المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الرقائق

- ‌(عملي في هذا الكتاب:

- ‌باب تعريف الرقائق:

- ‌باب أسباب الكلام في الرقائق:

- ‌باب حاجتنا إلى الرقائق:

- ‌باب العناية بالرقائق:

- ‌باب: التوازن في الرقائق

- ‌باب ما الأشياء التي يمكن أن نطلق عليها رقائق

- ‌الحُجُبُ التي تحول بين العبد وربه هي عشرة

- ‌الحجاب الأول: الجهل بالله:

- ‌الحجاب الثاني: البدعة:

- ‌الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:

- ‌الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة:

- ‌الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر:

- ‌الحجاب السادس: حجاب الشرك:

- ‌(توحيد الربوبيةِ:

- ‌(توحيد الأ لوهية:

- ‌(توحيد الأسماءِ والصفات:

- ‌الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات:

- ‌الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:

- ‌الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف:

- ‌الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير إلى المقصود:

- ‌باب شرطي قبول العمل:

- ‌(أهمية العلم بشرطي قبول العمل:

- ‌(أولاً الإخلاص:

- ‌(تعريف الإخلاص:

- ‌(فضائل الإخلاص:

- ‌(ماذا قال بعض العلماء في الإخلاص

- ‌(خطورة ترك العمل خوف الرياء:

- ‌(هناك أشياء تظن من الرياء وليست منه:

- ‌(علامات الإخلاص:

- ‌(ثانيا: متابعة السنّة:

- ‌باب حقيقة الموت:

- ‌مسألة: ما هي حقيقة الموت

- ‌(الموت أعظم المصائب:

- ‌(الموت موعد مجهول:

- ‌مسألة هل الموت راحة

- ‌مسألة: هل يجوز تمني الموت

- ‌(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه:

- ‌مسألة: هل يجوز لنا أن نكره الموت

- ‌مسألة: ما حكم موت الفجأة

- ‌(عبرة الموت:

- ‌(هو الموت ما منه فوت

- ‌باب‌‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌ كل نفس ذائقة الموت:

- ‌(رُسُلُ ملك الموت:

- ‌باب ذِكْرُ الموت:

- ‌(كيف تتناسى الموت

- ‌(فوائد ذكر الموت:

- ‌(الأسباب الباعثة على ذكر الموت:

- ‌باب كيف نستعد للموت

- ‌مسألة: كيف نستعد للموت

- ‌(1) اجتناب المنهيات:

- ‌(2) أداء الفرائض والواجبات:

- ‌(3) كثرة ذكرالموت:

- ‌(4) محاسبة النفس:

- ‌(كيفية محاسبة النفس

- ‌(الأدلة على مشروعية المحاسبة:

- ‌(أهمية محاسبة النفس:

- ‌ولمحاسبة النفس فوائد عظيمة ومزايا جسيمة منها ما يلي:

- ‌(5) الإكثار من الطاعات والقربات:

- ‌باب استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة:

- ‌(أثر استحضار حسن الخاتمة وسوء الخاتمة في رقة القلب:

- ‌(معنى حسن الخاتمة:

- ‌(أسباب حسن الخاتمة:

- ‌(علامات حسن الخاتمة:

- ‌(صور من حسن الخاتمة:

- ‌(علامات سوء الخاتمة:

- ‌(صور من سوء الخاتمة:

- ‌(الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة:

- ‌(1) التسويف بالتوبة:

- ‌(2) طول الأمل:

- ‌(3) حب المعصية وأُلفها واعتيادها:

- ‌(4) الانتحار:

- ‌باب ساعة الاحتضار:

- ‌(أحوال الناس عند الاحتضار:

- ‌(لحظات المحتضرين:

- ‌(من دُرَرِ أقوال المحتضرين لحظة الاحتضار:

- ‌(تعزية النفس عند الاحتضار بالصبر والاحتساب:

- ‌(البكاء عند الموت مخافة سوء المرد:

- ‌(سكرات الموت:

- ‌(الثبات عند الموت:

- ‌(ما يسن عند الاحتضار:

- ‌باب وجوب الصبر والاسترجاع لأهل الميت:

- ‌باب ما ورد في البكاء على الميت:

- ‌باب‌‌ غسل الميتوتكفينه والصلاة عليه ودفنه:

- ‌ غسل الميت

- ‌(تكفين الميت:

- ‌(الواجب في الكفن:

