الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وصف الحور العين:
أما نساء الجنة فأعظم بجمالهن، فإنهن محورات العيون ملألآت الخدود، تكسوهن النضرة، ويملؤهن الجمال، أخاذات بنظراتهن، ساحرات بحسنهن، قاصرات بطرفهن، قد تمازج بياض عيونهن بالسواد، وبياض أبدانهن بالنعومة، فهيا بنا نتعرف على نساء الجنة .. ونلمح شيئا ًمن جمالهن وحسنهن، ورقتهن وحور عيونهن، فرُبَّ متفكر في حور الجنة صرعه تفكيره .. فلم يزل يتقلب بين منازل التوبة والتقرب إلى الله حتى لاقاه الله بهن في نعيمه المقيم وأنعم به من لقى، و لقد وصف الله تعالى الحور العين بأوصافٍ عظيمة تجعل كلَ مُشَمِّرٍ للجنة تشرئب عُنُقُه طلباً لها ومن هذه الأوصاف ما يلي:
(1)
أَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ:
قال تعالى: (وَبَشّرِ الّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رّزْقاً قَالُواْ هََذَا الّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: 25]
فتأمل جلالة المبشر ومنزلته وصدقه وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة وقدر ما بشرك به وضمنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات وما فيها من الأنهار والثمار ونعيم النفس بالأزواج المطهرة ونعيم القلب وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه، والأزواج جمع زوج والمرأة زوج للرجل وهو زوجها هذا هو الأفصح وهو لغة قريش وبها نزل القرآن كقوله تعالى:(وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ)[البقرة: 35] ومن العرب من يقول زوجة وهو نادر لا يكادون يقولونه،
(وأما المطهرة «من طهرت من الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكل قذر وكل أذى يكون من نساء الدنيا» وطهر مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة وطهر لسانها من الفحش والبذاء، وطهر طرفُها من أن تطمح به إلى غير زوجها وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ.
[*] (قال ابن عباس رضي الله عنهما: مطهرة لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن، وقال ابن عباس أيضا مطهرة من القذر والأذى.
وقال مجاهد: لا يبلن ولا يتغوطن ولا يمذين ولا يمنين ولا يحضن ولا يبصقن ولا يتنخمن ولا يلدن.
وقال قتادة: مطهرة من الإثم والأذى طهرهن الله سبحانه من كل بول وغائط وقذر ومأثم.
(2)
حورٌ عين:
قال تعالى: (وَزَوّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ)[الدخان: 54]
فجمع لهم بين حسن المنزل وحصول الأمن من كل مكروه واشتماله على الثمار والأنهار وحسن اللباس وكمال العشرة لمقابلة بعضهم بعضا وتمام اللذة بالحور العين ودعائهم بجميع أنواع الفاكهة مع أمنهم من انقطاعها ومضرتها وغائلتها وختام ذلك أعلمهم بأنهم لا يذوقون فيها هناك موتاً.
مسألة: ما معنى الحور العين؟
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح:
الحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين وقال زيد بن أسلم الحوراء التي يحار فيها الطرف.
وعين: حسان الأعين قال القرطبي: العين جمع عيناء، وهي الواسعة العظيمة العينين (1).
وقوله (زوجناهم) يفهم منها معنيان: الأول: جعلناهم أزواجاً اثنين اثنين.
الثاني: قرناهم بهن، وليس من عقد التزويج، لأن العرب تقول: تزوجتها ، ولا تقول: تزوجت بها، وقيل: بل هي لغة تميم فهم يقولون: تزوجت بامرأة.
والظاهر- والله أعلم- أن الآية تحمل المعنيين معًا، فلفظ التزويج يدل على النكاح، و (الباء) تدلُّ على الاقتران والضم، وهذا أبلغ من حذفها.
(3)
قَاصِرَاتُ الطّرْفِ:
وقال تعالى: (فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَآنّ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * كَأَنّهُنّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)[الرحمن 56: 58] وصفهن سبحانه بقصر الطرف في ثلاثة مواضع:
أحدها هذا الموضع.
والثاني: قوله تعالى في الصافات: (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ عِينٌ)[الصافات: 48]
والثالث: قوله تعالى في ص: (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ أَتْرَابٌ)[ص: 52]
والمفسرون كلهم على أن المعنى قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى.
