الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا و ما فيها.
(5)
بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء عند البأس والقتال مستجاب.
(حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح أبي داوود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثنتان لا تردان: الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا.
(6)
بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك الجهاد يكون سبباً في حصول الذل والعياذ بالله.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح أبي داوود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ» .
(منزلة الجهاد في الإسلام:
(حديث معاذ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الاْسْلَامُ، وَعُمودُهُ الصّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ في سبيل الله.
{تنبيه} : (والجهاد مع فرضيته وفضيلته إلا أنه مكروه على النفس، وذلك لأنَّ فيه مشقة وشدة، فإنَه إما أن يُقتل الإنسان أو يجرح، مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء، ومع أن النفس تكرهه إلا أنه خيرٌ لها، لذا قال تعالى: (كُتِبَ عليكم القتالُ وهو كُرْهٌ لَّكُم وعَسى أنْ تَكرهوا شَيْئًا وهو خَيرٌ لَّكم وعسى أنْ تُحبُّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون){البقرة:216} .
كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالإِنْفَاقِ عَلَى اليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ لِحِمَايَةِ المُجْتَمَعِ مِنْ دَاخِلِهِ، كَذلِكَ فَرَضَ اللهُ الجِهَادَ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَمُحَارَبَةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ، لِيَكُفُّوا عَنْ الجَمَاعَةِ المُسْلِمَةِ شَرَّ أَعْدَائِها. وَالجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَة إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ الأُمَّةِ سَقَطَ عَنِ البَاقِينَ، وَالجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ غَزا أَوْ قَعَدَ، فَالقَاعِدُ عَلَيهِ أَنْ يُعينَ إِذا اسْتَعَانَ بِهِ النَّاسُ، وَأَنْ يُغيثَ إِذَا اسْتَغَاثُوا بِهِ، وَأَنْ يَنْفِرَ إِذا اسُتُنْفِرَ.
وَيَذْكُرُ اللهُ تَعَالَى: أَنَّ الجِهَادَ فِيهِ كُرْهٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى الأَنْفُسِ، مِنْ تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ، إِلَى مَخَاطِرِ الحُرُوبِ وَمَا فِيهَا مِنَ جَرْحٍ وَقَتْلٍ وَأَسْرٍ، وَتَرْكٍ لِلْعِيَالِ، وَتَرْكٍ لِلتِّجَارَةِ وَالصَّنْعَةِ وَالعَمَلِ. . إلخ، وَلكِنْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ الخَيْرُ لأَنَّهُ قَدْ يَعْقُبُهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ بِالأَعْدَاءِ، وَالاستِيلاءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَبِلَادِهِمْ. وَقَدْ يُحِبُّ المَرْءُ شَيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَمِنْهُ القُعُودُ عَنِ الجِهَادِ، فَقَدْ يَعْقُبُهُ استِيلاءُ الأَعْدَاءِ عَلَى البِلادِ وَالحُكْمِ، وَاللهُ يَعْلَمُ عَوَاقِبَ الأُمُورِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْلَمُها العِبَادُ.
(2)
الصبر على النوائب، والرضا بقضاء الله:
قال تعالى: (أَمْ حَسِبتمْ أن تَدْخلُوا الجنَّة َوَلَمَّا يعلمِ اللهُ الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين){آل عمران:142}
وَلَا تَحْسَبُوا أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَبِرَكُمُ اللهُ تَعَالَى وَيُمَحِّصَكُمْ فِي الشَّدَائِدِ وَالجِهَادِ لِيَرَى صِدْقَ إيمَانِكُمْ، وَيَرَى مَنْ يَسْتَجِيبُ للهِ، وَيُخْلِصُ فِي طَاعَتِهِ، وَقِتَالِ أًَعْدَائِهِ، وَيَصْبِرُ عَلَى مَكَارِهِ الحُرُوبِ.
