الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجاب الأول: الجهل بالله:
الحجاب الثاني: البدعة:
الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:
الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة:
الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر:
الحجاب السادس: حجاب الشرك:
الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات:
الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:
الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف:
الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير الى المقصود:
وإليك تفصيل ذلك:
الحجاب الأول: الجهل بالله:
إن أغلظ الحجب هو الجهل بالله وإلا تعرفه .. فالمرء عدو ما يجهل، وإن الذين لا يعرفون الله يعصونه، ويعبدون الشيطان من دونه.
ولذلك كان نداء الله بالعلم أولاً: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [محمد:19]
والدواء أن تعرف الله حق المعرفة، وفصل الخطاب في معرفة الله تعالى حق معرفته أنه يتضمن قسمين أساسين:
(أولاً: معرفة الله تعالى حق معرفته:
(ثانياً: أثر معرفة الله تعالى حق معرفته على ترقيق القلب
وهاك تفصيل ذلك:
(أولاً: معرفة الله تعالى حق معرفته:
فمن عرف الله حق معرفته أحبه كما ينبغي أن يحبه سبحانه، ومن لم يعرف ربه حق معرفته لم يستطع أن يحب ربه سبحانه كما ينبغي أن يحبه، لذلك كان أغلظ الحُجُبِ بين العبد وربه هو الجهل بالله تعالى، وكان أهل السنة فعلا طلبة العلم حقا هو أولياء الله الذين يحبهم ويحبونه،
واعلم رحمك الله تعالى أنه لا يتم معرفة الله تعالى حق معرفته إلا بالإيمان بأربعة أمور متلازمة هي:
(1)
الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى.
(2)
الإيمان بربوبيته، أي: الانفراد بالربوبية.
(3)
الإيمان بانفراده بالألوهية.
(4)
الإيمان بأسمائه وصفاته. لا يمكن أن يتحقق الإيمان إلا بذلك.
فمن لم يؤمن بوجود الله، فليس بمؤمن، ومن آمن بوجود الله لا بانفراده بالربوبية، فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية، فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية والألوهية لكن لم يؤمن بأسمائه وصفاته، فليس بمؤمن، وإن كان الأخير فيه من يسلب عنه الإيمان بالكلية وفيه من يسلب عنه كمال الإيمان.
(الإيمان بوجود الله:
مسألة: إذا قال قائل: ما الدليل على وجود الله عز وجل؟
قلنا: الدليل على وجود الله: العقل، والحس، والشرع.
ثلاثة كلها تدل على وجود الله، وإن شئت، فزد: الفطرة، فتكون الدلائل على وجود الله أربعة: العقل، والحس، والفطرة، والشرع. وأخرنا الشرع، لا لأنه لا يستحق التقديم، لكن لأننا نخاطب من لا يؤمن بالشرع.
ـ فأما دلالة العقل، فنقول: هل وجود هذه الكائنات بنفسها، أو وجدت هكذا صدفة؟
فإن قلت: وجدت بنفسها، فمستحيل عقلاً ما دامت هي معدومة؟ كيف تكون موجودة وهي معدومة؟! المعدوم ليس بشيء حتى يوجد، إذاً لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها وإن قلت: وجدت صدفة، فنقول: هذا يستحيل أيضاً، فأنت أيها الجاحد، هل ما أنتج من الطائرات والصواريخ والسيارات والآلات بأنواعها، هل وجد هذا صدفة؟! فيقول: لا يمكن أن يكون. فكذلك هذه الأطيار والجبال والشمس والقمر والنجوم والشجر والجمر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن أن توجد صدفة أبداً.
ويقال: إن طائفة من السمنية جاؤوا إلى أبي حنيفة رحمه الله، وهم من أهل الهند، فناظروه في إثبات الخالق عز وجل، وكان أبو حنيفة من أذكى العلماء فوعدهم أن يأتوا بعد يوم أو يومين، فجاءوا، قالوا: ماذا قلت؟ أنا أفكر في سفينة مملوءة من البضائع والأرزاق جاءت تشق عباب الماء حتى أرسلت في الميناء ونزلت الحمولة وذهبت، وليس فيها قائد ولا حمالون.