[*] (أورد ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح عن الحسن قال قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم والله ما هن متبرجات ولا متطلعات وقال منصور عن مجاهد قصرن أبصارهن وقلوبهن و أنفسهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم.
مسألة: ما معنى أتراب؟
قال ابن عباس وسائر المفسرين: مستويات على سن واحد وميلاد واحد وبنات ثلاث وثلاثين سنة.
وقال مجاهد: أتراب أمثال.
(4)
لَمْ يَطْمِثْهُنّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَآنّ:
(1) - تفسير القرطبي: (16/ 120)
وقوله تعالى (لَمْ يَطْمِثْهُنّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَآنّ) قال أبو عبيدة لم يمسهن، يقال ما طمث هذا البعير حبل قط أي ما مسه، وقال يونس تقول العرب هذا جمل ما طمثه حبل قط أي ما مسه، وقال الفراء الطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية.
(5)
مّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ:
وقال تعالى في وصفهن (حُورٌ مّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)[الرحمن: 72]
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح:
المقصورات: المحبوسات.
قال أبو عبيدة خدرن في الخيام وكذلك قال مقاتل وفيه معنى آخر وهو أن يكون المراد أنهن محبوسات على أزواجهن لا يرون غيرهم وهم في الخيام وهذا معنى قول من قال قصرن على أزواجهن فلا يردن غيرهم ولا يطمحن إلى من سواهم وذكره الفراء.
قلت: وهذا معنى قاصرات الطرف ولكن أولئك قاصرات بأنفسهن وهؤلاء مقصورات وقوله في الخيام على هذا القول صفة لحور أي هن في الخيام وليس معمولا لمقصورات وكأن أرباب هذا القول فسروا بان يكن محبوسات في الخيام وليس لا تفارقنها إلى الغرف والبساتين و أصحاب القول الأول يجيبون عن هذا بأن الله سبحانه وصفهن بصفات النساء المخدرات المصونات وذلك أجمل في الوصف ولا يلزم من ذلك أنهن لا يفارقن الخيام إلى الغرف والبساتين كما أن النساء الملوك ودونهم من النساء المخدرات المصونات لا يمنعن أن يخرجن في سفر و غيره إلى منتزه وبستان ونحوه فوصفهن اللازم لهن القصر في البيت ويعرض لهن مع الخدم الخروج إلى البساتين ونحوها و أما مجاهد فقال مقصورات قلوبهن على أزواجهن في خيام اللؤلؤ وقد تقدم وصف النسوة الأول بكونهن قاصرات الطرف وهؤلاء بكونهن مقصورات والوصفان لكلا النوعين فانهما صفتا كمال فتلك الصفة قصر الطرف عن طموحه إلى غير الأزواج وهذه الصفة قصر الرجل على التبرج والبروز والظهور للرجال.
(6)
خَيْرَاتٌ حِسَانٌ:
وقال تعالى: (فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ)[الرحمن: 70]
فالخيرات جمع خيرة وهي مخففة من خيره كسيدة ولينة وحسان جمع حَسَنَة فهن خيرات الصفات والأخلاق والشيم وحسان الوجوه.
[*] (أورد ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح عن ابن مسعود قال لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليها في كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة لم تكن قبل ذلك لا ترحات ولا ذفرات ولا بخرات ولا صماحات.
(7)
أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً:
وقال تعالى: (إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لَاِصْحَابِ الْيَمِينِ)[الواقعة 35: 38]
[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ} أي: أعدناهن في النشأة الآخرة بعدما كُنَّ عجائز رُمْصًا، صرن أبكارًا عربًا، أي: بعد الثّيوبة عُدْن أبكارًا عُرُبًا، أي: متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة.
وقال بعضهم: {عُرُبًا} أي: غَنِجات.
وقوله: {عُرُبًا} قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: يعني متحببات إلى أزواجهن، ألم تر إلى الناقة الضبعة، هي كذلك.
وقال الضحاك، عن ابن عباس: العُرُب: العواشق لأزواجهن، وأزواجهن لهن عاشقون.
وقوله: {أَتْرَابًا} قال الضحاك، عن ابن عباس يعني: في سن واحدة، ثلاث وثلاثين سنة.
