ التي وَعَدَ المُتَّقينَ بإدخَالِهم إليها، فَيَقُولُ تَعَالى: إنَّها جَنَّةٌ تَجري فيها أنْهَارٌ مِنْ مِيَاهٍ غَيرِ مَتَغَيِّرةِ الطَعْمِ واللَّوِنِ والرَّائِحَةِ، لطُولِ مُكْثِها وَرُكُودِها، وَفيها أنْهَارٌ مِنْ لَبنٍ لم يَتَغيّرْ طَعْمُهُ وَلَمْ يَفْسُدْ، وَفِيها أنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذِيذَةِ الطَّعْمِ وَالمَذَاقِ لِشَاربيها، لَا تَغْتَالُ العُقُولَ، وَلا يُنْكِرُهَا الشَّارِبُون، وَفِيها أَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ قَدْ صُفِّي مِنَ الشَّمْعِ والفَضَلاتِ. ولِلْمُتَّقِينَ فِي الجَنَّةِ مِنْ جَميعِ الفَوَاكهِ المُخْتَلِفَةِ الأَنْواعِ والطُّعُومِ وَالمَذَاقِ والرَّائِحَةِ. وَلَهُمْ فَوْقَ ذلكَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالى، فَهُو يَتَقَّبَلُ مَا قَدَّمُوه مِنْ عَمَلٍ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ هَفَواتِهِمِ التِي اقْتَرَفُوهَا في الدُّنيا.
فَهَلْ يَتَسَاوى هَؤُلاءِ المُتَّقُونَ النَّاعِمُونَ في رِضْوانِ اللهِ، وَجَنَّاتِهِ، مَعَ الأشقِياءِ الذِين أدْخَلَهُمُ اللهُ النَّارَ لِيَبْقَوا فِيها خَالِدِينَ أبَداً، جَزاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِم وتكْذِيبهِمُ رُسُلَ رَبِّهم، وَأعْمَالِهم السَّيِّئَةِ؟ إِنَّهُمْ لَا يَتَسَاوَوْنَ أبَداً. وَإذا طَلَبَ هَؤُلاءِ الأشقِيَاءُ، وَهُمْ يُعَذَّبُونَ في نَارِ جَهَنَّمَ، الماءَ لِيُطْفِئُوا ظَمَأهُم فَإنَّهُم يُسْقَوْنَ مَاءً شَدِيدَ الحَرَارةِ إذا شَرِبُوهُ قَطَّعَ أمْعَاءَهُمْ.
وقد ذكر الله تعالى هذه الأجناس الأربعة، ونفى عن كل واحد منها آفاته التي تعرض له في الدنيا. فآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة، وآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها، وآفة العسل عدم تصفيته.
وهذا من آيات الله أن تجرى أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بجريانها.
ومجريها في غير أخدود، وينفى عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة، كما ينفي عن خمر الجنة جميع الآفات التي في خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو والاٍنزاف وعدم اللذة، وهى رجس من عمل الشيطان: توقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتدعو إلى الزنا والفجور، وتذهب الغيرة، وهي أم الخبائث ومنها يولد كل خبيث وقبيح ، فنزَّه الله-عز وجل خمر الجنة عن كل هذا.
وتأمل اجتماع هذه الأنهار التي هي أفضل أشربة الناس، فهذا لشربهم وطهورهم، وهذا لقوتهم وغذائهم، وهذا للذتهم وسرورهم، وهذا لشفائهم ومنفعتهم. (1)
وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إن في الجنة بحر الماء و بحر العسل و بحر اللبن و بحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد.
[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ وَبَحْرَ الْعَسَلِ وَبَحْرَ اللَّبَنِ وَبَحْرَ الْخَمْرِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: يُرِيدُ بِالْبَحْرِ مِثْلَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا، وَبِالنَّهْرِ مِثْلَ نَهْرِ مَعْقِلٍ حَيْثُ تُشَقَّقُ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ مِنْهُ تُشَقَّقُ جَدَاوِلُ. وَقَالَ الْقَارِي: قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْبِحَارِ هِيَ الْأَنْهَارُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ أَنْهَارًا لِجَرَيَانِهَا بِخِلَافِ بِحَارِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنْهَا أَنَّهَا فِي مَحَلِّ الْقَرَارِ (ثُمَّ تُشَقَّقُ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّشْقِيقِ (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ دُخُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ.
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في إسرائه أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل، ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.
(1) - حادي الأرواح للإمام ابن القيم (170 - 171) بتصرف.