وقال تعالى: (أَمْ حَسبْتُمْ أن تَدْخُلوا الجنَّة َوَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قبلِكم مَّسَّتْهُمُ البَأْساءُ والضراءُ وزُلْزِلُوا حتى يقولَ الرسولُ والذين آمنُوا مَعَهُ مَتَى نصرُ اللهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللهِ قريبٌ){البقرة:214}
يُخَاطِبَ اللهُ تَعَالَى الذِينَ هَدَاهُمْ إِلى السِّلْمِ، وَإِلَى الخُرُوجِ مِنْ ظُلْمَةِ الاخْتِلَافِ، إِلى نُورِ الوِفَاقِ، بِاتِّبَاعِهِمْ هُدَى الكِتَابِ زَمَنَ التَّنْزيلِ، الذِينَ يَظُنُّونَ مِنْهُمْ أَنَّ انْتِسَابَهُمْ إِلى الإِسْلَامِ فِيهِ الكِفَايَةُ لِدُخُولِ الجَنَّةِ دُونَ أَنْ يَتَحَمَّلُوا الشَّدَائِدَ وَالأَذَى فِي سَبيلِ الحَقِّ، وَهِدَايَةِ الخَلْقِ، جَهْلاً مِنْهُمْ بِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الهُدَى مُنْذُ أَنْ خَلَقَهُمْ. فَيَقُولُ لَهُمْ: هَلْ تَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ تُبْتَلَوا وَتُخْتَبَرُوا كَمَا فُعِلَ بِالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الأُمَمِ الذِينَ ابْتُلُوا بِالفَقْرِ (البَأَسَاءُ)، وَبِالأَسْقَامِ وَالأَمْرَاضِ (الضَّرَّاءُ)، وَخُوِّفُوا وَهُدَّدُوا مِنَ الأَعْدَاءِ (زُلْزِلُوا)، وَامتُحِنُوا امْتِحَاناً عَظِيماً، وَاشْتَدَّتِ الأُمُورُ بِهِمْ حَتَّى تَسَاءَلَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ قَائِلِينَ: مَتَى يَأْتِي نَصْرُ اللهِ. وَحِينَما تَثْبُتُ القُلُوبُ عَلَى مِثْلِ هذِهِ المِحَنِ المُزَلْزِلَةِ، حِينَئِذٍ تَتِمُّ كَلِمَةُ اللهِ، وَيَجِيءُ نَصْرُهُ الذِي يَدَّخِرُهُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ عِبَادِهِ الذِينَ يَسْتَيْقِنُونَ أَنْ لَا نَصْرَ إِلَاّ نَصْرُ اللهِ.
إنه مدخر لمن يستحقونه. ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية. الذين يثبتون على البأساء والضراء. الذين يصمدون للزلزلة. الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة. الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله، وعندما يشاء الله. وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها، فهم يتطلعون فحسب إلى {نصر الله} ، لا إلى أي حل آخر، ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله. ولا نصر إلا من عند الله.
بهذا يدخل المؤمنون الجنة، مستحقين لها، جديرين بها، بعد الجهاد والامتحان، والصبر والثبات، والتجرد لله وحده، والشعور به وحده، وإغفال كل ما سواه وكل من سواه.
إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة، ويرفعها على ذواتها، ويطهرها في بوتقة الألم، فيصفو عنصرها ويضيء، ويهب العقيدة عمقاً وقوة وحيوية، فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها. وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجاً كما وقع، وكما يقع في كل قضية حق، يلقى أصحابها ما يلقون في أول الطريق، حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم، وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين. .
على أنه ـ حتى إذا لم يقع هذا ـ يقع ما هو أعظم منه في حقيقته. يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض وشرورها وفتنتها، وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة، والحرص على الحياة نفسها في النهاية. . وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها، وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء. كسب يرجح جميع الآلام وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون، والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته.
وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف. وهذا هو الطريق.
هذا هو الطريق كما يصفه الله للجماعة المسلمة الأولى، وللجماعة المسلمة في كل جيل.
هذا هو الطريق: إيمان وجهاد. . ومحنة وابتلاء. وصبر وثبات. . وتوجه إلى الله وحده. ثم يجيء النصر. ثم يجيء النعيم. .
وابتلاء الله تعالى للعباد وامتحانهم إنَّما يكون لتنقيتهم وترقيتهم وليميز الخبيث من الطيب، قال تعالى:(ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أن يُتْرَكُوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون*ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الذين صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذبين){العنكبوت:1 - 3} .
إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم. كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب.
هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت، وسنة جارية، في ميزان الله سبحانه:
{ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} . .
والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء؛ ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله، مغيب عن علم البشر؛ فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم. وهو فضل من الله من جانب، وعدل من جانب، وتربية للناس من جانب، فلا يأخذوا أحداً إلا بما استعلن من أمره، وبما حققه فعله. فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه!
ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين.
إن الإيمان أمانة الله في الأرض، لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة، وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص. وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة، وعلى الأمن والسلامة، وعلى المتاع والإغراء. وإنها لأمانة الخلافة في الأرض، وقيادة الناس إلى طريق الله، وتحقيق كلمته في عالم الحياة. فهي أمانة كريمة؛ وهي أمانة ثقيلة؛ وهي من أمر الله يضطلع بها الناس؛ ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء.
ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله؛ ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه، ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة؛ ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان. وهذه هي الصورة البارزة للفتنة، المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة. ولكنها ليست أعنف صور الفتنة. فهناك فتن كثيرة في صور شتى، ربما كانت أمر وأدهى.
هناك فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه، وهو لا يملك عنهم دفعاً. وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم؛ وينادونه باسم الحب والقرابة، واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك. وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير. وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين، ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين، تهتف لهم الدنيا، وتصفق لهم الجماهير، وتتحطم في طريقهم العوائق، وتصاغ لهم الأمجاد، وتصفو لهم الحياة. وهو مهمل منكر لا يحس به أحد، ولا يحامي عنه أحد، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئاً.
وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة، حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقاً في تيار الضلالة؛ وهو وحده موحش غريب طريد وهناك فتنة من نوع آخر قد نراها بارزة في هذه الأيام. فتنة أن يجد المؤمن أمماً ودولاً غارقة في الرذيلة، وهي مع ذلك راقية في مجتمعها، متحضرة في حياتها، يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان. ويجدها غنية قوية، وهي مشاقة لله!
وهنالك الفتنة الكبرى. أكبر من هذا كله وأعنف. فتنة النفس والشهوة. وجاذبية الأرض، وثقلة اللحم والدم، والرغبة في المتاع والسلطان، أو في الدعة والاطمئنان. وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه، مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس، وفي ملابسات الحياة، وفي منطق البيئة، وفي تصورات أهل الزمان!
فإذا طال الأمد، وأبطأ نصر الله، كانت الفتنة أشد وأقسى. وكان الابتلاء أشد وأعنف. ولم يثبت إلا من عصم الله. وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان، ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى، أمانة السماء في الأرض، وأمانة الله في ضمير الإنسان. وما بالله حاشا لله أن يعذب المؤمنين بالابتلاء، وأن يؤذيهم بالفتنة. ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة. فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق؛ وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات، وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام، وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو في ثوابه، على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء. والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث، وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع. وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل. وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات، فلا يبقى صامداً إلا أصلبها عوداً؛ وأقواها طبيعة، وأشدها اتصالاً بالله، وثقة فيما عنده من الحسنيين: النصر أو الأجر، وهؤلاء هم الذين يسلَّمون الراية في النهاية. مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار. وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن؛ وبما بذلوا لها من الصبر على المحن؛ وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات. والذي يبذل من دمه وأعصابه، ومن راحته واطمئنانه، ومن رغائبه ولذاته. ثم يصبر على الأذى والحرمان؛ يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل؛ فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات والآلام.
فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية فأمر تكفل به وعد الله. وما يشك مؤمن في وعد الله. فإن أبطأ فلحكمة مقدرة، فيها الخير للإيمان وأهله. وليس أحد بأغير على الحق وأهله من الله. وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة، ويقع عليهم البلاء، أن يكونوا هم المختارين من الله، ليكونوا أمناء على حق الله. وأن يشهد الله لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء، وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيرا يصب منه.
(حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه و إن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض و ما عليه خطيئة.
(حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك عليه قطيفة فوضع يده فوق القطيفة فقال ما أشد حماك يا رسول الله قال إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر ثم قال: يا رسول الله من أشد الناس بلاء؟ قال: الأنبياء
قال: ثم من؟ قال العلماء، قال: ثم من؟ قال الصالحون، كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء.
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء و إن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط.
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء.
(حديث خبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسِّد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال:(قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن كمثل خامة الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها فإذا سكنت اعتدلت و كذلك المؤمن يكفأ بالبلاء و مثل الفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله تعالى إذا شاء.
(حديث حذيفة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قالوا وكيف يذل نفسه قال يتعرض من البلاء لما لا يطيق.
[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ
(أَنْ يُذِلَّ) مِنَ الْإِذْلَالِ
(قَالَ يَتَعَرَّضُ) أَيْ يَتَصَدَّى
(مِنَ الْبَلَاءِ) بَيَانٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ مَا لَا يُطِيقُ.
(3)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وهي عبادة شاقة على النفس ، وغالبًا ما يحدث للقائم بها شدائد ومشاكل وصعوبات كثيرة، لذا بعدما أوصى لقمان ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوصاه بالصبر لما سيقابله بسبب ذلك من إيذاء ومشقة، كما حكاه القرآن الكريم:(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاة َوَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ){لقمان:17} .
ثُمَّ قَالَ لُقمَانُ لابنِهِ، يَا بُنَيَّ أَدِّ الصَّلَاة في أَوْقَاتِها، وَأَتْمِمْهَا بِرُكُوعِها وَسُجُودِها وَخُشُوعِها، لأَنَّ الصَّلاةَ تُذَكِّرُ العَبْدَ بِرَبِّهِ، وَتَحْملُهُ عَلَى فِعْلِ المَعْرُوفِ، والانْتِهَاءِ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ، وإِذا فَعَلَ الإنسَانُ ذلِكَ تَصْفُو نَفْسُهُ وَتَسْمُو، وَيَسْهُلُ عَلَيها احْتِمَالُ الصِّعَابِ في اللهِ، ثمَّ حَثَّ لُقْمَانُ ابْنَهُ عَلَى احتِمَالِ أَذَى النَّاسِ إِذا قَابَلُوه بِالسُّوءِ والأَذى عَلَى حَثِّهِ إِيًَّاهُمْ عَلَى فِعْلِ الخَيرِ، والانْتِهَاءِ عَنْ فِعْلِ المُنْكَرِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ هذا الذي أَوْصَاهُ بِهِ هُوَ مِنَ الأمُورِ التي يَنْبَغِي الحِرْصُ عَليها، والتَّمَسُّكُ بِهَا (مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ).
(4)
وغير ذلك من تكاليف الإسلام:
فالصلاة ـ مثلاً ـ أثقل شيءٍ على المنافقين، وعلى النفوس الضعيفة قال تعالى:(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَاّ عَلَى الخَاشِعِينَ){البقرة:45} .
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالاسْتِعَانَةِ عَلَى أَدَاءِ التَّكَالِيفِ، وَمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ، بِالصَّبْرِ عَلَى الفَرَائِضِ، وَضَبْطِ النَّفْسِ عَنِ المَعَاصِي، وَبِالصَّلاةِ، لَعَلَّهُمْ يَبْلُغُونَ مَا يُؤمِّلُونَ مِنْ خَيْرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ. وَيُنَبِّهُهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلَى أَنَّ القِيَامَ بِهذِهِ الوَصِيَّةِ التِي يَطْلبُ مِنَ النَّاسِ الأَخْذَ بِهَا مِنْ صَبْرٍ وَصَلاةٍ. . . أَمْرٌ شَاقٌ ثَقِيلٌ عَلَى النُّفُوسِ، إِلَاّ النُّفُوسَ المُؤْمِنَةَ الخَاشِعَةَ المُسْتَكِينَةَ لِطَاعَةِ اللهِ، المُتَذَلِّلَةَ مِنْ مَخَافَتِهِ.
والزكاة والصدقة ثقيلتان وشاقتان على البخلاء والحريصين على جمع المال ، ولا تخفى مشقة الحج وما يتطلبه من جهدٍ وسفر وصعوبات وإنفاق وصبر ٍوجَلَد، والصيام وما يتطلبه من صبر ٍعلى الجوع والعطش والشهوةِ نهارًا، وغير ذلك من المشقات.