وقال مجاهد: الأتراب: المستويات. وفي رواية عنه: الأمثال. وقال عطية: الأقران. وقال السدي: {أَتْرَابًا} أي: في الأخلاق المتواخيات بينهن، ليس بينهن تباغض ولا تحاسد، يعني: لا كما كن ضرائر [في الدنيا] ضرائر متعاديات.
(حديث الحسن الثابت في مختصر الشمائل المحمدية وحسنه الألباني) قال: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة. فقال: يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز). قال: فولت تبكي. فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول:(إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً)
مسألة: هل يفضي الرجل إلى زوجته من الحور العين؟
قال تعالى: (إِنّ أَصْحَابَ الْجَنّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ)[يس: 55]
قال الحسن البصري: وإسماعيل بن أبي خالد: {فِي شُغُلٍ} عما فيه أهل النار من العذاب.
[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
قال عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المُسَيّب، وعِكْرِمَة، والحسن، وقتادة، والأعمش، وسليمان التيمي، والأوزاعي في قوله:{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} قالوا: شغلهم افتضاض الأبكار.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أنه قال له: أَنَطأ في الجنة؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده دَحْمًا دحمًا، فإذا قام عنها رَجَعتْ مُطهَّرة بكرًا.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) قال: قيل: يا رسول الله، هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ قال: "إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء.
[*](أورد ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه حادي الأرواح عن سعيد بن جبير ان شهوته لتجري في جسده سبعين عاما يجد اللذة ولا يلحقهم بذلك جنابة فيحتاجون إلى التطهير و لا ضعف و لا انحلال قوة بل وطئهم وطء التذاذ و نعيم لا آفة فيه بوجه من الوجوه وأكمل الناس فيه أصونهم لنفسه في هذه الدار عن الحرام فكما أن من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة و من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة و من أكل في صحاف الذهب و الفضة في الدنيا لم يأكل فيها في الآخرة كما قال النبي أنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة فمن استوفى طيباته و لذاته و أذهبها في هذه الدار حرمها هناك كما نعى سبحانه و تعالى على من أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها و لهذا كان الصحابة ومن تبعهم يخافون من ذلك أشد الخوف، و ذكر الامام احمد عن جابر بن عبد الله انه رآه عمر و معه لحم قد اشتراه لأهله بدرهم فقال ما هذا قال لحم اشتريته لأهلي بدرهم فقال أو كلما اشتهى أحدكم شيئا اشتراه أما سمعت الله تعالى يقول (أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا)[الأحقاف: 20] و قال الإمام احمد حدثنا عفان حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا الحسن قال قدم وفد أهل البصرة مع ابي موسى على عمر فكنا ندخل عليه كل يوم و له خبز ثلاثة و ربما وافقناها مأدومة بالسمن وربما وافقناها مأدومة بالزيت وربما وافقناها مأدومة باللبن وربما وافقناها القلائد اليابسة قد دقت ثم أغلى بها و ربما وافقناها اللحم العريض و هو قليل فقال ذات يوم إني و الله قد أرى تقذيركم و كراهيتكم لطعامي إني و الله لو شئت لكنت من أطيبكم طعاما و أرقكم عيشا و لكني سمعت رسول الله يقول عُيِّرَ قوما بأمر فعلوه (أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون و من استوفاها هنا حرمها هناك أو نقص كمالها فلا يجعل الله لذة من أوضع في معاصيه و محارمه كلذة من ترك شهوته لله أبدا و الله اعلم. انتهى.
حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الأكل و الشرب و الشهوة و الجماع حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده فإذا بطنه قد ضمر.
(8)
كَوَاعِبَ أَتْرَاباً:
وقال تعالى: (إِنّ لِلْمُتّقِينَ مَفَازاً * حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً)[النبأ 31: 33]
[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
(وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) أي: وحورًا كواعب. قال ابن عباس ومجاهد، وغير واحد:{كواعب} أي: نواهد، يعنون أن ثُدُيَّهن نواهد لم يتدلين لأنهن أبكار عُرُب أتراب، أي: في سن واحدة، كما تقدم بيانه في سورة "الواقعة".