- ‌(كيفية تكفين الميت:

- ‌(الصلاة على الميت:

- ‌(فضل الصلاة على الميت:

- ‌(مقصود الصلاة على الميت:

- ‌(مقام الإمام من الميت:

- ‌(صفة صلاة الجنازة:

- ‌(هل يصلي الإمام على قاتل نفسه:

- ‌(الصلاة على السقط:

- ‌(حمل الجنازة والسير بها:

- ‌(الموعظة بالجنازة والاعتبار بها:

- ‌ دفن الميت

- ‌(الأوقات التي لا يجوز الدفن فيها إلا لضرورة:

- ‌(استحباب الدفن في الأماكن المقدسة:

- ‌(استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:

- ‌(الأمور التي تستحب في الدفن:

- ‌(الأمور التي تستحب بعد الفراغ من الدفن:

- ‌(الأشياء التي تنفع الميت بعد موته:

- ‌(ما ورد في التعزية وحكمها:

- ‌(الحداد على الميت:

- ‌(ما ورد في النهي عن سب الأموات:

- ‌باب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور:

- ‌(ما هو البرزخ

- ‌(سؤال القبر:

- ‌(التثبيت في القبر:

- ‌(عذاب القبر ونعيمه:

- ‌(الأسباب الموجبة لعذاب القبر:

- ‌(الأسباب التي تكون سبباً في النجاة عذاب القبر:

- ‌لعذاب القبر أنواع منها ما يلي:

- ‌(ذكر ضيق القبور وظلمتها على أهلها وتنورها عليهم بدعاء الأحياء:

- ‌(عرض منازل أهل القبور عليهم من الجنة أو النار بكرة وعشيا:

- ‌(ضمة القبر:

- ‌(اجتماع أعمال الميت عليه من خير وشر ومدافعتها عنه:

- ‌(اجتماع الموتى إلى الميت وسؤالهم إياه:

- ‌(ما ورد من سماع الموتى كلام الأحياء:

- ‌(ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ:

- ‌(زيارة الموتى والاتعاظ بهم:

- ‌(آداب زيارة القبور:

- ‌ الأمور التي يحرم فعلها عند القبور

- ‌(عِظةُ القبور:

- ‌ فوائد زيارة القبور

- ‌(الفرق بين زيارة الموحدين للقبور، وزيارة المشركين:

- ‌(استحباب تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌(أحوال السلف في تذكر القبور والتفكير في أحوالهم:

- ‌باب القيامة الكبرى وما يجري فيها:

- ‌(منهج أهل السنة والجماعة في تفصيل الإيمان باليوم الآخر:

- ‌(التفكر في أهوال يوم القيامة:

- ‌(حشر الناس حفاة عراة غرلا:

- ‌(دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين:

- ‌(نصبُ الموازين:

- ‌(الدليل على أن الأعمال توزن:

- ‌(نشرُ الدواوين:

- ‌(حساب الخلائق:

- ‌(الحوض المورود للنبي

- ‌(الصراط:

- ‌(الإيمان بالجنة والنار:

- ‌(الشفاعة:

- ‌باب الترغيب في الجنة:

- ‌(الترغيب في الجنة:

- ‌(إدامة ذِكْرِ الجَنَّة:

- ‌(من أعظم الغبن أن تبيع الجنة بالدنيا الفانية:

- ‌(حُفَّت الجنة بالمكاره:

- ‌(منزلة الجهاد في الإسلام:

- ‌(ومن ملابسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(أهل الجنة لا ينامون:

- ‌(نعيم الجنة يُنسي بؤس الدنيا:

- ‌(مفتاح الجنة:

- ‌(وجود الجنة الآن:

- ‌(مكان الجنة وأين هي:

- ‌ تَفجَّر أنهار الجنة

- ‌(درجات الجنة:

- ‌(الشهداء ممن ينالون الدرجات العلى:

- ‌(أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة:

- ‌(ارتقاء العبد و هو في الجنة من درجة إلى درجة أعلى منها:

- ‌(أعلى أهل الجنة منزلة:

- ‌(أدنى أهل الجنة منزلة:

- ‌(آخر أهل الجنة دخولا إليها:

- ‌(طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم:

- ‌(أسماء الجنة ومعانيها:

- ‌(عدد الجنات:

- ‌(أبواب الجنة وخزنتها:

- ‌(خزنة الجنة:

- ‌(عدد أبواب الجنة:

- ‌(سعة أبواب الجنة:

- ‌(صفة أبواب الجنة وأنها ذات حلق:

- ‌(أول من يقرع باب الجنة:

- ‌(أول من يدخلون الجنة وصفاتهم:

- ‌(صفات أول من يدخلون الجنة:

- ‌(سبق الفقراء الأغنياء إلى الجنة:

- ‌(أصناف أهل الجنة وأوصافهم:

- ‌ أوصاف أهل الجنة في السنة الصحيحة:

- ‌(أكثر أهل الجنة هم أمة محمد

- ‌(النساء في الجنة أكثر من الرجال وكذلك هم في النار:

- ‌(من يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب:

- ‌(ذكر حثيات الرب تبارك وتعالى الذين يدخلهم الجنة:

- ‌(عرض الجنة:

- ‌(ذكر بناء الجنة وملاطها وحصباؤها و تربتها:

- ‌(غُرف الجنة وقصورها:

- ‌(خيام الجنة:

- ‌(قصور الجنة:

- ‌(كيفية دخول أهل الجنة الجنة:

- ‌(سوق الجنة و ما اعد الله تعالى فيه لأهلها:

- ‌(صفة أهل الجنة في خَلْقِهِم وَخُلُقِهم:

- ‌(سِنُ أهلِ الجنة:

- ‌(تحفة أهل الجنة إذا دخلوها:

- ‌(ريح الجنة ومن مسيرة كم ينشق:

- ‌(الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة:

- ‌(أشجار الجنة وبساتينها وظلالها:

- ‌(ثمار الجنة وتعداد أنواعها وصفاتها:

- ‌(في زرع الجنة:

- ‌(نهر الكوثر:

- ‌ عيون الجنة:

- ‌(طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه:

- ‌فاكهة أهل الجنة:

- ‌شراب أهل الجنة:

- ‌(آنية أهل الجنة التي يأكلون فيها ويشربون:

- ‌(لباس أهل الجنة وحليهم:

- ‌(حُلِّي أهل الجنة:

- ‌(مناديل أهل الجنة:

- ‌(لبسهم التيجان على رؤسهم:

- ‌(فُرُشُ أهل الجنة:

- ‌(بُسُطُ أهل الجنة وزرابيهم:

- ‌(خيام أهل الجنة وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم:

- ‌(مطايا أهل الجنة و خيولهم و مراكبهم:

- ‌(غلمانُ أهل الجنة وخدمُهم:

- ‌(وصف الحور العين:

- ‌(ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة:

- ‌(رؤية أهل الجنة لله تعالى بأبصارهم جهرة:

- ‌(تكليم الله تعالى لأهل الجنة:

- ‌(أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد:

- ‌(الجنة تتكلم:

- ‌(صفات من يستحقُّ الجنة في القرآن والسنة:

- ‌(الطريق إلى الجنة:

الفصل: ‌(حفت الجنة بالمكاره:

وصم يومك الأدنى لعلك في غد

تفوز بعيد الفطر والناس صوم

وأقدم ولا تقنع بعيش منغص

فما فاز باللذات من ليس يقدم

وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها

ولم يك فيها منزل لك يعلم

فحي على جنات عدن فإنها

منازلنا الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبى العدو فهل ترى

نعود إلى أوطاننا ونسلم

وقد زعموا أن العدو إذا نأى

وشطت به أوطانه فهو مغرم

وأي اغتراب فوق غربتنا التي

لها أضحت الأعداء فينا تحكم

وحي على السوق الذي فيه يلتقي ال

محبون ذاك السوق للقوم يعلم

فما شئت خذ منه بلا ثمن له

فقد أسلف التجار فيه وأسلموا

وحي على يوم المزيد الذي به

زيارة رب العرش فاليوم موسم

وحي على واد هنالك أفيح

وتربته من إذفر المسك أعظم

منابر من نور هناك وفضة

ومن خالص القيان لا تتقصم

وكثبان مسك قد جعلن مقاعدا

لمن دون أصحاب المنابر يعلم

فبينا همو في عيشهم وسرورهم

وأرزاقهم تجرى عليهم وتقسم

إذا هم بنورٍ ساطع أشرقت له

بأقطارها الجنات لا يتوهم

تجلى لهم رب السماوات جهرة

فيضحك فوق العرش ثم يكلم

سلام عليكم يسمعون جميعهم

بآذانهم تسليمه إذ يسلم

يقول سلوني ما اشتهيتم فكل ما

تريدون عندي أنني أنا أرحم

فقالوا جميعا نحن نسألك الرضا

فأنت الذي تولى الجميل وترحم

فيعطيهمو هذا ويشهد جمعهم

عليه تعالى الله فالله أكرم

فيا بائعا هذا ببخس معجل

كأنك لا تدرى؛ بلى سوف تعلم

فإن كنت لا تدرى فتلك مصيبة

وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم

‌(حُفَّت الجنة بالمكاره:

(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» .