ولعلي أكون قد بيَّنتُ جانبًا من المكاره التي حُفت بها الجنة، والتي على المسلم أن يتحمل ما يعرض له منها ويصبر على ذلك ليفوز بنعيم الجنة، وهي وإن كانت تكاليف شاقَّة إلا أنّه لا يُدرك الغالي إلا بالعمل الشاق، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ أَلَا إِنّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ أَلَا إِنّ سِلْعَةَ الله الْجَنّةُ» .
ولعلَّ هذا هو السبب الذي جعل جبريل-عليه السلام بعدما رأى حقيقة الجنة وقد حُفت بالمكاره يخشى ألا يدخلها أحد، لذا قال لربّه تعالى:"وعزَّتك لقد خفتُ ألا يدخلها أحد".
(نعيم الجنة فوق ما يخطر ببال أو يدور في الخيال:
الجنة فوق ما يخطر على البال أو يدور في الخيال فهل أعددت لها صالح الأعمال قبل طي الآجال، لقد عرفنا الله الجنة .. ترغيباً فيها .. وبين لنا بعضاً من نعيمها وأخفى عنا بعضاً، زيادة في الترغيب والتشويق. لذلك فإن نعيم الجنة مهما وصف، لا تدركه العقول لأن فيها من الخير مالا يخطر ببال أو يدور في الخيال، فهل عرفت الجنة؟!
إنها دار خلود وبقاء .. لا فيها بأس ولا شقاء، ولا أحزان ولا بكاء .. لا تنقضي لذاتها ولا تنتهي مسراتها .. كل ما فيها يذهل العقل ويسحر الفكر .. ويسكر الرشد .. ويصرع اللب ..
هي جنة طابت وطاب نعيمها: فنعيمها باق وليس بفان
هي نور يتلألأ، وريحانة تهتز. وقصر مشيد ونهر مطرد .. وفاكهة نضيجة .. وزوجة حسناء جميلة .. وحلل كثيرة في مقام أبداً، في حبرة ونضرة، في دور عالية سليمة بهية تتراءى لأهلها كما يتراءى الكوكب الدري الغائر في الأفق.
قال تعالى: (تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[السجدة 16، 17]
و تأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس و كيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقوموا إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ).
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لشجرة، يسير الركب في ظلها مائة سنة، واقرؤوا إن شئتم:{وظل ممدود} .
(حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها).
(حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرُهُ لَطَمَسَ ضَوْءَ الشَّمْسِ كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ.
[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(اطَّلَعَ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ أَشْرَفَ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا.
(فَبَدَا) أَيْ ظَهَرَ
(أَسَاوِرُهُ) جَمْعُ أَسْوِرَةٍ جَمْعِ سِوَارٍ، وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَسَاوِرِهِ.
(لَطَمَسَ) أَيْ مَحَا ضَوْءُ أَسَاوِرِهِ.
(ضَوْءَ الشَّمْسِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الجنة بناؤها لبنة من فضة و لبنة من ذهب ومِلاطُها المسك الأذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللؤلؤ والياقوت و تربتها الزعفران من يدخلها ينعم لا يبأس و يخلد لا يموت لا تبلى ثيابهم و لا يفنى شبابهم.
اللَّبِنَة: واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها الجِدَار.
الملاط: الطين الذي يكون بين اللبنتين، أو التراب الذي يخالطه الماء.
الأذفر: ذو الرائحة القوية الفواحة.
الحصباء: الحجارة الصغيرة.
الياقوت: حجر كريم من أجود الأنواع وأكثرها صلابة بعد الماس، خاصة ذو اللون الأحمر.
[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(الجنة بناؤها لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) أَيْ بِنَاؤُهَا مُرَصَّعٌ مِنْهُمَا
(وَمِلَاطُهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مَا بَيْنَ اللَّبِنَتَيْنِ مَوْضِعُ النُّورَةِ، فِي النِّهَايَةِ: الْمِلَاطُ الطِّينُ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ سَاقَتَيِ الْبِنَاءِ يُمَلَّطُ بِهِ الْحَائِطُ أَيْ يُخْلَطُ.
(الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ) أَيِ الشَّدِيدُ الرِّيحِ.
(وَحَصْبَاؤُهَا) أَيْ حَصْبَاؤُهَا الصِّغَارُ الَّتِي فِي الْأَنْهَارِ قَالَهُ الْقَارِي. وَقَالَ صَاحِبُ أَشِعَّةِ الجزء السابع اللُّمَعَاتِ: أَيْ حَصْبَاؤُهَا الَّتِي فِي الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا. قُلْتُ: الظَّاهِرُ هُوَ الْعُمُومُ
(اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ) أَيْ مِثْلُهَا فِي اللَّوْنِ وَالصَّفَاءِ
(وَتُرْبَتُهَا) أَيْ مَكَانَ تُرَابِهَا
(الزَّعْفَرَانُ) أَيِ النَّاعِمُ الْأَصْفَرُ الطَّيِّبُ الرِّيحِ فَجَمَعَ بَيْنَ أَلْوَانِ الزِّينَةِ وَهِيَ الْبَيَاضُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَيَتَكَمَّلُ بِالْأَشْجَارِ الْمُلَوَّنَةِ بِالْخُضْرَةِ. وَلَمَّا كَانَ السَّوَادُ يَغُمُّ الْفُؤَادَ خُصَّ بِأَهْلِ النَّارِ.
(مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ) بِفَتْحِ وَسَطِهِمَا فِي الْقَامُوسِ: الْبَأْسُ الْعَذَابُ وَالشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ بَؤُسَ كَكَرُمَ بَأْسًا وَبَئِسَ كَسَمِعَ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ
(يَخْلُدُ) أَيْ يَدُومُ فَلَا يَتَحَوَّلُ عَنْهَا
(ولَا يَمُوتُ) أَيْ لَا يَفْنَى بَلْ دَائِمًا يَبْقَى
(َلَا تَبْلَى) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ أَيْ لَا تَخْلَقُ وَلَا تَتَقَطَّعُ
(ثِيَابُهُمْ) وَكَذَا أَثَاثُهُمْ
(وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ) أَيْ لَا يَهْرَمُونَ وَلَا يُخَرِّفُونَ وَلَا يُغَيِّرُهُمْ مُضِيُّ الزَّمَانِ قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَنَّةَ دَارُ الثَّبَاتِ وَالْقَرَارِ وَأَنَّ التَّغَيُّرَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا فَلَا يَشُوبُ نَعِيمَهَا بُؤْسٌ وَلَا يَعْتَرِيهِ فَسَادٌ وَلَا تَغْيِيرٌ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ الْأَضْدَادِ وَمَحَلَّ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ.
(حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة ضوء وجوههم على مثل ضوء القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على مثل أحسن كوكب دري في السماء لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من ورائها.
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لغدوةٍ في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها وَلَقَاب قَوْسِ أحدكم أو موضع قده في الجنة خير من الدنيا و ما فيها ولو اطَّلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ولأضاءت ما بينهما و لنصيفها على رأسها خير من الدنيا و ما فيها.
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها) جمع كم بالكسر وعاء الطلع قال عبيد بن عمير: هي شجرة في جنة عدن في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل دار وغرفة لم يخلق اللّه لوناً ولا زهرة إلا فيها منها إلا السواد ولا يخلق اللّه فاكهة ولا ثمرة إلا فيها منها ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل كل ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح اللّه بأنواع التسبيح. انتهى.
(أخي الحبيب:
هل يعقل أن يدرك عقل المرء هذا النعيم ثم يزهد فيه؟ هذا داعي الخير يناديك .. ويحرك فيك نشاط التنافس والمسارعة قال تعالى: (وَسَارِعُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ)[آل عمران: 133]
فسارع إلى المغفرة والملك العظيم. فقد دعاك البشير ..
(ولله درُ من قال:
يا طالب الدنيا الدنية إنها
…
شرك الردى وقرارة الأقذار
دار متى ما أضحكت في يومها
…
أبكت غداً تبا ًلها من دار