(9)
كَأَنَّهُنَّّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ:
وصفهن الله تعالى بالصفاء، فقال تعالى:(كَأَنَّهُنَّّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ){الرحمن:58} قال المفسرون: أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان.
(حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة ضوء وجوههم على مثل ضوء القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على مثل أحسن كوكب دري في السماء لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من ورائها.
والسنة الصحيحة طافحةٌ بوصف الحور العين منها ما يلي:
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم، أو موضع قدم من الجنة، خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها ـ يعني الخمار ـ خير من الدنيا وما فيها.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، ولا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا.
(حديث أبي سعيد رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة ضوء وجوههم على مثل ضوء القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على مثل أحسن كوكب دري في السماء لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من ورائها.
(9)
غناء الحور العين و ما فيه من الطرب و اللذة:
ونساء الجنة، مع زهو جمالهن ورقة أبدانهن ونعومة شكلهن وسحرهن وحسنهن ومع ما تحلين به من دماثه الأخلاق وحسن العشرة، قد وهبن من الأصوات أحسنها و من الأغاني أعذبها وأطربها، قال تعالى:(وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرّقُونَ * فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)[الروم 14: 15]
[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} : قال قتادة: هي ـ والله ـ الفرقة التي لا اجتماع بعدها، يعني: إذا رفع هذا إلى عليين، وخفض هذا إلى أسفل السافلين، فذاك آخر العهد بينهما؛ ولهذا قال:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} قال مجاهد وقتادة: ينعمون.
وقال يحيى بن أبي كثير: يعني سماع الغناء. انتهى.
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحور العين لتغنين في الجنة يقلن: نحن الحور الحسان خبئنا لأزواج كرام.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب موقوفا) قال: إن في الجنة نهراً طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأحسن أصوات يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن في الجنة لذة مثلها، قلنا يا أبا هريرة وما ذاك الغناء؟ قال إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب عز وجل.
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان، و إن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنه.
الظعن: الارتحال والسفر
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(إن أزواج أهل الجنة) زاد في رواية من الحور
(ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط) أي بأصوات حسان ما سمع في الدنيا مثلها أحد قط، وتمام الحديث وإن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام وفي رواية وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنه انتهى.
(أخي الحبيب:
إنَّ من أجلِّ نعم الله في الجنة الحور العين وجوههن جمعت الجمال الباطن والظاهر من جميع الوجوه، في الخيام مقصورات، وللطرف قاصرات، لا يفنى شبابها، لا يبلى جمالها، ولو اطلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً، وعطراً، وشذاً، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ما في النجوم من ضياء، راضيات لا يسخطن أبداً.
ناعمات لا يبأسن أبداً، خالدات لا يمتن أبداً، جميلة حسناء، بكر عذراء كأنها الياقوت، كلامها رخيم، وقدها قويم، وشعرها بهيم، وقدرها عظيم، وجفنها فاتر، وحسنها باهر، وجمالها زاهر، ودلالها ظاهر.
كحيلٌ طرفها
…
عذبٌ نُطقُها
عجبٌ خلقها
…
حسنٌ خُلُقُها
كثيرة الوداد عديمة الملل، أيها الاخوة جمالها لا تتخيله العيون، ورائحتها، وملبسها، وجمال كلامها لا يخطر على قلب. فتعلم هناك - وهناك فقط - أن فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفي لحظات الجنان وبينما ذلك المؤمن ينعم ويمشي على بساط الجنة متنقلاً ما بين حدائقها، وخيامها، وأنهارها وإذا به ينظر نظرة أخرى لذلك القصر المشيد بأنواره المتلألئة وخضرته الناظرة، عندها يبشر المؤمن أن أقبل، فهذا قصرك، وداخله زوجتك تنتظرك منذ أن كنت في الدنيا، فينطلق إليها وتنطلق إليه في أجمل زفاف بينهم، السندس والإستبرق لباسهما، والذهب واللؤلؤ أساورهما، فتقبل إليه ونصيفها على كتفها خير من الدنيا وما فيها، فيعانق الحبيبان عناقاً لا تمله ولا يملها، ويجلسان في ظل ظليل بين الأشجار والرياحين، ومن حولهم أكواب موضوعة فيتبادلان كؤوس الرحيق المختوم، والتنسيم، والسلسبيل، وكأس من خمر لذة للشاربين، فيجلسان على تلكم البسط الحسان، ويتكئان على تلكم الوسائد المصفوفة، وتتوالى عليهم ومن بينهم المسرات، والخيرات، والإحسان، والمكرمات فيقولون: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:34]. إنه عرس زفاف في هدوء ورضا يغمره السلام، والإطمئنان، والود، والأمان، ويبلغهم ربهم السلام: سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ. [يس:58] والملائكة يقولون لهم: سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24]. في هذا الجو العابق وهم على الأرائك متكئون يرون أنهار الجنان تتدفق من بينهم، أنهار، من ماء ولبن، وأنهار من عسل مصفى، وأنهار من خمر لذة للشاربين. يرون فاكهة كثيرة فيأكلون، ولحم طير مما يشتهون فيتلذذون.
