المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ: - فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب - جـ ٢

[محمد نصر الدين محمد عويضة]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الرقائق

- ‌(عملي في هذا الكتاب:

- ‌باب تعريف الرقائق:

- ‌باب أسباب الكلام في الرقائق:

- ‌باب حاجتنا إلى الرقائق:

- ‌باب العناية بالرقائق:

- ‌باب: التوازن في الرقائق

- ‌باب ما الأشياء التي يمكن أن نطلق عليها رقائق

- ‌الحُجُبُ التي تحول بين العبد وربه هي عشرة

- ‌الحجاب الأول: الجهل بالله:

- ‌الحجاب الثاني: البدعة:

- ‌الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:

- ‌الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة:

- ‌الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر:

- ‌الحجاب السادس: حجاب الشرك:

- ‌(توحيد الربوبيةِ:

- ‌(توحيد الأ لوهية:

- ‌(توحيد الأسماءِ والصفات:

- ‌الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات:

- ‌الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:

- ‌الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف:

- ‌الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير إلى المقصود:

- ‌باب شرطي قبول العمل:

- ‌(أهمية العلم بشرطي قبول العمل:

- ‌(أولاً الإخلاص:

- ‌(تعريف الإخلاص:

- ‌(فضائل الإخلاص:

- ‌(ماذا قال بعض العلماء في الإخلاص

- ‌(خطورة ترك العمل خوف الرياء:

- ‌(هناك أشياء تظن من الرياء وليست منه:

- ‌(علامات الإخلاص:

- ‌(ثانيا: متابعة السنّة:

- ‌باب حقيقة الموت:

- ‌مسألة: ما هي حقيقة الموت

- ‌(الموت أعظم المصائب:

- ‌(الموت موعد مجهول:

- ‌مسألة هل الموت راحة

- ‌مسألة: هل يجوز تمني الموت

- ‌(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه:

- ‌مسألة: هل يجوز لنا أن نكره الموت

- ‌مسألة: ما حكم موت الفجأة

- ‌(عبرة الموت:

- ‌(هو الموت ما منه فوت

- ‌باب‌‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌(رُسُلُ ملك الموت:

- ‌باب ذِكْرُ الموت:

- ‌(كيف تتناسى الموت

- ‌(فوائد ذكر الموت:

- ‌(الأسباب الباعثة على ذكر الموت:

- ‌باب كيف نستعد للموت

- ‌مسألة: كيف نستعد للموت

- ‌(1) اجتناب المنهيات:

- ‌(2) أداء الفرائض والواجبات:

- ‌(3) كثرة ذكرالموت:

- ‌(4) محاسبة النفس:

- ‌(كيفية محاسبة النفس

- ‌(الأدلة على مشروعية المحاسبة:

- ‌(أهمية محاسبة النفس:

- ‌ولمحاسبة النفس فوائد عظيمة ومزايا جسيمة منها ما يلي:

- ‌(5) الإكثار من الطاعات والقربات:

- ‌باب استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة:

- ‌(أثر استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة في رقة القلب:

- ‌(معنى حسن الخاتمة:

- ‌(أسباب حسن الخاتمة:

- ‌(علامات حسن الخاتمة:

- ‌(صور من حسن الخاتمة:

- ‌(علامات سوء الخاتمة:

- ‌(صور من سوء الخاتمة:

- ‌(الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة:

- ‌(1) التسويف بالتوبة:

- ‌(2) طول الأمل:

- ‌(3) حب المعصية وأُلفها واعتيادها:

- ‌(4) الانتحار:

- ‌باب ساعة الاحتضار:

- ‌(أحوال الناس عند الاحتضار:

- ‌(لحظات المحتضرين:

- ‌(من دُرَرِ أقوال المحتضرين لحظة الاحتضار:

- ‌(تعزية النفس عند الاحتضار بالصبر والاحتساب:

- ‌(البكاء عند الموت مخافة سوء المرد:

- ‌(سكرات الموت:

- ‌(الثبات عند الموت:

- ‌(ما يسن عند الاحتضار:

- ‌باب وجوب الصبر والاسترجاع لأهل الميت:

- ‌باب ما ورد في البكاء على الميت:

- ‌باب‌‌ غسل الميتوتكفينه والصلاة عليه ودفنه:

- ‌ غسل الميت

- ‌(تكفين الميت:

- ‌(الواجب في الكفن:

- ‌(كيفية تكفين الميت:

- ‌(الصلاة على الميت:

- ‌(فضل الصلاة على الميت:

- ‌(مقصود الصلاة على الميت:

- ‌(مقام الإمام من الميت:

- ‌(صفة صلاة الجنازة:

- ‌(هل يصلي الإمام على قاتل نفسه:

- ‌(الصلاة على السقط:

- ‌(حمل الجنازة والسير بها:

- ‌(الموعظة بالجنازة والاعتبار بها:

- ‌ دفن الميت

- ‌(الأوقات التي لا يجوز الدفن فيها إلا لضرورة:

- ‌(استحباب الدفن في الأماكن المقدسة:

- ‌(استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:

- ‌(الأمور التي تستحب في الدفن:

- ‌(الأمور التي تستحب بعد الفراغ من الدفن:

- ‌(الأشياء التي تنفع الميت بعد موته:

- ‌(ما ورد في التعزية وحكمها:

- ‌(الحداد على الميت:

- ‌(ما ورد في النهي عن سب الأموات:

- ‌باب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور:

- ‌(ما هو البرزخ

- ‌(سؤال القبر:

- ‌(التثبيت في القبر:

- ‌(عذاب القبر ونعيمه:

- ‌(الأسباب الموجبة لعذاب القبر:

- ‌(الأسباب التي تكون سبباً في النجاة عذاب القبر:

- ‌لعذاب القبر أنواع منها ما يلي:

- ‌(ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنورها عليهم بدعاء الأحياء:

- ‌(عرض منازل أهل القبور عليهم من الجنة أو النار بكرة وعشيا:

- ‌(ضمة القبر:

- ‌(اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه:

- ‌(اجتماع الموتى إلى الميت وسؤالهم إياه:

- ‌(ما ورد من سماع الموتى كلام الأحياء:

- ‌(ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ:

- ‌(زيارة الموتى والاتعاظ بهم:

- ‌(آداب زيارة القبور:

- ‌ الأمور التي يحرم فعلها عند القبور

- ‌(عِظةُ القبور:

- ‌ فوائد زيارة القبور

- ‌(الفرق بين زيارة الموحدين للقبور، وزيارة المشركين:

- ‌(استحباب تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌(أحوال السلف في تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌باب القيامة الكبرى وما يجري فيها:

- ‌(منهج أهل السنة والجماعة في تفصيل الإيمان باليوم الآخر:

- ‌(التفكر في أهوال يوم القيامة:

- ‌(حشر الناس حفاة عراة غرلا:

- ‌(دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين:

- ‌(نصبُ الموازين:

- ‌(الدليل على أن الأعمال توزن:

- ‌(نشرُ الدواوين:

- ‌(حساب الخلائق:

- ‌(الحوض المورود للنبي

- ‌(الصراط:

- ‌(الإيمان بالجنة والنار:

- ‌(الشفاعة:

- ‌باب الترغيب في الجنة:

- ‌(الترغيب في الجنة:

- ‌(إدامة ذِكْرِ الجَنَّة:

- ‌(من أعظم الغبن أن تبيع الجنة بالدنيا الفانية:

- ‌(حُفَّت الجنة بالمكاره:

- ‌(منزلة الجهاد في الإسلام:

- ‌(ومن ملابسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(أهل الجنة لا ينامون:

- ‌(نعيم الجنة يُنسي بؤس الدنيا:

- ‌(مفتاح الجنة:

- ‌(وجود الجنة الآن:

- ‌(مكان الجنة وأين هي:

- ‌ تَفجَّر أنهار الجنة

- ‌(درجات الجنة:

- ‌(الشهداء ممن ينالون الدرجات العلى:

- ‌(أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة:

- ‌(ارتقاء العبد و هو في الجنة من درجة إلى درجة أعلى منها:

- ‌(أعلى أهل الجنة منزلة:

- ‌(أدنى أهل الجنة منزلة:

- ‌(آخر أهل الجنة دخولا إليها:

- ‌(طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم:

- ‌(أسماء الجنة ومعانيها:

- ‌(عدد الجنات:

- ‌(أبواب الجنة وخزنتها:

- ‌(خزنة الجنة:

- ‌(عدد أبواب الجنة:

- ‌(سعة أبواب الجنة:

- ‌(صفة أبواب الجنة وأنها ذات حلق:

- ‌(أول من يقرع باب الجنة:

- ‌(أول من يدخلون الجنة وصفاتهم:

- ‌(صفات أول من يدخلون الجنة:

- ‌(سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة:

- ‌(أصناف أهل الجنة وأوصافهم:

- ‌ أوصاف أهل الجنة في السنة الصحيحة:

- ‌(أكثر أهل الجنة هم أمة محمد

- ‌(النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار:

- ‌(من يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب:

- ‌(ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم الجنة:

- ‌(عرض الجنة:

- ‌(ذكر بناء الجنة وملاطها وحصباؤها و تربتها:

- ‌(غُرف الجنة وقصورها:

- ‌(خيام الجنة:

- ‌(قصور الجنة:

- ‌(كيفية دخول أهل الجنة الجنة:

- ‌(سوق الجنة و ما اعد الله تعالى فيه لأهلها:

- ‌(صفة أهل الجنة في خَلْقِهِم وَخُلُقِهم:

- ‌(سِنُ أهلِ الجنة:

- ‌(تحفة أهل الجنة إذا دخلوها:

- ‌(ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق:

- ‌(الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة:

- ‌(أشجار الجنة وبساتينها وظلالها:

- ‌(ثمار الجنة وتعداد أنواعها وصفاتها:

- ‌(في زرع الجنة:

- ‌(نهر الكوثر:

- ‌ عيون الجنة:

- ‌(طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه:

- ‌فاكهة أهل الجنة:

- ‌شراب أهل الجنة:

- ‌(آنية أهل الجنة التي يأكلون فيها ويشربون:

- ‌(لباس أهل الجنة وحليهم:

- ‌(حُلِّي أهل الجنة:

- ‌(مناديل أهل الجنة:

- ‌(لبسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(فُرُشُ أهل الجنة:

- ‌(بُسُطُ أهل الجنة وزرابيهم:

- ‌(خيام أهل الجنة وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم:

- ‌(مطايا أهل الجنة و خيولهم و مراكبهم:

- ‌(غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم:

- ‌(وصف الحور العين:

- ‌(ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة:

- ‌(رؤية أهل الجنة لله تعالى بأبصارهم جهرة:

- ‌(تكليم الله تعالى لأهل الجنة:

- ‌(أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد:

- ‌(الجنة تتكلم:

- ‌(صفات من يستحقُّ الجنة في القرآن والسنة:

- ‌(الطريق إلى الجنة:

الفصل: ‌(ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ:

وذهب طوائف من أهل العلم وهم الأكثرون وهو اختيار الطبري وغيره ـ يعني بالطبري ابن جرير ـ وكذلك ذكره ابن قتيبة وغيره من العلماء، وهؤلاء يحتجون بحديث القليب، كما سبق، وليس هو بوهم ممن رواه، فإن ابن عمر وأبا طلحة وغيرهما ممن شهد القصة حكياه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة لم تشهد ذلك وروايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حق " يؤيد رواية من روى: إنهم ليسمعون، ولا ينافيه، فإن الميت إذا جاز أن يعلم جاز أن يسمع، لأن الموت ينافي العلم كما ينافي السمع والبصر، فلو كان مانعاً من البعض لكان مانعاً من الجميع.

(وقال أيضاً: وأما أن ذلك خاص بكلام النبي صلى الله عليه وسلم فليس كذلك، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم " وقد سبق ذكره. (وقال أيضاً: وأما قوله تعالى: (إِنّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ)[النمل: 80] وقوله تعالى: (وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مّن فِي الْقُبُورِ)[فاطر: 22] فإن السماع يطلق ويراد به إدراك الكلام وفهمه، ويراد به أيضاً الانتفاع به والاستجابة له. والمراد بهذه الآيات نفي الثاني دون الأول، فإن ها في سياق خطاب الكفار الذين لا يستجيبون للهدى ولا للإيمان إذا دعوا إليه كما قال تعالى:(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنّمَ كَثِيراً مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلََئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ أُوْلََئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[الأعراف: 179] في نفي السماع والإبصار عنهم لأن الشيء قد ينفى لانتفاء فائدته وثمرته فإذا لم ينتفع المرء بما يسمعه ويبصره فكأنه لم يسمع ولم يبصر، وسماع الموتى هو بهذه المثابة، وكذلك سماع الكفار لمن دعاهم إلى الإيمان والهدى. وقول قتادة في أهل القليب: أحياهم الله حتى أسمعهم، يدل على أن الميت لا يسمع القول إلا بعد إعادة الروح إلى جسده: وبذلك قال طوائف كثيرة من السلف لأنه لا يسأل في قبره إلا بعد إعادة الروح إلى جسده، كما جاء ذلك مصرحاً به في حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم الطويل، وقد سبق ذكر بعضه وفيه في حق الكافر " وتعاد روحه في جسده ".أهـ

‌(ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ:

ص: 253

أما الأنبياء عليهم السلام فليس فيهم شك أن أرواحهم عند الله في أعلى عليين.

326 -

وقد ثبت في السنة الصحيحة أن آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته " اللهم الرفيق الأعلى " وكررها حتى قبض.

