الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً)[الإنسان: 20]
[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
وقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ} أي: وإذا رأيت يا محمد، {ثَمَّ} أي: هناك، يعني في الجنة ونعيمها وسَعَتها وارتفاعها وما فيها من الحَبْرَة والسرور،
{رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} أي: مملكةً لله هُناك عظيمةً وسلطانًا باهرًا.
وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا إليها: إن لك مثلَ الدنيا وعشرة أمثالها. انتهى.
وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً، رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربي وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو: إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر مني، أو: تضحك مني وأنت الملك). فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، وكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة.
(ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة:
(حديث جابر رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأَكُلُ أَهْلُ الْجَنّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ. وَلَا يَتَغَوّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَبُولُونَ. وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ. يُلْهَمُونَ التّسْبِيحَ والتكبير كَمَا يُلْهَمُونَ النّفَسَ".
(تزاور أهل الجنة ومراكبهم:
(أولاً تزاور أهل الجنة:
إن أهل الجنة يتزاورون فيما بينهم، ويتذاكرون ما كان بينهم في الدنيا ويتحدثون، ويسأل بعضهم بعضاً عن أحوال ٍكانت لهم في الدنيا، حتى تصل بهم المحادثة والمذاكرة إلى أن قال قائلٌ منهم: إني كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث والدار الآخرة، ثم يقول لإخوانه في الجنة: هل أنتم مطلعون في النار لننظر إلى منزلته وما صار إليه؟ فيطّلع فإذا بقرينه في وسط الجحيم قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)[الصافات/50، 61]
وَيَأْخُذُ أَهْلُ الجِنَّةِ، وَهُمْ فِي جلْسَتِهِمْ تِلْكَ، فِي تَجَاذُبِ أَطْرَافِ الحَدِيثِ، وَيَتَنَاوَلُونَ فِي أَحَادِيِثِهِمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا.
قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ الذِينَ يَتَحَادَثُونَ: إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ (قَرِينٌ) مُشْرِكٌ فِي الدُّنْيَا يَلُومُ المُؤْمِنِينَ عَلَى إِيْمَانِهِمْ بِالحَشْرِ والحِسَابِ، وَيَسْخَرُ مِنْهُمْ.
وَيَقُولُ لِصَدِيقِه المُؤْمِنِ: هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ والجَزَاءِ؟
وَيَقُولُ مُتَعَجِّباً: هَلْ إِذَا أَصْبَحْنَا تُراباً وَعِظَاماً نِخْرَةً، سَنُبَعَثُ لِنُحَاسَبَ عَلَى أَعْمَالِنَا وَنُجْزَى بِهَا؟ إِنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أبداً.
وَيَقُولُ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ الجَالِسِينَ مَعَهُ فِي رِحَابِ الجَنَّةِ: هَلْ تَوَدُّونَ أَنْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الجَحِيمِ، لَتَرَوْا عَاقِبَةَ أَمْرِ هَذَا القَرِينِ الكَافِرِ؟
فَاطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ النَّارِ، فَرَأى قَرِينَهُ وَسَطَ الجَحِيمِ، يَتَلَظَّى بِلَهِيبِها.
فَقَالَ المُؤْمِنُ لِقَرينِهِ المُشْرِكِ مُوَبِّخاً وَمُقَرِّعاً: لَقَدْ كِدْتَ أَنْ تهْلِكَنِي لَوْ أَنَّني أَطَعْتُكَ فِي كُفْرِكَ وِعِصْيَانِكَ.
وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيَّ، لَكُنْتُ مِثْلَكَ مُحْضَراً فِي العَذَابِ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ، وَلَكِنَّ رَحْمَتَهُ تَعَالَى أَنْقَذَتْني مِنْ سُوءِ العَاقِبَةِ، إِذْ هَدَانِي اللهُ إِلَى الإِيْمَانِ.
ثُمَّ التَفَتَ المُؤْمِنُ إِلى جُلَسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَقَالَ لَهُمْ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الكَافِرِ، لِيَزِيدَ فِي ألَمِهِ وَحَسْرَتِهِ وَعَذَابِهِ: هَلْ نَحْنُ مُخَلَّدُونَ فِي الجَنَّةِ، مُنعَّمُونَ فِيهَا، لَا نَمُوتُ، وَلَا تَزُولُ نِعَمُهَا عَنَّا؟
وَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَاّ مَوْتَتَنَا الأُوْلَى، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ؟ فَقِيلَ لَهُ: لَا.
فَقَالَ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ وَجُلَسَائِهِ: إِنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيم، مَعَ مَا يَتَمَتَعُّونَ بِهِ مِنَ المَآكِلِ والمَشَارِب والملَذَّاتِ، هُوَ الفَوْزُ العَظيمُ، وَالنَّجَاةُ مِمَّا كُنَّا نَحْذَرُهُ مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى.
عَنِ الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ،،أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ:" كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟ " قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، فَقَالَ:" انْظُرْ مَا تَقُولُ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ " فَقَالَ: قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي، وَاطْمَأَنَّ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، فَقَالَ:" يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ " ، ثَلاثًا. (1)
(1) - المعجم الكبير للطبراني - (ج 3 / ص 430)(3289) صحيح لغيره