فأبدانهم متنعمة بالجنان، والأنهار، والثمار، وقلوبهم متنعمة بالخلود والدوام في جنة الرحمن.
بعد ذلك تطيب الجلسة بينهم على ضفاف أنهار العسل فيتبادلان أجمل الأحاديث والذكريات في حب ونظرات وأترككم مع ابن الجوزي، ليصف لكم جلسته وحديثه فيقول: إن الحور العين تقول: لولي الله وهو متكيء على نهر العسل وهي تعطيه الكأس وهما في نعيم وسرور أتدري يا حبيب الله متى زوجني الله إياك؟ فيقول: لا أدري، فتقول: نظر إليك في يوم شديد حره وأنت في ظمأ الهواجر فباهى بك الملائكة وقال: انظروا يا ملائكتي إلى عبدي، ترك شهوته، ولذته وزوجته وطعامه وشرابه، رغبة فيما عندي، أشهدكم أني قد غفرت له. فغفر لك يومئذ وزوجني إياك.
فيا سبحان الله بصيام يوم شديد حره يتلذذ ذلك المؤمن وزوجته على ضفاف أنهار العسل، فهذا زفت عروسه لصيامه، وآخر لخشيته لربه وإشفاقه، وتُزفُّ العروس لأصحاب القلوب المتعلقة بالمساجد، تُزفُّ العروس للمنفقين سراً وجهراً، تُزفُّ العروس أيها الإخوة للذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، تُزفُّ العروس لأهل القرآن الذين يرتقون في الجنان، تُزفُّ العروس للذين هم لفروجهم حافظون، ولأماناتهم وعهدهم راعون، تُزفُّ العروس لعيون طالما نفرت دموعها خشية من ربها، تُزفُّ لأجساد وقلوب وهبت نفسها لله، تُزفُّ لأهل التوبة والإستغفار، تُزفُّ العروس للعفيف المتعفف، والضعيف المتضعف، والمتواضع ذي الطمرين المدفوع بالأبواب، تُزفُّ العروس لتارك المراء ولو كان محقاً، وتارك الكذب ولو كان مازحاً، تُزفُّ لمن حسن خلقه، وكظم غيظه، وعفا عمّن ظلمه، تُزفُّ لمن أفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام، الله أكبر أهل الجنان والحور أقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين: وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43]
فيا خاطبَ الحسناءِ إن كنتَ باغياً
…
فهَذا زمانُ المهرِ فهو المقدمُ
وكن مبغضاً للخائنات لحبها
…
فتَحظى بها من دونهن وتنعمُ
وصم يومك الأدنى لعلك في غد
…
تفوزُ بعيدِ الفطرِ والناس صومُ
(واعلم أخي الحبيب: أن هذا النعيم لا ينال إلا بالجد في طاعة الله، وتقديم مراده على مراد النفس، بأداء الصلوات والذكر في الخلوات، والقيام في الظلمات.