(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح البخاري) قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه ركوة، أو: علبة فيها ماء ـ يشك عمر ـ فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه، ويقول:(لا إله إلا الله، إن للموت سكرات). ثم نصب يده فجعل يقول: (في الرفيق الأعلى). حتى قبض ومالت يده.

وأما الشهداء فأكثر العلماء على أنهم في الجنة وقد تكاثرت بذلك الأحاديث.

(حديث مسروق الثابت في صحيح مسلم) قال: سألنا عبد الله هو بن مسعود عن هذه الآية (وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا قالوا أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُرِكوا.

(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: أصيب الحارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع، فقال:(ويحك، أو هبلت، أو جنة واحدة هي، إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس).

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(رأيت جعفر بن أبي طالب) هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي استشهد بمؤتة.

(ملكاً) أي على صورة ملك من الملائكة

ص: 254

(يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) سميا جناحين لأن الطائر يجنحهما عند الطيران أي يميلهما عنده ومنه {وإن جنحوا للسلم} وهذا قاله لولده لما جاء الخبر بقتله وفي رواية عوّضه اللّه جناحين عن قطع يديه وذلك أنه أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه فقتل. قال القاضي: لما بذل نفسه في سبيل اللّه وحارب أعداءه حتى قطعت يداه ورجلاه أعطاه اللّه أجنحة روحانية يطير بها مع الملائكة ولعله رآه في المنام أو في بعض مكاشفاته اهـ. وقال السهيلي: ليسا كجناحي الطائر لأن الصورة الآدمية أشرف بل قوة روحانية وقد عبر القرآن عن العضو بالجناح توسعاً {واضمم يدك إلى جناحك} واعترض بأنه لا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة المعهود [ص 9] وهو قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف. (تتمة) قال في الإصابة: كان أبو هريرة يقول: إن جعفر أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ورد عنه بسند صحيح. أهـ

[*] (قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه أهوال القبور:

فالأحاديث السابقة كلها فيمن قتل في سبيل الله وبعضها صريح في ذلك، وفي بعضها أن الآية نزلت في ذلك وهو قوله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً} الآية نص في المقتول في سبيل الله.

وقد يطلق الشهيد على من حقق الإيمان وشهد بصحته بقوله تعالى: (وَالّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ وَالشّهَدَآءُ عِندَ رَبّهِمْ)[الحديد: 19]

(وروى سفيان عن رجل عن مجاهد قال: كل مؤمن صديق وشهيد ثم قرأ (وَالّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ وَالشّهَدَآءُ عِندَ رَبّهِمْ)[الحديد: 19]

(وخرج ابن أبي حاتم من رواية رشدين بن سعد عن ابن عقيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: كلكم صديق وشهيد. قيل له: ما تقول يا أبا هريرة؟ قال: إقرأ (وَالّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ وَالشّهَدَآءُ عِندَ رَبّهِمْ)[الحديد: 19]

ويعضد هذا ما ورد في تفسير قوله تعالى: (لّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)[البقرة: 143] من شهادة هذه الأمة للأنبياء بتبليغ رسالاتهم، وبكل حال فالأحاديث المتقدمة كلها في الشهيد المقتول في سبيل الله لا يحتمل غير ذلك، وإنما النظر في حديث ابن إسحاق هذا والله أعلم.

ص: 255

(وقال أيضاً: وأما بقية المؤمنين سوى الشهداء فينقسمون إلى أهل تكليف، وغير أهل تكليف فهذان قسمان:

(أحدهما غير أهل التكليف: كأطفال المؤمنين فالجمهور على أنهم في الجنة، وقد حكى الإمام أحمد على ذلك الإجماع.

وقال في رواية جعفر بن محمد: ليس فيهم اختلاف يعني أنهم في الجنة. وقال في رواية الميموني لا أحد يشك أنهم في الجنة. وذكر الخلال من طريق حنبل عن أحمد قال: نحن نقر بأن الجنة قد خلقت ونؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان قال تعالى: (النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً)[غافر: 46] لآل فرعون، وقال: أرواح ذراري المسلمين، في أجواف طير خضر تسرح في الجنة يكفلهم أبوهم إبراهيم فيدل هذا أنهما خلقتا. وكذلك نص الشافعي على أن أطفال المسلمين في الجنة، وجاء صريحاً عن السلف على أن أرواحهم في الجنة كما روي.

[*] (وأورد الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه أهوال القبور عن

عن ابن مسعود قال: إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاؤا وإن أرواح أولاد المسلمين في أجواف عصافبر تسرح بهم في الجنة حيث شاءت فتأوى إلى قناديل معلقة في العرش. خرجه ابن أبي حاتم، ورواه الثوري والأعمش عن أبي قيس عن هذيل من قوله لم يذكر ابن مسعود. أهـ

ويدل على صحة ذلك الأحاديث الآتية:

(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم) قالت * دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه قال أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أطفال المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم و سارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة.

