الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حديث حنظلة بن الربيع الأُسيدي الثابت في صحيح مسلم) قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك؟ قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات.
(من أعظم الغبن أن تبيع الجنة بالدنيا الفانية:
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح:
ولما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا، إليه وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه، ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبد لا يزول ولا ينفذ بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما أحزن شهورا ألآمه تزيد على لذاته وأحزانه أضعاف مسراته أوله مخاوف وآخره متآلف، فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها السموات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار وأبكارا عُرُبا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذراتٍ دنسات سيآت الأخلاق مسالخات أو متخذات أخذان وحورا مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام وأنهارا من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، ويوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد، ونداء المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين، وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة، وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسر والندامة، إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا، ونادى المنادي على رؤوس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولي بالكرم من بين العباد، فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر «لَعَلِمَ أي بضاعة أضاع وأنه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع» وعلم أن القوم قد توسطوا ملكا كبيرا لا تعترية الآفات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال فهم في روضاتِ الجنة يتقلبون، وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون، وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون، يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب
وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون، وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون، يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون، تالله لقد نودي عليها في سوق الكساد فما قلب ولا أسنام! إلا أفراد من العباد فوا عجبا لها كيف نام طالبها وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها، وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قَرَّ للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها، وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين، وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين، وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين.
ثم ذكر الإمام ابن القيم أروع قصيدةٍ في وصف الجنة:
وما ذاك إلا غيرة أن ينالها
…
سوى كفئها والرب بالخلق أعلم
وإن حجبت عنا بكل كريهة
…
وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم
فلله ما في حشوها من مسرة
…
وأصناف لذات بها يتنعم
ولله برد العيش بين خيامها
…
وروضاتها والثغر في الروض يبسم
ولله واديها الذي هو موعد أل
…
مزيد لوفد الحب لو كنت منهم
بذيالك الوادى يهيم صبابة
…
محب يرى أن الصبابة مغنم
ولله أفراح المحبين عندما
…
يخاطبهم من فوقهم ويسلم
ولله أبصار تري الله جهرة
…
فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم
فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة
…
أمن بعدها يسلو المحب المتيم
ولله كم من خيرة إن تبسمت
…
أضاء لها نور من الفجر أعظم
فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت
…
ويا لذة الأسماع حين تكلم
ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت
…
ويا خجلة الفجرين حين تبسم
فإن كنت ذا قلب عليل بحبها
…
فلم يبق إلا وصلها لك مرهم
ولا سيما في لثمها عند ضمها
…
وقد صار منها تحت جيدك معصم
تراه إذا أبدت له حسن وجهها
…
يلذ به قبل الوصال وينعم
تفكه منها العين عند اجتلائها
…
فواكه شتى طلعها ليس يعدم
عناقيد من كرم وتفاح جنة
…
ورمان أغصان به القلب مغرم
وللورد ما قد ألبسته خدودها
…
وللخمر ما قد ضمه الريق والفم
تقسم منها الحسن في جمع واحد
…
فيا عجبا من واحد يتقسم
لها فرق شتى من الحسن أجمعت
…
بجملتها إن السلو محرم
تذكر بالرحمن من هو ناظر
…
فينطق بالتسبيح لا يتلعثم
إذا قابلت جيش الهموم بوجهها
…
تولى على أعقابه الجيش يهزم
فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبا
…
فهذا زمان المهر فهو المقدم
ولما جرى ماء الشباب بغصنها
…
تيقن حقاً أنه ليس يهرم
وكن مبغضا للخائنات لحبها
…
فتحظى بها من دونهن وتنعم
وكن أيما ممن سواها فإنها
…
لمثلك في جنات عدن تايم