قالوا: تفكر بهذا؟! قال: نعم. قالوا: إذاً ليس لك عقل! هل يعقل أن سفينة تأتي بدون قائد وتنزل وتنصرف؟! هذا ليس معقول! قال: كيف لا تعقلون هذا، وتعقلون أن هذه السماوات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والناس كلها بدون صانع؟ فعرفوا أن الرجل خاطبهم بعقولهم، وعجزوا عن جوابه هذا أو معناه. وقيل لأعرابي من البادية: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟
ولهذا قال الله عز وجل: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} [الطور: 35].
فحينئذ يكون العقل دالاً دلالة قطعية على وجود الله.
(وأما دلالة الحس على وجود الله، فإن الإنسان يدعو الله عز وجل، يقول: يا رب! ويدعو بالشيء، ثم يستجاب له فيه، وهذه دلالة حسه، هو نفسه لم يدع إلا الله، واستجاب الله له، رأى ذلك رأي العين. وكذلك نحن نسمع عمن سبق وعمن في عصرنا، أن الله استجاب الله.
وفي القرآن كثير من هذا، مثل:{وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين (83) فاستجبنا له} [الأنبياء: 83 - 84] وغير ذلك من الآيات.
(وأما دلالة الفطرة، فإن كثيراً من الناس الذين لم تنحرف فطرهم يؤمنون بوجود الله، حتى البهائم العجم تؤمن بوجٍٍٍٍِود الله، وقصة النملة التي رويت عن سليمان عليه الصلاة والسلام، خرج يستسقي، فوجد نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها نحو السماء، تقول: اللهم أنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا سقياك.
فقال: ارجعوا، فقد سقيتم بدعوة غيركم، فالفطر مجبولة على معرفة الله عز وجل وتوحيده.
وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: {وإذ أخذ ربكم من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم} [الأعراف: 172: 173]، فهذه الآية تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله وربوبيته وسواء أقلنا: إن الله استخرجهم من ظهر آدم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا هو ما ركب الله تعالى في فطرهم من الإقرار به، فإن الآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته.
هذه أدلة أربعة تدل على وجود الله سبحانه وتعالى.
(وأما دلالة الشرع، فلأن ما جاءت به الرسل من شرائع الله تعالى المتضمنة لجميع ما يصلح الخلق يدل على أن الذي أرسل بها رب رحيم حكيم، ولا سيما هذا القرآن المجيد الذي أعجز البشر والجن أن يأتوا بمثله.
[2]
توحيد الربوبيةِ:
هو إفرادُ الله بالخلق ِ والملك ِ والتدبير.
والدليلُ قوله تعالى (ألا له الخلقُ والأمر){الأعراف / 54}
والأمرُ هنا معناه التدبير.
وقوله تعالى (لله ملك السموات والأرض){المائدة / 17}
الشاهد: تقديم ما حقَّه التأخير يفيدُ الحصر
{تنبيه} : (التدبير الذي يختصُ به الله تعالى نوعان هما:
(1)
تدبيرٌكوني: فالله تعالى يدبرُ أمور الكون وما فيه، هو المحيي المميت الخافض الرافع المعطي المانع المعز المذل يُولج الليل في النهار ويلج النهار في الليل
قال تعالى: (قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَآءُ وَتُعِزّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنّكَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)،تُولِجُ اللّيْلَ فِي الْنّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) {آل عمران / 26، 27}
(2)
تدبيرٌ شرعي: يحلل ويحرِّم.
[3]
توحيد الأ لوهية:
توحيدُ الأ لوهية هو (إفرادُ الله بالعبادة)، أي لا معبود بحقٍ إلا الله.
والدليلُ قوله تعالى قال تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَا إِلََهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لَا إِلََهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(آل عمران /18)
وقوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنّهُ لَا إِلََهَ إِلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)(محمد / 19).
(حديثُ عُبَادةَ ابن الصامت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شهدَ أن لا إله إلا الله وحده لا شَرِيكَ له وأن محمداً عبدُ الله ورسولُه وأن عيسى عبدُ اللهِ ورسولُه وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه والجنةُ حقٌ والنارُ حقٌ أدخله الله الجنةَ على ما كان من العمل.
[4]
توحيد الأسماءِ والصفات:
توحيدُ الأسماء ِ والصفات هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء ِ الحسنى والصفاتِ العُلى.
{تنبيه} : (في هذا النوع من التوحيد ضابطين أساسيين:
(1)
لا نصفُ الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمامُ أحمد رحمه الله: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسَه أو وَصفَه به رسوله لا يتجاوزُ القرآن والحديث.