مسألة: ما معنى حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ؟

ِالْمَكَارِهِ: هي الأمور التي تكرهها النفس لمشقتها، فلا يصل إلى الجنة أحدٌ إلا إذا تجرَّع من غصص هذه المكاره التي تحيط بها، فالطريق إليها سهلاً، بل هو طريق وعرٌ محفوف بالمتاعب والآلام والدموع والعرق والدم والتضحيات، وبذل كل ما في الوسع، ليس طريقًا مليئًا بالمتع والشهوات والنزوات، فمن أراد الجنة ونعيمها فليوطِّن نفسه لتحمل هذه المكاره التي حُفت بها الجنة والتي ينبغي على من يريد الجنة أن يؤديها ويقوم بها خير قيام كالصبر على المحن والبلايا والمصائب، والصبر على الطاعات التي تشق على النفس كالجهاد في سبيل الله وغير ذلك.

ص: 317

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها قال فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها قال فرجع إليه قال فوعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت

لأهلها فيها قال فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره فرجع إليه فقال وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد قال اذهب إلى النار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فإذا هي يركب بعضها بعضا فرجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع إليها فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها.

ولعلّ هذا هو السبب الذي جعل جبريل عليه السلام عندما رأى ما أعده الله تعالى من النعيم المقيم لعباده في الجنة، ظنّ أن كل من يسمع بالجنة ونعيمها سيعمل من أجل أن يدخلها، لذا قال" فوعزتك لا يسمع بها أحدٌ إلا دخلها".

ص: 318

بعد أن قال جبريل عليه السلام ذلك، أمر الله تعالى بالجنة فحفّت بالمكاره، ثمّ قال لجبريل: ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فرجع إليها، فإذا هي قد حفّت بالمكاره. فعلم بذلك أنّه لم يعد الطريق إليها سهلاً، بل هو طريق وعرٌ محفوف بالمتاعب والآلام والدموع والعرق والدم والتضحيات، وبذل كل ما في الوسع، ليس طريقًا مليئًا بالمتع والشهوات والنزوات، فمن أراد الجنة ونعيمها فليوطِّن نفسه لتحمل هذه المكاره التي حُفت بها الجنة ـ وهي الأمور التي تكرهها النفس لمشقتها ـ فلا يصل إلى الجنة أحدٌ إلا إذا تجرَّع من غصص هذه المكاره التي تحيط بها، ففي الحديث الشريف قد شبه حال التكاليف الشاقة على النفس ـ التي حُفت بها الجنة ـ والتي ينبغي على من يريد الجنة أن يؤديها ويقوم بها خير قيام كالصبر على المحن والبلايا والمصائب، والصبر على الطاعات التي تشق على النفس كالجهاد في سبيل الله وغير ذلك، شبّه كل ذلك بحال أسوار ٍكثيفةٍ من الأشواك التي يكمن فيها كل حيوان ضارٍّ من الوحوش والحيات والعقارب، وهذه الأسوار الكثيفة الكريهة محيطة ببستان ٍعظيم ٍتلتف به من كل مكان بحيث لا يستطيع أن يصل أحدٌ إلى هذا البستان ولا يحظى بالتنعم بما فيه إلا بعد أن يتخطى هذه الأسوار البغيضة، ويتجشم المشاق التي تلحقه حين سلوكه فيها، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى جهادٍ طويل شاق، وصبر ٍدائم، كذلك الجنة لا ينالها ويحظى بنعيمها الدائم إلا من تخطى شدائد دنياه، مجاهدًا نفسه، صابرًا على ما يصيبه، راضيًا بقضاء الله تعالى، قائمًا بتكاليف الإسلام خير قيام، مضحيًا بالنفس والمال في سبيل نيل مطلوبه، فالجنة هي الثمن الذي اشترى الله به نفوس المؤمنين وأموالهم، قال تعالى:(إنّ اللهَ اشترى من المؤمنين أنفُسَهمْ وأموالَهمْ بأنَّ لهمُ الجنّة َيُقاتِلون في سبيل ِاللهِ فيَقتُلونَ ويُقتَلونَ وعْدًا عليهِ حقًا في التوراةِ والإنجيل ِوالقرآن ِومَنْ أَوْفَى بعهدِهِ مِنَ اللهِ فاسْتَبشِرُوا بِبَيْعكمُ الذي بايَعْتُمْ به وذلك هو الفوزُ العظيمُ){التوبة:111} قال شمر بن عطية: ما من مسلم ٍإلا لله عز وجل في عنقه بيعة، وفَّّى بها أو مات عليها ثمّ تلا الآية السابقة (1).