(حديث البراء رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: لما مات إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن له مرضعاً في الجنة).

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات له ثلاثاً من الولد لم يبلغوا الحِنْثَ كان له حجاباً من النار.

(ولهذا قال الإمام أحمد: هو يرجى لأبويه فكيف يشك فيه يعني أن يرجى لأبويه دخول الجنة بسببه.

ص: 256

(القسم الثاني: أهل التكليف من المؤمنين سوى الشهداء وقد اختلف فيهم العلماء قديماً وحديثاً والمنصوص عن الإمام أحمد: أن أرواح المؤمنين في الجنة ذكره الخلال في كتاب السنة عن غير واحد عن حنبل قال: سمعت أبا عبد الله يقول: أرواح المؤمنين في الجنة، وقال حنبل في موضع آخر: هي أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في النار والأبدان في الدنيا يعذب الله من يشاء ويرحم من يشاء.

[*] (وأورد الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه أهوال القبور عن

عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن أرواح الموتى أتكون في أفنية قبورهم أم في حواصل طير أم تموت كما تموت الأجساد؟ فذكر الحديث الآتي:

(حديث أم هانىء الأنصارية رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع) أنها سألت رسول الله أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تكون النسم طيراً تعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها ".

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(تكون النسم) بعد الموت

(طيراً) أي على هيئة الطير أو في حواصل الطير على ما سبق تفصيله

(تعلق بالشجر) أي تأكل منه والمراد شجر الجنة

(حتى إذا كان يوم القيامة) يعني إذا نفخ في الصور النفخة الثانية

(دخلت كل نفس في جسدها) الذي كانت فيه في الدنيا بأن يعيد اللّه الأجساد. أهـ.

ويستدل على ذلك أيضاً بالحديث الآتي:

(حديث كعب بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر تعلق في أشجار الجنة حتى يردها الله إلى أجسادها يوم القيامة.

[*] (وأورد الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه أهوال القبور عن هلال بن يساف قال: كنا جلوساً إلى كعب فجاء ابن عباس فقال: يا كعب كل ما في القرآن عرفت غير أربعة أشياء فأخبرني عنهن. فسأله عن سجين وعليين. فقال كعب: أما عليون فالسماء السابعة فيها أرواح المؤمنين، وأما سجين فالأرض السابعة فيها أرواح الكفار تحت خدّ إبليس. وقد ثبت في الأدلة أن الجنة فوق السماء السابعة، وقد ذكرنا ذلك في كتاب " صفة النار " متوفي.

[*] (قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه أهوال القبور:

ص: 257

وقد يستدل للقول بأن أرواح المؤمنين في الجنة ، وأرواح الكفار في النار من القرآن بأدلة منها قوله تعالى قال تعالى:(فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلََكِن لاّ تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنّاتُ نَعِيمٍ * وَأَمّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذّبِينَ الضّآلّينَ * فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنّ هََذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِينِ)[الواقعة 83: 95]

هو دخول النار مع إحراقها وإنضاجها فجعل هذا كله متعقباً للاحتضار والموت وكذلك قوله تعالى في قصة المؤمنين في سورة يس قال تعالى: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنّةَ قَالَ يَلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)[يس 26، 27] وإنما قال هذا بعد ما قتلوه ورأى ما أعد الله له

وقال تعالى: (يَأَيّتُهَا النّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ * ارْجِعِي إِلَىَ رَبّكِ رَاضِيَةً مّرْضِيّةً)[الفجر 27: 28] على تأويل من تأول ذلك عند الاحتضار، وكذلك قوله تعالى:(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلََئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الْكِتَابِ حَتّىَ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفّوْنَهُمْ قَالُوَاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلّواْ عَنّا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * قَالَ ادْخُلُواْ فِيَ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مّن الْجِنّ وَالإِنْسِ فِي النّارِ)[الأعراف 37: 38] ونظير هذه الآية قوله تعالى: (الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السّلَمَ مَا كُنّا نَعْمَلُ مِن سُوَءٍ بَلَىَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[النحل: 28]

{تنبيه} : (قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه أهوال القبور:

وإنما تدخل أرواح المؤمنين والشهداء الجنة إذا لم يمنع من ذلك مانع من كبائر تستجوب العقوبة أو حقوق آدميين حتى يبرأ منها.

ويستدل لذلك بالأحاديث الآتية: (

ص: 258