2) أن يكون وصفنا لله تعالى بغيرِ تحريفٍ ولا تعطيل ولا تكيفٍ ولا تمثيل.
مسألة: ما معنى التحريف؟
التحريفُ نوعان:
(النوع الأول: تحريفٌ لفظي كتغيير حرفٍ بحرف، أو زيادة حرف كمن يقول (استوى على العرش) استولى، وقوله حطه أي حنطه. نعوذ بالله من الضلال والخبال.
(النوعُ الثاني: تحريفٌ معنوي وهو التأويلُ بغير دليل، لأي صرف النص عن ظاهره بغير دليلٍ شرعي وهو ما يُسمى بالتأويلِ الفاسد، كحا لِ بعض الفرق الضالة الذين يفسرون قوله تعالى {بل يداه مبسوطتان} فيفسرون يداه بالسماوات والأرض، نعوذ بالله من الضلالِ والخبال.
مسألة: ما معنى التعطيل؟
التعطيلُ هو إنكارُ صفاتِ الله تعالى إما كلها أو بعضها، وكون الإنكارُ عن طريقتين: إما التحريف أو التكذيب
{تنبيه} : (التعطيلُ أعم من التحريف، يكون تعطيلٌ وتحريف، وإن كان التعطيلُ بالإنكار يكون تعطيلٌ فقط.
مسألة: ما معنى التكييف؟
التكييف ذكرُ كيفيةٍ للصفة، وهذا منهيٌ عنه، ولما سُئلَ الإمامُ مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ قال:
الاستواء غيرُ مجهول (أي من حيثُ المعنى)
والكيفُ غير معقول (أي لا تدركه العقول)
والإيمانُ به واجب (لأنه سبحانه أثبته لنفسه)
والسؤالُ عنه بدعة (لأن الصحابة َلم يسألوا عنه وهم أحرصُ الناسِ على الخير وأعلم الناسِ بما يجيزه الشرع.
مسألة: ما معنى التمثيل؟
التمثيلُ هو مماثلة صفات الله تعالى بصفاتِ المخلوقين، وهذا من الضلالِ والخبال لأن الله تعالى يقول (ليس كمثلهِ شئٌ وهو السميعُ البصير)[الشورى / 11]
{تنبيه} : (التكييف أعم من التمثيل، لأن التكييفَ إن كان له مماثل كان تكييفاً وتمثيلاٌ، وإن لم يكن له مماثل كان تكييفاٌ فقط.
[*] قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى:
وكلِ ما لهُ من الصفاتِ
…
أثبتها في محكمِ الآياتِ
أوْصَحَّ فيما قاله الرسولُ
…
فحقَّهُ التسليمُ والقبولُ
نُمِرُّها صريحةً كما أتتْ
…
مع اعتقادنا لما له اقتدتْ
من غيرِ تحرِيفٍ ولا تعطيلِ
…
وغيرِ تمثيلٍ ولا تكييفِ
ثانياً: أثر معرفة الله تعالى حق معرفته على ترقيق القلب:
إن من أعظم أبواب الرقائق باب معرفة الله وأسمائه وصفاته واقتضاء هذه المعرفة لآثار هذه الأسماء الحسنى والصفات العلا من العبودية، فإذا عرف الإنسان ربه .. كيف يعصيه؟ كيف يعصي ربه وهو يعلم أنه صائر إليه موقوف بين يديه؟
وكذلك يعرف أسماء الله وصفاته حق المعرفة بأن يؤمن بها ويستحضرها في قلبه، يستحضرها في قلبه عند الطاعة فيقبل إليها، وعند المعصية فيحجم عنها.
ومعرفة أسماء الله وصفاته ترقق القلب، فإذا علم بسمع الله تعالى وبصره وعلمه المطلق حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل مالا يرضي الله،
[*] قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (2/ 90):
(وعلمه ـ ويقصد العبد ـ بسمعه تعالى وبصره وعلمه وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وأنه يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله و يرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطنا، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح " اهـ.
وإذا عرف أن الله هو الجبار العزيز شديد العقا ب لم يجرؤ أن يبارزه بالمعصية وإذا علم أن الله هو الرحمن الرحيم الغفور الودود رجا رحمة ربه وأحب خالقه.