(1) - تفسير ابن كثير (2/ 399)

ص: 319

بل أكدَّ الله تعالى الوعد الذي ذكره في هذه الآية وأخبر بأنّه قد كتبه على نفسه الكريمة وأنزله على رسله في كتبه العظيمة: التوراة والإنجيل والقرآن، ثمّ بشَّر من قام بمقتضى هذا العقد، ووفََّّى بهذا العهد بالفوز العظيم والنعيم المقيم.

ومن هنا يتضح معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أَلَا إِنّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ كما في الحديث الآتي:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ أَلَا إِنّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ أَلَا إِنّ سِلْعَةَ الله الْجَنّةُ» .

(ولله درُ من قال:

يا سلعةَ الرحمن ِلست رخيصة

بل أنتِ غالية ٌعلى الكسلان

يا سلعة الرحمن ليس ينالُها

في الألفِ إلا واحدٌ لا اثنان

يا سلعة الرحمن أين المشتري

فلقد عُرِضتِ بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن هل من خاطب

فالمهرُ قبل الموتِ ذو إمكان

يا سلعة الرحمن لولا أنَّها

حُجِبَتْ بكلِّ مكاره ِالإنسان

ِما كان قطُّ من متخلفٍ

وتَعَلتْ دارُ الجزاءِ الثاني

لكنَّها حُجِبَتْ بكلِّ كريهةٍ

ليُصدَّ عنها المبطلُ المتواني

وتنالها الهممُ التي تَسْمُو

إلى ربِّ العلا بمشيئةِ الرحمن

فاتْعَبْ ليوْم ِمعادِك الأدنى

تَجِدْ راحاتهِ يومَ المعادِ الثاني

ولنذكرـ الآن ـ طرفًا من بعض التكاليف التي قد حُفَّت بها الجنة مع مشقتها على النفس:

(1)

الجهاد في سبيل الله:

وهو فرض كفاية على المسلمين ليكفُّوا شرَّ الأعداء عن حوزة الإسلام، ولنشر تعاليم الدين السمحة، وفضله عظيم، وهاك غيضاً من فيض ونقطةً من بحر مما ورد في فضل الجهاد في سبيل الله:

(1)

َفَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً بنص القرآن الكريم:

قال تعالى: (لاّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَىَ وَفَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)[سورة: النساء - الآية: 95]

(2)

وعد الله تعالى لمن قتل في سبيله أن يدخله الجنة وليس هناك فوزيعدل الجنة كما هو معلوم شرعاً وعقلاً وبداهةً.

ص: 320

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انتدب الله عز وجل لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي، أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل).

(حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن رجلا كان قبلكم، رغسه الله مالا، فقال لبنيه لما حضر: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيرا قط، فإذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في يوم عاصف، ففعلوا، فجمعه الله عز وجل فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته.

(حديث عبد الرحمن بن جبرالثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أُغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار).

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يلج النار رجل بكي من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم.

(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.

(3)

ليس هناك عملٌ يعدل الجهاد في سبيل الله تعالى بنص السنة الصحيحة:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال:(لا أجده). قال: (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر). قال: ومن يستطيع ذلك. قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليَسْتَنُ في طِوَلِه، فيكتب له حسنات.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل كَلْمٍ يُكْلَمْهُ المسلم في سبيل الله تعالى يكون يوم القيامة كهيئتها إذا طُعِنت تُفَجَّرُ َدما و اللون لون الدم و العَرْفُ عَرْفُ مسك.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من احتبس فرسا في سبيل الله، إيمانا بالله، وتصديقا بوعده، فإن شِبْعَهُ وَرِيهَ ورَوَثَه وبَوله في ميزانه يوم القيامة).

(4)

بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا و ما فيها:

ص: 321