[*] (قال مالك بن دينار: كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة، فنمت ذات ليلة، فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن وجمال وبيدها رقعة فقالت أتحسن أن تقرأ؟ فقلت: نعم. فدفعت إلي الرقعة، فإذا مكتوب هذه الأبيات:
لهاك النوم عن طلب الأماني
…
وعن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلداً لا موت فيها
…
وتلهو في الخيام مع الحسان
تنبه في منامك إن خيراً
…
من النوم التهجد بالقرآن
كلنا نريد أن تُزفَّ إلينا تلك العروس فلماذا تضيع من بين أيدينا بلذة ساعة ومتاع دنيا؟
محرومٌ محرومٌ من شرب الخمر في الدنيا وحرم نفسه شربها مع زوجته في الجنة، محرومٌ محرومٌ من انتهك الأعراض بالزنا وحرم نفسه التلذذ بالحور بالآخرة، محرومٌ محرومٌ من استمع إلى الغناء في الدنيا وحرم نفسه سماع غناء الأشجار مع زوجته في الجنان.
[*] قال ابن عمر رضي الله عنهما: والله لا ينال أحداً من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجاته عند الله وإن كان عنده كريم.
[*] ويقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: بقدر صعود الإنسان في الدنيا تنزل مرتبته في الآخرة، وقبل ذلك يقول ربنا عز وجل: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً [الإسراء:19،18]
(أخي الحبيب: الحور الحسان في الجنان تزفُّ إلى أفضل زوج لها بعد الأنبياء والصديقين إنه من باع نفسه من أجل الله، صاحب الدماء الطاهرة ذات الرائحة الزكية، إلى ذلك الرجل الذي يقبل على ربه بدمه الملون لون الدم، والريح ريح المسك، إنه الشهيد في سبيل الله تلكم العيون التي باتت تحرس وتجاهد في سبيل الله حتى بلغت المراد والمنى، ولن يجفّ دم شهيد حتى تتمتع عيناه بالحور الحسان.
(أخي الحبيب:
إليك هذه القصة: في البصرة كان هناك نساء عابدات، وكان من بينهن أم إبراهيم الهاشمية توفي زوجها الصالح وترك لها إبراهيم فربّته أفضل تربية، حتى نشأ نشأة صالحة حتى أنَّ ولاة البصرة يتمنونه زوجاً لبناتهم، وفي يوم من الأيام أغار العدو على ثغر من ثغور الاسلام، فقام عبد الواحد بن زيد البصري خطيباً بالناس يحثهم على الدفاع عن الإسلام، وكانت أم إبراهيم تستمع إلى كلامه، وأخذ عبد الواحد يصف الحور الحسان فقال:
غادة ذات دلالٍ ومرح
…
يجد التائه فيها ما اقترح
زانها الله بوجهٍ جمعت
…
فيه أوصاف غريبات الملح
بدأ يصف أكثر وأكثر، فماج الناس، وأقبلت أم إبراهيم فقالت له: يا أبي عبيد، أتعرف ولدي إبراهيم؟ رؤساء أهل البصرة يخطبونه لبناتهم، فأنا والله أعجبتني تلك الجارية، وأن أرضاها زوجاً لولدي فكرّرْ عليّ ما قلت من وصفها وجمالها، فقال عبد الواحد وزاد:
تولّد نورُ النُّور من نورِ وجهها
…
فمازج طيب الطيب من خالصِ العطرِ
فاشتاق الناس إلى الشهادة في سبيل الله، فقالت أم إبراهيم: يا أبا عبيد، هل لك أن تزوج إبراهيم تلك الجارية، فاتَّخذ مهرها عشرة آلاف دينار، ويخرج معك في هذه الغزوة، فلعل الله أن يرزقه الشهادة، فيكون شفيعاً لي ولأبيه يوم القيامة، فقال لها عبد الواحد: لأن فعلت لتفوزن أنت وزوجك فنادت ولدها إبراهيم من وسط الناس فقال لها لبيك يا أماه، فقالت: أي بني، أرضيت بهذه الجارية زوجة لك ببذل مهجتك في سبيل الله؟ فقال إبراهيم: أي والله يا أمي رضيت وأي رضا، فقالت: اللهم إني أشهدك أني قد زوجتُ ولدي هذا من هذه الحورية ببذل مهجته في سبيلك فتقبله مني يا أرحم الراحمين، ثم انصرفت فاشترت لولدها فرساً جيداً وسلاحاً، ثم خرج الجيش للقتال، وهم يرددون قول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ [التوبة:111]
فلما أرادت أم إبراهيم فراق ولدها أعطته كفناً وحنوطاً، وقالت له: أي بني إن أردت لقاء العدو فتكفّن بهذا الكفن وتحنّط بهذا الحنوط، وإياك أن يراك الله مقصراً في سبيله، ثم ضمّته إلى صدرها وقبّلته وقالت له: لا جمع الله بيني وبينك إلا بين يديه في عرصات القيامة، وارتحل الجيش، وودعت أم إبراهيم ولدها،
قال عبد الواحد: فلما واجهنا العدو برز إبراهيم في المقدمة، فقتل من العدو خلقاً كثيراً، ثم تجمعوا عليه فقتلوه، وكتب الله النصر للمسلمين، فلما رجع الجيش إلى البصرة غانماً منتصراً، خرج أهل البصرة يستقبلونهم، ومن بينهم أم إبراهيم ترقب ولدها فلما رأت عبد الواحد قالت له: يا أبا عبيد، هل قبل الله هديتي فأهنَّأ فقال: قد قبلت هديتك فخرّت ساجدة لله تعالى وقالت الحمد لله الذي لم يخيِّب ظنِّي وتقبَّل نسكي مني، فلمّا كان من الغد جاءت أم إبراهيم إلى عبد الواحد بن زيد فقالت: يا أبا عبيد رأيت البارحة إبراهيم في منامي في روضة حسناء، وعليه قبة خضراء، وهو على سرير من اللؤلؤ، وعلى رأسه تاجاً وإكليلاً، وهو يقول لي: يا أماه أبشري فقد قُبِل المهر، وزُفَّت العروس.
(أخي الحبيب:
هذه الحور الحسان، وهذه الجنان، وهذا سبيلها، فهل رأيتم أشد غبناً ممن يبيع الجنان العالية بحياة أشبه بأضغاث أحلام يبيع الحور بلذة قصيرة وأحوال زهيدة؟ أي سفه ممن يبيع مساكن طيبة في جنان عدن بأعطان ضيقة، وخراب بوار.
فيا حسرة هذا المتخلف حين يرى ركب المؤمنين سائرين الى الجنان، ويمنع من دخولها، عندها سوف يعلم أي بضاعة أضاع.
{تنبيه} : (إذا كانت نساء الدنيا زينةً ومحببّة ومشتهاةً وقد خلقن من تراب الأرض، وجعلهن الله فتنة الدنيا ولم يبلغن من حسن نساء أهل الجنة ذَرَّة، فكيف يتصوّر جمال وحسن وكمال صورة نساء أهل الجنة؟ وهذا فى الصورة، فما بال الخُلُق والأدب والمعاملة والمعاشرة وجمال الباطن؟
إن عيون البشر في الدنيا تطيق رؤية جمال ما خُلق من طين، أما فى الجنة فإن الله يجعل العيون ترى ما فوق يخطر ببال أو يدور في الخيال ، فلا يحجب الرؤية شيء هناك، فيرى ملكه كله في آن واحد، فيرى ما بَعُد كما يرى ما قَرُب، ويرى مُخَّ ساق المرأة من وراء كل ما تلبس من الحسن، فما من جمال أو نعيم له في الجنة إلا وهو يتمتع به في كل صوت، وكل صوت لذيذ، ويشم كل شيء، وكل شيء ريحه طيب، بلا اختلاط أو تزاحم خِلْقة لا تدرك الملل، في شغل فاكهون.
(الحور العين يطلبن أزواجهن أكثر مما يطلبهن أزواجهن:
(حديث مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تُؤْذِي امْرَأةٌ زَوْجَهَا فِي الدّنْيَا. إِلاّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لَا تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ الله، فَإِنّمَا هُوَ عِنْدَك دَخِيلٌ يُوشِكَ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا» .
(هل في الجنة حمل و ولادة:
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة) أي حدوثه له
(كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة) ويكون ذلك كله.
(كما يشتهي) من جهة القدر والشكل والهيئة وغيرها والمراد أن ذلك يكون إن اشتهى كونه لكنه لا يشتهي ذلك فلا يولد له فلا تعارض بينه وبين خبر العقيلي بسند صحيح إن الجنة لا يكون فيها ولد.
(مُلكُ الجنة و أن أهلها كلهم ملوك فيها: